حديث احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع

أحاديث نبوية | تخريج صحيح ابن حبان | حديث جابر بن عبدالله

«مكَث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمكَّةَ سَبْعَ سِنينَ يتتبَّعُ النَّاسَ في منازلِهم بعُكاظٍ ومَجَنَّةَ والمواسمِ بمنًى يقولُ : ( مَن يُؤويني وينصُرُني حتَّى أُبلِّغَ رسالاتِ ربِّي ) ؟ حتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيخرُجُ مِن اليَمنِ أو مِن مِصْرَ فيأتيه قومُه فيقولونَ : احذَرْ غُلامَ قريشٍ لا يفتِنْك ويمشي بيْنَ رِحالِهم وهم يُشيرونَ إليه بالأصابعِ حتَّى بعَثَنا اللهُ مِن يَثرِبَ فآوَيْناه وصدَّقْناه فيخرُجُ الرَّجُلُ منَّا ويُؤمِنُ به ويُقرِئُه القرآنَ وينقلِبُ إلى أهلِه فيُسلِمونَ بإسلامِه حتَّى لم يَبْقَ دارٌ مِن دُورِ الأنصارِ إلَّا فيها رَهْطٌ مِن المُسلِمينَ يُظهِرونَ الإسلامَ ثمَّ إنَّا اجتمَعْنا فقُلْنا : حتَّى متى نترُكُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُطرَدُ في جبالِ مكَّةَ ويخافُ فرحَل إليه منَّا سبعونَ رجُلًا حتَّى قدِموا عليه في المَوسِمِ فواعَدْناه بَيْعةَ العَقبةِ فاجتمَعْنا عندَها مِن رجُلٍ ورجُلَيْنِ حتَّى توافَيْنا فقُلْنا : يا رسولَ اللهِ علامَ نُبايِعُك ؟ قال : ( تُبايِعُوني على السَّمعِ والطَّاعةِ في النَّشاطِ والكسَلِ والنَّفقةِ في العُسرِ واليُسرِ وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ وأنْ يقولَها لا يُبالي في اللهِ لَومةَ لائمٍ وعلى أنْ تنصُرُوني وتمنَعوني إذا قدِمْتُ عليكم ممَّا تمنَعونَ منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجنَّةُ ) فقُمْنا إليه فبايَعْناه وأخَذ بيدِه أسعدُ بنُ زُرارةَ وهو مِن أصغَرِهم فقال : رُويدًا يا أهلَ يَثرِبَ فإنَّا لم نضرِبْ أكبادَ الإبلِ إلَّا ونحنُ نعلَمُ أنَّه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنْ إخراجَه اليومَ منازعةُ العرَبِ كافَّةً وقَتْلُ خيارِكم وأنْ تعَضَّكم السُّيوفُ فإمَّا أنْ تصبِروا على ذلك وأجرُكم على اللهِ وإمَّا أنتم تخافونَ مِن أنفسِكم جُبنًا فبيِّنوا ذلك فهو أعذَرُ لكم فقالوا : أمِطْ عنَّا فواللهِ لا ندَعُ هذه البَيْعةَ أبدًا فقُمْنا إليه فبايَعْناه فأخَذ علينا وشرَط أنْ يُعطيَنا على ذلك الجنَّةَ»

تخريج صحيح ابن حبان
جابر بن عبدالله
شعيب الأرناؤوط
إسناده صحيح على شرط مسلم

تخريج صحيح ابن حبان - رقم الحديث أو الصفحة: 6274 -

شرح حديث مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سبع سنين يتتبع الناس


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم لَبِثَ عَشْرَ سِنينَ يَتْبَعُ الحاجَّ في مَنازِلِهم في المَوسِمِ وبِمِجَنَّةَ وبعُكاظَ، وبمَنازِلِهم بمِنًى يقولُ: مَن يُؤْويني؟ مَن يَنصُرُني؟ حتى أُبَلِّغَ رِسالاتِ ربِّي وله الجَنَّةُ؟ فلا يَجِدُ أحَدًا يَنصُرُهُ ويُؤْويه، حتى إنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِن مُضَرَ، أو مِن اليَمَنِ، إلى ذي رَحِمِه، فيَأْتيه قَومُه، فيَقولون: احْذَرْ غُلامَ قُرَيشٍ لا يَفتِنُكَ، ويَمشي بَينَ رِحالِهم يَدعوهم إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ يُشيرون إليه بالأصابِعِ، حتى بَعَثَنا اللهُ عَزَّ وجَلَّ له مِن يَثرِبَ، فيَأتيه الرَّجُلُ فيُؤمِنُ به، فيُقرِئه القُرآنَ، فيَنقَلِبُ إلى أهلِهِ، فيُسلِمون بإسْلامِه، حتى لم يَبقَ دارٌ مِن دُورِ يَثرِبَ إلَّا فيها رَهْطٌ مِن المُسلِمين يُظهِرون الإسلامَ، ثُمَّ بَعَثَنا اللهُ عَزَّ وجَلَّ، فأْتَمَرْنا، واجتَمَعْنا سَبْعون رَجُلًا منَّا، فقُلْنا: حتى متى نَذَرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم يُطرَدُ في جِبالِ مكَّةَ، ويَخافُ، فرَحَلْنا حتى قَدِمْنا عليه في المَوسِمِ، فواعَدْناه شِعْبَ العَقَبةِ، فقال عَمُّه العبَّاسُ: يا ابنَ أخي، إنِّي لا أدْري ما هؤلاء القَومُ الذين جاءوكَ؟ إنِّي ذو مَعْرِفةٍ بأهلِ يَثرِبَ، فاجتَمَعْنا عِندَه مِن رَجُلٍ ورَجُلَينِ، فلمَّا نَظَرَ العبَّاسُ في وُجوهِنا، قال: هؤلاء قَومٌ لا أعْرِفُهم، هؤلاء أحْداثٌ، فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، عَلامَ نُبايِعُكَ؟ قال: تُبايِعوني على السَّمعِ والطاعةِ في النَّشاطِ والكَسَلِ، وعلى النَّفَقةِ في العُسْرِ واليُسْرِ، وعلى الأمْرِ بالمَعْروفِ، والنَّهْيِ عن المُنكَرِ، وعلى أنْ تَقولوا في اللهِ لا تَأخُذُكُم فيه لَومةُ لائِمٍ، وعلى أنْ تَنصُروني إذا قَدِمْتُ يَثرِبَ، فتَمْنَعوني ممَّا تَمنَعون منه أنفُسَكُم وأزْواجَكُم وأبْناءكُم ولكم الجَنَّةُ، فقُمْنا نُبايِعُه، فأخَذَ بِيَدِه أسْعَدُ بنُ زُرارةَ، وهو أصغَرُ السَّبْعين، فقال: رُوَيدًا يا أهلَ يَثرِبَ، إنَّا لم نَضرِبْ إليه أكْبادَ المَطيِّ إلَّا ونحن نَعلَمُ أنَّه رسولُ اللهِ، إنَّ إخْراجَه اليومَ مُفارَقةُ العَرَبِ كافَّةً، وقَتْلُ خيارِكُم، وأنْ تَعَضَّكُم السُّيوفُ، فإمَّا أنتم قَومٌ تَصْبِرون على السُّيوفِ إذا مَسَّتْكُم، وعلى قَتْلِ خيارِكُم، وعلى مُفارَقةِ العَرَبِ كافَّةً، فخُذوه وأجْرُكُم على اللهِ، وإمَّا أنتُم قَومٌ تَخافون مِن أنفُسِكُم خيفةً فذَروه، فهو أعْذَرُ عِندَ اللهِ، قالوا: يا أسْعَدُ بنَ زُرارةَ أمِطْ عنَّا يَدَكَ، فواللهِ لا نَذَرُ هذه البَيعةَ، ولا نَستَقيلُها، فقُمْنا إليه رَجُلًا رَجُلًا يَأخُذُ علينا بشُرْطةِ العبَّاسِ، ويُعْطينا على ذلك الجَنَّةَ.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 14653 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه أحمد ( 14653 ) واللفظ له، والبزار كما في ( (مجمع الزوائد )) ( 6/49 )، وابن حبان ( 6274 )



لقدْ لقِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شدائدَ عظيمةً في دَعوتِه في مكَّةَ، وقد دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهْلَ القُرى والمُدنِ المُجاورةِ لها، مِثلَ الطَّائفِ، ولكنَّهم صَدُّوه أيضًا، ثمَّ كانتْ بَيعةُ الأنصارِ، وكانوا أوَّلَ مَن قرَّرَ بعَزْمٍ وحزْمٍ أنْ يُهاجِرَ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، على أنْ يُؤمِنوا به ويُوقِّروه ويَنْصُروه.
وهذا الحديثُ يَحكي فيه جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما قِصَّةَ الدَّعوةَ مِن بِدايتِها في مكَّةَ حتى الهِجرةِ إلى المدينةِ؛ فيَقولُ: "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَبِثَ عشْرَ سِنين" في مكَّةَ في أوَّلِ الدَّعوةِ، "يَتبَعُ الحاجَّ في مَنازِلِهم"، أي: في أماكِنِهم ومَساكِنِهم التي نَزَلوا فيها للحَجِّ، وكان الحجُّ حِينئذٍ مُحرَّفًا وباطِلًا، يُدخَلُ فيه كَثيرٌ مِن الشِّركيَّاتِ قبْلَ أنْ يأتِيَ الإسلامُ ويُمحِّصَ هذا كلَّه، "في المَوسمِ" وهو مَوسِمُ الحجِّ، وهو أكبَرُ تَجمُّعٍ للعَرَبِ، "وبمَجَنَّةٍ وبعُكَاظٍ"، وهُما مِن أسواقِ العَرَبِ حيثُ يَجتمِعون لِلبيعِ والشِّراءِ، والتَّباري في الشِّعرِ والخَطابةِ، "وبمَنازلِهم بمِنًى؛ يقولُ: مَن يُؤْويني؟ مَن يَنصُرُني؟" أي: مَن يَحْميني فيُسْكِنَني في بِلادِه وعِندَ قَومِه، ويَحْفَظني ويَنصُرني، وهذا مِن الأخْذِ بالأسبابِ مع ما يَشمَلُ ذلك مِن نُصرةِ اللهِ تعالى لِنَبيِّه، "حتى أُبلِّغَ رِسالاتِ ربِّي؛ وله الجنَّةُ؟" جَزاءً على ذلك النَّصرِ والتَّأييدِ والتَّصديقِ، "فلا يَجِدُ أحدًا يَنصُرُه ويُؤْوِيه" ويَمنعُه من الأذَى، بل كانوا يَصدُّون الناسَ عنه، "حتى إنَّ الرَّجُلَ يَرحَلُ" ويُسافِرُ "مِن مُضَرَ" وهي: قَبيلةٌ عَربيَّةٌ مُنتشِرةٌ في أرضِ شَرْقِ الجَزيرةِ العربيَّةِ وفي العراقِ، "أو مِن اليَمَنِ" وهي البلادُ الواقعةُ في أقْصى جَنوبِ الجزيرةِ العربيَّةِ على البحْرِ الأحمرِ، "إلى ذي رَحِمَه" قاصِدًا زِيارةَ أقارِبِه، "فيَأْتِيه قَومُه" قبْلَ خُروجِه وسَفَرِه، "فيَقولون: احْذَرْ غُلامَ قُريشٍ" يَقصِدون رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "لا يَفْتِنْك"، أي: لا يَخْدَعْك، فتَخرُجَ ممَّا أنت فيه وتَدخُلَ في دِينِه، وهذا يَدلُّ على أنَّ أمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدِ انتَشَرَ في الجزيرةِ العربيةِ كلِّها، وكانوا يُحذِّرون بَعضَهم بَعضًا مِن اتِّباعِه عِندَ الخُروجِ للحجِّ أو التِّجارةِ في مكَّةَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "يَمْشي بيْن رِحالِهم" وخِيامِهم، "يَدْعوهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ"، يَدْعُوهم إلى التَّوحيدِ وتَرْكِ عِبادةِ الأوثانِ والأصنامِ، "يُشِيرون إليه بالأصابِعِ" اسْتِهزاءً به وسُخريةً.
قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "حتى بَعَثَنا اللهُ عزَّ وجلَّ له مِن يَثرِبَ" وهي المدينةُ النَّبويَّةُ، ويَثرِبُ اسْمُها قبْلَ الإسلامِ، "فيَأْتيه الرَّجُلُ فيُؤمِنُ به، فيُقرِئُه القُرآنَ"، أي: فيُعلِّمُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرآنَ، "فيَنقَلِبُ إلى أهْلِه"، ويَرجِعُ إليهم فيَدْعُوهم، "فيُسْلِمون بإسلامِه، حتى لمْ يَبْقَ دارٌ مِن دُورِ يَثرِبَ إلَّا فيها رَهطٌ"، أي: جَماعةٌ، "مِن المسلمينَ يُظهِرون الإسلامَ"، ويُعْلِنونَه أمامَ الناسِ، "ثمَّ بَعَثَنا اللهُ عزَّ وجلَّ، فأْتَمَرْنا"، أي: فتَشاوروا جميعًا، "واجْتَمَعْنا سَبْعون رجًلًا منَّا، فقُلْنا: حتى متى نَذَرَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" ونَتركُه "يُطرَدُ في جِبالِ مكَّةَ، ويُخافُ؟! فرَحَلْنا حتى قَدِمْنا عليه في المَوسِمِ، فواعَدْناهُ شِعبَ العَقَبةِ"، أي: أخَذوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَوعدًا لِمُقابَلتِه في شِعْبِ العَقَبةِ بَعيدًا عن أَعيُنِ قُريشٍ، والعقَبةُ مِن الشَّيءِ: الموضِعُ المُرتفِعُ منه، وهي بَيعةُ العَقَبةِ الثَّانيةِ، وكان ذلك عِندَ جَمرةِ العقَبةِ بمِنًى، "فقال عمُّه العبَّاسُ: يا ابنَ أخي، إنِّي لا أدْري ما هؤلاء القومُ الذين جاؤوكَ؟ إنِّي ذو مَعرفةٍ بأهْلِ يَثرِبَ"، يُشِيرُ العبَّاسُ إلى أنَّ مَن يُرِيدُ مُواعَدةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس مِن وُجهاءِ الأنصارِ المَعروفينَ لَدَيه، ومَقصِدُه: تَحذيرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم؛ لعلَّهم لا يَقدِرون على الوَفاءِ بما سَيَتواعَدون عليه، قال جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فاجتَمَعْنا عِندَه مِن رجُلٍ ورَجُلينِ، فلمَّا نظَرَ العبَّاسَ في وُجوهِنا، قال: هؤلاء قَومٌ لا أعْرِفُهم، هؤلاء أحداثٌ"، أي: شَبابٌ صِغارُ السِّنِّ! "فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، عَلامَ نُبايِعُك؟ قال: تُبايِعوني على السَّمْعِ والطاعةِ في النَّشاطِ والكَسَلِ"، أي: على السَّمْعِ والطاعةِ في كلِّ الأحوالِ، "وعلى النَّفقةِ في العُسرِ واليُسْرِ"، أي: النَّفقةِ في سَبيلِ اللهِ في كلِّ الأحوالِ دُونَ بُخْلٍ أو إقتارٍ، "وعلى الأمْرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وعلى أنْ تَقولوا في اللهِ" فَتَدْعوا إلى الحقِّ، "لا تَأْخُذُكم فيه لَومةُ لائمٍ، وعلى أنْ تَنصُروني إذا قَدِمْت يَثرِبَ، فتَمْنَعوني ممَّا تَمْنَعون منه أنفُسَكم وأزْواجَكم وأبْناءَكم"، وهذا عَهْدٌ مُؤكَّدٌ على أنْ يَحْموا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن كلِّ أذًى كما يَحْمُون أعْراضَ نِسائِهم ويَحفَظون أولادَهم، "ولكمُ الجنَّةُ"؛ جَزاءً على صِدْقِكم في بَيعتِكم جَزاءً وِفاقًا، إذا أطَعْتُم اللهَ ورَسولَه في كلِّ ما سَبَقَ وأخَذَ به البَيعةَ عليكم، "فقُمْنا نُبايِعُه، فأخَذَ بيَدِه أسعَدُ بنُ زُرارةَ، وهو أصغَرُ السَّبعينَ، فقال: رُويدًا يا أهْلَ يَثرِبَ"، أي: تَمهَّلُوا يا أهلَ يَثرِبَ، حتى تَستَجْمِعوا عُقولَكم وتُفكِّروا فيما بايَعْتُم عليه، وما سَيَكونُ له مِن عَواقِبَ، "إنَّا لم نَضرِبْ إليه أكْبادَ المَطِيِّ إلَّا ونحن نَعلَمُ أنَّه رسولُ اللهِ"، أي: لم نَرْكَبِ الإبِلَ ولم نَسِرْ إليه إلَّا ونحن مُؤمِنون بأنَّه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "إنَّ إخْراجَه اليومَ مُفارقةُ العَرَبِ كافَّةً"، وسَيَكونُ مُقابِلَ تلك البَيعةِ والمُعاهَدةِ القَطيعةُ مع باقِي قَبائلِ العرَبِ، "وقتْلُ خِيارِكم" في حُروبٍ سَوفَ تُشَنُّ عليكم، "وأنْ تَعَضَّكُم السُّيوفُ" وهذا كِنايةٌ عن إثْخانِ الحُروبِ فيهم، ثمَّ خيَّرَ أسعدٌ رضِيَ اللهُ عنه، فقال: "فإمَّا أنتُم قَومٌ تَصبِرون على السُّيوفُ إذا مسَّتْكم، وعلى قتْلِ خِيارِكم، وعلى مُفارَقةِ العرَبِ كافَّةً"، بمعنى: إذا كان لَدَيْكم مِن الصَّبرِ والقُوَّةِ والعزْمِ التي لا تَجعَلُكم تَتخلَّون عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَتْرُكونه، "فخُذُوه، وأجْرُكم على اللهِ"، أي: فعاهِدُوه وبايِعُوه وأْوُوه في قَبيلتِكم، ويكون أجْرُكم عِندَ اللهِ يومَ القِيامةِ، "وإمَّا أنتم قَومٌ تَخافون مِن أنفُسِكم خِيفةً"، أي: فإنْ كُنتُم تَخافون القِتالَ وليس عِندكم صَبْرٌ، "فَذَرُوه"، أي: اتْرُكُوه في قَومِه وبَلَدِه مِن الآنِ؛ "فهو أعْذَرُ عِندَ اللهِ"؛ فتَرْكُه الآنَ وقبْلَ المُبايَعةِ أفضَلُ وأقبَلُ عُذْرًا عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن أنْ يَترُكُوه بعْدَ أنْ يُبايعوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثمَّ لا يَنْصُروهُ، وما فَعَلُه أسعَدُ بنُ زُرارةَ رضِيَ اللهُ عنه بتلك الكلماتِ هو للتَّأكيدِ على قُوَّةِ الإيمانِ والنُّصرةِ التي سَتَنشَأُ مِن تلك المُبايَعةِ وما أقْدَموا عليها، وبَيانٌ لِحَقيقةِ ما همْ عليه، "قالوا: يا أسعَدَ بنُ زُرارةَ، أمِطْ عنَّا يَدَكَ"، أي: ابْتعِدْ واتْرُكْ هذا القولَ، "فوَاللهِ لا نَذَرُ هذه البَيعةَ، ولا نَستقِيلُها، فقُمْنا إليه رجُلًا رجُلًا يَأخُذُ علينا بشُرْطةِ العبَّاسِ"، يعني المواثيقَ التي أخَذَها العبَّاسُ عليهم بالوَفاءِ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "ويُعْطينا على ذلك الجنَّةَ"، ويَعِدُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجنَّةِ يَومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَدى الأذى الذي لَحِقَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَبيلِ الدَّعوةِ.

وفيه: بَيانُ صِدْقِ الأنصارِ في بَيعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

وفيه: أنَّ المُصارَحةَ الكاملةَ عِندَ العقْدِ والعهدِ هي السَّبيلُ الأوفَقُ لِبَيانِ الحُقوقِ والواجباتِ على أطرافِ المُعاهَدةِ .

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
تخريج صحيح ابن حباناشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر
تخريج صحيح ابن حبانمن قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة
تخريج صحيح ابن حبانأتت الحمى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه فقال من أنت
تخريج صحيح ابن حبانأن النبي صلى الله عليه وسلم ساق معه مئة بدنة فلما انصرف إلى
تخريج صحيح ابن حباندعتنا امرأة من الأنصار وذبحت شاة وصنعت طعاما ورشت لنا صورا فدعا رسول
تخريج صحيح ابن حبانليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة
تخريج صحيح ابن حبانلدغت رجلا منا عقرب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
تخريج صحيح ابن حبانالعمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها
تخريج صحيح ابن حبانإذا رأى أحدكم المرأة التي تعجبه فليرجع إلى أهله حتى يقع بهم فإن
تخريج صحيح ابن حبانأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لا تعمروا أموالكم
تخريج صحيح ابن حبانالعمرى لمن أعمرها هي له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه
تخريج صحيح ابن حبانالعمرى جائزة


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, July 28, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب