جاءت خيلُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فأخذوا عمَّتي وَناسًا فلمَّا أتوا بِهِم إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صفُّوا لَهُ فقالت :يا رسول اللَّه ، نأَى الوافدُ وانقطعَ الولدُ وأَنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي من خِدمةٍ فمُنَّ عليَّ منَّ اللَّهُ عليكَ ، قالَ مَن وافدُكِ ؟ قالت عَديُّ بنُ حاتمٍ ، قالَ الَّذي فرَّ منَ اللَّهِ ورسولِهِ قالَت فمُنَّ عليَّ ، فلمَّا رجعَ ورجلٌ إلى جنبِهِ ترى أنَّهُ عليٌّ ، قالَ : سَليهِ حملانًا فسألتهُ فأمرَ لَها ، قالَ فأتَتني فقالَت : لقد فعل فِعلةً ما كانَ أبوكَ يفعلُها فإنَّهُ قد أتاهُ فلانٌ فأصابَ منهُ وأتاهُ فلانٌ فأصابَ منه فأتيتُهُ فإذا عنده امرأةٌ وصبيانٌ ، أو صبيٌّ ، وذَكَرَ قُربَهُم منَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : فعرَفتُ أنَّهُ ليسَ بِمُلكِ كسرى ولا قيصرَ ، فقالَ يا عديُّ ما أفرَّكَ ؟ أن يقالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ؟ فَهَل مِن إلهٍ إلَّا اللَّهُ ؟ قال ما أفرَّكَ أن يقالَ اللَّهُ أَكْبرُ فَهَل شيءٌ أَكْبرُ منَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ ؟ قالَ : فأسلَمتُ ، فرأيتُ وجهَهُ استبشَرَ وإن قالَ : المغضوبُ عليهمُ اليَهودُ وإنَّ الضَّالِّينَ النَّصارَى
الراوي : عدي بن حاتم الطائي | المحدث : أحمد شاكر
| المصدر : عمدة التفسير
الصفحة أو الرقم: 1/689 | خلاصة حكم المحدث : [ أشار في المقدمة إلى صحته ]
التخريج : أخرجه أحمد ( 19400 )، وابن حبان ( 7206 )، والطبراني ( 17/100 ) ( 237 )
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أحرَصَ النَّاسِ على هِدايةِ الخَلقِ إلى الإسْلامِ والتَّوحيدِ، وكان صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْعى في حاجةِ السَّائلينَ، ولا يُولِّي عنهم حتَّى يَقْضيَها لهم.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عَدِيُّ بنُ حاتمٍ الطَّائيُّ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ خَيلًا لرَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو كِنايةٌ عن مَجْموعةٍ مِن الفَوارِسِ والطَّائفةِ مِن الجَيشِ- جاءت إلى قَبيلَتِه طيِّئٍ ليَدْعوَهم إلى الإسْلامِ، وكانوا نَصارى، ولكنَّهم لم يُسلِموا جَميعًا، فأخَذوا عمَّتَه وناسًا أسْرى، فلمَّا أتَوْا بهم إلى رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فوَقَفوا صَفًّا أمامَه لِيَراهم، وليَعرِضَ عليهمُ الإسْلامَ بنفْسِه، ثمَّ يَرى فيهم رَأْيَه، فطلَبَت عمَّةُ عَديٍّ مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَعفوَ عنها، ويُطلِقَ سَراحَها، وقالت:«
يا رَسولَ اللهِ، نَأى الوافِدُ»؛
أي: بعُدَتِ المَسافةُ الَّتي يَعجِزُ أنْ يَأتيَ مِن قَبيلَتِها وافدٌ يَفْديهم مِن الأسْرِ، «
وانقطَعَ الوَلدُ»، فمات أوْلادُها، أو لمْ تَعُدْ قادِرةً على الوِلادةِ لوِ اتَّخذَها أحَدُهم بقَصدِ الإنْجابِ، وهي أيضًا عَجوزٌ كَبيرةٌ، وليس بها قُدرةٌ على خِدمةِ أحدٍ لوِ اتَّخذَها خادِمةً، ثمَّ طلَبَت مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتفضَّلَ عليها، فيُطلِقَ سَراحَها مِن الأسْرِ رَجاءَ أنْ يَتفضَّلَ
اللهُ عليه جَزاءً منه على تَفضُّلِه عليها، فسَأَلَها «
مَن وافِدُكِ؟»
أي: مَنِ الشَّخصُ المَسؤولُ عنكِ، ويُمكِنُ أنْ يَأتيَ لفِدائِكِ؟ قالت: عَديُّ بنُ حاتمٍ الطَّائيُّ؛ ابنُ أخيها، وقدْ كان رَئيسَ القَبيلةِ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
الَّذي فرَّ مِنَ اللهِ ورَسولِه!»، وهذا تَعجُّبٌ واستِبْعادٌ أنْ يَأتيَ عَديٌّ لفِدائِها؛ وذلك لأنَّ عَدِيًّا كان نَصْرانيًّا، ولمَّا بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بالإسْلامِ كَرِه عَديٌّ ذلك، وفَرَّ إلى بِلادِ الرُّومِ أهْلِ دِينِه مِن النَّصارى بالشَّامِ، ولكنَّه ضاق بمُقامِه عِندَهم، فرجِع إلى أهْلِه، لمَّا عَلِم أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مَنَّ على أُختِه أو عمَّتِه، كما سيَأْتي في الحَديثِ، وكان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ بَعَث في السَّنةِ التَّاسِعةِ معَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ مائةً وخَمسينَ رَجلًا مِن الأنْصارِ ليَهدِموا صنَمَ طيِّئٍ، فشَنُّوا الغارةَ على مَنازلِ حاتمٍ الطَّائيِّ معَ الفَجرِ فهَدَموها، ومَلَؤوا أيْديَهم مِن السَّبيِ والغنَمِ والشَّاءِ، ففَرَّ عَديٌّ، ثمَّ جاء إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ سَنةَ عَشرٍ منَ الهِجرةِ وأسلَمَ.
فلمَّا رجَع رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بيْتِه، كان رَجلٌ إلى جَنبِه ظَنَّتعَمَّةُ حاتمٍ أنَّه عَليُّ بنُ أبي طالبٍ، فأخبَرَ عَليٌّ رَضيَ
اللهُ عنه المَرأةَ أنْ تَطلُبَ منَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعطيَها ما تَركَبُه مِن الدَّوابِّ عائدةً إلى قَبيلَتِها، ففعَلَت ذلك، فأمَر لها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بما تَركَبُه، وظاهِرُ هذا أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ عَفا عنها.
وبعْدَ أنْ رجَعَتِ المَرأةُ إلى أهْلِها وقَبيلتِها ذهَبَت إلى عَديِّ بنِ حاتمٍ وأخْبَرَتْه بكرَمِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وحُسنِ مُعاملَتِه، وأنَّه فعَل معَها فِعلةً ما كان أبوهُ حاتمٌ الطَّائيُّ -على كرَمِه- لِيَفعَلَها، ثمَّ عَدَّدَت لعَديٍّ ما رَأتْه عندَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه «
جاء إليه فُلانٌ فأصابَ منه، وأتاهُ فُلانٌ فأصابَ منه»؛
أي: أعْطاهم ممَّا عندَه، ولعلَّها فعَلَت ذلك لتُرغِّبَ عَديًّا في الذَّهابِ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه كَريمٌ وحسَنُ الخُلقِ، وسيَقبَلُ إسْلامَه، وقد ذهَب عَديُّ بنُ حاتمٍ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في المَدينةِ، فوَجَد عندَه امْرأةً وصِبيانًا صِغارًا، وذكَر قُربَ هؤلاء الصِّبيانِ مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وعَدمَ إبْعادِهم عنه، كما يَفعَلُ المُلوكُ، فعرَفَ عَديٌّ أنَّ هذه أخْلاقُ إنْسانٍ كَريمٍ، وأنَّه لا يُشبِهُ كِسْرى مِلكَ الفُرسِ ولا قَيْصرَ مَلِكَ الرُّومِ؛ بلْ هي أخْلاقُ نَبيٍّ.
فلمَّا رَآه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «
يا عَديُّ، ما أفرَّكَأنْ يُقالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ!» يَستَنكِرُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على عَديٍّ أنَّه يَفِرُّ ويَهرُبُ مِن الإسْلامِ والتَّوحيدِ للهِ عزَّ وجلَّ، ثمَّ سَأَله «
فهلْ مِن إلهٍ إلَّا اللهُ؟» وهذا سُؤالٌ لتَقْريرِ عَديٍّ بالوَحْدانيَّةِ للهِ، وأنَّه لا إلهَ غَيرُه، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
ما أفرَّكَ أنْ يُقالَ: اللهُ أكبَرُ! فهلْ شَيءٌ أكبَرُ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ؟!» وهذا استِنْكارٌ منَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَفِرَّ عَديٌّ مِن الدُّخولِ في الإسْلامِ؛ لأنَّ دَعوتَه تَقولُ بأنَّ
اللهَ أكبَرُ، واستِنْطاقٌ لعَديٍّ بأنْ يُقِرَّ بأنَّه لا أحدَ أكبَرُ مِن
اللهِ سُبحانَه، وهلْ يَعلَمُ شَيئًا أكبَرَ مِن
اللهِ يَمنَعُه مِن قَولِ هذه الكَلمةِ؟
وهنا أسلَمَ عَديٌّ وشَهِدَ للهِ بالوَحْدانيَّةِ، وللنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ، فاستَبشَرَ وَجْهُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بإسْلامِه، وظهَر على وَجْهِه عَلاماتُ الفرَحِ والسُّرورِ، وقال: «
إنَّ المَغْضوبَ عليهمُ اليهودُ، وإنَّ الضَّالِّينَ النَّصارى»، وهو مُرادُ قَولِ
اللهِ تعالى:
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [
الفاتحة: 6 - 7 ]، وقدْ كان عَديُّ بنُ حاتِمٍ رَضيَ
اللهُ عنه نَصرانيًّا، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أوضَحَ له ضَلالَ ما كان عليه منَ النَّصرانيَّةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم