حديث أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وقد

أحاديث نبوية | مسند أحمد تحقيق شاكر | حديث عبدالله بن عمرو

«أنَّ وفدَ هوازِنَ أتَوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ بالجعرَّانةِ وقد أسلَموا فقالوا يا رسولَ اللَّهِ إنَّا أصلٌ وعشيرةٌ وقد أصابَنا منَ البَلاءِ ما لا يَخفى عليكَ فامنُنْ علَينا منَّ اللَّهُ عليكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أبناؤُكُم ونِساؤُكُم أحبُّ إليكم أم أموالُكُم ؟ قالوا يا رسولَ اللَّهِ خيَّرتَنا بينَ أحسابِنا وبينَ أموالِنا بل تُرَدُّ علينا نساؤُنا وأبناؤُنا فَهوَ أحبُّ إلينا فقالَ لَهُم أمَّا ما كانَ لي ولبَني عبدِ المطَّلبِ فَهوَ لَكُم فإذا صلَّيتُ للنَّاسِ الظُّهرَ فَقوموا فقولوا إنَّا نَستشفِعُ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى المسلِمينَ وَبالمسلِمينَ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في أبنائنا ونسائنا فسَأعطيكُم عندَ ذلِكَ وأسألُ لَكُم فلمَّا صلَّى رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالنَّاسِ الظُّهرَ قاموا فتَكَلَّموا بالَّذي أمرَهُم بِهِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمَّا ما كانَ لي ولبَني عبدِ المطَّلبِ فَهوَ لَكُم قالَ المُهاجرونَ وما كانَ لَنا فَهوَ لِرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وقالتِ الأنصارُ وما كانَ لَنا فَهوَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ الأقرَعُ بنُ حابسٍ أمَّا أَنا وبَنو تميمٍ فلا وقالَ عُيَيْنةُ بنُ حِصنِ بنِ حُذَيْفةَ بنِ بدرٍ أمَّا أَنا وبَنو فزارةَ فلا قالَ عبَّاسُ بنُ مِرداسٍ أمَّا أَنا وبنو سُلَيْمٍ فَلا قالَت بنو سُلَيْمٍ لا ما كانَ لَنا فَهوَ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ يقولُ عبَّاسٌ يا بَني سُلَيْمٍ وَهَّنتُموني فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أمَّا من تمسَّكَ منكُم بحقِّهِ من هذا السَّبيِ فلَهُ بِكُلِّ إنسانٍ سِتُّ فرائضَ مِن أوَّلِ شيءٍ نصيبُهُ فرُدُّوا على النَّاسِ أبناءَهُم ونِساءَهُم»

مسند أحمد تحقيق شاكر
عبدالله بن عمرو
أحمد شاكر
إسناده صحيح

مسند أحمد تحقيق شاكر - رقم الحديث أو الصفحة: 11/205 -

شرح حديث أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

كنَّا عندَ رسولِ اللَّهِِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذ أتتهُ وفدُ هَوازنَ ، فقالوا : يا محمَّدُ ، إنَّا أصلٌ وعشيرةٌ ، وقد نزلَ بنا منَ البلاءِ ما لا يخفَى علَيكَ ، فامنُنْ علَينا مَنَّ اللَّهُ علَيكَ ، فقالَ : اختاروا مِن أموالِكُم أو مِن نسائِكُم وأبنائِكُم ، فقالوا : قد خَيَّرتَنا بينَ أحسابِنا وأموالِنا بل نختارُ نساءَنا وأبناءَنا ، فقالَ رسولُ اللَّهِ أمَّا ما كانَ لي ولبَني عبدِ المطَّلبِ فَهوَ لَكُم ، فإذا صلَّيتُ الظُّهرَ فقوموا ، فقولوا : إنَّا نستَعينُ برسولِ اللَّهِِ علَى المؤمنينَ أوِ المسلمينَ في نسائِنا وأبنائِنا فلمَّا صلَّوا الظُّهرَ قاموا فقالوا ذلِكَ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ فما كانَ لي ولبَني عبدِ المطَّلبِ فَهوَ لَكُم ، فقالَ المُهاجرونَ : وما كانَ لَنا فَهوَ لرسولِ اللَّهِِ وقالتِ الأنصارُ : ما كانَ لَنا فَهوَ لرسولِ اللَّهِِ فقالَ الأقرعُ بنُ حابسٍ : أمَّا أنا وبنو تَميمٍ فلا ، وقالَ عُيَيْنةُ بنُ حصنٍ : أمَّا أنا وبنو فَزارةَ فلا ، وقالَ العبَّاسُ بنُ مِرداسٍ : أمَّا أنا وبنو سُلَيْمٍ فلا ، فقامت بنو سُلَيْمٍ فقالوا : كذبتَ ، ما كانَ لَنا فَهوَ لرسولِ اللَّهِِ فقالَ رسولُ اللَّهِ يا أيُّها النَّاسُ ، ردُّوا علَيهِم نساءَهُم وأبناءَهُم ، فمَن تمسَّكَ مِن هذا الفَيءِ بشيءٍ فلَهُ ستُّ فرائضَ مِن أوَّلِ شيءٍ يفيئُهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ علَينا ، ورَكِبَ راحلتَهُ ورَكِبَ النَّاسُ اقسِمْ علَينا فَيئَنا ، فألجَئُوهُ إلى شجرةٍ فخَطَفَت رداءَهُ ، فقالَ : يا أيُّها النَّاسُ ، ردُّوا علَيَّ رِدائي ، فواللَّهِ لَو أنَّ شجرَ تِهامةَ نَعمًا قسَمتُهُ علَيكُم ثمَّ لم تَلقوني بخيلًا ولا جبانًا ولا كذوبًا ، ثمَّ أتَى بعيرًا فأخذَ مِن سَنامِهِ وَبَرَةً بينَ إصبَعَيهِ ثمَّ يقولُ : ها إنَّهُ لَيسَ لي منَ الفَيءِ شيءٌ ولا هذِهِ إلَّا خُمُسٌ ، والخُمُسُ مَردودٌ فيكُم فقامَ إلَيهِ رجلٌ بِكُبَّةٍ مِن شَعرٍ فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ ، أخذتُ هذِهِ لأُصْلِحَ بِها بَردَعةَ بعيرٍ لي فقالَ : أمَّا ما كانَ لي ولبَني عبدِ المطَّلبِ فَهوَ لَكَ ، فقالَ : أوَ بلَغَت هذِهِ ؟ فلا أرَبَ لي فيها ، فنبذَها وقالَ : يا أيُّها النَّاسُ ، أدُّوا الخِياطَ والمَخيطَ ، فإنَّ الغَلولَ يَكونُ علَى أهلِهِ عارًا وشَنارًا يَومَ القيامةِ
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3690 | خلاصة حكم المحدث : حسن



أحلَّ اللهُ الغَنيمةَ لنَبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأُمَّتِه، وحدَّد كيفيَّةَ تَقسيمِها؛ فتقسَّمُ قِسمين: الأولُ: الخمسُ وهو للهِ ورَسُولِه ويُعطَى منه ذوو قُربى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم واليتامى والمساكينُ وابنُ السَّبيلِ، والقِسم الثَّاني: وهو باقي الغنائم ويُوزَّعُ على المقاتلين، وقد حرَّم اللهُ الغُلولَ والسَّرِقةَ مِنها.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رَضِي اللهُ عَنهما، أنَّهم كانوا عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "إذ أتَتْه وفدُ هَوازِنَ"، أي: جماعةٌ مِن قَبيلةِ هَوازِنَ، وكانوا قد قاتَلوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في حُنينٍ بعدَ فتْحِ مكَّةَ، وحُنينٌ وادٍ وراءَ عرَفةَ، دونَ الطَّائفِ، وقيل: بينَه وبينَ مكَّةَ لَيالٍ، وتُقدَّرُ بحوالي ( 27كم )، وتُسمَّى غَزْوةَ حُنينٍ، وكانتِ الغنائمُ فيها مِن السَّبيِ والأموالِ أكثَرَ مِن أن تُحْصى، فقال الوفدُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا محمَّدُ، إنَّا أصلٌ وعَشيرةٌ"، أي: لَنا أصلٌ في العرَبِ، وبَطنٌ مِن بُطونِها، "وقد نزَل بِنا مِن البَلاءِ ما لا يَخْفى عليك"، أي: يَذكُرون ما أصابَهم مِن هَزيمةٍ مِن المسلِمين، وما اجْتاحَهم فيها مِن سلبِ أموالِهم وذُرِّيَّاتِهم، "فامْنُنْ علينا مَنَّ اللهُ عليك"، أي: أنعِمْ علينا بما أنعَم اللهُ عليك، وفيه: أنَّهم يَطلُبون مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَرُدَّ عليهم ما سُبِي مِن نِسائِهم وذَراريِّهم وأموالِهم، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "اختاروا مِن أموالِكم أو مِن نِسائِكم وأبنائِكم"، أي: وافَقهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وخَيَّرهم بين أن يَرُدَّ عليهِم أموالَهم أو النِّساءَ والأبناءَ، فقال الوفدُ: "قد خيَّرتَنا بينَ أحسابِنا وأموالِنا"، والمرادُ بالأحسابِ: النِّساءُ والذُّرِّيَّةُ، "بل نَختارُ نِساءَنا وأبناءَنا"، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمَّا ما كان لي ولِبَني عبدِ المطَّلِبِ"، أي: ما وقَع مِن نِسائِكم وذُرِّيَّتِكم في القِسمِ الَّذي هو لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولأقاربِه، "فهُو لكم"، أي: فهو راجِعٌ لكم ومردودٌ عليكم، وهذا بيانٌ للقَدْرِ الَّذي يتَصرَّفُ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهو نَصيبُه ونصيبُ أقاربِهِ وليس مِن مالِ باقي المسلِمين.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للوفدِ: "فإذا صلَّيتُ الظُّهرَ"، أي: انتهيتُ مِنه بالتَّسليمِ، "فقوموا، فقولوا: إنَّا نَستعينُ برَسولِ اللهِ على المؤمِنين أو المسلِمين في نِسائِنا وأبنائِنا"، أي: نُريدُ أن يَشفَعَ لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيما لنا مِن نساءٍ وذُرِّيَّةٍ عندَ المسلِمين وما وقَع لكلِّ واحدٍ مِنهم في قِسْمةِ الغنيمةِ، والمرادُ بالاستعانةِ بالرسولِ هنا: هي الاستعانةُ بشَفاعتِه ووساطتِه عِندَ الناسِ؛ لِمَا له مِن مَكانةٍ ومَحبَّةٍ في قُلوبِ المُسلِمين، وهي في حِياتِه ويَقدِرُ عليها، كما يَتوسَّطُ كبارُ القومِ ووُجهاؤُهم عندَ بَعضِ النَّاسِ لقَضاءِ مَصالِحِ البَعضِ الآخَرِ، وليستِ الاستعانةُ هنا مِن بابِ الاستعانةِ الشِّركيَّةِ أو اتِّخاذِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شَريكًا ولا شَفيعًا مِن دُونِ اللهِ تعالى.
قال عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رَضِي اللهُ عَنهما: "فلمَّا صلَّوُا الظُّهرَ قاموا"، أي: وفْدُ هوازِنَ، "فقالوا ذلك"، أي: فعَلوا ما أمَرهم به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فردَّ عليهم رسولُ اللهِ أمامَ باقي أصحابِه، فقال: "فما كان لي ولِبَني عبدِ المطَّلِب فهو لَكُم"، فلمَّا سَمِع الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم ترَفُّقَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بوفدِ هَوازِنَ وما ردَّه عليهم مِن النِّساءِ والذُّريَّةِ، قال المهاجِرون: "وما كان لنا فهو لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: له حقُّ التَّصرُّفِ فيما وقَع في قَسْمتِنا مِن النِّساءِ والذُّريَّةِ؛ فيَضَعُه كيفما شاء دونَ عِوَضٍ، والمهاجِرون: هم مَن وفَدوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المدينةَ قبلَ الفتحِ، وقالت الأنصارُ: "ما كان لنا فهو لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، والأنصارُ: هم الذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال الأقرَعُ بنُ حابسٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أمَّا أنا وبَنو تَميمٍ فلا"، أي: لن يَرُدُّوا ما كان لهم مِن غَنيمةٍ على هَوازِنَ، وبَنو تَميمٍ: قبيلةٌ مِن العرَبِ، وقال عُيَينةُ بنُ حِصْنٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أمَّا أنا وبَنو فَزارةَ فلا"، أي: لن نَرُدَّ عليهم نِساءَهم وذُرِّيَّاتِهم، وقال العبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أمَّا أنا وبَنو سُليمٍ فلا"، فقام بَنو سُليمٍ فقالوا: "كذَبتَ"، أي: أخطَأتَ، وأهلُ الحِجازِ يَقولون: كذَبتَ موضِعَ أخطَأتَ، "ما كان لنا فهو لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: اعتَرضوا على سيِّدِهم، وجعَلوا نَصيبَهم فيما جعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نصيبَه فيه؛ امتِثالًا واتِّباعًا لرغبةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا أيُّها النَّاسُ"، والنِّداءُ لجميعِ الصَّحابةِ، "رُدُّوا عليهم نِساءَهم وأبناءَهم"، أي: إنَّ الكلَّ مأمورٌ برَدِّ ما عِندَه مِن نساءِ وذُرِّيَّةِ هوازِنَ على أهلِهم، "فمَن تَمسَّك مِن هذا الفَيْءِ بشَيءٍ"، أي: ومَن أراد أن يَحفَظَ حقَّه فيهم، وهذا اختصاصٌ لِمَن امتنَع عن ردِّ ما كان مِن نصيبِه، والمرادُ بالفيءِ: غنيمتُهم مِن أهلِ هَوازِنَ، "فله سِتُّ فَرائِضَ"، جمعُ فريضةٍ، والمرادُ بها: البعيرُ بمثلِ الَّتي تُؤخَذُ في الزَّكاةِ، "مِن أوَّلِ شيءٍ يُفِيئُه اللهُ عزَّ وجلَّ علينا"، أي: إنَّه يُعوَّضُ عن ذلك بما يكونُ مِن غنائمَ، والمرادُ: أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعوِّضُهم عن ذلك مِن الخُمسِ الخاصِّ به، لا مِن كلِّ الغنيمةِ.
قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: ورَكِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "راحِلتَه"، أي: دابَّتَه، "ورَكِب النَّاسُ"، وفي نسخةٍ: "ورَكِبه النَّاسُ"، أي: أحاطوا به، "اقْسِمْ علينا فَيْئَنا"، أي: قَسِّمْ بينَنا الغنيمةَ، ولعلَّ المرادَ: هي غَنيمتُهم مِن هَوازِنَ، وأنَّ ما حدَث مِن الوفدِ كان قبلَ أن تُوزَّعَ تلك الغَنيمةُ، "فأَلجَؤوه إلى شجرةٍ"، أي: إنَّهم مِن ازدِحامِهم عليه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم اضطرُّوه إلى شَجرةٍ، "فخَطِفَت رِداءَه"، أي: سَلَبَتْه وشَدَّتْه، وفي هذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ مُطالَبةِ بعضِ النَّاسِ له، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا أيُّها النَّاسُ، رُدُّوا علَيَّ رِدائي؛ فواللهِ لو أنَّ شجَرَ تِهامةَ نَعَمًا"، أي: مِثلَ شجَرِ منطقةِ تِهامةَ مالًا، وأكثَرُ ما تُطلَقُ النَّعَمُ على الإبلِ، وتِهامةُ: مكَّةُ وما حولَها مِن البُلدانِ، "قَسَمْتُه عليكم"، أي: لن يَكونَ هناك تَراخٍ منِّي في قِسْمةِ تلك الأنعامِ عليكم، "ثمَّ لم تَلْقَوْني"، أي: لا تَجِدوني، "بَخيلًا"، أي: حَريصًا ومُمتنِعًا عن بَذْلِه فيكم، "ولا جَبانًا"، أي: ضَعيفًا ولا خائفًا، "ولا كَذوبًا"، أي: لا أعمَلُ بالكذبِ فيكم حِرصًا على مثلِ تلك الأموالِ.
قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: ثمَّ أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "بَعيرًا، فأخَذ مِن سَنامِه"، والسَّنامُ: ما عَلا وارتفَع مِن ظَهرِ الجَملِ، "وَبرَةً بينَ إصبَعَيه"، أي: أمسَك بإصبَعيه شَعرةً مِن شعَرِ هذا البعيرِ، "ثمَّ يقولُ: ها إنَّه ليس لي مِن الفيءِ"، أي: مِن الغَنيمةِ، "شيءٌ ولا هذه"؛ إشارةً إلى الشَّعرةِ الَّتي بينَ إصبَعَيه، والمرادُ: أنَّه ليس له حقٌّ في أخذِها قَبلَ قِسْمتِها، "إلَّا خُمُسٌ"، أي: ولكنَّها تَحِلُّ له إذا أخَذَها بعدَ القِسْمةِ ووَقَعَتْ في الخُمسِ الَّذي أخبَر به اللهُ عزَّ وجلَّ في قولِه تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } [ الأنفال: 41 ]، "والخُمسُ مردودٌ فيكم"، أي: مردودٌ في مَصالحِكم.
قال: "فقام إليه رجُلٌ بِكُبَّةٍ مِن شَعرٍ"، أي: أخرَج للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حَبْلًا مَعقودًا مِن شَعرٍ كان قد أخَذه مِن الغَنيمةِ قَبلَ أنْ تُقسَمَ، مُستَهينًا بقَدْرِه في الغنيمةِ، فقال الرَّجلُ: "يا رسولَ اللهِ، أخَذتُ هذه لِأُصلِحَ بها بَرْدعَةَ بعيرٍ لي"، والبَرْدَعةُ والبَرْذَعةُ: ما يُوضَعُ على ظَهرِ البَعيرِ، ويُوضَعُ عليها الرَّحْلُ والأمتعةُ، وأشهَرُ ما تُطلَقُ الآنَ للحِمارِ كالسَّرْجِ للفَرَسِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أمَّا ما كان لي ولِبَني عبدِ المطَّلِبِ فهو لك"، أي: إنَّه لو كان مِن نَصيبِنا وفي قَسْمتِنا فقدْ أحلَلْناها لك، وهذا بيانٌ لِسَماحَتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وتَطييبٌ لخاطرِ الرَّجلِ، وفي الوقتِ ذاتِه تَعظيمٌ وإكبارٌ لتلك الكُبَّةِ الَّتي ما زالَت تقَعُ في حقِّ المسلمين، فقال الرَّجلُ: "أوَبَلَغَت هذه؟"، أي: هل بلَغ التَّحذيرُ في مِثلِ هذا القَدْرِ؟ "فلا أرَبَ"، أي: لا حاجةَ، "لي فيها، فنَبَذها"، أي: ترَكها ورَدَّها في الغنيمةِ.
ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا أيُّها النَّاسُ، أدُّوا الخِياطَ والمخيطَ"، أي: اجْمَعوا مِثلَ هذا القَدْرِ ورُدُّوه في الغَنيمةِ ولا يَغُرَّنَّكم قلَّةُ قَدْرِها، والمرادُ بالخِياطِ: الخيطُ الَّذي يُحاكُ به الثَّوبُ، والمخيطُ: الإبرةُ والآلةُ الَّتي تُستعمَلُ في الخِياطةِ، وهذا كِنايةٌ عن أنَّ قليلَ ما يُغنَمُ وكثيرَه مَقسومٌ بينَ مَن شَهِد الوَقْعةَ ليس لأحَدٍ أن يَستبِدَّ منه بشَيءٍ وإنْ قلَّ، "فإنَّ الغلولَ"، والغلولُ: ما سُرِق وأُخِذ من الغَنيمةِ قبلَ أن تُقسَمَ، "يكونُ على أهلِه"، أي: على مَن أخَذه، "عارًا وشَنَارًا يومَ القِيامةِ"، أي: جَزاؤُه العيبُ والقُبحُ في الآخِرةِ بما يُفضَحُ به على الخَلائقِ، والعارُ: كلُّ شيءٍ لَزِم به عَيبٌ، والشَّنارُ: أقبَحُ العيبِ والعارِ.
وفي الحديثِ: بيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن حُسنِ الخُلقِ، وتَحمُّلِه لأذى الآخَرين، وعدَمِ مُؤاخَذتِهم به.
وفيه: بيانُ ما كان عندَ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن حبٍّ لنبيِّهم أكثرَ مِن أموالِهم .

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
مسند أحمد تحقيق شاكرإن الله عز وجل قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي
السنن الكبرى للبيهقيمن شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد أن يسلم
مسند أحمد تحقيق شاكراقرأ القرآن في شهر فقلت إني أطيق أكثر من ذلك
مسند أحمد تحقيق شاكريحلها ويحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها
مسند أحمد تحقيق شاكرعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دعا بماء فتوضأ عند المقاعد
تحفة المحتاجإن الرجل ليصلي الصلاة ولعله لا يكون له منها إلا عشرها أو تسعها
مسند أحمد تحقيق شاكرمن يأخذ من أمتي خمس خصال فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل
مسند أحمد تحقيق شاكرهجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه قال شعبة وأحسبه قال
مسند أحمد تحقيق شاكرأنهم أصابهم جوع قال ونحن سبعة فأعطاني النبي صلى الله
مسند أحمد تحقيق شاكرمن أربى الربا الاستطالة في عرض مسلم بغير حق وإن هذه الرحم
مسند أحمد تحقيق شاكرعن ابن عباس أنه قال له عمر يا غلام هل سمعت
البدر المنيرأن أم حبيبة استحيضت فذكرت شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, November 24, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب