بَينَما نحن نَمشي مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ بَصُرَ بامرأةٍ لا نَظُنُّ أنَّه عَرَفَها، فلمَّا تَوجَّهْنا الطَّريقَ، وقَفَ حتى انتَهَتْ إليه، فإذا فاطِمةُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَضيَ اللهُ عنها، فقال: ما أخرَجَكِ مِن بَيتِكِ يا فاطِمةُ؟ قالت: أتَيتُ أهلَ هذا البَيتِ، فرَحَّمتُ إليهم مَيِّتَهم، وعَزَّيتُهم.
فقال: لَعَلَّكِ بَلَغتِ معهمُ الكُدى؟ قالت: مَعاذَ اللهِ أنْ أكونَ بَلَغتُها معهم، وقد سمِعتُكَ تَذكُرُ في ذلك ما تَذكُرُ.
قال: لو بَلَغتِها معهم ما رأيتِ الجَنَّةَ حتى يَراها جَدُّ أبيكِ.
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : أحمد شاكر
| المصدر : تخريج المسند لشاكر
الصفحة أو الرقم: 10/80 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
التخريج : أخرجه النسائي ( 1880 )، وأحمد ( 6574 ) واللفظ له
للجَنائزِ وزِيارةِ القُبورِ أحْكامٌ خاصَّةٌ، لكلٍّ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ، فلا يَنبَغي للمَرأةِ أنْ تتَّبِعَ الجَنائزَ، ولا أنْ تَصِلَ إلى المَقابِرِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبْدُ
اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ
اللهُ عنهما أنَّ الصَّحابةَرَضِي
اللهُ عنهم بيْنما كانوا يَمْشونَ معَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عائدينَ مِن تَشْييعِ جِنازةٍ، كما بيَّنَت رِوايةُ أبي داودَ: «
قبَرْنا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -يَعني ميِّتًا- فلمَّا فرَغْنا انصرَفَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وانصَرَفْنا معَه»، فأبصَرَ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ امرأةً على بُعدٍ منه هو وأصْحابِه رَضيَ
اللهُ عنه، حتَّى ظَنُّوا أنَّ مِن بُعدِها لم يَعرِفْها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي رِوايةِ أبي داودَ: «
أظُنُّه عرَفَها»، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «
لا تظُنُّ أنَّه عَرَفَها»، قال عبْدُ
اللهِ رَضيَ
اللهُ عنه: «
فلمَّا تَوجَّهْنا الطَّريقَ»؛
أي: خَرَجوا إليه وساروا فيه، وقَفَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى وصَلَت تلك المَرأةُ إليه، فإذا هي فاطمةُ بنتُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ رَضيَ
اللهُ عنها، فسَألَها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَببِ خُروجِها، فقالتْ رَضيَ
اللهُ عنها: «
أتيْتُ أهْلَ هذا البَيتِ» الَّذي مات ميِّتُهم ودفَنَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه، فدعَوْتُ بالرَّحمةِ له «
وعزَّيْتُهم»، والتَّعْزيةُ هي التَّصْبيرُ والدُّعاءُ بقولِ: أحسَنَ
اللهُ عَزاءَكم، وما أشْبَهَه، وهذا منها لحُسنِ عِشرتِها لأهْلِ المَدينةِ، فسَألَها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُحذِّرًا «
لعلَّكِ بلَغْتِ معهمُ الكُدى؟» ومَعْناه: ذهَبْتِ معهم إلى مَقابِرِهمُ الَّتي يُدفَنونَ فيها؟ والكُدى جَمعُ كُدْيةٍ، وهي في الأصْلِ القِطْعةُ منَ الأرضِ، سُمِّيَت قُبورُهم بها؛ لأنَّها كانت تُحفَرُ في المَواضِعِ الصُّلْبةِ خَشيةَ السُّقوطِ، فاستَعاذَت فاطمةُ رَضيَ
اللهُ عنها مِن كَونِها تَبِعتِ الجِنازةَ مع أهْلِها حتَّى دُفِنَت في القَبرِ، وقدْ سَمِعَتِالنَّبيَّصلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَذكُرُ في ذلك ما يَذكُرُ منَ الوَعيدِ، فهذا بَيانُ عِلمِها بنَهيِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن نَهيِ النِّساءِ عنِ اتِّباعِ الجَنائزِ، كما عندَ التِّرمِذيِّ قال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
لعَنَ اللهُ زَوَّاراتِ القُبورَ»، ثمَّ قال لها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُحذِّرًا: «
لوْ بَلغتِها معَهم ما رأيْتِ الجنَّةَ حتَّى يَراها جدُّ أبيكِ»،
يَعني عبدَ المُطَّلِبِ، وهذا مِن التَّشديدِ في حقِّ فاطمةَ رَضيَ
اللهُ عنه خاصَّةً لمَكانتِها بيْنَ النَّاسِ؛ لِتكونَ قُدوةً للنِّساءِ بعْدَها، وقيلَ: المعنى ما رأيْتِ الجنَّةَ العاليةَ الَّتي يَدخُلُها مَن لم يَرتَكِبْ ما نَهى عنه رسولُ
الله صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ والجنَّةُ هي جِنانٌ كَثيرةٌ، لا جنَّةٌ واحدةٌ، والمُشرِكُ لا يَدخُلُ جنَّةً منَ الجِنانِ أصْلًا؛ لا عاليةً، ولا سافلةً، ولا ما بيْنَهما.
وقيلَ: لا دَلالةَ في هذا على ما تَوهَّمَه المُتوهِّمونَ؛ لأنَّه لو مشَتِ امرأةٌ مع جِنازةٍ إلى المَقابِرِ، لم يكُنْ ذلك كُفرًا مُوجِبًا للخُلودِ في النَّارِ، وغايةُ ما في ذلك أنْ يكونَ مِن جُملةِ الكَبائرِ الَّتي يُعذَّبُ صاحِبُها، ثمَّ يكونُ آخِرُ أمرِه إلى الجنَّةِ.
وأهْلُ السُّنَّةِ يُؤَوِّلونَ ما ورَد مِن الحَديثِ في أهْلِ الكَبائرِ أنَّهم لا يَدخُلونَ الجنَّةَ، بأنَّالمُرادَ: لا يَدخُلونَها معَ السَّابِقينَ الَّذينَ يَدخُلونَها أوَّلًا بغيرِ عَذابٍ، فغايةُ ما يدُلُّ عليه الحَديثُ المَذكورُ هو أنَّها لو بلَغَت معَهمُ المقابرَ لم تَرَ الجنَّةَ معَ السَّابِقينَ؛ بلْ يَتقدَّمُ ذلك عَذابٌ، أو شِدَّةٌ، أو ما شاء
اللهُ مِن أنْواعِ المَشاقِّ، ثمَّ يَؤُولُ أمرُها إلى دُخولِ الجنَّةِ قَطعًا.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ عَزاءِ النِّساءِ في البُيوتِ دونَ الذَّهابِ إلى المَقابِرِ، أوِ اتِّباعِ الجَنائزِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم