حديث أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال حضرت

أحاديث نبوية | مجمع الزوائد | حديث سالم بن عبيد

«أُغميَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مرضِه فأفاق فقال حضرتِ الصلاةُ؟ قلنا نعم قال مُرُوا بلالًا فليُؤذِّنْ ومُرُوا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناسِ ثم أُغميَ عليه, فأفاق فقال هل حضرتِ الصلاةُ؟ قلتُ نعم قال مُرُوا بلالًا فليُؤذِّنْ, ومُرُوا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناسِ فقالت عائشةُ رضيَ اللهُ عنها إنَّ أبي رجلٌ أسيفٌ فلو أمرتَ غيرَه فليُصلِّ بالناسِ ثم أُغميَ عليه فأفاق فقال أُقيمتِ الصلاةُ؟ قلنا نعم قال ائتوني بإنسانٍ أعتمدُ عليه فجاءَه بريدةُ وإنسانٌ آخرُ فاعتمدْ عليهما فأتى المسجدَ فدخلَه وأبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ يصلي بالناسِ فذهب أبو بكرٍ يتنحَّى فمنعَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأجلسُ إلى جنبِ أبي بكرٍ حتى فرغ من صلاتِه فقبض رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال عمرُ لا أسمعُ أحدًا يقول مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلا ضربتُه بالسيفِ فأخذ أبو بكرٍ بذراعي فاعتمدَ عليَّ وقام يمشي حتى جئنا فقال أوسِعُوا له فأكبَّ عليه ومسَّهُ, قال إنك ميتٌ وإنهم ميِّتونَ قالوا يا صاحبَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال نعم فعلِمُوا أنَّهُ كما قال قالوا يا صاحبَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنصلي على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال نعم يدخلُ قومٌ فيُكبِّرونَ ويدعون ويُصلُّونَ ثم ينصرفون ويجيءَ آخرون حتى يفرغوا قالوا يا صاحبَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيُدفنُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم قالوا وأين يُدفنُ؟ قال حيث قُبِضَ, فإنَّ اللهَ تبارك وتعالى لم يقبِضْهُ إلا في بقعةٍ طيبةٍ فعلموا أنَّهُ كما قال ثم قام فقال عندكم صاحبُكم, فأمرَهم يغسلونَه ثم خرج واجتمع المهاجرونَ يتشاورون فقالوا انطلِقُوا إلى إخوانِنا من الأنصارِ فإنَّ لهم في هذا الأمرِ نصيبًا فانطلقوا فقال رجلٌ من الأنصارِ منا أميرٌ ومنكم أميرٌ فأخذ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ بيدِ أبي بكرٍ فقال أخبروني من له هذه الثلاثِ (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) من صاحبُه؟ (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) فأخذ بيدِ أبي بكرٍ فضرب عليها وقال للناسِ بايِعُوهُ فبايعُوه بيعةً حسنةً جميلةً»

مجمع الزوائد
سالم بن عبيد
الهيثمي
رجاله ثقات

مجمع الزوائد - رقم الحديث أو الصفحة: 5/185 - أخرجه ابن ماجه (1234)، والترمذي في ((الشمائل المحمدية)) (379) واللفظ له

شرح حديث أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأفاق فقال


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاتَ وأَبُو بَكْرٍ بالسُّنْحِ، -قَالَ إسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بالعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما مَاتَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَتْ: وقَالَ عُمَرُ: واللَّهِ ما كانَ يَقَعُ في نَفْسِي إلَّا ذَاكَ، ولَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ، فَلَيَقْطَعَنَّ أيْدِيَ رِجَالٍ وأَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ فَكَشَفَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أيُّها الحَالِفُ، علَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أبو بَكْرٍ وأَثْنَى عليه، وقَالَ: ألا مَن كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، وقَالَ: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [ الزمر: 30 ]، وقَالَ: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [ آل عمران: 144 ]، قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ، قَالَ: واجْتَمعتِ الأنْصَارُ إلى سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ في سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقالوا: مِنَّا أمِيرٌ ومِنكُم أمِيرٌ، فَذَهَبَ إليهِم أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فأسْكَتَهُ أبو بَكْرٍ، وكانَ عُمَرُ يقولُ: واللَّهِ ما أرَدْتُ بذلكَ إلَّا أنِّي قدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قدْ أعْجَبَنِي، خَشِيتُ ألَّا يَبْلُغَهُ أبو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ، فَتَكَلَّمَ أبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ في كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، فَقَالَ حُبَابُ بنُ المُنْذِرِ: لا واللَّهِ لا نَفْعَلُ، مِنَّا أمِيرٌ، ومِنكُم أمِيرٌ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا، ولَكِنَّا الأُمَرَاءُ، وأَنْتُمُ الوُزَرَاءُ، هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ دَارًا، وأَعْرَبُهُمْ أحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ، أوْ أبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أنْتَ؛ فأنْتَ سَيِّدُنَا، وخَيْرُنَا، وأَحَبُّنَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخَذَ عُمَرُ بيَدِهِ فَبَايَعَهُ، وبَايَعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللَّهُ.
وقَالَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ، أخْبَرَنِي القَاسِمُ، أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَخَصَ بَصَرُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: في الرَّفِيقِ الأعْلَى، ثَلَاثًا، وقَصَّ الحَدِيثَ.
قَالَتْ: فَما كَانَتْ مِن خُطْبَتِهِما مِن خُطْبَةٍ إلَّا نَفَعَ اللَّهُ بهَا، لقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ، وإنَّ فيهم لَنِفَاقًا، فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بذلكَ، ثُمَّ لقَدْ بَصَّرَ أبو بَكْرٍ النَّاسَ الهُدَى، وعَرَّفَهُمُ الحَقَّ الذي عليهم، وخَرَجُوا به يَتْلُونَ { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } إلى { الشَّاكِرِينَ } [ آل عمران: 144 ].
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3667 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ] [ قوله: وقال عبد الله بن سالم...
معلق
]



كانت وَفاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حدَثًا جَلَلًا في تاريخِ الإسْلامِ؛ فقدِ انقطَعَ الوَحيُ المُباشِرُ مِن السَّماءِ، وفُجِعَ المُسلِمونَ فَجْعةً لا مَثيلَ لها، ولكنْ قيَّضَ اللهُ أبا بَكرٍ لهذا المَوقِفِ، فجَمَع اللهُ به كَلمةَ المُسلِمينَ ووحَّدَها بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ تَرْوي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا مات كان أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه غائبًا عندَ زَوْجتِه بِنتِ خارِجةَ الأنْصاريِّ بالسُّنْحِ، يَعني: بالعاليةِ، وهي مَنازِلُ بَني الحارِثِ في المَدينةِ، وفي رِوايةٍ: أنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أخبَرَتْ أنَّ بصَرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ شخَصَ وارتفَعَ نَحْوَ السَّماءِ، عندَ وَفاتِه حينَ خُيِّرَ، ثمَّ قال: «في الرَّفيقِ الأعْلى»، أي: في المَلأِ الأعْلى، قالها ثَلاثًا، والرَّفيقُ الأعْلى هم { الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْه
ِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
، وقيلَ: هو الجَنَّةُ، وقيل: جَماعةُ الأنْبياءِ الَّذين يَسكُنونَ أعْلى عِلِّيِّينَ.
وعندَ انْتِشارِ خَبرِ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: واللهِ ما مات رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم يَحلِفُ رَضيَ اللهُ عنه: «واللهِ ما كانَ يقَعُ في نَفْسي إلَّا ذاك»، أي: عدَمُ مَوْتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَيَبعَثَنَّه اللهُ عزَّ وجلَّ في الدُّنْيا، فلَيَقْطَعَنَّ أيْديَ رِجالٍ وأرْجُلَهم قائِلينَ بمَوْتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا دخَلَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، كَشَف عن وجْهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الغِطاءَ، فتأكَّدَ أنَّه مات، فقَبَّلَه بيْنَ عَينَيْه -كما في رِوايةِ النَّسائيِّ- ثمَّ قال: «بأبي أنتَ وأُمِّي»، أي: أفْديكَ بهما منَ المَوتِ، لو كان ذلك مُمكِنًا، «طِبْتَ حَيًّا ومَيِّتًا»، حيث كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طيِّبَ الرِّيحِ والأثَرِ في الدُّنْيا وهو حَيٌّ، وكذلك طيَّبَ اللهُ أثَرَه وريحَه وهو ميِّتٌ، ثمَّ أقسَمَ أبو بَكرٍ فقال: «واللهِ الَّذي نَفْسي بيَدِه، لا يُذيقُكَ اللهُ المَوتَتَينِ أبَدًا»، قيلَ: يَعني بذلك: لا يَجمَعُ اللهُ عليكَ شِدَّةً بعْدَ المَوتِ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قدْ عصَمَكَ مِن أهْوالِ القيامةِ.
وقيلَ: لا يَموتُ مَوتةً أُخْرى في قَبرِه، كما يَحْيا غيرُه في القَبرِ، فيُسألُ ثمَّ يُقبَضُ.
وقيلَ: بل أشارَ بذلك إلى مَن زعَمَ أنَّه صلَّى اللوسلَّمَ لم يَمُتْ، وأنَّه سيَحْيا، فيَقطَعُ أيْديَ رِجالٍ وأرجُلَهم؛ لأنَّه لو صَحَّ ذلك للزِمَ أنْ يَموتَ مَوْتةً أُخْرى في الدُّنْيا، فأخبَرَ أنَّه أكرَمُ على اللهِ مِن أنْ يَجمَعَ عليه مَوتَتَينِ، كما جمَعَهما على غَيرِه، كالَّذين خَرَجوا مِن ديارِهم وهمْ أُلوفٌ، وكالَّذي مَرَّ على قَرْيةٍ، كما قصَّ اللهُ نَبأهُم في سُورةِ البقَرةِ.
ثمَّ خرَج أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن عندِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يُكلِّمُ النَّاسَ -وكأنَّه رَضيَ اللهُ عنه ما زالَ يُكرِّرُ حَلِفَه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما مات- فنادَى عليه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بقَولِه: «أيُّها الحالِفُ، على رِسلِكَ»، أي: تَمهَّلْ وتَوقَّفْ، فلمَّا تكلَّمَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه جلَس عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، فحَمِدَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه اللهَ تعالَى، وأثْنى عليه، وقال: ألَا مَن كانَ يَعبُدُ مُحمَّدًا فإنَّ مُحمَّدًا قد مات، وصدَق عليه قَدَرُ اللهِ، ومَن كانَ يَعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموتُ، ثمَّ تَلا قولَ اللهِ تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } [ الزُّمر: 30 ]؛ فإنَّ الكُلَّ بصَدَدِ المَوتِ، وفي ذلك كلِّه تَذْكيرٌ للنَّاسِ، واستِشْهادٌ على صِحَّةِ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَلا قولَ اللهِ تعالَى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } بارْتِدادِه، ومَعْناها: وما مُحمَّدٌ إلَّا رَسولٌ مِن جِنسِ مَن سبَقَه مِن رُسلِ اللهِ الَّذين ماتوا أو قُتِلوا، أفإنْ ماتَ هو، أو قُتِلَ ارتَدَدْتم عن دِينِكم، وترَكْتمُ الجِهادَ؟! ومَن يَرتَدَّ منكم عن دِينِه فلنْ يضُرَّ اللهَ شَيئًا؛ إذ هو القَويُّ العَزيزُ، وإنَّما يضُرُّ المُرتَدُّ نفْسَه بتَعْريضِها لخَسارةِ الدُّنْيا والآخِرةِ، { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [ آل عِمران: 144 ]، له أحسَنَ الجَزاءِ بثَباتِهم على دِينِه، وجِهادِهم في سَبيلِه.
وهنا تَأكَّدَ للجَميعِ مَوتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «فنشَجَ النَّاسُ» يَبْكونَ، ونَشيجُ الإنْسانِ: إذا غُصَّ بالبُكاءِ في حَلْقِه مِن غَيرِ انْتِحابٍ، أو هو بُكاءٌ معَه صَوتٌ.
ثمَّ إنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم اجتَمَعوا لاخْتيارِ مَن يَخلُفُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسلِمينَ، ويقومُ على أمْرِ الأمَّةِ، فاجتَمَعَ الأنْصارُ -وهمْ أهلُ المَدينةِ- إلى سَعدِ بنِ عُبادةَ، وكان نَقيبَ بَني ساعِدةَ؛ لأجْلِ التَّشاوُرِ في أمرِ الخِلافةِ، وكان هذا الاجْتِماعُ في سَقيفةِ بَني ساعِدةَ، وهو مَوضِعٌ مُسقَّفٌ يَجتَمِعُ إليه الأنْصارُ، وبَنو ساعِدةَ: بَطْنٌ مِنَ الخَزْرجِ، فقال الأنْصارُ للمُهاجِرينَ: منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ، قالوا ذلك على عادةِ العَرَبِ الجاريةِ بيْنَهم؛ ألَّا يَسودَ القَبيلةَ إلَّا رَجلٌ منهم، فذهَب إليهم أبو بَكرٍ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وأبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ رَضيَ اللهُ عنهم، لمَّا عَلِموا بهذا الاجتِماعِ، فأرادَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَتكَلَّمَ، فأسْكَتَه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وكان عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: واللهِ ما أرَدْتُ بذلك إلَّا أنِّي قد هيَّأْتُ كَلامًا قد أعْجَبَني، خَشيتُ ألَّا يَبلُغَه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بكلامِه، ثمَّ تَكلَّمَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فكان أبلَغَ النَّاسِ، فقال في كَلامِه: نحنُ -أي: قُرَيشٌ- الأُمراءُ، وأنتم -أي: الأنْصارُ- الوُزَراءُ المُسْتَشارونَ في الأُمورِ؛ وذلك لحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الخِلافةَ لا تَكونُ إلَّا في قُرَيشٍ، فقال حُبابُ بنُ المُنذِرِ رَضيَ اللهُ عنه مُعتَرِضًا: لا واللهِ، لا نَفعَلُ ذلك، ولكنْ منَّا أميرٌ ومنكم أميرٌ، فقال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: لا، ولكنَّا الأُمراءُ، وأنتمُ الوُزَراءُ.

ثمَّ تابَعَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّ قُرَيشًا أوسَطُ العَرَبِ دارًا، أي: هم أشرَفُ قَبيلةٍ، وأعرَبُهم أحْسابًا، والحَسَبُ: الفِعالُ الحِسانُ، ثمَّ طلَب أبو بَكرٍ منَ الحاضِرينَ أنْ يُبايِعوا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أو أبا عُبَيدةَ بنَ الجرَّاحِ.
فأحالَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه على الفَورِ البَيْعةَ إلى أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وقال مُعدِّدًا لمَناقِبِه: «فأنتَ سَيِّدُنا، وخَيرُنا، وأحَبُّنا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، ثمَّ أخَذَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بيَدِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فبايَعَه، وبايَعَه النَّاسُ المُهاجِرونَ، وكذا الأنْصارُ، فقال قائلٌ منَ الأنْصارِ: قتَلْتُم سَعدَ بنَ عُبادةَ، أي: كِدْتُم تَقتُلونَه، أو هو كِنايةٌ عنِ الإعْراضِ والخِذْلانِ، فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: «قتَلَه اللهُ» دُعاءً عليه؛ لعَدَمِ نُصرَتِه للحقِّ، وتَخَلُّفِه -فيما قِيلَ- عن بَيْعةِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وامْتِناعِه منها، والعُذرُ له في تَخلُّفِه عن بَيعةِ الصِّدِّيقِ: أنَّه تَأوَّلَ أنَّ للأنصارِ استحقاقًا في الخلافةِ، فهو مَعذورٌ وإنْ كان ما اعتَقَدَه مِن ذلك خَطأً.
وتُخبِرُ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها عن خُطبةِ كلٍّ مِن عُمَرَ وأبي بَكرٍ في وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَقولُ: «فما كانت مِن خُطْبتِهما»، أي: خُطبةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ، «مِن خُطْبةٍ إلَّا نفَع اللهُ بها، لقد خوَّفَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه النَّاسَ»، بقَولِه: «ليَقْطَعَنَّ أيْديَ رِجالٍ وأَرْجُلَهُمْ» كان فيهم نِفاقٌ، وكانوا مَوْجودينَ عندَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهمُ الَّذين عرَّضَ بهم عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه، «فرَدَّهمُ اللهُ بذلك» إلى الحَقِّ، «ثمَّ لقدْ بصَّرَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه النَّاسَ الهُدى»، وأوْضَحَه لهم، «وعرَّفَهمُ الحَقَّ» الَّذي عليهم، وخَرَجوا بسَبَبِ قَولِه وتِلاوتِه ما ذُكِرَ وهم يَتْلونَ قولَ اللهِ تعالَى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } إلى قولِه: { الشَّاكِرِينَ } [ آل عِمرانَ: 144 ]، فأيْقَنوا بمَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعادوا إلى كِتابِ اللهِ، فكان ذلك تَثْبيتًا لهمْ على الحقِّ والهُدى.
وفي الحَديثِ: بَيانُ بَعضِ مَناقبِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: أنَّ الصَّدَماتِ قدْ تُذهِلُ عُقولَ بَعضِ النَّاسِ، فيَنبَغي الرِّفقُ بهم حتَّى يَعودوا إلى وَعْيِهم.
وفيه: أنَّ المَوتَ حقٌّ على كلِّ حيٍّ.
وفيه: تَغْطيةُ الميِّتِ بعدَ مَوتِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَقْبيلِ الميِّتِ بينَ عَينَيهِ.
وفيه: سَعيُ عُقلاءِ الأُمَّةِ وذَوي الهَيْئاتِ في تَولِّي أُمورِ الأمَّةِ، وتَرْشيدِ حالِها، ورِعايةِ مَصالِحِها.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
مجمع الزوائدأقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف على رسول الله
مجمع الزوائدأن الحكم الغفاري قال لرجل مرة أتذكر نهي رسول الله صلى الله عليه
مجمع الزوائدأن النبي صلى الله عليه وسلم تسابق بين الخيل وجعل بينها سبقا وجعل
مجمع الزوائدأن رجلا قال للحكم الغفاري أتذكر يوم نهى رسول الله صلى الله عليه
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها أي النشرة
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقسم لبني عبد شمس ولا
مجمع الزوائدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم والجر
مجمع الزوائدأن شراحة الهمدانية أتت عليا فقالت إني زنيت فقال لعلك غيرى لعلك رأيت
مجمع الزوائدإن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقال أبو
مجمع الزوائدأن فيكم قوما يتعبدون فيدأبون حتى يعجب بهم الناس وتعجبهم أنفسهم يمرقون من
مجمع الزوائدأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن أخ ليبايعه على الهجرة فقال


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, July 16, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب