أُنزِل القرآنُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فتلا عليهم زمانًا فقالوا : يا رسولَ اللهِ لو قصَصْتَ علينا فأنزَل اللهُ : { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ } [ يوسف: 1 ] إلى قولِه : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ } [ يوسف: 3 ] فتلاها عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زمانًا فقالوا : يا رسولَ اللهِ لو حدَّثْتَنا فأنزَل اللهُ : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } [ الزمر: 23 ] كلَّ ذلك يُؤمَرونَ بالقرآنِ
قال خَلَّادٌ : وزاد فيه حينَ قالوا : يا رسولَ اللهِ ذكِّرْنا فأنزَل اللهُ : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } [ الحديد: 16 ]
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم: 6209 | خلاصة حكم المحدث : إسناده قوي
أمَرَنا الشَّرعُ الحَكيمُ بالتَّدبُّرِ والخُشوعِ في آياتِ الحَقِّ، وما نزَلَ مِن
القُرآنِ؛ حتَّى يَظهَرَ للعُقولِ الصَّحيحةِ دَلائلُ الهِدايةِ، فتَلينُ القُلوبُ لذِكرِ
اللهِ ومَواعِظِه، وعلَّمَنا أنَّ في
القُرآنِ وكَلامِ نَبيِّه كِفايةً عن غَيرِهما.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ
اللهَ سُبحانَه وتعالَى أنزَلَ
القُرآنَ على رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُفرَّقًا حسَبَ الوَقائعِ والأحْداثِ، فتَلا النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسلِمينَ ما أنزَلَه
اللهُ وأقْرَأه لهم، وظلَّ كذلك حِقْبةً مِن الزَّمنِ، ثمَّ إنَّ المُسلِمينَ طلَبوا مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يقُصَّ عليهم مِن أخْبارِ الأُمَمِ السَّابِقةِ، فأنزَلَ
اللهُ سورةَ يوسُفَ:
{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [
يوسف: 1-3 ]، وأخبَرَهمُ
اللهُ في هذه الآياتِ أنَّه يقُصُّ عليهم مِن أحسَنِ القِصَصِ الَّتي وقَعَت في الأُمَمِ السَّابِقةِ، فتَلاها عليهم رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قَصصَ
القُرآنِ زَمانًا، فكأنَّهم أرادوا شَيئًا جَديدًا، فقالوا: «
يا رسولَ اللهِ، لو حدَّثْتَنا» مِن عندِكَ مِن المَوعِظةِ، فأنزَلَ
اللهُ:
{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } [
الزمر: 23 ]، ومَعْنى
{ مُتَشَابِهًا }: ليس مِن الاشْتِباهِ الَّذي بمَعْنى الالْتِباسِ والاخْتِلاطِ، ولكنَّ مَعْناه أنَّه يُشبِهُ بَعضُه بَعضًا في التَّصْديقِ؛ لأنَّ
القُرآنَ يُفسِّرُ بَعضُه بعضًا، وقيلَ: في تَصديقِ الرَّسولِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في رِسالتِه بسبَبِ إعْجازِه.
وعلى كلِّ الأحْوالِ، فهو لإعْجازِه وإفْهامِه بما اشتَمَلَ عليه مِن أخْبارِ الأُممِ، والأحْكامِ، والمَواعِظِ، ومَنفَعةِ الخَلقِ، وتَناسُبِ الألفاظِ وتَناسُقِها في التَّخْييرِ والإصابةِ، وتَجاذُبِ نَظْمِه وتآليفِه في الإعْجازِ والتَّبْكيتِ؛ أحسَنُ حَديثٍ يُمكِنُ أنْ يَسمَعَه ويَنتَفِعَ به المُسلِمونَ.
وفي كلِّ هذه الآياتِ والمَواعِظِ كان المُسلِمونَ يُؤْمَرونَ بما في
القُرآنِ مِن مَواعِظَ وقَصصٍ لتَثْبيتِ قُلوبِهم، وكأنَّ طَلَبَهم مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يقُصَّ عليهم؛ لكي تَثبُتَ قُلوبُهم على الحقِّ، فلمَّا أكْثَروا مِن هذا الطَّلبِ عاتَبَهمُ
اللهُ؛ حينَ طلَبوا مِن رَسولِ
اللهِصلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُذَكِّرَهم، فأنزَلَ
اللهُ:
{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } [
الحديد: 16 ]، والخُشوعُ يتَضمَّنُ مَعانيَ التَّواضُعِ، والذُّلِّ، والسُّكونِ، والطُّمأنينةِ، وذلك مُستَلزِمٌ لِلِينِ القَلبِ المُنافي للقَسْوةِ، فخُشوعُ القَلبِ يَتضمَّنُ عُبوديَّتَه للهِ، وطُمأنينَتَه أيضًا.
ويَنبَغي على المُسلِمِ إذا وَسوَسَ له الشَّيطانُ بخَطيئةٍ، أو حدَّثَتْه بها نفْسُه أنْ يَذكُرَ عندَ ذلك ما حمَّلَه
اللهُ مِن كِتابِه، ممَّا لو حَمَلَتْه الجِبالُ الرَّواسي لَخشَعَت وتصَدَّعَتْ؛ فإنَّما ضَرَب
اللهُ الأمثالَ لنَتفكَّرَ فيها، ونَعتَبِرَ بها، ونَزدَجِرَ عن مَعاصي
اللهِ عزَّ وجلَّ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم