﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ﴾
[ البقرة: 83]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 12 )

And (remember) when We took a covenant from the Children of Israel, (saying): Worship none but Allah (Alone) and be dutiful and good to parents, and to kindred, and to orphans and Al-Masakin (the poor), [Tafsir At-Tabari, Vol. 10, Page 158 (Verse 9:60)] and speak good to people [i.e. enjoin righteousness and forbid evil, and say the truth about Muhammad Peace be upon him], and perform As-Salat (Iqamat-as-Salat), and give Zakat. Then you slid back, except a few of you, while you are backsliders. (Tafsir Al-Qurtubi, Vol. 2, Page 392).


واذكروا يا بني إسرائيل حين أخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا: بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن تحسنوا للوالدين، وللأقربين، وللأولاد الذين مات آباؤهم وهم دون بلوغ الحلم، وللمساكين، وأن تقولوا للناس أطيب الكلام، مع أداء الصلاة وإيتاء الزكاة، ثم أَعْرَضْتم ونقضتم العهد -إلا قليلا منكم ثبت عليه- وأنتم مستمرون في إعراضكم.

وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي - تفسير السعدي

وهذه الشرائع من أصول الدين, التي أمر الله بها في كل شريعة, لاشتمالها على المصالح العامة, في كل زمان ومكان, فلا يدخلها نسخ, كأصل الدين، ولهذا أمرنا بها في قوله: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } إلى آخر الآية.
فقوله: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } هذا من قسوتهم أن كل أمر أمروا به, استعصوا؛ فلا يقبلونه إلا بالأيمان الغليظة, والعهود الموثقة { لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ } هذا أمر بعبادة الله وحده, ونهى عن الشرك به، وهذا أصل الدين, فلا تقبل الأعمال كلها إن لم يكن هذا أساسها, فهذا حق الله تعالى على عباده, ثم قال: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }- أي: أحسنوا بالوالدين إحسانا، وهذا يعم كل إحسان قولي وفعلي مما هو إحسان إليهم، وفيه النهي عن الإساءة إلى الوالدين, أو عدم الإحسان والإساءة، لأن الواجب الإحسان, والأمر بالشيء نهي عن ضده.
وللإحسان ضدان: الإساءة, وهي أعظم جرما، وترك الإحسان بدون إساءة, وهذا محرم, لكن لا يجب أن يلحق بالأول، وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين، وتفاصيل الإحسان لا تنحصر بالعد, بل تكون بالحد, كما تقدم.
ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموما فقال: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر, وتعليمهم العلم, وبذل السلام, والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب.
ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله, أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق, وهو الإحسان بالقول, فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار, ولهذا قال تعالى: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده, أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله, غير فاحش ولا بذيء, ولا شاتم, ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق, واسع الحلم, مجاملا لكل أحد, صبورا على ما يناله من أذى الخلق, امتثالا لأمر الله, ورجاء لثوابه.
ثم أمرهم بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, لما تقدم أن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود, والزكاة متضمنة للإحسان إلى العبيد.
{ ثُمَّ } بعد هذا الأمر لكم بهذه الأوامر الحسنة التي إذا نظر إليها البصير العاقل, عرف أن من إحسان الله على عباده أن أمرهم بها,, وتفضل بها عليهم وأخذ المواثيق عليكم { تَوَلَّيْتُمْ } على وجه الإعراض، لأن المتولي قد يتولى, وله نية رجوع إلى ما تولى عنه، وهؤلاء ليس لهم رغبة ولا رجوع في هذه الأوامر، فنعوذ بالله من الخذلان.
وقوله: { إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } هذا استثناء, لئلا يوهم أنهم تولوا كلهم، فأخبر أن قليلا منهم, عصمهم الله وثبتهم.

تفسير الآية 83 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون : الآية رقم 83 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 83

وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي - مكتوبة

الآية 83 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ  ﴾ [ البقرة: 83]


﴿ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ﴾ [ البقرة: 83]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 83 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 83 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي

إفراد الله بالعبادة أوَّل ميثاقٍ أُخِذ على بني إسرائيل، وهو أوَّل ميثاقٍ أُخِذ على البشرية في أوَّل أوامر القرآن: ﴿يا أيُّها الناسُ اعبُدوا ربَّكم﴾ .
أوثق المواثيق توحيدُ الله تعالى؛ إنه الأصل في الحياة الكريمة، وكلُّ فعل جميل وخُلق نبيل تبَعٌ له، ومتى أخلَّ العبد بأصله خسر كلَّ ما بعده! أعظِم ببِرِّ الوالدين والإحسان إليهما! ألا ترى أن الله قرن بِرَّهما بتوحيده وإخلاص عبادته؟ وإن الإحسان نهاية البِرِّ فيدخل فيه كلُّ ما ينبغي من الرعاية والعناية وخفض الجناح.
مَن لم يجد أبًا يحنو عليه فليعلم أن له ربًّا أرحم به من أبيه، لقد أخذ الله الميثاقَ على الناس جميعًا بالإحسان إلى اليتيم.
إن في الله خلَفًا عن كلِّ مفقود.
حقُّ المسكين يتجاوز البذلَ الواجب إلى مُطلَق الإحسان إليه، فإن تعذَّر الإحسان بالمال فبالكلمة الطيِّبة، فإنها صدقة.
أخذ الله الميثاقَ عليك أن تقولَ للناس حُسنًا؛ أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو تبشيرًا وتشجيعًا، فهل تعجِز عن ذلك ؟! استعِن على الوفاء بالميثاق بالصلاة لتُصلحَ قلبَك وأخلاقك، وبالزكاة لتتعوَّدَ البذلَ وتصِلَ الأقربين، وبهما كمالُ الإحسان، وإنك لأهلٌ له.

ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن رذيلة من أبرز الرذائل التي طبع عليها بنو إسرائيل ، وهي رذيلة نقضهم للعهود والمواثيق فقال تعالى :{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وبالوالدين ... }ومعنى الآية إجمالا: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتستجيبوا للحق- وليذكر معكم كل من ينتفع بالذكرى- وقت أن أخذنا عليكم العهد، وأمرناكم بالعمل به على لسان رسلنا- عليهم السلام- وأمرناكم فيه بألا تعبدوا سوى الله، وأمرناكم فيه كذلك، بأن تحسنوا إلى آبائكم وتقوموا بأداء ما أوجبه الله لهما من حقوق، وأن تصلوا أقرباءكم وتعطفوا على اليتامى الذين فقدوا آباءهم، وعلى المساكين الذين لا يملكون ما يكفيهم في حياتهم، وأمرناكم فيه- أيضا- بأن تقولوا للناس قولا حسنا فيه صلاحهم ونفعهم، وأن تحافظوا على فريضة الصلاة، وتؤدوا بإخلاص ما أوجبه الله عليكم من زكاة، ولكنكم نقضتم أنتم وأسلافكم الميثاق، وأعرضتم عنه، إلا قليلا منكم استمروا على رعايته والعمل بموجبه.
والمراد ببني إسرائيل في الآية الكريمة، سلفهم وخلفهم، لأن هذه الأوامر والنواهي التي تناولتها الآية الكريمة، والتي هي مضمون العهد المأخوذ عليهم، قد أخذت عليهم جميعا على لسان أنبيائهم ورسلهم.
والدليل على أن المقصود ببني إسرائيل ما يتناول الخلف المعاصرين منهم للعهد النبوي، قوله تعالى في ختام هذه الآية ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ فإنه قد أسند إليهم فيه أنهم تولوا عن الميثاق معرضين، والاعراض عنه لا يكون إلا بعد أخذه عليهم كما سيأتى.
وقوله تعالى لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ...
إلى قوله تعالى ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ...
بيان للميثاق وتفصيل له.
وجاء التعبير بقوله تعالى لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ في صورة الخبر المنفي والمراد منه النهى عن عبادة غير الله، لإفادة المبالغة والتأكيد، فكأن الأمر والنهى قد امتثلا فيخبر بوقوعها، أو أنهما لأهمّيّتهما يخبر عنهما بأنهما سيتلقيان بحسن الطاعة حتما، فينزل ما يجب وقوعه منزلة الواقع، ويخبر عن المأمور بأنه فاعل لما أمر به ومجتنب لما نهى عنه في الحال، وفي ذلك ما فيه من إفادة المبالغة في وجوب امتثال الأمر والنهى.
وقد تضمنت الآية الكريمة لونا فريدا من التوجيه المحكم الذي لو اتبعوه لحسنت صلتهم مع الخالق والمخلوق، لأنها ابتدأت بأمرهم بأعلى الحقوق وأعظمها وهو حق الله-تبارك وتعالى- عليهم، بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم ثنت ببيان حقوق الناس فبدأت بأحقهم بالإحسان وهما الوالدان لما لهما من فضل الولادة والعطف والتربية، ثم الأقارب الذين تجمع الناس بهم صلة قرابة من جهة الأب والأم، ورعايتهم تكون بالقيام بما يحتاجون إليه على قدر الاستطاعة، ثم باليتامى لأنهم في حاجة إلى العون بعد أن فقدوا الأب الحانى، ثم بالمساكين لعجزهم عن كسب ما يكفيهم، ثم بالإحسان إلى سائر الناس عن طريق الكلمة الطيبة، والمعاملة الحسنة، لأن الناس إن لم يكونوا في حاجة إلى المال، فهم في حاجة إلى حسن المقال، ثم أرشدتهم إلى العبادات التي تعينهم على إحسان صلتهم بالخالق والمخلوق فأمرتهم بالمداومة على الصلاة بخشوع وإخلاص، وبالمحافظة على أداء الزكاة بسخاء وطيب خاطر، ولعظم شأن هاتين العبادتين البدنية والمالية ذكرتا على وجه خاص بعد الأمر بعبادة الله، تفخيما لشأنهما وتوكيدا لأمرهما، وكان من الواجب على بنى إسرائيل أن ينتفعوا بهذه الأوامر الحكيمة، لكنهم عموا وصموا عنها فوبخهم القرآن الكريم بقوله: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ.
أى: ثم توليتم- أيها اليهود- عن جميع ما أخذ عليكم من مواثيق فأشركتم بالله وعققتم الوالدين، وأسأتم إلى الأقارب واليتامى والمساكين وقلتم للناس أفحش الأقوال، وتركتم الصلاة، ومنعتم الزكاة، وقطعتم ما أمر الله به أن يوصل.
وقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ إنصاف لمن حافظ على العهد منهم، حيث إنه لا تخلو أمة من المخلصين الذين يرعون العهود، ويتبعون الحق، وإرشاد للناس إلى أن وجود عدد قليل من المخلصين في الأمة، لا يمنع نزول العقاب بها متى فشا المنكر في الأكثرين منها.
وقوله تعالى: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ جملة حالية تفيد أن الأعراض عن الطاعة، وعدم التقيد بالمواثيق التي أقروا بها، عادة متأصلة فيهم ووصف ثابت لهم، وسجية معروفة منهم.
قال صاحب المنار: «قد يتولى الإنسان منصرفا عن شيء وهو عازم على أن يعود إليه ويوفيه حقه، فليس كل متول عن شيء معرضا عنه ومهملا له على طول الدوام، لذلك كان ذكر هذا القيد «وأنتم معرضون لازما لا بد منه، وليس تكرارا كما يتوهم، ثم قال: وقد كان سبب ذلك التولي مع الإعراض أن الله أمرهم ألا يأخذوا الدين إلا من كتابه فاتخذوا أحبارهم أربابا من دون الله، يحلون برأيهم ويحرمون، ويبيحون باجتهادهم ويحظرون ويزيدون في الشرائع والأحكام ويضعون ما شاءوا من الشعائر فصدق عليهم أنهم اتخذوا من دونه شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فإن الله هو الذي يضع الدين وحده وإنما العلماء أدلاء يستعان بهم على فهم كتابه، وما شرع على ألسنة رسله ...
»وخلاصة الفرق بين التفسير الذي بدأنا به وبين تفسير صاحب المنار، لقوله تعالى: وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ أن هذه الجملة على التفسير الأول تبين عادة في القوم تأصلت فيهم حتى كأنها سجية، والمعنى: «ثم توليتم، أى أعرضتم وأنتم قوم عادتكم الإعراض.
وعلى تفسير صاحب المنار تكون هذه الجملة مبينة.
لنوع التولي ومتممة لمعناه: والتفسير الأول- الذي سقناه- أدخل في باب الذم، وأوفى ببيان ما عليه حال اليهود.
قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضونفيه عشر مسائل : الأولى : قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل تقدم الكلام في بيان هذه الألفاظ .
واختلف في الميثاق هنا ، فقال مكي : هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر .
وقيل : هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم وهو قوله : لا تعبدون إلا الله وعبادة الله إثبات توحيده ، وتصديق رسله ، والعمل بما أنزل في كتبه .
الثانية : قوله تعالى : لا تعبدون قال سيبويه : لا تعبدون متعلق بقسم ، والمعنى وإذ استخلفناهم والله لا تعبدون ، وأجازه المبرد والكسائي والفراء .
وقرأ أبي وابن مسعود " لا تعبدوا " على النهي ، ولهذا وصل الكلام بالأمر فقال : " وقوموا ، وقولوا ، وأقيموا ، وآتوا " .
وقيل : هو في موضع الحال ، أي أخذنا ميثاقهم موحدين ، أو غير معاندين ، قاله قطرب والمبرد أيضا .
وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي " يعبدون " بالياء من أسفل .
وقال الفراء والزجاج وجماعة : المعنى أخذنا ميثاقهم بألا يعبدوا إلا الله ، وبأن يحسنوا للوالدين ، وبألا يسفكوا الدماء ، ثم حذفت أن والباء فارتفع الفعل لزوالهما ، كقوله تعالى : أفغير الله تأمروني .
قال المبرد : هذا خطأ ; لأن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا ، تقول : وبلد قطعت ، أي رب بلد .
قلت : ليس هذا بخطأ ، بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه [ هو للشاعر طرفة بن العبد ] :ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلديبالنصب والرفع ، فالنصب على إضمار أن ، والرفع على حذفها .
الثالثة : قوله تعالى : وبالوالدين إحسانا أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا .
وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد ; لأن النشأة الأولى من عند الله ، والنشء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين ، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال : أن اشكر لي ولوالديك .
والإحسان إلى الوالدين : معاشرتهما بالمعروف ، والتواضع لهما ، وامتثال أمرهما ، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما ، وصلة أهل ودهما ، على ما يأتي بيانه مفصلا في " الإسراء " إن شاء الله تعالى .
الرابعة : قوله تعالى : وذي القربى عطف ذي القربى على الوالدين .
والقربى : بمعنى القرابة ، وهو مصدر كالرجعى والعقبى ، أي وأمرناهم بالإحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم .
وسيأتي بيان هذا مفصلا في سورة " القتال " إن شاء الله تعالى .
الخامسة : قوله تعالى : واليتامى اليتامى عطف أيضا ، وهو جمع يتيم ، مثل ندامى جمع نديم .
واليتم في بني آدم بفقد الأب ، وفي البهائم بفقد الأم .
وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الأم ، والأول المعروف .
وأصله الانفراد ، يقال : صبي يتيم ، أي منفرد من أبيه .
وبيت يتيم : أي ليس قبله ولا بعده شيء من الشعر .
ودرة يتيمة : ليس لها نظير .
وقيل : أصله الإبطاء ، فسمي به اليتيم ; لأن البر يبطئ عنه .
ويقال : يتم ييتم يتما ، مثل عظم يعظم .
ويتم ييتم يتما ويتما ، مثل سمع يسمع ، ذكر الوجهين الفراء .
وقد أيتمه الله .
ويدل هذا على الرأفة باليتيم والحض على كفالته وحفظ ماله ، على ما يأتي بيانه في " النساء " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة .
وأشار مالك بالسبابة والوسطى ، رواه أبو هريرة أخرجه مسلم .
وخرج الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الحسن بن دينار أبي سعيد البصري وهو الحسن بن واصل قال حدثنا الأسود بن عبد الرحمن عن هصان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما قعد يتيم مع قوم على قصعتهم فيقرب قصعتهم الشيطان .
وخرج أيضا من حديث حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ضم يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله عز وجل غفرت له ذنوبه ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر ومن أذهب الله كريمتيه فصبر واحتسب غفرت له ذنوبه - قالوا : وما كريمتاه ؟ قال : - عيناه ومن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يبن أو يمتن غفرت له ذنوبه ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر فناداه رجل من الأعراب ممن هاجر فقال : يا رسول الله أو اثنتين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو اثنتين .
فكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال : هذا والله من غرائب الحديث وغرره .
السادسة : السبابة من الأصابع هي التي تلي الإبهام ، وكانت في الجاهلية تدعى بالسبابة ، لأنهم كانوا يسبون بها ، فلما جاء الله بالإسلام كرهوا هذا الاسم فسموها المشيرة ; لأنهم كانوا يشيرون بها إلى الله في التوحيد .
وتسمى أيضا بالسباحة ، جاء تسميتها بذلك في حديث وائل بن حجر وغيره ، ولكن اللغة سارت بما كانت تعرفه في الجاهلية فغلبت .
وروي عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة منها كانت أطول من الوسطى ، ثم الوسطى أقصر منها ، ثم البنصر أقصر من الوسطى .
روى يزيد بن هارون قال : أخبرنا عبد الله بن مقسم الطائفي قال حدثتني عمتي سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت : خرجت في حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وسأله أبي عن أشياء ، فلقد رأيتني أتعجب وأنا جارية من طول أصبعه التي تلي الإبهام على سائر أصابعه .
فقوله عليه السلام : ( أنا وهو كهاتين في الجنة ) ، وقوله في الحديث الآخر : ( أحشر أنا وأبو بكر وعمر يوم القيامة هكذا ) وأشار بأصابعه الثلاث ، فإنما أراد ذكر المنازل والإشراف على الخلق فقال : نحشر هكذا ونحن مشرفون وكذا كافل اليتيم تكون منزلته رفيعة .
فمن لم يعرف شأن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل تأويل الحديث على الانضمام والاقتراب بعضهم من بعض في محل القربة .
وهذا معنى بعيد ; لأن منازل الرسل والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين مراتب متباينة ، ومنازل مختلفة .
السابعة : قوله تعالى : والمساكين المساكين عطف أيضا أي وأمرناهم بالإحسان إلى المساكين ، وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم .
وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمؤاساة وتفقد أحوال المساكين والضعفاء .
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال - وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر .
قال ابن المنذر : وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله .
الثامنة : قوله تعالى : وقولوا للناس حسنا نصب على المصدر على المعنى ; لأن المعنى ليحسن قولكم .
وقيل : التقدير وقولوا للناس قولا ذا حسن ، فهو مصدر لا على المعنى .
وقرأ حمزة والكسائي " حسنا " بفتح الحاء والسين .
قال الأخفش : هما بمعنى واحد ، مثل البخل والبخل ، والرشد والرشد .
وحكى الأخفش : " حسنى " بغير تنوين على فعلى .
قال النحاس : " وهذا لا يجوز في العربية ، لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام ، نحو الفضلى والكبرى والحسنى ، هذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر " حسنا " بضمتين ، مثل " الحلم " .
قال ابن عباس : المعنى قولوا لهم لا إله إلا الله ومروهم بها .
ابن جريج : قولوا للناس صدقا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا تغيروا نعته .
سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر .
أبو العالية : قولوا لهم الطيب من القول ، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به .
وهذا كله حض على مكارم الأخلاق ، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر ، والسني والمبتدع ، من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه ; لأن الله تعالى قال لموسى وهارون : فقولا له قولا لينا .
فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ، والفاجر ليس بأخبث من فرعون ، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه .
وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة ، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ ، فقال : لا تفعل ! يقول الله تعالى : وقولوا للناس حسنا .
فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة : لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء .
وقيل : أراد بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم ، كقوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
فكأنه قال : قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا .
وحكى المهدوي عن قتادة أن قوله : وقولوا للناس حسنا منسوخ بآية السيف .
وحكاه أبو نصر عبد الرحيم عن ابن عباس .
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف .
قال ابن عطية : وهذا يدل على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام ، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه ، والله أعلم .
التاسعة : قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة تقدم القول فيه .
والخطاب لبني إسرائيل .
قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يتقبل ، ولا تنزل على ما لم يتقبل ، ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قلت : وهذا يحتاج إلى نقل ، كما ثبت ذلك في الغنائم .
وقد روي عن ابن عباس أنه قال : الزكاة التي أمروا بها طاعة الله والإخلاص .
العاشرة : قوله تعالى : ثم توليتم الخطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل في إعراضهم عن الحق مثلهم ، كما قال :شنشنة أعرفها من أخزم.
[ رجز لأبي أخزم الطائي ]إلا قليلا كعبد الله بن سلام وأصحابه .
وقليلا نصب على الاستثناء ، والمستثنى عند سيبويه منصوب ; لأنه مشبه بالمفعول .
وقال محمد بن يزيد : هو مفعول على الحقيقة ، المعنى استثنيت قليلا .
وأنتم معرضون ابتداء وخبر .
والإعراض والتولي بمعنى واحد ، مخالف بينهما في اللفظ .
وقيل : التولي فيه بالجسم ، والإعراض بالقلب .
قال المهدوي : وأنتم معرضون حال ; لأن التولي فيه دلالة على الإعراض .


شرح المفردات و معاني الكلمات : أخذنا , ميثاق , بني , إسرائيل , تعبدون , الله , الوالدين , إحسانا , القربى , اليتامى , المساكين , قولوا , للناس , حسنا , أقيموا , الصلاة , آتوا , الزكاة , توليتم , قليلا , معرضون , وبالوالدين+إحسانا , ذي+القربى , اليتامى+والمساكين , وقولوا+للناس+حسنا , أقيموا+الصلاة ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون
  2. والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم
  3. واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
  4. وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم
  5. إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا
  6. وإذا رأوا آية يستسخرون
  7. واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس
  8. والصبح إذا أسفر
  9. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين
  10. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, April 23, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب