﴿ ۞ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
[ البقرة: 233]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 37 )

The mothers shall give suck to their children for two whole years, (that is) for those (parents) who desire to complete the term of suckling, but the father of the child shall bear the cost of the mother's food and clothing on a reasonable basis. No person shall have a burden laid on him greater than he can bear. No mother shall be treated unfairly on account of her child, nor father on account of his child. And on the (father's) heir is incumbent the like of that (which was incumbent on the father). If they both decide on weaning, by mutual consent, and after due consultation, there is no sin on them. And if you decide on a foster suckling-mother for your children, there is no sin on you, provided you pay (the mother) what you agreed (to give her) on reasonable basis. And fear Allah and know that Allah is All-Seer of what you do.


وُسعها : طاقتها و قدر إمكانها
و على الوارث : وارث الولد عند عدم الأب
أرادا فصلا : فطاما للولد قبل الحولين

وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها، ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما، ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك؛ ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود. وإن اتفق الوالدان على إرضاع المولود من مرضعة أخرى غير والدته فلا حرج عليهما، إذا سلَّم الوالد للأم حقَّها، وسلَّم للمرضعة أجرها بما يتعارفه الناس. وخافوا الله في جميع أحوالكم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، وسيجازيكم على ذلك.

والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود - تفسير السعدي

هذا خبر بمعنى الأمر, تنزيلا له منزلة المتقرر, الذي لا يحتاج إلى أمر بأن { يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ } ولما كان الحول, يطلق على الكامل, وعلى معظم الحول قال: { كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فإذا تم للرضيع حولان, فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك, بمنزلة سائر الأغذية, فلهذا كان الرضاع بعد الحولين, غير معتبر, لا يحرم.
ويؤخذ من هذا النص, ومن قوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, وأنه يمكن وجود الولد بها.
{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ }- أي: الأب { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة, فإن على الأب رزقها,- أي: نفقتها وكسوتها, وهي الأجرة للرضاع.
ودل هذا, على أنها إذا كانت في حباله, لا يجب لها أجرة, غير النفقة والكسوة, وكل بحسب حاله, فلهذا قال: { لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا } فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني, ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد، { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ }- أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها, إما أن تمنع من إرضاعه, أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة, والكسوة أو الأجرة، { وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له, أو تطلب زيادة عن الواجب, ونحو ذلك من أنواع الضرر.
ودل قوله: { مَوْلُودٌ لَهُ } أن الولد لأبيه, لأنه موهوب له, ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله, رضي أو لم يرض, بخلاف الأم.
وقوله: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ }- أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب, وكان الطفل ليس له مال, مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين, على القريب الوارث الموسر، { فَإِنْ أَرَادَا }- أي: الأبوان { فِصَالًا }- أي: فطام الصبي قبل الحولين، { عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا } بأن يكونا راضيين { وَتَشَاوُرٍ } فيما بينهما, هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } في فطامه قبل الحولين، فدلت الآية بمفهومها, على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر, أو لم يكن مصلحة للطفل, أنه لا يجوز فطامه.
وقوله: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ }- أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ }- أي: للمرضعات, { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.

تفسير الآية 233 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد : الآية رقم 233 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 233

والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود - مكتوبة

الآية 233 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ ۞ وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ  ﴾ [ البقرة: 233]


﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ﴾ [ البقرة: 233]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 233 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 233 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود

أيُّ عنايةٍ أعظم من هذه العناية الربَّانيَّة التي حفِظت للرضيع حقَّه في الرَّضاعة في ذلك الوقت العاصف، عند اشتجار الخلاف بين الزوجين؟! للأمَّهات في الشريعة رعايةٌ خاصَّة؛ ألا تراها كيف أمرَت للمُرضع حتى في حال طلاقها بالنفقة والكِسوة، ورعَت لها طفلها، فأمرَت أباه بالإنفاق عليه؟! إنه الكمال في شريعة الإسلام؛ فهي تحثُّ على النفقة على المُرضِعات المطلَّقات على الوجه المستحسَن شرعًا وعُرفًا، وتدعو إلى مُراعاة حال الزوج غنًى وفقرًا، فلا يكلَّف الفقير فوق طاقته.
ساحة الخلافات الأسريَّة يجب أن تكونَ بمنأًى عن الأولاد فلا يُقحَموا فيها، إنَّ شأن الأطفال أن يكونوا سببًا للأُلفة بين الوالدَين، لا أن يكونوا أداةً لانتقام أحدِهما من الآخر.
عظمة التشريع تظهر في شُموله وعنايته بأدقِّ التفاصيل؛ إقامةً للعدل، وحفظًا لحقوق الخَلق، ومن هنا أوجب الإسلامُ على الورَثة رعايةَ الطفل والنفقةَ عليه إذا ما فقَد والدَيه.
الحياة الأسريَّة حياةٌ مشتركة لا تنفكُّ عن التراضي والتشاور في كلِّ حال، وخاصَّةً عند اتخاذ القرارات المصيريَّة.
إن الله كتب الإحسانَ في كلِّ شيء، وإن من أَولى المواقف بالإحسان أداءَ الأجر للمُرضع، فإن في ذلك ضمانًا لحقوق الرضيع، وأمانًا من تفريطها.
يربط القرآن العَلاقاتِ كلَّها برِباطٍ وثيق من التقوى، ويحثُّ النفوسَ عليها بذكر إحاطته تعالى بالأعمال ظاهرِها وباطنها، فطُوبى لمَن كانت عادته في الحياة استحضارَ: ( الله ناظري، الله شاهدي، الله مطَّلع عليَّ ).

والمراد بالوالدات الأمهات سواء أكن في عصمة أزواجهن أم مطلقات لأن اللفظ عام في الكل ولا يوجد ما يقتضى تخصيصه بنوع من الأمهات.
ويرى بعض المفسرين أن المراد بالوالدات هنا خصوص المطلقات لأن سياق الآيات قبل ذلك في أحكام الطلاق، ولأن المطلقة عرضة لإهمال العناية بالولد وترك إرضاعه.
وحولين أى عامين.
وأصل الحول- كما يقول الراغب- تغير الشيء وانفصاله عن غيره.
والحول: السنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها.
قال-تبارك وتعالى-:وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ.
ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت، وأحال فلان بمكان كذا أى أقام به حولا» .
وعبر عن الأمهات بالوالدات، للإشارة إلى أنهن اللائي ولدن أولادهن، وأنهن الوعاء الذي خرجوا منه إلى الحياة، ومنهن يكون الغذاء الطبيعي المناسب لهذا المولود الذي جاء عن طريقهن.
وقوله: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، إذ التقدير ليرضعن.
أى:عليهن إرضاع أولادهن.
وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادى به طبيعة الأمومة.
قال الجمل: وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير.
ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط».
وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك.
قال القرطبي ما ملخصه: وقد انتزع مالك- رحمه الله- ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.. لقوله-تبارك وتعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.
وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» وهذا الخبر مع الآية ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له.
وقد روى عن عائشة القول به، وروى عن أبى موسى الأشعرى أنه كان يرى رضاع الكبير.
وروى عنه الرجوع عنه.
وسيأتى تحقيق هذه المسألة في سورة النساء».
وفي وصف الحولين بكاملين، تأكيد لرفع توهم أن يكون المراد حولا وبعض الثاني، لأن إطلاق التثنية والجمع في الأزمان والأسنان على بعض المدلول إطلاق شائع عند العرب.
فيقولون: هو ابن سنتين، ويريدون سنة وبعض الثانية.
وفي هذه الجملة الكريمة وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بيان لمظهر من مظاهر رعاية الله-تبارك وتعالى- للإنسان منذ ولادته، بل منذ تكوينه في بطن أمه جنينا، فقد أمر- سبحانه - الأمهات أن يقمن بإرضاع أولادهن في تلك المدة، لأن لبن الأم هو أفضل غذاء لطفلها في هذه الفترة، وأسلّم وسيلة لضمان صحته ونموه، ولصيانته من الأمراض النفسية والعقلية، فقد أثبت الأطباء الثقاة أن الطفل كثيرا ما يصاب بأمراض جسمية ونفسية وعقلية نتيجة رضاعته من غير أمه، كما أثبتوا أن عناية الأم بطفلها في هذه الفترة عن طريق إرضاعه ورعايته، تؤدى إلى تحسن أحواله ...
وقوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان لمن توجه إليه الحكم.
أى هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع، فإذا أراد الأبوان أن ينقصا مدة الرضاع عن الحولين كان لهما ذلك.
فالجملة الكريمة خير لمبتدأ محذوف أى هذا الحكم لمن أراد أن يتم مدة الرضاعة.
وقوله: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بيان لما يجب على الآباء.
أى: وعلى الآباء أن يقدموا إلى الوالدات ما يلزمهن من نفقة وكسوة بالمعروف أى بالطريقة التي تعارف عليها العقلاء بدون إسراف أو تقتير.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت لم قيل الْمَوْلُودِ لَهُ دون الوالد؟ قلت: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، كما قال المأمون بن الرشيد:فإنما أمهات الناس أوعية ...
مستودعات وللآباء أبناءفكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم كالأظآر ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله-تبارك وتعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ...
وقوله: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها تعليل لإيجاب المؤن بالمعروف.
أو تفسير للمعروف ولهذا فصلت هذه الجملة عن سابقتها، وقوله وُسْعَها منصوب على أنه مفعول ثان لتكلف، والاستثناء قبله مفرغ أى أن أبا الولد لا يكلف في الإنفاق عليه وعلى أمه إلا بالقدر الذي تتسع له مقدرته بدون إرهاق أو مشقة.
وتلك هي سنة الإسلام في جميع تكاليفه، فالله-تبارك وتعالى- ما كلف عباده إلا بما يستطيعونه ويطيقونه بدون عسر أو عنت قال-تبارك وتعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وقال-تبارك وتعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.
وقوله: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ تعليل للأحكام السابقة الموزعة بين الأب والأم، والتي أساسها رعاية حق هذا الوليد الذي أتى عن طريقهما.
والمضارة مفاعلة من الضرر، والمعنى: لا ينبغي أن يقع ضرر على الأم بسبب ولدها، بأن يستغل الأب حنوها على وليدها فيمنعها شيئا من نفقتها، أو يأخذ منها طفلها وهي تريد إرضاعه، أو يكلفها بما ليس في مقدورها أو ما يخالف وظيفتها، ولا ينبغي كذلك أن يقع ضرر على الأب بسبب ولده، بأن تكلفه الأم بما لا تتسع له قدرته مستغلة محبته لولده وعنايته بتنشئته تنشئة حسنة.
قال الجمل: ولا في قوله: لا تُضَارَّ يحتمل أن تكون نافية فيكون الفعل مرفوعا، ويحتمل أن تكون ناهية فيكون الفعل مجزوما، وقد قرئ بهما في السبع، وعلى كل يحتمل أن يكون الفعل مبنيا للفاعل وللمفعول» .
والمعنى على الاحتمالين واحد وهو أنه لا يجوز أن يضر كل واحد منهما صاحبه أو يضر من صاحبه بسبب حنوه على ولده واهتمامه بشأنه.
وأضاف الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف، وللتنبيه على أن هذا الولد الذي رزقهما الله إياه جدير بأن يتفقا على رعايته وحمايته من كل ما يؤذيه، ولا يجوز مطلقا أن يكون مصدر قلق لأى واحد منهما.
وقدمت الأم في الجملة الكريمة، لأن الشأن فيها أن يكون حنوها أشد، وعاطفتها أرق، ولأن مظنة إنزال العنف والأذى بها أقرب لضعفها عن الأب.
فالجملة الكريمة توجبه سديد، وإرشاد حكيم، للآباء والأمهات إلى أن يقوم كل فريق منهم بواجبه نحو صاحبه ونحو الأولاد الذين هم ثمار لهم.
وقوله: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ.
إلخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض.
أى: وعلى وارث الأب أو وارث الصبى- أى من سيرثه بعد موته- عليه مثل ما على الأب من النفقة وترك الإضرار.
فهذه الجملة الكريمة سيقت لبيان من تجب عليه نفقة الصبى إذا فقد أباه، أو كان أبوه موجودا ولكنه عاجز عن الإنفاق عليه.
قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد بالوارث وارث الولد فإنه يجب عليه مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة بالمعروف إن لم يكن للولد مال.
وهو التفسير المأثور عن عمر وابن عباس وقتادة.. وخلق كثير.
وخص الإمام أبو حنيفة هذا الوارث بمن كان ذا رحم محرم من الصبى ...
وقال الشافعى المراد وارث الأب- يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبا على الأب- وقيل المراد بالوارث الباقي من الأبوين، وقد جاء الوارث بمعنى الباقي كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم اللهم متعني بسمعي وبصرى واجعلهما الوارث منى» وعلى أية حال فالجملة الكريمة تغرس معاني الإخاء والتراحم والتكافل بين أبناء الأسرة الواحدة، فالقادر ينفق على العاجز، والغنى يمد الفقير بحاجته، وبذلك تسعد الأسرة، وتسودها روح المحبة والمودة.
وقوله: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما معطوف على قوله يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لأنه متفرغ عنه.
والضمير في قوله فَإِنْ أَرادا يعود على الوالدين.
قال القرطبي: والفصال والفصل.
الفطام وأصله التفريق، فهو تفريق بين الصبى والثدي.
ومنه سمى الفصيل- لولد الضأن- لأنه مفصول عن أمه.
والتشاور: استخراج الرأى- بما فيه المصلحة- وكذلك المشاورة.
من الشور وهو اجتناء العسل.
يقال شرت العسل- إذا استخرجته من مواضعه- والشوار: متاع البيت لأنه يظهر للناظر.
والشارة هيئة الرجل.
والإشارة: إخراج ما في نفسك وإظهاره» .
والمعنى: فإن أراد الأبوان فطاما لولدهما قبل الحولين، وكانت هذه الإرادة عن تراض منهما وتشاور في شأن الصبى وتفحص لأحواله، ورأيا أن هذا الفطام قبل بلوغه الحولين لن يضره فلا إثم عليهما في ذلك.
وقال بعضهم: وأيضا لا إثم عليهما إذا فطماه بعد الحولين متى رأيا المصلحة في ذلك، وقد قيد- سبحانه - هذا الفطام للصبي بكونه عن تراض من الأبوين وتشاور منهما، رعاية لمصلحة هذا الصبى، لأن رضا أحدهما فقط قد يضره، بأن تمل الأم الإرضاع أو يبخل الأب بالإنفاق.
ولأن إقدام أحدهما على الفطام بدون التشاور مع صاحبه قد يؤثر في صحة الصبى تأثيرا سيئا.
لذا أوجب- سبحانه - التراضي والتشاور فيما بينهما من أجل مصلحة صبيهما.
ثم قال-تبارك وتعالى-: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ.
أى: وإن أردتم- أيها الآباء- أن تسترضعوا مراضع لأولادكم، ورضى الأمهات بذلك، فلا إثم عليكم فيما تفعلون ما دمتم تقصدون مصلحة أولادكم، وعليكم أن تسلموا هؤلاء المراضع أجرهن بالطريقة التي يقرها الشرع، وتستحسنها العقول السليمة، والأخلاق القويمة.
واسترضع- كما يقول الزمخشري- منقول من أرضع.
يقال: أرضعت المرأة الصبى، واسترضعتها الصبى فهي متعدية إلى مفعولين، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم.
فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه.
وقوله ما آتَيْتُمْ حذف مفعولاه أى آتيتموهن إياه.
وبِالْمَعْرُوفِ متعلق بسلمتم أى بالقول الجميل، وبالوجه المتعارف المستحسن شرعا.
ويجوز أن يتعلق بآتيتم.
وأن يكون حالا من فاعل سلمتم أو آتيتم والعامل فيه محذوف أى متلبسين بالمعروف.
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
أى: اتقوا الله في كل شئونكم والتزموا ما بينه لكم من أحكام، واعلموا أن الله-تبارك وتعالى- لا تخفى عليه أعمالكم، فهو محصيها عليكم، وسيجزى المحسن إحسانا والمسيء سوءا.
ثم بين- سبحانه - عدة المرأة إذا توفى عنها زوجها، وما يجب عليها من آداب فقال-تبارك وتعالى-.
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصيرفيه ثمان عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : والوالدات ابتداء .
يرضعن أولادهن في موضع الخبر .
حولين كاملين ظرف زمان .
ولما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الولد ؛ لأن الزوجين قد يفترقان وثم ولد ، فالآية إذا في المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن ، قاله السدي والضحاك وغيرهما ، أي هن أحق برضاع أولادهن من الأجنبيات لأنهن أحنى وأرق ، وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها ، وهذا يدل على أن الولد وإن فطم فالأم أحق بحضانته لفضل حنوها وشفقتها ، وإنما تكون أحق بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي .
وعلى هذا يشكل قوله : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لأن المطلقة لا تستحق الكسوة إذا لم تكن رجعية بل تستحق الأجرة إلا أن يحمل على مكارم الأخلاق فيقال : الأولى ألا تنقص الأجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها .
وقيل : الآية عامة في المطلقات اللواتي لهن أولاد وفي الزوجات .
والأظهر أنها في الزوجات في حال بقاء النكاح ؛ لأنهن المستحقات للنفقة والكسوة ، والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو لم ترضع ، والنفقة والكسوة مقابلة التمكين ، فإذا اشتغلت بالإرضاع لم يكمل التمكين ، فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال ذلك الوهم بقوله تعالى : وعلى المولود له أي الزوج رزقهن وكسوتهن في حال الرضاع لأنه اشتغال في مصالح الزوج ، فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة لا تسقط .
الثانية : قوله تعالى : ( يرضعن ) خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات ، وعلى جهة الندب لبعضهن على ما يأتي .
وقيل : هو خبر عن المشروعية كما تقدم .
الثالثة : واختلف الناس في الرضاع هل هو حق للأم أو هو حق عليها ، واللفظ محتمل ؛ لأنه لو أراد التصريح بكونه عليها لقال : وعلى الوالدات رضاع أولادهن كما قال تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ولكن هو عليها في حال الزوجية ، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط ، إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها ألا ترضع وذلك كالشرط .
وعليها إن لم يقبل الولد غيرها واجب .
وهو عليها إذا عدم لاختصاصها به .
فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم بخلاف النفقة .
وفي كتاب ابن الجلاب : رضاعه في بيت المال .
وقال عبد الوهاب : هو فقير من فقراء المسلمين .
وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها ، والرضاع على الزوج إلا أن تشاء هي ، فهي أحق بأجرة المثل ، هذا مع يسر الزوج فإن كان معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر حينئذ على الإرضاع .
وكل من يلزمها الإرضاع فإن أصابها عذر يمنعها منه عاد الإرضاع على الأب .
وروي عن مالك أن الأب إذا كان معدما ولا مال للصبي أن الرضاع على الأم ، فإن لم يكن لها لبن ولها مال فالإرضاع عليها في مالها .
قال الشافعي : لا يلزم الرضاع إلا والدا أو جدا وإن علا ، وسيأتي ما للعلماء في هذا عند قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك .
يقال : رضع يرضع رضاعة ورضاعا ، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة ( بكسر الراء في الأول وفتحها في الثاني ) واسم الفاعل راضع فيهما .
والرضاعة : اللؤم ( مفتوح الراء لا غير ) .
الرابعة : قوله تعالى : ( حولين ) أي سنتين ، من حال الشيء إذا انقلب ، فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني .
وقيل : سمي العام حولا لاستحالة الأمور فيه في الأغلب .
( كاملين ) قيد بالكمال لأن القائل قد يقول : أقمت عند فلان حولين وهو يريد حولا وبعض حول آخر ، قال الله تعالى : فمن تعجل في يومين وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني .
وقوله تعالى : لمن أراد أن يتم الرضاعة دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما فإنه يجوز الفطام قبل الحولين ، ولكنه تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع ، فلا يجب على الزوج إعطاء الأجرة لأكثر من حولين .
وإن أراد الأب الفطم قبل هذه المدة ولم ترض الأم لم يكن له ذلك .
والزيادة على الحولين أو النقصان إنما يكون عند عدم الإضرار بالمولود وعند رضا الوالدين .
وقرأ مجاهد وابن محيصن " لمن أراد أن تتم الرضاعة " بفتح التاء ورفع " الرضاعة " على إسناد الفعل إليها .
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة بكسر الراء من " الرضاعة " وهي لغة كالحضارة والحضارة .
وروي عن مجاهد أنه قرأ " الرضعة " على وزن الفعلة .
وروي عن ابن عباس أنه قرأ " أن يكمل الرضاعة " .
النحاس : لا يعرف البصريون " الرضاعة " إلا بفتح الراء ، ولا " الرضاع " إلا بكسر الراء ، مثل القتال .
وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء .
الخامسة : انتزع مالك رحمه الله تعالى ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين ؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة ، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة .
هذا قوله في موطئه ، وهي رواية محمد بن عبد الحكم عنه ، وهو قول عمر وابن عباس ، وروي عن ابن مسعود ، وبه قال الزهري وقتادة والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور .
وروى ابن عبد الحكم عنه الحولين وزيادة أيام يسيرة .
عبد الملك : كالشهر ونحوه .
وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين ، وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه قال : ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلاثة فهو من الحولين ، وما كان بعد ذلك فهو عبث .
وحكي عن النعمان أنه قال : وما كان بعد الحولين إلى ستة أشهر فهو رضاع ، والصحيح الأول لقوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين .
وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا رضاع إلا ما كان في الحولين .
قال الدارقطني : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .
قلت : وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له .
وقد روي عن عائشة القول به .
وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء .
وروي عن أبي موسى الأشعري أنه كان يرى رضاع الكبير .
وروي عنه الرجوع عنه .
وسيأتي في سورة ( النساء ) مبينا إن شاء الله تعالى .
السادسة : قال جمهور المفسرين : إن هذين الحولين لكل ولد .
وروي عن ابن عباس أنه قال : هي في الولد يمكث في البطن ستة أشهر ، فإن مكث سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهرا ، فإن مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا ، لقوله تعالى : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا .
وعلى هذا تتداخل مدة الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الآخر .
السابعة : قوله تعالى : وعلى المولود له أي وعلى الأب .
ويجوز في العربية " وعلى المولود لهم " كقوله تعالى : ومنهم من يستمعون إليك ؛ لأن المعنى وعلى الذي ولد له و " الذي " يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم .
الثامنة : رزقهن وكسوتهن الرزق في هذا الحكم الطعام الكافي ، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه .
وسماه الله سبحانه للأم ؛ لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع كما قال : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن ؛ لأن الغذاء لا يصل إلا بسببها .
أجمع العلماء على أن على المرء نفقة ولده الأطفال الذين لا مال لهم .
وقال صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل علي في ذلك جناح ؟ فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف .
والكسوة : اللباس .
وقوله : ( بالمعروف ) : أي بالمتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط .
ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها من غير تقدير مد ولا غيره بقوله تعالى : لا تكلف نفس إلا وسعها على ما يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى .
وقيل المعنى : أي لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الأجرة ، ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعي القصد .
التاسعة : في هذه الآية دليل لمالك على أن الحضانة للأم ، فهي في الغلام إلى البلوغ ، وفي الجارية إلى النكاح ، وذلك حق لها ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال الشافعي : إذا بلغ الولد ثماني سنين وهو سن التمييز ، خير بين أبويه ، فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والأدب ووظائف العبادات ، وذلك يستوي فيه الغلام والجارية .
وروى النسائي وغيره عن أبي هريرة أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : زوجي يريد أن يذهب بابني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هذا أبوك وهذه أمك فخذ أيهما شئت فأخذ بيد أمه .
وفي كتاب أبي داود عن أبي هريرة قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد عنده - فقالت : يا رسول الله ، إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( استهما عليه ) فقال زوجها : من يحاقني في ولدي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أحدهما شئت ) فأخذ بيد أمه فانطلقت به .
ودليلنا ما رواه أبو داود عن الأوزاعي قال : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي .
قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد أن الأم أحق به ما لم تنكح .
وكذا قال أبو عمر : لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ولا تبرج .
ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به ، قال ابن المنذر : وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في ابنة حمزة للخالة من غير تخيير .
روى أبو داود عن علي قال : خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة ، فقال جعفر : أنا آخذها أنا أحق بها ، ابنة عمي وخالتها عندي والخالة أم .
فقال علي : أنا أحق بها ، ابنة عمي وعندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أحق بها .
فقال زيد : أنا أحق بها ، أنا خرجت إليها وسافرت وقدمت بها .
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا قال : وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها وإنما الخالة أم .
العاشرة : قال ابن المنذر : وقد أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على ألا حق للأم في الولد إذا تزوجت .
قلت : كذا قال في كتاب الأشراف له .
وذكر القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن أنه لا يسقط حقها من الحضانة بالتزوج .
وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة أم الأم أحق بحضانة الولد .
واختلفوا إذا لم يكن لها أم وكان لها جدة هي أم الأب ، فقال مالك : أم الأب أحق إذا لم يكن للصبي خالة .
وقال ابن القاسم : قال مالك : وبلغني ذلك عنه أنه قال : الخالة أولى من الجدة أم الأب .
وفي قول الشافعي والنعمان : أم الأب أحق من الخالة .
وقد قيل : إن الأب أولى بابنه من الجدة أم الأب - قال أبو عمر : وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية - ثم الأخت بعد الأب ثم العمة .
وهذا إذا كان كل واحد من هؤلاء مأمونا على الولد ، وكان عنده في حرز وكفاية ، فإذا لم يكن كذلك لم يكن له حق في الحضانة ، وإنما ينظر في ذلك إلى من يحوط الصبي ومن يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير .
وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد ، وقد روي ذلك عن مالك وقال به طائفة من أصحابه ، وكذلك لا يرون حضانة لفاجرة ولا لضعيفة عاجزة عن القيام بحق الصبي لمرض أو زمانة .
وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك أن الحضانة للأم ثم الجدة للأم ثم الخالة ثم الجدة للأب ثم أخت الصبي ثم عمة الصبي ثم ابنة أخي الصبي ثم الأب .
والجدة للأب أولى من الأخت والأخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها ، وأولى من جميع الرجال الأولياء .
وليس لابنة الخالة ولا لابنة العمة ولا لبنات أخوات الصبي من حضانته شيء .
فإذا كان الحاضن لا يخاف منه على الطفل تضييع أو دخول فساد كان حاضنا له أبدا حتى يبلغ الحلم .
وقد قيل : حتى يثغر ، وحتى تتزوج الجارية ، إلا أن يريد الأب نقلة سفر وإيطان فيكون حينئذ أحق بولده من أمه وغيرها إن لم ترد الانتقال .
وإن أراد الخروج لتجارة لم يكن له ذلك .
وكذلك أولياء الصبي الذين يكون مآله إليهم إذا انتقلوا للاستيطان .
وليس للأم أن تنقل ولدها عن موضع سكنى الأب إلا فيما يقرب نحو المسافة التي لا تقصر فيها الصلاة .
ولو شرط عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه لا يترك ولده عندها إلا أن تلتزم نفقته ومئونته سنين معلومة فإن التزمت ذلك لزمها : فإن ماتت لم تتبع بذلك ورثتها في تركتها .
وقد قيل : ذلك دين يؤخذ من تركتها ، والأول أصح إن شاء الله تعالى ، كما لو مات الوالد أو كما لو صالحها على نفقة الحمل والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك .
الحادية عشرة : إذا تزوجت الأم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل بها زوجها عند مالك .
وقال الشافعي : إذا نكحت فقد انقطع حقها .
فإن طلقها لم يكن لها الرجوع فيه عند مالك في الأشهر عندنا من مذهبه .
وقد ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويزمنداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك ، فقال مرة : يرد إليها ، وقال مرة : لا يرد .
قال ابن المنذر : فإذا خرجت الأم عن البلد الذي به ولدها ثم رجعت إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي .
وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو توفي عنها زوجها رجعت في حقها من الولد .
قلت وكذلك قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب ، فإن طلقها الزوج أو مات عنها كان لها أخذه لزوال العذر الذي جاز له تركه .
الثانية عشرة : فإن تركت المرأة حضانة ولدها ولم ترد أخذه وهي فارغة غير مشغولة بزوج ثم أرادت بعد ذلك أخذه نظر لها ، فإن كان تركها له من عذر كان لها أخذه ، وإن كانت تركته رفضا له ومقتا لم يكن لها بعد ذلك أخذه .
الثالثة عشرة : واختلفوا في الزوجين يفترقان بطلاق والزوجة ذمية ، فقالت طائفة : لا فرق بين الذمية والمسلمة وهي أحق بولدها ، هذا قول أبي ثور وأصحاب الرأي وابن القاسم صاحب مالك .
قال ابن المنذر : وقد روينا حديثا مرفوعا موافقا لهذا القول ، وفي إسناده مقال .
وفيه قول ثان : إن الولد مع المسلم منهما ، هذا قول مالك وسوار وعبد الله بن الحسن ، وحكي ذلك عن الشافعي .
وكذلك اختلفوا في الزوجين يفترقان ، أحدهما حر والآخر مملوك ، فقالت طائفة : الحر أولى ، هذا قول عطاء والثوري والشافعي وأصحاب الرأي .
وقال مالك : في الأب إذا كان حرا وله ولد حر والأم مملوكة : إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الأب أحق به .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده المعنى : لا تأبى الأم أن ترضعه إضرارا بأبيه أو تطلب أكثر من أجر مثلها ، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك مع رغبتها في الإرضاع ، هذا قول جمهور المفسرين .
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي ( تضار ) بفتح الراء المشددة وموضعه جزم على النهي ، وأصله لا تضارر على الأصل ، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين ، وهكذا يفعل في المضاعف إذا كان قبله فتح أو ألف ، تقول : عض يا رجل ، وضار فلانا يا رجل .
أي لا ينزع الولد منها إذا رضيت بالإرضاع وألفها الصبي .
وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان بن عاصم وجماعة " تضار " بالرفع عطفا على قوله : تكلف نفس وهو خبر والمراد به الأمر .
وروى يونس عن الحسن قال : يقول : لا تضار زوجها تقول : لا أرضعه ، ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول : أنا أرضعه .
ويحتمل أن يكون الأصل " تضارر " بكسر الراء الأولى ، ورواها أبان عن عاصم ، وهي لغة أهل الحجاز .
ف ( والدة ) فاعله ، ويحتمل أن يكون " تضارر " ف ( والدة ) مفعول ما لم يسم فاعله .
وروي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قرأ " لا تضارر " براءين الأولى مفتوحة .
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " تضار " بإسكان الراء وتخفيفها .
وكذلك " لا يضار كاتب " وهذا بعيد لأن المثلين إذا اجتمعا وهما أصليان لم يجز حذف أحدهما للتخفيف ، فإما الإدغام وإما الإظهار .
وروي عنه الإسكان والتشديد .
وروي عن ابن عباس والحسن " لا تضارر " بكسر الراء الأولى .
الخامسة عشرة : : قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك هو معطوف على قوله : وعلى المولود واختلفوا في تأويل قوله : وعلى الوارث مثل ذلك فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو وارث الصبي أن لو مات .
قال بعضهم : وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع ، كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا ، وقاله مجاهد وعطاء .
وقال قتادة وغيره : هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء ، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه ، وبه قال أحمد وإسحاق .
وقال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق في كتاب " معاني القرآن " له : فأما أبو حنيفة فإنه قال : تجب نفقة الصغير ورضاعه على كل ذي رحم محرم ، مثل أن يكون رجل له ابن أخت صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه ، فإن النفقة تجب على الخال لابن أخته الذي لا يرثه ، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الوارث .
قال أبو إسحاق : فقالوا قولا ليس في كتاب الله ولا نعلم أحدا قاله .
وحكى الطبري عن أبي حنيفة وصاحبيه أنهم قالوا : الوارث الذي يلزمه الإرضاع هو وارثه إذا كان ذا رحم محرما منه ، فإن كان ابن عم وغيره ليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء .
وقيل : المراد عصبة الأب عليهم النفقة والكسوة .
قال الضحاك : إن مات أبو الصبي وللصبي مال أخذ رضاعه من المال ، وإن لم يكن له مال أخذ من العصبة ، وإن لم يكن للعصبة مال أجبرت الأم على إرضاعه .
وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز : الوارث هو الصبي نفسه ، وتأولوا قوله : وعلى الوارث المولود ، مثل ما على المولود له ، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه .
وقال سفيان : الوارث هنا هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما فإن مات الأب فعلى الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال ، ويشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث .
وقال ابن خويزمنداد : ولو كان اليتيم فقيرا لا مال له ، وجب على الإمام القيام به من بيت المال ، فإن لم يفعل الإمام وجب ذلك على المسلمين ، الأخص به فالأخص ، والأم أخص به فيجب عليها إرضاعه والقيام به ، ولا ترجع عليه ولا على أحد .
والرضاع واجب والنفقة استحباب : ووجه الاستحباب قوله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وواجب على الأزواج القيام بهن ، فإذا تعذر استيفاء الحق لهن بموت الزوج أو إعساره لم يسقط الحق عنهن ، ألا ترى أن العدة واجبة عليهن والنفقة والسكنى على أزواجهن ، وإذا تعذرت النفقة لهن لم تسقط العدة عنهن .
وروى عبد الرحمن بن القاسم في الأسدية عن مالك بن أنس رحمه الله أنه قال : لا يلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه .
قال : وقول الله عز وجل : وعلى الوارث مثل ذلك هو منسوخ .
قال النحاس : هذا لفظ مالك ، ولم يبين ما الناسخ لها ولا عبد الرحمن بن القاسم ، ولا علمت أن أحدا من أصحابهم بين ذلك ، والذي يشبه أن يكون الناسخ لها عنده والله أعلم ، أنه لما أوجب الله تعالى للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضا عن الوارث .
قلت : فعلى هذا تكون النفقة على الصبي نفسه من ماله ، لا يكون على الوارث منها شيء على ما يأتي .
قال ابن العربي : قوله وعلى الوارث مثل ذلك قال ابن القاسم عن مالك هي منسوخة ، وهذا كلام تشمئز منه قلوب الغافلين ، وتحتار فيه ألباب الشاذين ، والأمر فيه قريب ، وذلك أن العلماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمون التخصيص نسخا ؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم مسامحة ، وجرى ذلك في ألسنتهم حتى أشكل ذلك على من بعدهم ، وتحقيق القول فيه : أن قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى ما تقدم ، فمن الناس من رده إلى جميعه من إيجاب النفقة وتحريم الإضرار ، منهم أبو حنيفة من الفقهاء ، ومن السلف قتادة والحسن ويسند إلى عمر وقالت طائفة من العلماء : إن معنى قوله تعالى : وعلى الوارث مثل ذلك لا يرجع إلى جميع ما تقدم وإنما يرجع إلى تحريم الإضرار ، والمعنى : وعلى الوارث من تحريم الإضرار بالأم ما على الأب ، وهذا هو الأصل ، فمن ادعى أنه يرجع العطف فيه إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل .
قلت : قوله : " وهذا هو الأصل " ، يريد في رجوع الضمير إلى أقرب مذكور ، وهو صحيح ، إذ لو أراد الجميع الذي هو الإرضاع والإنفاق وعدم الضرر لقال : وعلى الوارث مثل هؤلاء ، فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة ، وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبد الوهاب ، وهو أن المراد به أن الوالدة لا تضار ولدها في أن الأب إذا بذل لها أجرة المثل ألا ترضعه ، ولا مولود له بولده في أن الأم إذا بذلت أن ترضعه بأجرة المثل كان لها ذلك ؛ لأن الأم أرفق وأحن عليه ، ولبنها خير له من لبن الأجنبية .
قال ابن عطية : وقال مالك رحمه الله وجميع أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء : المراد بقوله ( مثل ذلك ) ألا تضار ، وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه .
وروى ابن القاسم عن مالك أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ، ثم نسخ ذلك بالإجماع من الأمة في ألا يضار الوارث ، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا ؟ وقرأ يحيى بن يعمر " وعلى الورثة " بالجمع ، وذلك يقتضي العموم ، فإن استدلوا بقوله عليه السلام : لا يقبل الله صدقة وذو رحم محتاج قيل لهم الرحم عموم في كل ذي رحم ، محرما كان أو غير محرم ، ولا خلاف أن صرف الصدقة إلى ذي الرحم أولى لقوله عليه السلام : اجعلها في الأقربين فحمل الحديث على هذا ، ولا حجة فيه على ما راموه ، والله أعلم .
وقال النحاس : وأما قول من قال وعلى الوارث مثل ذلك ألا يضار فقوله حسن ؛ لأن أموال الناس محظورة فلا يخرج شيء منها إلا بدليل قاطع .
وأما قول من قال على ورثة الأب فالحجة أن النفقة كانت على الأب ، فورثته أولى من ورثة الابن وأما حجة من قال على ورثة الابن فيقول : كما يرثونه يقومون به .
قال النحاس : وكان محمد بن جرير يختار قول من قال : الوارث هنا الابن ، وهو - وإن كان قولا غريبا - فالاستدلال به صحيح والحجة به ظاهرة ؛ لأن ماله أولى به .
وقد أجمع الفقهاء إلا من شذ منهم أن رجلا لو كان له ولد طفل وللولد مال ، والأب موسر أنه لا يجب على الأب نفقة ولا رضاع ، وأن ذلك من مال الصبي .
فإن قيل : قد قال الله عز وجل وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف قيل : هذا الضمير للمؤنث ، ومع هذا فإن الإجماع حد للآية مبين لها ، لا يسع مسلما الخروج عنه .
وأما من قال : ذلك على من بقي من الأبوين ، فحجته أنه لا يجوز للأم تضييع ولدها ، وقد مات من كان ينفق عليه وعليها .
وقد ترجم البخاري على رد هذا القول ( باب - وعلى الوارث مثل ذلك ، وهل على المرأة منه شيء ) وساق حديث أم سلمة وهند .
والمعنى فيه : أن أم سلمة كان لها أبناء من أبي سلمة ولم يكن لهم مال ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرها أن لها في ذلك أجرا .
فدل هذا الحديث على أن نفقة بنيها لا تجب عليها ، ولو وجبت عليها لم تقل للنبي صلى الله عليه وسلم : ولست بتاركتهم .
وأما حديث هند فإن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقها على أخذ نفقتها ونفقة بنيها من مال الأب ، ولم يوجبها عليها كما أوجبها على الأب .
فاستدل البخاري من هذا على أنه لما لم يلزم الأمهات نفقات الأبناء في حياة الآباء فكذلك لا يلزمهن بموت الآباء .
وأما قول من قال إن النفقة والكسوة على كل ذي رحم محرم فحجته أن على الرجل أن ينفق على كل ذي رحم محرم إذا كان فقيرا .
قال النحاس : وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب الله تعالى ولا من إجماع ولا من سنة صحيحة ، بل لا يعرف من قول سوى ما ذكرناه .
فأما القرآن فقد قال الله عز وجل : وعلى الوارث مثل ذلك فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا : إذا ترك خاله وابن عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء ، فهذا مخالف نص القرآن ؛ لأن الخال لا يرث مع ابن العم في قول أحد ، ولا يرث وحده في قول كثير من العلماء ، والذي احتجوا به من النفقة على كل ذي رحم محرم أكثر أهل العلم على خلافه .
السادسة عشرة : قوله تعالى : فإن أرادا فصالا الضمير في ( أرادا ) للوالدين .
و ( فصالا ) معناه فطاما عن الرضاع ، أي عن الاغتذاء بلبن أمه إلى غيره من الأقوات .
والفصال والفصل : الفطام ، وأصله التفريق ، فهو تفريق بين الصبي والثدي ، ومنه سمي الفصيل ؛ لأنه مفصول عن أمه .
عن تراض منهما أي قبل الحولين .
فلا جناح عليهما أي في فصله ، وذلك أن الله سبحانه لما جعل مدة الرضاع حولين بين أن فطامهما هو الفطام ، وفصالهما هو الفصال ليس لأحد عنه منزع ، إلا أن يتفق الأبوان على أقل من ذلك العدد من غير مضارة بالولد ، فذلك جائز بهذا البيان .
وقال قتادة : كان الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله ، ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من الحولين بقوله : فإن أرادا فصالا الآية .
وفي هذا دليل على جواز الاجتهاد في الأحكام بإباحة الله تعالى للوالدين التشاور فيما يؤدي إلى صلاح الصغير ، وذلك موقوف على غالب ظنونهما لا على الحقيقة واليقين ، والتشاور : استخراج الرأي ، وكذلك المشاورة ، والمشورة كالمعونة ، وشرت العسل : استخرجته ، وشرت الدابة وشورتها أي أجريتها لاستخراج جريها ، والشوار : متاع البيت ؛ لأنه يظهر للناظر .
والشارة : هيئة الرجل ، والإشارة : إخراج ما في نفسك وإظهاره .
السابعة عشرة : قوله تعالى : وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي لأولادكم غير الوالدة ، قاله الزجاج .
قال النحاس : التقدير في العربية أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم ، مثل كالوهم أو وزنوهم ؛ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم ، وحذفت اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف ، وأنشد سيبويه :أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسبولا يجوز : دعوت زيدا ، أي دعوت لزيد ؛ لأنه يؤدي إلى التلبيس ، فيعتبر في هذا النوع السماع .
قلت : وعلى هذا يكون في الآية دليل على جواز اتخاذ الظئر إذا اتفق الآباء والأمهات على ذلك .
وقد قال عكرمة في قوله تعالى : لا تضار والدة معناه الظئر ، حكاه ابن عطية .
والأصل أن كل أم يلزمها رضاع ولدها كما أخبر الله عز وجل ، فأمر الزوجات بإرضاع أولادهن ، وأوجب لهن على الأزواج النفقة والكسوة - والزوجية قائمة - فلو كان الرضاع على الأب لذكره مع ما ذكره من رزقهن وكسوتهن ، إلا أن مالكا رحمه الله دون فقهاء الأمصار استثنى الحسيبة فقال : لا يلزمها رضاعة .
فأخرجها من الآية وخصصها بأصل من أصول الفقه وهو العمل بالعادة .
وهذا أصل لم يتفطن له إلا مالك .
والأصل البديع فيه أن هذا أمر كان في الجاهلية في ذوي الحسب وجاء الإسلام فلم يغيره ، وتمادى ذوو الثروة والأحساب على تفريغ الأمهات للمتعة بدفع الرضعاء للمراضع إلى زمانه فقال به ، وإلى زماننا فتحققناه شرعا .
الثامنة عشرة : قوله تعالى : إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف يعني الآباء ، أي سلمتم الأجرة إلى المرضعة الظئر ، قاله سفيان .
مجاهد : سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع .
وقرأ الستة من السبعة ( ما آتيتم ) بمعنى ما أعطيتم .
وقرأ ابن كثير " أتيتم " بمعنى ما جئتم وفعلتم ، كما قال زهير :وما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبلقال قتادة والزهري : المعنى سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع ، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي ، وكان ذلك على اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر .
وعلى هذا الاحتمال فيدخل في الخطاب " سلمتم " الرجال والنساء ، وعلى القولين المتقدمين الخطاب للرجال .
قال أبو علي : المعنى إذا سلمتم ما آتيتم نقده أو إعطاءه ، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه ، فكان التقدير : ما آتيتموه ، ثم حذف الضمير من الصلة ، وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجال ؛ لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع .
قال أبو علي : ويحتمل أن تكون " ما " مصدرية ، أي إذا سلمتم الإتيان ، والمعنى كالأول ، لكن يستغني عن الصفة من حذف المضاف ثم حذف الضمير .


شرح المفردات و معاني الكلمات : الوالدات , يرضعن , أولادهن , حولين , كاملين , أراد , يتم , الرضاعة , المولود , رزقهن , وكسوتهن , المعروف , تكلف , نفس , وسعها , تضار , والدة , بولدها , مولود , بولده , الوارث , مثل , أرادا , فصالا , تراض , وتشاور , جناح , أردتم , تسترضعوا , أولادكم , جناح , سلمتم , آتيتم , المعروف , واتقوا , الله , واعلموا , الله , تعملون , بصير , وعلى+المولود+له+رزقهن+وكسوتهن+بالمعروف , لا+تكلف+نفس+إلا+وسعها , لا+تضار+والدة+بولدها+ولا+مولود+له+بولده , وعلى+الوارث+مثل+ذلك , وإن+أردتم+أن+تسترضعوا+أولادكم+فلا+جناح+عليكم+إذا+سلمتم+ما+آتيتم+بالمعروف , اتقوا+الله+واعلموا+أن+الله+بما+تعملون+بصير , الله+بما+تعملون+بصير ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. فإن الجنة هي المأوى
  2. فبأي آلاء ربكما تكذبان
  3. ما ضل صاحبكم وما غوى
  4. لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين
  5. أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم
  6. لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون
  7. قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنـزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا
  8. فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون
  9. فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج
  10. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, March 29, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب