شرح حديث أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أما بعد فاتزروا
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
عن عمرَ بنِ الخطَّابِ رضيَ اللَّهُ عنهُ أنَّهُ قالَ : اتَّزروا وارتَدوا وانتعِلوا وألقوا الخفافَ والسَّراويلاتِ وألقوا الرُّكبَ ، وانزوا وعليكُم بالمعدِّيَّةِ ، وارموا الأغراضَ ، وذروا التَّنعُّمَ ، وزيَّ العجمِ ، وإيَّاكم والحريرَ ، فإنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : قد نَهَى عنهُ وقالَ : لا تلبِسوا منَ الحريرِ إلَّا ما كانَ هَكَذا ، وأشارَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بإصبعيهِ
الراوي : عبدالرحمن بن مل النهدي أبو عثمان | المحدث : أحمد شاكر
| المصدر : تخريج المسند لشاكر
الصفحة أو الرقم: 1/153 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
حَرَصَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على تَمييزِ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ عن غَيرِها مِنَ الأُمَمِ؛ فنَهى عنِ التَّشَبُّهِ بالكُفَّارِ، وأمَرَ بمُخالَفةِ أهلِ الكِتابِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ
اللهُ عنه: "اتَّزِروا وارتَدوا"،
أي: الْبَسوا الإزارَ والرِّداءَ؛ لِتَستُروا جَميعَ الجَسَدِ، فيُغَطَّى الجُزءُ العُلويُّ بالرِّداءِ، ويُغَطَّى الجُزءُ السُّفليُّ بالإزارِ المَلفوفِ عليه."وانتَعِلوا"،
أي: الْبَسوا النِّعالَ، والنَّعلُ: حِذاءٌ يُلبَسُ في القَدَمِ لِيَحميَها عِندَ المَشيِ، والأغلَبُ فيه أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، والخُفُّ يَستُرُها.ثم قال: "وألْقُوا الْخِفافَ والسَّراويلاتِ" فاتْرُكوا لُبسَها، والظاهِرُ أنَّ ذلك مِمَّا كان أوَّلَ الأمْرِ؛ لِأنَّ أهلَ الكِتابِ كانوا يَلبَسونَ الخِفافَ ولا يَلبَسونَ النِّعالَ، وكانوا يَلبَسونَ السَّراويلَ المَخيطةَ التي تُلبَسُ لِتُغطِّيَ النِّصفَ السُّفليَّ مِنَ الجَسَدِ والسَّاقَيْنِ، ولا يَلبَسونَ الإزارَ المَلفوفَ، فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ المُسلِمينَ بتَركِها؛ لِمُخالَفةِ أهلِ الكِتابِ، ولكِنْ ثَبَتَ في حَديثِ رواهُ الإمامُ أحمَدُ عن أبي أُمامةَ رَضِيَ
اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهم: تَسَروَلوا واتَّزِروا، وخالِفوا أهلَ الكِتابِ.
قال: فقُلْنا: يا رَسولَ
اللهِ، إنَّ أهلَ الكِتابِ يَتخَفَّفونَ ولا يَنتَعِلونَ.
قال: فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: فتَخَفَّفوا وانتَعِلوا وخالِفوا أهلَ الكِتابِ"."وألْقوا الرُّكُبَ" جَمعُ
( رِكابٍ ) وهي حَلقاتٌ تُعَلَّقُ في السَّرجِ وتَتَدَلَّى منه، يُريدُ أنْ يَترُكوا الاستِعانةَ بها على رُكوبِ الخَيلِ، بل عليهم أنْ يَنْزُوا على الخَيلِ، أيْ: يَقفِزوا على الخَيلِ وَثبًا؛ لِمَا في ذلك مِنَ القُوَّةِ والنَّشاطِ.ثم قال لهم: "وعليكم بالمَعْديَّةِ" يُريدُ: عليكم بخُشونةِ اللِّباسِ والعَيشِ؛ تَشَبُّهًا بمَعْدِ بنِ عَدنانَ، جَدِّ العَرَبِ، وكانوا أهلَ تَقَشُّفٍ وغِلَظٍ في المَعيشةِ؛ وذلك لِأنَّ في التَّنعيمِ اللِّينَ والضَّعفَ، وهما يُورِثانِ الضَّعفَ والذُّلَّ."وارْمُوا الأغراضَ" ويَقصِدُ به تَعَلُّمَ الرِّمايةِ بالنِّبالِ والسِّهامِ؛ لِيَكونوا على دِرايةٍ بأُمورِ الحَربِ والجِهادِ؛ لِأنَّ الرَّمْيَ مِنَ القُوَّةِ الحَقيقيَّةِ في الحَربِ؛ لِأنَّه أسرَعُ وُصولًا لِلعَدُوِّ، وأكثَرُ إصابةً لهم، مع حِفظِه لِلمُسلِمينَ، والدِّفاعِ عنهم مِن بَعيدٍ."وذَروا التَّنَعُّمَ وزِيَّ العَجَمِ"، والتَّنَعُّمُ هو التَّرَفُ في المأْكَلِ والمَلبَسِ وطُرُقِ المَعيشةِ؛ لِأنَّ ذلك يَدعو إلى حُبِّ الدُّنيا والاستِرسالِ فيها، وقد يَجُرُّ إلى الحَرامِ؛ لِأنَّ الحَلالَ في الأغلَبِ لا يَتَّسِعُ لِلتَّنَعُّمِ، وقد يَكونُ هذا النَّهيُ مَحمولًا على المُبالَغةِ في التَّنَعُّمِ والمُداوَمةِ على قَصدِه، وهذا مِمَّا اختُصَّ به الكافِرونَ والفاجِرونَ والغافِلونَ والجاهِلونَ، كما قال تَعالى:
{ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } [
الواقعة: 45 ].أمَّا النَّهيُ عن زِيِّ العَجَمِ فهو نَهيٌ عنِ التَّشَبُّهِ بغَيرِ العَرَبِ في طَريقةِ المَلبَسِ وهَيئَتِه، حتى تَتمَيَّزَ الأُمَّةُ في هَيئَتِها ومَلبَسِها، ولِأنَّ التَّشَبُّهَ بالعَجَمِ في الأزياءِ يَفتَحُ الطَّريقَ لِلتَّشَبُّهِ بهم في أُمورٍ أُخرى، كالعاداتِ والعَقائِدِ.ثمَّ قال: "وإيَّاكم والحَريرَ"، وهذا تَحذيرٌ لِلرِّجالِ خاصَّةً عن لُبسِ ثَوبٍ كامِلٍ مِنَ الحَريرِ، وإنْ أباحَه الشَّرعُ لِلنِّساءِ، وقد نَهى رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن لُبسِ ذلك الثَّوبِ الحَريريِّ، واستَثْنى قَدرَ إصبَعَيْنِ مِنَ الحَريرِ يَكونُ في الثَّوبِ، كأنْ يَكونَ في طَرَفِ الثَّوبِ، أوِ الأكمامِ، وقد وَرَدَ أنَّه يُباحُ لِلرِّجالِ قَدْرُ أربَعِ أصابِعَ مِنَ الحَريرِ لِتَكفيفِ الثَّوبِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم