تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 12 من سورةيس - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾
[ سورة يس: 12]

معنى و تفسير الآية 12 من سورة يس : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا


إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال، وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، وَآثَارَهُمْ وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.
ولهذا: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا الموضع، يبين لك علو مرتبة الدعوة إلى اللّه والهداية إلى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل إلى ذلك، ونزول درجة الداعي إلى الشر الإمام فيه، وأنه أسفل الخليقة، وأشدهم جرما، وأعظمهم إثما.
وَكُلَّ شَيْءٍ من الأعمال والنيات وغيرها أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ أي: كتاب هو أم الكتب وإليه مرجع الكتب، التي تكون بأيدي الملائكة، وهو اللوح المحفوظ.

تفسير البغوي : مضمون الآية 12 من سورة يس


( إنا نحن نحيي الموتى ) : عند البعث ، ( ونكتب ما قدموا ) من الأعمال من خير وشر ، ) ( وآثارهم ) أي : ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من سن في الإسلام سنة حسنة يعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا " .
وقال قوم : قوله : " ونكتب ما قدموا وآثارهم " أي : خطاهم إلى المسجد .
روي عن أبي سعيد الخدري قال : شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى : " ونكتب ما قدموا وآثارهم " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، حدثنا أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري ، حدثنا مروان الفزاري ، حدثنا حميد ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : " أرادت بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة ، فقال : يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم ؟ فأقاموا " .
وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى ، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام " .
قوله تعالى ( وكل شيء أحصيناه ) حفظناه وعددناه وبيناه ، ( في إمام مبين ) وهو اللوح المحفوظ .

التفسير الوسيط : إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا


ثم أكد- سبحانه - أن البعث حق، وأن الجزاء حق، لكي لا يغفل عنهما الناس، ولكي يستعدوا لهما بالإيمان والعمل الصالح فقال: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى....أى: إنا نحن بقدرتنا وحدها نحيى الموتى بعد موتهم، ونعيدهم إلى الحياة مرة أخرى لكي نحاسبهم على أعمالهم.
وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ أى: وإنا نحن الذين نسجل عليهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا سواء أكانت هذه الأعمال صالحة أم غير صالحة.
ونسجل لهم- أيضا- آثارهم التي تركوها بعد موتهم سواء أكانت صالحة كعلم نافع، أو صدقة جارية ...
أم غير صالحة كدار للهو واللعب، وكرأى من الآراء الباطلة التي اتبعها من جاء بعدهم، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون من ثواب أو عقاب وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ أى: وكل شيء أثبتناه وبيناه في أصل عظيم، وفي كتاب واضح عندنا.
ألا وهو اللوح المحفوظ، أو علمنا الذي لا يعزب عنه شيء.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وفي قوله: آثارَهُمْ قولان:أحدهما: ونكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها- أى تركوها- من بعدهم، فنجزيهم على ذلك- أيضا-، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
كقوله صلّى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء..والثاني: أن المراد بقوله وَآثارَهُمْ أى: آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية.
فقد روى مسلم والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لهم: «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: يا بنى سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» .
ثم قال ابن كثير: ولا تنافى بين هذا القول والذي قبله، بل في القول الثاني تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب، فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى .
هذا، وتلك الرواية الصحيحة تشير إلى أن هذه الآية ليست مدنية- كما قيل-، لأن هذه الرواية تصرح بأن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد قال لبنى سلمة، «دياركم تكتب آثاركم» أى:ألزموا دياركم تكتب آثاركم.. دون إشارة إلى سبب النزول.
قال الآلوسى ما ملخصه: والأحاديث التي فيها أن الله-تبارك وتعالى- أنزل هذه الآية، حين أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من ديارهم.
معارضة بما في الصحيحين من أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية، ولم يذكر أنها نزلت فيهم، وقراءته صلّى الله عليه وسلم لا تنافى تقدم النزول.
أى: أن الآية مكية كبقية السورة .
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد أثبتت صدق الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وبينت الحكمة من رسالته، كما بينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه.
ثم أمر الله-تبارك وتعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يقرأ على الناس- ليعتبروا ويتعظوا- قصة أصحاب القرية، وما جرى بينهم وبين الرسل الذين جاءوا لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم فقال-تبارك وتعالى-.

تفسير ابن كثير : شرح الآية 12 من سورة يس


ثم قال تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتى ) أي : يوم القيامة ، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة ، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق ، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب : ( اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) [ الحديد : 17 ] .وقوله : ( ونكتب ما قدموا ) أي : من الأعمال .وفي قوله : ( وآثارهم ) قولان :أحدهما : نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم ، وآثارهم التي أثروها من بعدهم ، فنجزيهم على ذلك أيضا ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا " .رواه مسلم ، من رواية شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه جرير بن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه ، وفيه قصة مجتابى النمار المضريين . ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن يحيى بن سليمان الجعفي ، عن أبي المحياة يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جرير بن عبد الله ، فذكر الحديث بطوله ، ثم تلا هذه الآية : ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) .وقد رواه مسلم من رواية أبي عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه ، فذكره .وهكذا الحديث الآخر الذي في صحيح مسلم عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم ، انقطع عمله إلا من ثلاث : من علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده " .وقال سفيان الثوري ، عن أبي سعيد قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) قال : ما أورثوا من الضلالة .وقال ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) يعني : ما أثروا . يقول : ما سنوا من سنة ، فعمل بها قوم من بعد موتهم ، فإن كان خيرا فله مثل أجورهم ، لا ينقص من أجر من عمله شيئا ، وإن كانت شرا فعليه مثل أوزارهم ، ولا ينقص من أوزار من عمله شيئا . ذكرهما ابن أبي حاتم .وهذا القول هو اختيار البغوي .والقول الثاني : أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية .قال ابن أبي نجيح وغيره ، عن مجاهد : ( ما قدموا ) : أعمالهم . ( وآثارهم ) قال : خطاهم بأرجلهم . وكذا قال الحسن وقتادة : ( وآثارهم ) يعني : خطاهم . قال قتادة : لو كان الله تعالى مغفلا شيئا من شأنك يا ابن آدم ، أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار ، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله ، حتى أحصى هذا الأثر فيما هو من طاعة الله أو من معصيته ، فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله ، فليفعل .وقد وردت في هذا المعنى أحاديث :الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله قال : خلت البقاع حول المسجد ، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : " إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد " . قالوا : نعم ، يا رسول الله ، قد أردنا ذلك . فقال : " يا بني سلمة ، دياركم تكتب آثاركم ، دياركم تكتب آثاركم " .وهكذا رواه مسلم ، من حديث سعيد الجريري وكهمس بن الحسن ، كلاهما عن أبي نضرة - واسمه : المنذر بن مالك بن قطعة العبدي - عن جابر .الحديث الثاني : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الوزير الواسطي ، حدثنا إسحاق الأزرق ، عن سفيان الثوري ، عن أبي سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد ، فنزلت : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : " إن آثاركم تكتب " . فلم ينتقلوا .انفرد بإخراجه الترمذي عند تفسير هذه الآية الكريمة ، عن محمد بن الوزير ، به . ثم قال : " حسن غريب من حديث الثوري " .ورواه ابن جرير ، عن سليمان بن عمر بن خالد الرقي ، عن ابن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن طريف - وهو ابن شهاب أبو سفيان السعدي - عن أبي نضرة ، به .وقد روي من غير طريق الثوري ، فقال الحافظ أبو بكر البزار :حدثنا عباد بن زياد الساجي ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : إن بني سلمة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد ، فنزلت : ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) ، فأقاموا في مكانهم .وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية ، والسورة بكمالها مكية ، فالله أعلم .الحديث الثالث : قال ابن جرير :حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد ، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد ، فنزلت : ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فقالوا : نثبت مكاننا . هكذا رواه وليس فيه شيء مرفوع .ورواه الطبراني عن عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد ، فأرادوا أن يتحولوا إلى المسجد ، فنزلت : ( ونكتب ما قدموا وآثارهم ) فثبتوا في منازلهم .الحديث الرابع : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : توفي رجل بالمدينة ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " يا ليته مات في غير مولده " . فقال رجل من الناس ولم يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا توفي في غير مولده ، قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة " .ورواه النسائي عن يونس بن عبد الأعلى ، وابن ماجه عن حرملة ، كلاهما عن ابن وهب ، عن حيي بن عبد الله ، به .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا أبو تميلة ، حدثنا الحسين ، عن ثابت قال : مشيت مع أنس فأسرعت المشي ، فأخذ بيدي فمشينا رويدا ، فلما قضينا الصلاة قال أنس : مشيت مع زيد بن ثابت فأسرعت المشي ، فقال : يا أنس ، أما شعرت أن الآثار تكتب ؟ أما شعرت أن الآثار تكتب ؟ .وهذا القول لا تنافي بينه وبين الأول ، بل في هذا تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى ، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب ، فلأن تكتب تلك التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى ، والله أعلم .وقوله : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) أي : جميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ ، والإمام المبين هاهنا هو أم الكتاب . قاله مجاهد ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وكذا في قوله تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [ الإسراء : 71 ] أي : بكتاب أعمالهم الشاهد عليهم بما عملوه من خير وشر ، كما قال تعالى : ( ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ) [ الزمر : 69 ] ، وقال تعالى : ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 49 ] .

تفسير الطبري : معنى الآية 12 من سورة يس


القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)يقول تعالى ذكره ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ) من خلقنا( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ) في الدنيا من خير وشر، وصالح الأعمال وسيئها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ) من عمل .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ) قال: ما عملوا.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مَا قَدَّمُوا ) قال: أعمالهم.
وقوله ( وَآثَارَهُمْ ) يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، ليقرب عليهم.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنزلت ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) فقالوا: نثبت في مكاننا.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت الأنصار بعيدة منازلهم من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا، قال: فنزلت ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) فثبتوا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سَلِمة قرب المسجد، قال: فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ".
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر، قال: سمعت كهمسا يحدث، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، قال: والبقاع خالية، فبلغ ذلك النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال: " يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ إنَّها تُكْتَبُ آثَارُكُمْ " قال: فأقاموا وقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا .
حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقي، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: شكت بنو سَلِمة بُعد منازلهم إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فنزلت ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) فقال: " عَلَيكُمْ مَنَازِلَكُم تُكْتَبُ آثارُكم " .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو نُمَيلة، قال: ثنا الحسين، عن ثابت، قال: مشيت مع أنس، فأسرعت المشي، فأخذ بيدي، فمشينا رُويدا، فلما قضينا الصلاة قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت، فأسرعت المشي، فقال: يا أنس أما شعرت أن الآثار تكتب ؟ .
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن يونس، عن الحسن أن بني سَلِمة كانت دورهم قاصية عن المسجد، فهموا أن يتحولوا قرب المسجد، فيشهدون الصلاة مع النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال لهم النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : " ألا تَحْتَسِبون آثارَكم يا بني سَلِمة؟" فمكثوا في ديارهم .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم ابن أبي بَزَّة، عن مجاهد، في قوله ( مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) قال: خطاهم بأرجلهم .
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَآثَارَهُمْ ) قال: خطاهم .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَآثَارَهُمْ ) قال: قال الحسن: وآثارهم قال: خطاهم.
وقال قتادة: لو كان مُغْفِلا شيئًا من شأنك يا ابن آدم أغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار .
وقوله ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) يقول تعالى ذكره: وكل شيء كان أو هو كائن أحصيناه، فأثبتناه في أم الكتاب، وهو الإمام المبين.
وقيل ( مُبِينٌ ) لأنه يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) قال: في أم الكتاب .
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) كل شيء محصًى عند الله في كتاب .
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) قال: أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين .

إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين

سورة : يس - الأية : ( 12 )  - الجزء : ( 22 )  -  الصفحة: ( 440 ) - عدد الأيات : ( 83 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك
  2. تفسير: ولله ما في السموات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور
  3. تفسير: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون
  4. تفسير: والسماء رفعها ووضع الميزان
  5. تفسير: كذبت ثمود بالنذر
  6. تفسير: أم لكم سلطان مبين
  7. تفسير: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم
  8. تفسير: فإن الجنة هي المأوى
  9. تفسير: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا
  10. تفسير: إلى قدر معلوم

تحميل سورة يس mp3 :

سورة يس mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة يس

سورة يس بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة يس بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة يس بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة يس بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة يس بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة يس بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة يس بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة يس بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة يس بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة يس بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب