حديث ذكر غزوة بدر قال وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته يدعو

أحاديث نبوية | الأحكام الشرعية الصغرى | حديث علي بن أبي طالب

«ذكر غزوةَ بدرٍ قال وباتَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ليلتَه يدعو ويقولُ اللَّهمَّ إن تَهلِك هذِهِ العصابةُ لا تُعبدُ في الأرضِ فلمَّا طلعَ الفجرُ قال الصَّلاةَ عبادَ اللَّهِ فأقبَلنا من تحتِ الشَّجرة والحجفِ فحثَّ أو حضَّ على القتالِ وقالَ كأنِّي أنظرُ إلى صرعاهم قال فلمَّا دنا القومُ إذا فيهم رجلٌ يسيرُ في القومِ على جملٍ أحمرَ فقال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ للزُّبيرِ نادِ بعضَ أصحابِكَ فسلهُ من صاحبُ الجملِ الأحمرِ فإن يَكُ في القومِ أحدٌ يأمرُ بخيرٍ فَهوَ فسألُ الزُّبيرُ من صاحبُ الجملِ الأحمرِ فقالوا عتبةُ بنُ ربيعةَ وهوَ ينهى عنِ القتالِ وهوَ يقولُ إنِّي أرى قومًا مستميتينَ واللَّهِ ما أظنُّ أن تصِلوا إليهم حتَّى تَهلِكوا قال فلمَّا بلغَ أبا جَهلٍ ما يقولُ أقبلَ إليهِ فقال ملِئتْ رئتُكَ رُعبًا حين رأيتَ محمَّدًا وأصحابَه فقال لهُ عتبةُ إيَّايَ تعيِّرُ يا مصفِّرَ استِه ستعلمُ أيُّنا أجبَنُ فنزلَ عن جملِهِ واتَّبعَه أخوهُ شيبةُ وابنُه الوليدُ فدعوا للبرازِ فانتدب لهم شبابٌ منَ الأنصارِ فقال من أنتُمْ فأخبروهُ فقال لا حاجةَ لنا فيكم إنَّما أردنا بني عمِّنا فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قم يا حمزةُ قم يا عليُّ قم يا عبيدةَ بنَ الحارثِ قال فأقبلَ حمزةُ إلى عتبةَ وأقبلتُ إلى شيبةَ وأقبلَ عبيدةُ إلى الوليدِ قال فلم يُلبِث حمزةُ صاحبَهُ أن فرغَ منهُ قال ولم ألبث صاحبي قال واختلفَ بينَ الوليدِ وبين عبيدةَ ضربتانِ وأثخن كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه قال فأقبلتُ أنا وحمزةُ إليهما ففرغنا منَ الوليدِ واحتملنا على عبيدةَ»

الأحكام الشرعية الصغرى
علي بن أبي طالب
عبد الحق الإشبيلي
[أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد]

الأحكام الشرعية الصغرى - رقم الحديث أو الصفحة: 539 -

شرح حديث ذكر غزوة بدر قال وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

لَمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى المُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ القِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ برَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ، فَما زَالَ يَهْتِفُ برَبِّهِ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، حتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن مَنْكِبَيْهِ، فأتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فأخَذَ رِدَاءَهُ، فألْقَاهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ التَزَمَهُ مِن وَرَائِهِ، وَقالَ: يا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ؛ فإنَّه سَيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال: 9 ]، فأمَدَّهُ اللَّهُ بالمَلَائِكَةِ.

قالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحدَّثَني ابنُ عَبَّاسٍ قالَ: بيْنَما رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَومَئذٍ يَشْتَدُّ في أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الفَارِسِ يقولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إلى المُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا هو قدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذلكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: صَدَقْتَ؛ ذلكَ مِن مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَتَلُوا يَومَئذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ.
قالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: ما تَرَوْنَ في هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو العَمِّ وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ منهمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً علَى الكُفَّارِ؛ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلَامِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما تَرَى يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ قُلتُ: لا، وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ ما أَرَى الَّذي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِن عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِن فُلَانٍ -نَسِيبًا لِعُمَرَ- فأضْرِبَ عُنُقَهُ؛ فإنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ما قالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ ما قُلتُ، فَلَمَّا كانَ مِنَ الغَدِ جِئْتُ، فَإِذَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِن أَيِّ شَيءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فإنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وإنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِن أَخْذِهِمِ الفِدَاءَ، لقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِن هذِه الشَّجَرَةِ -شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِن نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ } إلى قَوْلِهِ { فَكُلُوا ممَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } [ الأنفال: 67 - 69 ]، فأحَلَّ اللَّهُ الغَنِيمَةَ لهمْ.
الراوي : عبدالله بن عباس وعمر بن الخطاب | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1763 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]



غَزوةُ بَدْرٍ هي المَلْحَمةُ الكُبرَى الأُولَى في تاريخِ المُسلِمِينَ؛ فبها فرَّقَ اللهُ بيْنَ الحقِّ والباطلِ، وقدْ وقَعَت في رَمضانَ مِن العامِ الثَّاني مِن الهِجْرةِ مع كفَّارِ قُرَيشٍ، وكان جيشُ الكُفَّارِ يَزِيدُ عددًا وعتادًا عن جَيشِ المسْلِمين، وكَتَب اللهُ فيها النَّصرَ لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، وقُتِل في بَدرٍ سَبعون مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وأُسِرَ منهم سَبعون.

وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا كان يومُ غَزوةِ بَدْرٍ نَظَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى جيش المُشركينَ وكان عدَدهُم ألْفَ رجُلٍ، وكان جيشُ المسْلِمين ثلاثَ مائةٍ وتِسعةَ عشَرَ رجُلًا، فلمَّا رَأى نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفارقَ بيْنَ الجيشينِ وقِلَّةَ عددِ المسْلِمين استقبَل القِبلةَ مُتوجِّهًا إلى اللهِ بالدُّعاءِ، ثمَّ مَدَّ يدَيْهِ رافعًا إيَّاها نحْوَ السَّماءِ؛ زِيادةً في التَّضرُّعِ والتَّوسُّلِ إلى اللهِ، فجَعَل يدعو وهو «يَهتِفُ» بربِّه، أي: يستغيثُ به ويبتهِلُ إليه في الدُّعاءِ، قائلًا: «اللَّهمَّ أنجِزْ» أي: أَوْفِ واقْضِ لي، «ما وعَدْتَني» مِن نُصرةِ الإسلامِ وغلَبتِه، «اللَّهمَّ آتِ ما وعَدْتَني، اللَّهمَّ إنْ تَهْلِكْ» أي: تُهْزَمْ هذه «العصابةُ»، وهي تُطلَقُ على الجماعةِ مِن الرِّجالِ، عددُهم الأَربعونَ فما فوْقَ ذلكَ، «مِن أهلِ الإسلامِ» يُشيرُ بذلك إلى أصحابِه الَّذين يَقِفون في الصُّفوفِ لقِتالِ المشْرِكين، «لا تُعْبَدْ في الأرضِ» قال ذلك لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمُ النَّبيِّينَ، وهؤلاء خاتَمُ الأُمَمِ، فإذا هلَكوا لا يَبقى مَن يعبُدُ اللهَ، فما زال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تلك الحالِ مِن التَّضرُّعِ للهِ عزَّ وجلَّ بالنَّصرِ على المشْرِكين «حتَّى سقَط رداؤُه عن مَنكِبَيْهِ» أي: كَتِفَيْه، والرِّداءُ هو الثَّوبُ الَّذي يُغطِّي النِّصفَ الأعلى مِن الجسدِ، وهذا بيانٌ لشِدَّةِ اجتهادِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وخُشوعِه في الدُّعاءِ، فأتى أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه وأخَذ الرِّداءَ فرَدَّه إلى كَتِفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «ثمَّ التزَمه مِن وَرائِه» أي: ضَمَّه إلى صَدرِه واعتَنقَه إرفاقًا به وشَفقةً، وقال: «يا نبيَّ اللهِ، كفاكَ مُناشدتُك ربَّكَ» والمُناشَدةُ: السُّؤالُ بصوتٍ مُرتفعٍ؛ «فإنَّه سيُنجِزُ لكَ ما وعَدَكَ» مِن النَّصرِ على أعدائِكَ، وهذا مِن إيمانِ وعِلمِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُجِيبُ دَعوةَ نَبيِّه، فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال: 9 ]، فأمَدَّه اللهُ عزَّ وجلَّ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالملائكةِ عونًا له وللمُسلِمين على أعداءِ اللهِ مِن المُشركين.
ويَرْوي ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه بيْنما رجُلٌ مِن المُسلِمينَ يومَ غَزوةِ بَدرٍ «يشتَدُّ»، أي: يُسرِعُ ويَعْدو «في أثَرِ»، أي: وَراءَ رجُلٍ مِن المُشركين يَهرَبُ منه أمامَه؛ إذ سَمِعَ هذا الرَّجلُ المُسلمُ صوتَ ضربةٍ بالسَّوطِ فوق المُشركِ، وصوتَ الفارسِ يقولُ: «أقدِمْ حَيْزومُ»، وهو اسمُ فرَسِه، والمعنى: تَقدَّمْ أو أسْرِعْ يا حَيْزومُ نحْوَ العدوِّ، فنَظَر المُسلمُ إلى المُشركِ أمامه فوجده «خرَّ مُستلقيًا»، أي: سقَط على ظَهرِه، فإذا المُشركُ، قد "خُطِمَ أنفُه"، وهو الأثَرُ على الأنفِ، أي: كُسِرَ، «وشُقَّ وجهُه» قُطِعَ طُولًا، والجرحُ ظاهرٌ عليه أثَرُ سَوطٍ لا أثَرُ سَيفٍ ونحوِه، فاخضَرَّ ذلك أجمعُ، أي: صار موضعُ الضَّربِ كلُّه أخضرَ، أو أسودَ؛ فإنَّ الخُضرةَ قد تُستعمَلُ بمعنَى السَّوادِ، وذلك مِن شِدَّةِ الضَّربةِ وأثَرِ السَّوطِ، أو أنَّه زيادةٌ في التَّنكيلِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ بالكافرِ، فرجَعَ المسْلمُ وكان أنصاريًّا -وهُم أهلُ المدينةِ- إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأخبَرَه بما سَمِع ورَأى، فصَدَّقه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقالَ: «ذلك مِن مَدَدِ» أي: إنَّ هذا مَلكٌ مِن ملائكةِ السَّماءِ الثَّالثةِ، الَّذي أمَدَّ اللهُ سُبحانه بهم نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والصَّحابةَ المجاهِدين في المعركةِ، ثمَّ أخبَرَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ المُسلِمين قَتَلوا يَومَئذٍ مِن المشرِكين سَبعين وأسَروا سَبعين.
وروى عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ المسْلِمين لمَّا أخذوا أسارى مِن المشْرِكين، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبي بَكرٍ وعُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «ما ترَوْنَ في هؤلاء الأُسارى؟» أي: بماذا تَقْضون فيهم؟ فقال أبو بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: «يا نبيَّ اللهِ، هم بنو العَمِّ والعَشيرةِ» يُريدُ أنَّ هؤلاء الأسرى هُم في الأصلِ أهلُنا وأقاربُنا، «أرى أنْ تأخُذَ منهم فِديةً» أي: مالًا يَفْدُون به أنفُسِهم مِن القتلِ، ويكون هذا المالُ لنا قوَّةً على الكفَّارِ وعندَ حَربِنا معهم، ولعلَّ اللهَ يَهْدي منهم ويَدخُلُ الإسلامَ مُستقبَلًا، ثمَّ سَأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُمرَ عن رأيِه، فقالَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: «لا، واللهِ! ما أرى الَّذي رأى أبو بكرٍ» أي: لا نَأخُذُ منهم الفِديةَ ونُطلِقُهم، «ولكنِّي أرى أنْ تُمكِّنَّا فنَضرِبَ أعناقَهم» يُريدُ رَضيَ اللهُ عنه قَتْلَهم، فتُمكِّنَ علِيَّ بنَ أبي طالبٍ مِن أخيه عَقيلٍ المشرِكِ المأسورِ، فيَضرِبَ عُنقَه، «وتُمكِّنِّي مِن فلانٍ نسيبًا لعُمرَ»، أي: قريبًا له، فأضرِبَ عُنقَه؛ «فإنَّ هؤلاء أئمَّةُ الكفرِ وصَناديدُها»، أي: كِبارُهم وزُعماؤهم، وإنَّهم مَن تَولَّوا أمْرَ الحربِ وألْجؤوهم إلى الهجرةِ مِن مكَّةَ، «فهَوِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما قال أبو بَكرٍ» أي: أحَبَّه واستحسَنَه، ولم يَرغَبْ فيما ما قاله عُمَرُ.
فلمَّا كان مِن الغدِ -وهو صباحُ اليومِ التَّالي- جاء عُمرُ فوجَدَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبا بكرٍ قاعدَيْنِ يَبكيانِ، فسَألهما عن سَببِ بُكائِهما، وقال: «فإنْ وجَدْتُ بكاءً بكَيْتُ، وإنْ لم أجِدْ بكاءً تباكَيْتُ» أي: تَكلَّفْتُ البُكاءَ لبُكائِكما؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَبْكِي للَّذي عرَض عليَّ أصحابُك مِن أخْذِهم الفِداءَ» في الأمسِ «لقدْ عُرِضَ عليَّ عذابُهم أدْنى مِن هذه الشَّجرةِ»، أي: أقرَبَ منها، يُشيرُ إلى شَجرةٍ كانت قريبةً منه، وهذا تَأكيدٌ على ما يَلحَقُ بالمشْرِكين مِن عَذابٍ في الآخرةِ، وأنَّ بُكاءَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو مِن كَمالِ شَفقتِه ورَحمتِه بهم، لوْ أنَّهم آمَنوا باللهِ ورَسولِه لَسَلِموا مِن عَذابِ الآخرةِ، وأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ في العتابِ على أخْذِهم الفداءَ وتَرْكِ قَتلِهم: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ }، أي: يُكثِرَ القَتْلَ والقهرَ في العدوِّ، { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخرة وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } عزيزٌ في قَهرِ الأعداءِ، حكيمٌ في عِتابِ الأولياءِ؛ { لّوْلا كِتَابٌ مّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي: ولولا حكمٌ مِن اللهِ سَبَق إثباتُه في اللَّوحِ المحفوظِ، وهو ألَّا يُعاقِبَ المخطِئَ في اجتهادِه، أو ألَّا يُعذِّبَ أهلَ بَدرٍ، أو قَومًا لم يُصرَّحْ لهم بالنَّهيِ عنه، أو أنَّ الفديةَ الَّتي أخَذَوها ستَحِلُّ لهم؛ لَمَسَّهم ونالَهم فيما أخَذوا مِن الفداءِ عَذابٌ عظيمٌ، { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا } [ الأنفال: 67 - 69 ]، فأحَلَّ اللهُ الغنيمةَ لهم.
وفي الحديثِ: فَضلُ أبي بكرٍ وعُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: أنَّ مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَملَ بالشُّورى.
وفيه: فضلُ الدُّعاءِ وأهميَّتُه وآدابُه.
وفيه: بيانُ بعضِ الكَراماتِ الَّتي حدَثَتْ في غزوةِ بَدْرٍ.
وفيه: مواساةُ الأحبَّةِ والخِلَّانِ بالبُكاءِ والتَّباكي لبُكائهم.
وفيه: بَيانُ عَظيمِ نِعمةِ اللهِ تَعالَى على هذه الأُمَّةِ؛ حيث أباحَ لهم في تلك الغزوةِ الغنائمَ، بعْدَ أنْ كانت مُحرَّمةً على الأنبياءِ الأوَّلينَ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
صحيح دلائل النبوةلا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى
الأحكام الشرعية الصغرىلما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
العلل الكبيرأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح
الأحكام الشرعية الصغرى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم زيد بن حارثة
صحيح دلائل النبوةرأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المنبر يخطب الناس فقال
التوحيد لابن خزيمةاجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول
صحيح دلائل النبوةقبل الساعة سنون خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون
صحيح دلائل النبوةإن أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ويصدق فيها الكاذب ويخون
التوحيد لابن خزيمةإذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة جاء الرب تبارك وتعالى إلى المؤمنين
صحيح دلائل النبوةأتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده
التوحيد لابن خزيمةيطول يوم القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى آدم أبي
التوحيد لابن خزيمةلكل نبي دعوة يدعو بها فتستجاب له فأريد إن شاء الله


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, November 19, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب