1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ الأنعام: 121] .

  
   

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾
[ سورة الأنعام: 121]

القول في تفسير قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه


ولا تأكلوا -أيها المسلمون- من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها عند الذبح، كالميتة وما ذبح للأوثان والجن، وغير ذلك، وإن الأكل من تلك الذبائح لخروج عن طاعة الله تعالى. وإن مردة الجن لَيُلْقون إلى أوليائهم من شياطين الإنس بالشبهات حول تحريم أكل الميتة، فيأمرونهم أن يقولوا للمسلمين في جدالهم معهم: إنكم بعدم أكلكم الميتة لا تأكلون ما قتله الله، بينما تأكلون مما تذبحونه، وإن أطعتموهم -أيها المسلمون في تحليل الميتة- فأنتم وهم في الشرك سواء.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


ولا تأكلوا - أيها المسلمون - مما لم يُذكر اسم الله عليه، سواء ذُكِر عليه اسم غيره أو لا، وإن الأكل منه لخُروج عن طاعة الله إلى معصيته، وإن الشياطين ليُوسْوِسون إلى أوليائهم بإلقاء الشُّبَه ليجادلوكم في أكل الميتة، وإن أطعتموهم - أيها المسلمون - فيما يلقونه من الشُّبَه - لإباحة الميتة - كنتم أنتم وهم سواء في الشرك.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 121


«ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه» بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمدا أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي «وإنه» أي الأكل منه «لفسق» خروج عما يحل «وإن الشياطين ليوحون» يوسوسون «إلى أوليائهم» الكفار «ليجادلوكم» في تحليل الميتة «وإن أطعتموهم» فيه «إنكم لمشركون».

تفسير السعدي : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه


ويدخل تحت هذا المنهي عنه، ما ذكر عليه اسم غير الله كالذي يذبح للأصنام، وآلهتهم، فإن هذا مما أهل لغير الله به، المحرم بالنص عليه خصوصا.
ويدخل في ذلك، متروك التسمية، مما ذبح لله، كالضحايا، والهدايا، أو للحم والأكل، إذا كان الذابح متعمدا ترك التسمية، عند كثير من العلماء.
ويخرج من هذا العموم، الناسي بالنصوص الأخر، الدالة على رفع الحرج عنه، ويدخل في هذه الآية، ما مات بغير ذكاة من الميتات، فإنها مما لم يذكر اسم الله عليه.
ونص الله عليها بخصوصها، في قوله: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } ولعلها سبب نزول الآية، لقوله { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } بغير علم.
فإن المشركين -حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتةَ، وتحليله للمذكاة، وكانوا يستحلون أكل الميتة- قالوا -معاندة لله ورسوله، ومجادلة بغير حجة ولا برهان- أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله؟ يعنون بذلك: الميتة.
وهذا رأي فاسد، لا يستند على حجة ولا دليل بل يستند إلى آرائهم الفاسدة التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والأرض، ومن فيهن.
فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله وأحكامه، الموافقة للمصالح العامة والمنافع الخاصة.
ولا يستغرب هذا منهم، فإن هذه الآراء وأشباهها، صادرة عن وحي أوليائهم من الشياطين، الذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم، ويدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير.
{ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في شركهم وتحليلهم الحرام، وتحريمهم الحلال { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } لأنكم اتخذتموهم أولياء من دون الله، ووافقتموهم على ما به فارقوا المسلمين، فلذلك كان طريقكم، طريقهم.
ودلت هذه الآية الكريمة على أن ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف، التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم، لا تدل –بمجردها على أنها حق، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله.
فإن شهدا لها بالقبول قبلت، وإن ناقضتهما ردت، وإن لم يعلم شيء من ذلك، توقف فيها ولم تصدق ولم تكذب، لأن الوحي والإلهام، يكون الرحمن ويكون من الشيطان، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان، وبعدم التفريق بين الأمرين، حصل من الغلط والضلال، ما لا يحصيه إلا الله.

تفسير البغوي : مضمون الآية 121 من سورة الأنعام


قوله عز وجل : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : الآية في تحريم الميتات وما في معناها من المنخنقة وغيرها .
وقال عطاء : الآية في تحريم الذبائح التي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام .
واختلف أهل العلم في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها : فذهب قوم إلى تحريمها سواء ترك التسمية عامدا أو ناسيا ، وهو قول ابن سيرين والشعبي ، واحتجوا بظاهر هذه الآية .
وذهب قوم إلى تحليلها ، يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول مالك والشافعي وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين .
وذهب قوم إلى أنه إن ترك التسمية عامدا لا يحل ، وإن تركها ناسيا يحل ، حكى الخرقي من أصحاب أحمد : أن هذا مذهبه ، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي .
من أباحها قال : المراد من الآية الميتات أو ما ذبح على غير اسم الله بدليل أنه قال : ( وإنه لفسق ) والفسق في ذكر اسم غير الله كما قال في آخر السورة ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم ) إلى قوله ( أو فسقا أهل لغير الله به )واحتج من أباحها بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا أبو خالد الأحمر قال سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قالوا : يا رسول الله إن هنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا؟ قال : اذكروا أنتم اسم الله وكلوا " .
ولو كانت التسمية شرطا للإباحة لكان الشك في وجودها مانعا من أكلها كالشك في أصل [ الذبح ] .
قوله تعالى : ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ) أراد أن الشياطين ليوسوسون إلى أوليائهم من المشركين ليجادلوكم ، وذلك أن المشركين قالوا : يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال : الله قتلها ، قالوا : أفتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال ، وما قتله الكلب والصقر حلال ، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله هذه الآية ، ( وإن أطعتموهم ) في أكل الميتة ، ( إنكم لمشركون ) قال الزجاج : وفيه دليل على أن من أحل شيئا مما حرم الله أو حرم ما أحل الله فهو مشرك .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


وبعد أن أمر الله المؤمنين بالأكل مما ذكر اسم الله عليه، نهاهم صراحة عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لشدة العناية بهذا الأمر فقال-تبارك وتعالى-:وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أى: لا تأكلوا أيها المسلمون من أى حيوان لم يذكر عليه اسم الله عند ذبحه، بأن ذكر عليه اسم غيره، أو ذكر اسم مع اسمه-تبارك وتعالى-، أو غير ذلك مما سبق بيانه من المحرمات.
وقوله وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ جملة حالية والضمير يعود على الأكل من الذي لم يذكر اسم الله عليه، أى: وإن الأكل من ذلك الحيوان المذبوح الذي لم يذكر اسم الله عليه لخروج عن طاعة الله-تبارك وتعالى- وابتعاد عن الفعل الحسن إلى الفعل القبيح، وفي ذلك ما فيه من تنفيرهم من أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.
ثم كشف للمسلمين عن المصدر الذي يمد المشركين بمادة الجدل حول هذه المسألة فقال:وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ.
أى: وإن إبليس وجنوده ليوسوسون إلى أوليائهم الذين اتبعوهم من المشركين ليجادلوكم في تحليل الميتة وفي غير ذلك من الشبهات الباطلة وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ في استحلال ما حرمه الله عليكم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ.
قال ابن كثير: أى: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كقوله-تبارك وتعالى- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية، وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدى بن حاتم أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم فقال: «بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم» .
هذا، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلما، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال.
فمنهم من قال لا تحل الذبيحة التي يترك ذكر اسم الله عليها سواء كان الترك عمدا أو سهوا، وإلى هذا الرأى ذهب ابن عمر ونافع وعامر والشعبي ومحمد بن سيرين، وداود الظاهري وفي رواية عن الإمامين مالك وأحمد بن حنبل.
واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية التي وصفت ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه بأنه فسق، كما احتجوا بقوله-تبارك وتعالى- فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وبالأحاديث التي وردت في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديث عدى بن حاتم وفيه «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل» .
وحديث رافع بن خديج وفيه «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» أما القول الثاني فيرى أصحابه أن التسمية ليست شرطا بل هي مستحبة، وتركها عن عمد أو نسيان لا يضر، وقد حكى هذا المذهب عن ابن عباس وأبى هريرة وعطاء وهو مذهب الشافعى وأصحابه وفي رواية عن الإمامين مالك وأحمد بن حنبل.
وحجتهم أن هذه الآية وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ...
واردة فيما ذبح لغير الله بأن يذكر على الذبيحة اسم الصنم كما كان يفعل المشركون عند ذبائحهم.
واحتجوا أيضا بما رواه الدّارقطنيّ عن ابن عباس أنه قال: «إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله» .
أما القول الثالث فيرى أصحابه أن ترك التسمية نسيانا لا يضر، أما عمدا فلا تحل الذبيحة، وإلى هذا المذهب ذهب على وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل وعليه أبو حنيفة وأصحابه.
واحتجوا لمذهبهم بأحاديث منها ما رواه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
ولعل هذا المذهب أقرب المذاهب إلى الصواب، لأن المتعمد هو الذي يؤاخذ على عمله أما الناسي فليس مؤاخذا.
وقد تولت بعض كتب التفسير بسط الأقوال في هذه المسألة فليرجع إليها من شاء .

ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه: تفسير ابن كثير


استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا تحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ، ولو كان الذابح مسلما ، وقد اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
فمنهم من قال : لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة ، وسواء متروك التسمية عمدا أو سهوا . وهو مروي عن ابن عمر ، ونافع مولاه ، وعامر الشعبي ، ومحمد بن سيرين . وهو رواية عن الإمام مالك ، ورواية عن أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين ، وهو اختيار أبي ثور ، وداود الظاهري ، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي من متأخري الشافعية في كتابه " الأربعين " ، واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية ، وبقوله في آية الصيد : { فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه } [ المائدة : 4 ] . ثم قد أكد في هذه الآية بقوله : { وإنه لفسق } والضمير قيل : عائد على الأكل ، وقيل : عائد على الذبح لغير الله - وبالأحاديث الواردة في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد ، كحديثي عدي بن حاتم وأبي ثعلبة : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك " وهما في الصحيحين - وحديث رافع بن خديج . " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه " وهو في الصحيحين أيضا ، وحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجن : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه " رواه مسلم . وحديث جندب بن سفيان البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " أخرجاه وعن عائشة ، رضي الله عنها ، أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري : أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال : " سموا عليه أنتم وكلوا " قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر . رواه البخاري . ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها ، وأنهم خشوا ألا تكون وجدت من أولئك ، لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل ، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت ، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد ، والله تعالى أعلم .
والمذهب الثاني في المسألة : أنه لا يشترط التسمية ، بل هي مستحبة ، فإن تركت عمدا أو نسيانا لم تضر وهذا مذهب الإمام الشافعي ، رحمه الله ، وجميع أصحابه ، ورواية عن الإمام أحمد . نقلها عنه حنبل . وهو رواية عن الإمام مالك ، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه ، وحكي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء بن أبي رباح ، والله أعلم .
وحمل الشافعي الآية الكريمة : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } على ما ذبح لغير الله ، كقوله تعالى { أو فسقا أهل لغير الله به } [ الأنعام : 145 ] .
وقال ابن جريج ، عن عطاء : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال : ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش عن الأوثان ، وينهى عن ذبائح المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي رحمه الله قوي ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل " الواو " في قوله : { وإنه لفسق } حالية ، أي: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقا ، ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله . ثم ادعى أن هذا متعين ، ولا يجوز أن تكون " الواو " عاطفة . لأنه يلزم منه عطف جملة إسمية خبرية على جملة فعلية طلبية . وهذا ينتقض عليه بقوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } فإنها عاطفة لا محالة ، فإن كانت " الواو " التي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال; امتنع عطف هذه عليها ، فإن عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره ، وإن لم تكن " الواو " حالية ، بطل ما قال من أصله ، والله أعلم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال : هي الميتة .
ثم رواه ، عن أبي زرعة ، عن يحيى بن أبي كثير عن ابن لهيعة ، عن عطاء - وهو ابن السائب - به .
وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود في المراسيل ، من حديث ثور بن يزيد ، عن الصلت السدوسي - مولى سويد بن منجوف أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله "
وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال : إذا ذبح المسلم - ولم يذكر اسم الله فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله "
واحتج البيهقي أيضا بحديث عائشة ، رضي الله عنها ، المتقدم أن ناسا قالوا : يا رسول الله ، إن قوما حديثي عهد بجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال : " سموا أنتم وكلوا " قال : فلو كان وجود التسمية شرطا لم يرخص لهم إلا مع تحققها ، والله أعلم .
المذهب الثالث في المسألة : أنه إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر وإن تركها عمدا لم تحل .
هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك ، وأحمد بن حنبل ، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه ، وإسحاق بن راهويه : وهو محكي عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن البصري ، وأبي مالك ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجعفر بن محمد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن .
ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني في كتابه " الهداية " الإجماع - قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدا ، فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ : لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفة الإجماع .
وهذا الذي قاله غريب جدا ، وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي ، والله أعلم .
وقال الإمام أبو جعفر بن جرير : من حرم ذبيحة الناسي ، فقد خرج من قول جميع الحجة ، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أبو أمية الطرسوسي ، حدثنا محمد بن يزيد ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم يكفيه اسمه ، إن نسي أن يسمي حين يذبح ، فليذكر اسم الله وليأكله "
وهذا الحديث رفعه خطأ ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري فإنه وإن كان من رجال مسلم إلا أن سعيد بن منصور ، وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن أبي الشعثاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، من قوله . فزادا في إسناده " أبا الشعثاء " ، ووقفا والله تعالى أعلم . وهذا أصح ، نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ .
وقد نقل ابن جرير وغيره . عن الشعبي ، ومحمد بن سيرين ، أنهما كرها متروك التسمية نسيانا ، والسلف يطلقون الكراهية على التحريم كثيرا ، والله أعلم . إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفا لقول الجمهور ، فيعده إجماعا ، فليعلم هذا ، والله الموفق .
قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبو أسامة ، عن جهير بن يزيد قال : سئل الحسن ، سأله رجل : أتيت بطير كرى فمنه ما قد ذبح فذكر اسم الله عليه ، ومنه ما نسي أن يذكر اسم الله عليه ، واختلط الطير ، فقال الحسن : كله ، كله . قال : وسألت محمد بن سيرين فقال : قال الله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .
واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي ذر وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه " وفيه نظر ، والله أعلم .
وقد روى الحافظ أبو أحمد بن عدي ، من حديث مروان بن سالم القرقساني ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اسم الله على كل مسلم "
ولكن هذا إسناده ضعيف ، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي ، ضعيف ، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والله أعلم .
وقد أفردت هذه المسألة على حدة ، وذكرت مذاهب الأئمة ومآخذهم وأدلتهم ، ووجه الدلالات والمناقضات والمعارضات ، والله أعلم .
قال ابن جرير : وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية : هل نسخ من حكمها شيء أم لا؟ فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء وهي محكمة فيما عنيت به . وعلى هذا قول عامة أهل العلم .
وروي عن الحسن البصري وعكرمة . ما حدثنا به ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال الله : { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين } وقال { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } فنسخ واستثنى من ذلك فقال : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } [ المائدة : 5 ] .
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد ، حدثنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان - يعني ابن المنذر - عن مكحول قال : أنزل الله في القرآن : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال : { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب .
ثم قال ابن جرير : والصواب أنه لا تعارض بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه .
وهذا الذي قاله صحيح ، ومن أطلق من السلف النسخ هاهنا فإنما أراد التخصيص ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقوله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق قال : قال رجل لابن عمر : إن المختار يزعم أنه يوحى إليه؟ قال : صدق ، وتلا هذه الآية : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .
وحدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل قال : كنت قاعدا عند ابن عباس ، وحج المختار بن أبي عبيد ، فجاءه رجل فقال : يا ابن عباس ، وزعم أبو إسحاق أنه أوحي إليه الليلة؟ فقال ابن عباس : صدق ، فنفرت وقلت : يقول ابن عباس صدق . فقال ابن عباس : هما وحيان ، وحي الله ، ووحي الشيطان ، فوحي الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، ووحي الشيطان إلى أوليائه ، ثم قرأ : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .
وقد تقدم عن عكرمة في قوله : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } نحو هذا .
وقوله تعالى : { ليجادلوكم } قال ابن أبي حاتم : : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نأكل مما قتلنا ، ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } .
هكذا رواه مرسلا ورواه أبو داود متصلا فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق } .
وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن عبد الأعلى - وسفيان بن وكيع ، كلاهما عن عمران بن عيينة ، به .
ورواه البزار ، عن محمد بن موسى الحرشي ، عن عمران بن عيينة ، به . وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة : أحدها :
أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا .
الثاني : أن الآية من الأنعام ، وهي مكية .
الثالث : أن هذا الحديث رواه الترمذي ، عن محمد بن موسى الحرشي ، عن زياد بن عبد الله البكائي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . ورواه الترمذي بلفظ : أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : حسن غريب ، روي عن سعيد بن جبير مرسلا .
وقال الطبراني : حدثنا علي بن المبارك ، حدثنا زيد بن المبارك ، حدثنا موسى بن عبد العزيز ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } أرسلت فارس إلى قريش : أن خاصموا محمدا وقولوا له : كما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال ، وما ذبح الله ، عز وجل ، بشمشير من ذهب - يعني الميتة - فهو حرام . فنزلت هذه الآية : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } قال : " الشياطين " من فارس ، و " أوليائهم " من قريش .
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا إسرائيل ، حدثنا سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه . وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .
ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم ، عن عمرو بن عبد الله عن وكيع ، عن إسرائيل ، به . وهذا إسناد صحيح .
ورواه ابن جرير من طرق متعددة ، عن ابن عباس ، وليس فيه ذكر اليهود ، فهذا هو المحفوظ ، والله أعلم .
وقال ابن جريج : قال عمرو بن دينار ، عن عكرمة : إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم ، وكاتبتهم فارس ، وكتبت فارس إلى مشركي قريش : أن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله محمد وأصحابه - للميتة - وما ذبحوه هم يأكلون . فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء ، فأنزل الله : { وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } ونزلت : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } .
وقال السدي في تفسير هذه الآية : إن المشركين قالوا للمؤمنين : كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله ، وما ذبح الله فلا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ فقال الله : { وإن أطعتموهم } فأكلتم الميتة { إنكم لمشركون } .
وهكذا قاله مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من علماء السلف ، رحمهم الله .
وقوله تعالى : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } أي: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره ، فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك ، كما قال تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } [ التوبة : 31 ] . وقد روى الترمذي في تفسيرها ، عن عدي بن حاتم أنه قال : يا رسول الله ، ما عبدوهم ، فقال : " بل إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم "

تفسير القرطبي : معنى الآية 121 من سورة الأنعام


قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركونقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق فيه خمس مسائل
الأولى : روى أبو داود قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله عز وجل : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية .
وروى النسائي عن ابن عباس في قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال : خاصمهم المشركون فقالوا : ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه ; فقال الله سبحانه لهم : لا تأكلوا ; فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها .
وتنشأ هنا مسألة أصولية ، وهي :الثانية : وذلك أن اللفظ الوارد على سبب هل يقصر عليه أم لا ; فقال علماؤنا : لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما يذكره الشارع ابتداء من صيغ ألفاظ العموم .
أما ما ذكره جوابا لسؤال ففيه تفصيل ، على ما هو معروف في أصول الفقه ; إلا أنه إن أتى بلفظ مستقل دون السؤال لحق بالأول في صحة القصد إلى التعميم .
فقوله : لا تأكلوا ظاهر في تناول الميتة ، ويدخل فيه ما ذكر عليه غير اسم الله بعموم أنه لم يذكر عليه اسم الله ، وبزيادة ذكر غير اسم الله سبحانه عليه الذي يقتضي تحريمه نصا بقوله : وما أهل به لغير الله .
وهل يدخل فيه ما ترك المسلم التسمية عمدا عليه من الذبح ، وعند إرسال الصيد .
اختلف العلماء في ذلك على أقوال خمسة ، وهي المسألة :الثالثة : القول الأول : إن تركها سهوا أكلا جميعا ، وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل .
فإن تركها عمدا لم يؤكلا ; وقاله في الكتاب مالك وابن القاسم ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعيسى وأصبغ ، وقاله سعيد بن جبير وعطاء ، واختاره النحاس وقال : هذا أحسن ، لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا .
الثاني : إن تركها عامدا أو ناسيا يأكلهما .
وهو قول الشافعي والحسن ، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعكرمة وأبي عياض وأبي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة .
وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال : تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا .
وروي عن ربيعة أيضا .
قال عبد الوهاب : التسمية سنة ; فإذا تركها الذابح ناسيا أكلت الذبيحة في قول مالك وأصحابه .
الثالث : إن تركها عامدا أو ساهيا حرم أكلها ; قاله محمد بن سيرين وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن زيد الخطمي والشعبي ; وبه قال أبو ثور وداود بن علي وأحمد في رواية .
الرابع : إن تركها عامدا كره أكلها ; قاله القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من علمائنا .
الخامس : قال أشهب : تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا ، وقال نحوه الطبري .
أدلة : قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقال : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فبين الحالين وأوضح الحكمين .
فقوله : لا تأكلوا نهي على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة ; لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض ، ولا يجوز أن يتبعض ، أي يراد به التحريم والكراهة معا ; وهذا من نفيس الأصول .
وأما الناسي فلا خطاب توجه إليه إذ يستحيل خطابه ; فالشرط ليس بواجب عليه .
وأما التارك للتسمية عمدا فلا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول : قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر بلساني ; فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جل جلاله وعظمه .
أو يقول : إن هذا ليس بموضع تسمية صريحة ، إذ ليست بقربة ; فهذا أيضا يجزئه .
أو يقول : لا أسمي ، وأي قدر للتسمية ; فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته .
قال ابن العربي : وأعجب لرأس المحققين إمام الحرمين حيث قال : ذكر الله تعالى إنما شرع في القرب ، والذبح ليس بقربة .
وهذا يعارض القرآن والسنة ; قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل .
فإن قيل : المراد بذكر اسم الله بالقلب ; لأن الذكر يضاد النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب ، وقد روى البراء بن عازب : اسم الله على قلب كل مؤمن سمى أو لم يسم .
قلنا : الذكر باللسان وبالقلب ، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان ، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة ، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك : هل يسمي الله تعالى إذا توضأ فقال : أيريد أن يذبح .
وأما الحديث الذي تعلقوا به من قوله : اسم الله على قلب كل مؤمن فحديث ضعيف .
وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة ; لقوله عليه السلام لأناس سألوه ، قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سموا الله عليه وكلوا .
أخرجه الدارقطني عن عائشة ومالك مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه ، لم يختلف عليه في إرساله .
وتأوله بأن قال في آخره : وذلك في أول الإسلام .
يريد قبل أن ينزل عليه : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه .
قال أبو عمر : وهذا ضعيف ، وفي الحديث نفسه ما يرده ، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل ; فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه .
ومما يدل على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان بالمدينة ، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه نزل في سورة " الأنعام " بمكة .
وإنه لفسق أي لمعصية ; عن ابن عباس .
والفسق : الخروج .
وقد تقدم .
الرابعة : قوله تعالى : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم أي يوسوسون فيلقون في قلوبهم الجدال بالباطل .
روى أبو داود عن ابن عباس في قوله : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه ، وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال عكرمة : عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس من مجوس فارس .
وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير : بل الشياطين : الجن ، وكفرة الجن أولياء قريش .
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قيل له : إن المختار يقول : يوحى إلي ، فقال : صدق ، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .
وقوله : ليجادلوكم .
يريد قولهم : ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه .
والمجادلة : دفع القول على طريق الحجة بالقوة ; مأخوذ من الأجدل ، طائر قوي .
وقيل : هو مأخوذ من الجدالة ، وهي الأرض ; فكأنه يغلبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض .
وقيل : هو مأخوذ من الجدل ، وهو شدة الفتل ; فكأن كل واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها ، وتكون حقا في نصرة الحق وباطلا في نصرة الباطل .
الخامسة قوله تعالى : وإن أطعتموهم أي في تحليل الميتةإنكم لمشركون فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا .
وقد حرم الله سبحانه الميتة نصا ; فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك .
قال ابن العربي : إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذا أطاعه في الاعتقاد ; فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص ; فافهموه .
وقد مضى في المائدة .

﴿ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ﴾ [ الأنعام: 121]

سورة : الأنعام - الأية : ( 121 )  - الجزء : ( 8 )  -  الصفحة: ( 143 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون
  2. تفسير: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها
  3. تفسير: والله جعل لكم الأرض بساطا
  4. تفسير: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين
  5. تفسير: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به
  6. تفسير: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن
  7. تفسير: ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب
  8. تفسير: فلا أقسم بالشفق
  9. تفسير: فبأي آلاء ربكما تكذبان
  10. تفسير: والله خلقكم وما تعملون

تحميل سورة الأنعام mp3 :

سورة الأنعام mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنعام

سورة الأنعام بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأنعام بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأنعام بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأنعام بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأنعام بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأنعام بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة الأنعام بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأنعام بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة الأنعام بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأنعام بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب