﴿ ۞ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾
[ النساء: 100]

سورة : النساء - An-Nisā’  - الجزء : ( 5 )  -  الصفحة: ( 94 )

He who emigrates (from his home) in the Cause of Allah, will find on earth many dwelling places and plenty to live by. And whosoever leaves his home as an emigrant unto Allah and His Messenger, and death overtakes him, his reward is then surely incumbent upon Allah. And Allah is Ever Oft-Forgiving, Most Merciful.


مراغمًا : مُهاجَرًا و مُتحوَّلاً يَنْتَقِل إليه

ومَن يخرج من أرض الشرك إلى أرض الإسلام فرارًا بدينه، راجيًا فضل ربه، قاصدًا نصرة دينه، يجد في الأرض مكانًا ومتحولا ينعم فيه بما يكون سببًا في قوته وذلة أعدائه، مع السعة في رزقه وعيشه، ومن يخرج من بيته قاصدًا نصرة دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإعلاء كلمة الله، ثم يدركه الموت قبل بلوغه مقصده، فقد ثبت له جزاء عمله على الله، فضلا منه وإحسانًا. وكان الله غفورًا رحيمًا بعباده.

ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن - تفسير السعدي

هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنه يجد مراغما في الأرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالح الدنيا.
وذلك أن كثيرًا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتًا بعد الألفة، وفقرًا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء.
والأمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفًا.
فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل، وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به أغنى الناس، وهكذا كل من فعل فعلهم، حصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة.
ثم قال: { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ }- أي: قاصدا ربه ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرًا لدين الله، لا لغير ذلك من المقاصد { ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ } بقتل أو غيره، { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }- أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملاً ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها.
ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئات، خصوصا التائبين المنيبين إلى ربهم.
{ رَحِيمًا } بجميع الخلق رحمة أوجدتهم وعافتهم ورزقتهم من المال والبنين والقوة، وغير ذلك.
رحيمًا بالمؤمنين حيث وفقهم للإيمان، وعلمهم من العلم ما يحصل به الإيقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح وما به يدركون غاية الأرباح، وسيرون من رحمته وكرمه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فنسأل الله أن لا يحرمنا خيره بشر ما عندنا.

تفسير الآية 100 - سورة النساء

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ومن يهاجر في سبيل الله يجد في : الآية رقم 100 من سورة النساء

 سورة النساء الآية رقم 100

ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن - مكتوبة

الآية 100 من سورة النساء بالرسم العثماني


﴿ ۞ وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا  ﴾ [ النساء: 100]


﴿ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ﴾ [ النساء: 100]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة النساء An-Nisā’ الآية رقم 100 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 100 من النساء صوت mp3


تدبر الآية: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن

إن المؤمن ليُرضي ربَّه بمُراغَمة عدوِّه، ويتقرَّب إليه بإغاظته، ولا يصلُح في قلب امرئٍ التزلُّف إلى وليِّه إلا بالتبغُّض إلى عدوِّه وهِجرانه.
رزقُك يسعى إليك كما تسعى إليه، فلا يُسولنَّ لك الشيطان أو تُوهِمنَّك نفسُك أنه مرهونٌ بأرض، أو مقيَّد بحال، أو مرتبط بمُلابسات لا تنفكُّ عنه.
للهِ كم تنفع النيَّةُ صاحبَها إذا نوى الخير، وبذلَ ما يستطيع من الوسائل للوصول إليه، فمتى صدَقَت نيَّته وقع أجرُه، سواءٌ وصلَ إلى غايته أو حالت دونَه الحوائل.
أرأيتَ ما عند الله تعالى من المغفرة والرحمة؟ إن الأجر لأقربُ إلى العبد وألصَقُ به من العمل الذي يستوجبه ذلك الأجر، ولكن إذا صفَت نيَّتُه، وخلَصَت سريرتُه.

ثم رغب- سبحانه - في الهجرة من أجل إعلاء دينه بأسمى ألوان الترغيب فقال: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.
وقوله: مُراغَماً اسم مكان أى يجد في الأرض متحولا ومهاجرا.
قال القرطبي ما ملخصه: اختلف في تأويل المراغم فقال مجاهد: المراغم: المتزحزح.
وقال ابن عباس: المراغم: المتحول والمذهب.
وقال ابن زيد: المراغم: المهاجر.
وهذه الأقوال متفقة المعاني وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه.
وهو مشتق من الرغام أى التراب ورغم أنف فلان أى لصق بالتراب.
وراغمت فلانا هجرته وعاديته.
وهذا كله تفسير بالمعنى.
فأما الخاص باللفظة فهو أن المراغم موضع المراغمة كما ذكرناه وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده.
فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم، فتلك المنعة هي موضع المراغمة .
والمعنى: ومن يهاجر تاركا دار إقامته من أجل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، يجد في الأرض أماكن كثيرة يأمن فيها مكر أعدائه وظلمهم، ويجد فيها من الخير والنعمة والسعة في الرزق ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين فارقهم كراهة لصحبتهم القبيحة، ومعاملتهم السيئة.
قال الفخر الرازي: وذلك لأن من فارق بلده وذهب إلى بلدة أجنبية، فإذا استقام أمره في تلك البلدة الأجنبية، ووصل ذلك الخبر إلى أهل بلدته خجلوا من سوء معاملتهم له ورغمت أنوفهم- أى أصابهم الذل- بسبب ذلك.
فكأنه قيل: يا أيها الإنسان إنك كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفا من أن تقع في المشقة والمحنة والسفر، فلا تخف فإن الله-تبارك وتعالى- سيعطيك من النعم الجليلة، والمراتب العظيمة، في دار هجرتك ما يصير سببا لرغم أنوف أعدائك، ويكون سببا لسعة عيشك.
وإنما قدم- سبحانه - ذكر رغم الأعداء على ذكر سعة العيش لأن ابتهاج الإنسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم له بدولته من حيث إنها تصير سببا لرغم أنوف الأعداء.
أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببا لسعة العيش عليه .
وقوله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تنويه عظيم بشأن الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله، حيث جعل- سبحانه - ثوابها حاصلا حتى ولو لم يصل المهاجر إلى مقصده.
أى: ومن يخرج من بيته تاركا أهله ووطنه، فارا بدينه إلى المكان الذي تعلو فيه كلمة الله وكلمة رسوله، قاصدا بذلك نصرة الحق وأهله، من يفعل ذلك ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ وهو في طريقه قبل أن يصل إلى مكان هجرته «فقد وقع أجره على الله» أى: فقد ثبت ووجب له الأجر عند الله-تبارك وتعالى- تفضلا منه- سبحانه - وكرما وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً فيغفر لهذا المهاجر ما فرط منه من تقصير، ويرحمه برحمته الواسعة.
وقوله ثُمَّ يُدْرِكْهُ بالجزم عطفا على فعل الشرط وهو وَمَنْ يَخْرُجْ.
وجوابه قوله:فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.
قال الآلوسى: وقرئ ثُمَّ يُدْرِكْهُ بالرفع.
وخرجه ابن جنى على أنه فعل مضارع مرفوع والموت فاعله.
والجملة خبر لمبتدأ محذوف أى: ثم هو يدركه الموت .
وفي التعبير بقوله فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ بعث للطمأنينة في قلوب المهاجرين، وحفز لهم على الهجرة من أجل إعلاء كلمة الله لأنهم إذا وصلوا إلى دار هجرتهم فقد راغموا أنف أعدائهم ورزقهم الله بالخير من فضله، وإن ماتوا قبل أن يصلوا أعطاهم- سبحانه - ثواب المهاجرين كاملا ببركة حسن نياتهم، وكافأهم على ذلك أجرا جزيلا لا يعلم مقداره إلا هو.
وقد وردت روايات في سبب نزول هذه الآية الكريمة منها ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها نزلت في جندب بن ضمرة وكان قد بلغه وهو بمكة قوله-تبارك وتعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ.. الآية فقال لبنيه: احملونى فإنى لست من المستضعفين، وإنى لأهتدى إلى الطريق، وإنى لا أبيت الليلة بمكة.
فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة- وكان شيخا كبيرا، فمات بالتنعيم- وهو موضع قرب مكة- ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله ويقول: اللهم هذه لك.
وهذه لرسولك صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما بايع عليه رسولك- ثم مات- ولما بلغ خبر موته الصحابة قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت الآية .
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:1- وجوب الهجرة من دار لا يستطيع المسلم فيها أن يؤدى شعائر دينه.
قال القرطبي: في هذه الآيات دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي.
وقال سعيد بن جبير: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها.
وتلا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها.
وقال مالك: هذه الآيات دالة على أنه ليس لأحد المقام في أرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق .
وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه: قال الحافظ بن حجر في «الفتح» : الهجرة الترك.
والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره.
وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه.
وقد وقعت في الإسلام على وجهين:الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن.
كما في هجرتي الحبشة وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة.
الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان.
وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين.
وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالمدينة إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقيا.
ثم قال الشيخ القاسمى: وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلى بلفظ:انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار.
أى: ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن في دينه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة.
ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» .
2- أن من خرج للهجرة في سبيل الله ومات في الطريق أعطاه الله-تبارك وتعالى- أجر المهاجرين ببركة نيته الصادقة، ويدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله.
ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» .
وقال صاحب الكشاف: كل هجرة لغرض ديني- من طلب علم أو حج أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهدا في الدنيا أو ابتغاء رزق طيب- فهي هجرة إلى الله ورسوله.
وإن أدركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد وبخت الذين رضوا أن يقيموا مع الكافرين في ذلة وهوان مع قدرتهم على الهجرة، وتوعدتهم على ضعف إيمانهم، بسوء المصير، وحرضت المؤمنين في كل زمان ومكان على الهجرة في سبيل الله بأسمى ألوان التحريض وأشدها، ووعدت المهاجر من أجل إعلاء كلمة الحق بالخير الوفير، والأجر الجزيل.
«وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وبعد أن حض- سبحانه - عباده على الهجرة في سبيله أتبع ذلك ببيان جانب من مظاهر رحمته في التيسير عليهم فيما شرعه لهم من عبادات، حيث أباح لهم قصر الصلاة في حالة السفر، وعرفهم كيف يؤدونها في حالة الجهاد والخوف من مباغتة العدو لهم فقال-تبارك وتعالى-:
قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : ومن يهاجر في سبيل الله يجد شرط وجوابه في الأرض مراغما اختلف في تأويل المراغم ؛ فقال مجاهد : المراغم المتزحزح .
وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم : المراغم المتحول والمذهب .
وقال ابن زيد : والمراغم المهاجر ؛ وقاله أبو عبيدة .
قال النحاس : فهذه الأقوال متفقة المعاني .
فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة ، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام .
ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب .
وراغمت فلانا هجرته وعاديته ، ولم أبال إن رغم أنفه .
وقيل : إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمي خروجه مراغما ، وسمي مصيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة .
وقال السدي : المراغم المبتغى للمعيشة .
وقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : المراغم الذهاب في الأرض .
وهذا كله تفسير بالمعنى ، وكله قريب بعضه من بعض ؛ فأما الخاص باللفظة فإن المراغم موضع المراغمة كما ذكرنا ، وهو أن يرغم كل واحد من المتنازعين أنف صاحبه بأن يغلبه على مراده ؛ فكأن كفار قريش أرغموا أنوف المحبوسين بمكة ، فلو هاجر منهم مهاجر لأرغم أنوف قريش لحصوله في منعة منهم ، فتلك المنعة هي موضع المراغمة .
ومنه قول النابغة :كطرد يلاذ بأركانه عزيز المراغم والمهربالثانية : قوله تعالى : وسعة أي في الرزق ؛ قاله ابن عباس والربيع والضحاك .
وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى .
وقال مالك : السعة سعة البلاد .
وهذا أشبه بفصاحة العرب ؛ فإن بسعة الأرض وكثرة المعاقل تكون السعة في الرزق ، واتساع الصدر لهمومه وفكره وغير ذلك من وجوه الفرج .
ونحو هذا المعنى قول الشاعر :وكنت إذا خليل رام قطعي وجدت وراي منفسحا عريضاوقال آخر :لكان لي مضطرب واسع في الأرض ذات الطول والعرضالثالثة : قال مالك : هذه الآية دالة على أنه ليس لأحد المقام بأرض يسب فيها السلف ويعمل فيها بغير الحق .
وقال : والمراغم الذهاب في الأرض ، والسعة سعة البلاد على ما تقدم .
واستدل أيضا بعض العلماء بهذه الآية على أن للغازي إذا خرج إلى الغزو ثم مات قبل القتال له سهمه وإن لم يحضر الحرب ؛ رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أهل المدينة .
وروي ذلك عن ابن المبارك أيضا .
الرابعة : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله الآية .
قال عكرمة مولى ابن عباس : طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته .
وفي قول عكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديما ، وأن الاعتناء به حسن والمعرفة به فضل ؛ ونحو منه قول ابن عباس : مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يمنعني إلا مهابته .
والذي ذكره عكرمة هو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع ؛ حكاه الطبري عن سعيد بن جبير .
ويقال فيه : ضميرة أيضا .
ويقال : جندع بن ضمرة من بني ليث ، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا ، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال : أخرجوني ؛ فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم ، فأنزل الله فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية .
وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه : خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة ، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة ؛ فنزلت فيه الآية ، والله أعلم .
وحكى أبو الفرج الجوزي أنه حبيب بن ضمرة .
وقيل : ضمرة بن جندب الضمري ؛ عن السدي .
وحكي عن عكرمة أنه جندب بن ضمرة الجندعي .
وحكي عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث .
وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ضمرة بن نعيم .
وقيل : ضمرة بن خزاعة ، والله أعلم .
وروى معمر عن قتادة قال : لما نزلت إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية ، قال رجل من المسلمين وهو مريض : والله ما لي من عذر ! إني لدليل في الطريق ، وإني لموسر ، فاحملوني .
فحملوه فأدركه الموت في الطريق ؛ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو بلغ إلينا لتم أجره ؛ وقد مات بالتنعيم .
وجاء بنوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة ، فنزلت هذه الآية ومن يخرج من بيته مهاجرا الآية .
وكان اسمه ضمرة بن جندب ، ويقال : جندب بن ضمرة على ما تقدم .
وكان الله غفورا لما كان منه من الشرك رحيما حين قبل توبته .
الخامسة : قال ابن العربي : قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين : هربا وطلبا ؛ فالأول ينقسم إلى ستة أقسام : الأول : الهجرة وهي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ؛ فإن بقي في دار الحرب عصى ؛ ويختلف في حاله .
الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف .
قال ابن العربي : وهذا صحيح ؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فزل عنه ، قال الله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم إلى قوله الظالمين .
الثالث : الخروج من أرض غلب عليها الحرام : فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الأذية في البدن ؛ وذلك فضل من الله أرخص فيه ، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور .
وأول من فعله إبراهيم عليه السلام ؛ فإنه لما خاف من قومه قال : إني مهاجر إلى ربي العنكبوت : ، وقال : إني ذاهب إلى ربي سيهدين الصافات : .
وقال مخبرا عن موسى : فخرج منها خائفا يترقب .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة .
وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا .
وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ؛ فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بيانه في " البقرة " .
بيد أن علماءنا قالوا : هو مكروه .
السادس : الفرار خوف الأذية في المال ؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله وأوكد .
وأما قسم الطلب فينقسم قسمين : طلب دين وطلب دنيا ؛ فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام : الأول : سفر العبرة ؛ قال الله تعالى : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وهو كثير .
ويقال : إن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها .
وقيل : لينفذ الحق فيها .
الثاني : سفر الحج .
والأول وإن كان ندبا فهذا فرض .
الثالث : سفر الجهاد وله أحكامه .
الرابع : سفر المعاش ؛ فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه من صيد أو احتطاب أو احتشاش ؛ فهو فرض عليه .
الخامس : سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم يعني التجارة ، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت .
السادس : في طلب العلم وهو مشهور .
السابع : قصد البقاع ؛ قال صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .
الثامن : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها .
التاسع : زيارة الإخوان في الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال : هل لك من نعمة تربها عليه ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله عز وجل .
قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه .
رواه مسلم وغيره .


شرح المفردات و معاني الكلمات : يهاجر , سبيل , الله , الأرض , مراغما , كثيرا , وسعة , يخرج , بيته , مهاجرا , الله , رسوله , يدركه , الموت , وقع , أجره , الله , غفورا , رحيما ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون
  2. ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون
  3. وبست الجبال بسا
  4. ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم
  5. للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم
  6. وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا
  7. وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف
  8. إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا
  9. وحصل ما في الصدور
  10. سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله

تحميل سورة النساء mp3 :

سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء

سورة النساء بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة النساء بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة النساء بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة النساء بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة النساء بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة النساء بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة النساء بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة النساء بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة النساء بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة النساء بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, April 24, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب