اسْتَيْقَظَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ اللَّيْلِ وهو يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ؟! مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ؟! مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ؟ كَمْ مِن كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَومَ القِيَامَةِ!
قالَ الزُّهْرِيُّ: وكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أزْرَارٌ في كُمَّيْهَا بيْنَ أصَابِعِهَا.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5844 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم يحُضُّ النَّاسَ على ما ينفَعُهم ويرشِدُهم إلى الأعمالِ التي ترفعُ دَرَجاتِهم.
وفي هذا الحديثِ تروي أمُّ المؤمنين أمُّ سَلَمةَ رَضِيَ
اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ ذات مرَّةٍ مُتعجِّبًا، وهو يَقولُ: «
لا إلَهَ إلَّا اللهُ! ماذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ؟!»
أي: ماذا قُدِّرَ أن يكونَ بها؟ «
مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ» وهي خزائِنُ الأُعْطِيةِ، وقيل: المرادُ الرَّحمةُ، وعَبَّرَ عنها بالخزائِنِ لكثرتِها وعِزَّتِها؛ قال تعالى:
{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي } [
الإسراء: 100 ]، والمرادُ بالفِتَنِ العَذابُ، وعَبَّر بها عنه؛ لأنَّها أسبابٌ مُؤَدِّيةٌ إليه.
فجَمَع النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ بيْن ما أُنزل مِن فِتنةٍ وما أُنزل مِنَ الخزائنِ، والمعنى: أنَّ
اللهَ سُبحانَه وتعالَى لَمَّا أَعْلَمَه بما يَفتَحُ على أُمَّتِه مِن الدُّنيا خَشِيَ عليها الفِتَنَ المُصاحِبَةَ لهذه التَّوْسِعَةِ وكَثرةِ الأموالِ.
ثُمَّ قال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُراتِ؟» يعني: زَوْجَاتِه؛ لِيُصَلِّينَ مِن اللَّيلِ، وللاستِعاذةِ ممَّا نَزَلَ؛ ليَكونوا أوَّلَ مَن استعاذَ مِن فِتَنِ الدُّنيا، فلا يَنْبغي لهنَّ أنْ يَتغافَلْنَ عن العِبادةِ، ويَعتمِدْنَ على كَونِهنَّ أزواجَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، وقيل: خَصَّهنَّ لأنَّهنَّ الحاضراتُ حِينئذٍ.
ثُمَّ حذَّر النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم زَوجاتِه وسائرَ نِساءِ المؤمِنين مِن التَّبَرُّجِ والتَّعَرِّي وكشْفِ ما أَمَر
اللهُ بِتَغْطِيَتِه مِن أجسادِهِنَّ، فقال: «
كَمْ مِن كاسِيَةٍ في الدُّنيا عَارِيَةٍ يومَ القيامةِ!»، واختُلف في المرادِ بقولِه: «
كاسِيَة» و«
عارِيَة» على أَوْجُه: أحدُها: كاسِيةٌ بالثِّيابِ لكنَّها شَفَّافَةٌ لا تَستُرُ عَورتَها؛ فتُعاقَبُ في الآخرة بالعُرْيِ جَزاءً على ذلك.
ثانيها: كاسيةٌ في الدُّنيا بالثِّيابِ لوُجودِ الغِنَى، عاريةٌ في الآخِرة مِن الثَّوابِ؛ لعدَمِ العملِ الصَّالحِ في الدُّنيا.
ثالثُها: كاسيةٌ مِن نِعَم
اللهِ، عاريةٌ مِن الشُّكرِ الذي تَظهَرُ ثَمرتُه في الآخِرةِ بالثَّوابِ.
رابعُها: كاسيةٌ جَسَدَها، لكنَّها تَشُدُّ خِمَارَها مِن وَرائها فيَبْدُو صَدْرُها، فتَصِيرُ عاريةً؛ فتُعاقَبُ في الآخِرة.
خامسُها: كاسيةٌ مِن خِلْعَةِ التَّزوُّجِ بالرَّجُلِ الصَّالح، عاريةٌ في الآخِرةِ مِن العَمَل؛ فلا يَنفعُها صَلاحُ زوجِها، كما قال تعالَى:
{ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ } [
المؤمنون: 101 ]، واللَّفْظَةُ وإنْ وَرَدت في أزواجِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، لكنَّ العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ.
قالَ محمَّدُ بنُ مُسلمِ بنِ شهابٍ الزُّهْرِيُّ -أحدُ رُواةِ الحديثِ-: وكانت هِنْدُ بنتُ الحَارِثِ -شيخَتُه التي روى الحديثَ عنها- لها أَزْرَارٌ في كُمَّيْها بيْن أَصابِعِها، وإنَّما فَعَلَتْ ذلك؛ لِئَلَّا يَبْدُوَ مِن سَعَةِ كُمَّيْهَا شَيءٌ مِن جَسدِها، فتَدخُلَ في معْنى قوله: «
كاسِيةٍ ...
عارِيةٍ»، حتَّى وإنْ كانت ثِيابُها غيرَ واصفةٍ لجَسدِها!
وفي الحديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: التضرُّع عند نُزولِ الفِتنةِ، ولا سِيَّما في اللَّيلِ؛ طَلَبًا لوقْتِ الإجابةِ؛ لِتُكْشَفَ الفِتنةُ، أو يَسْلَمَ الدَّاعِي ومَن دَعَا له.
وفيه: أنَّ الصَّلاةَ تُنْجي مِن الفِتَنِ وتَعصِمُ مِن المِحَنِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن نِسيانِ شُكرِ المُنعِمِ، وعدَمُ الاتِّكالِ على شَرَفِ الزَّوجِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم