حديث لبيك يا نبي الله قال ادن دونك فدنا منه حتى لصقت راحلتاهما

أحاديث نبوية | مسند الإمام أحمد | حديث معاذ بن جبل

«أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ بالنَّاسِ قبلَ غَزْوةِ تَبوكَ، فلمَّا أنْ أصبَحَ صَلَّى بالنَّاسِ صَلاةَ الصُّبحِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَكِبوا، فلمَّا أنْ طَلَعَتِ الشَّمسُ نَعَسَ النَّاسُ على أثَرِ الدُّلْجةِ، ولَزِمَ مُعاذٌ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتلو أثَرَه، والنَّاسُ تَفرَّقَتْ بهم رِكابُهم على جَوادِّ الطَّريقِ تَأكُلُ وتَسيرُ، فبيْنَما مُعاذٌ على أثَرِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وناقتُه تَأكُلُ مَرَّةً وتَسيرُ أُخرى، عَثَرَتْ ناقةُ مُعاذٍ، فكَبَحَها بالزِّمامِ، فهَبَّتْ حتى نَفَرَتْ منها ناقةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَشَفَ عنه قِناعَه، فالتَفَتَ فإذا ليس مِن الجَيشِ رَجُلٌ أدنى إليه مِن مُعاذٍ، فناداه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا مُعاذُ، قال: لَبَّيكَ يا نَبيَّ اللهِ، قال: ادْنُ دونك، فدَنا منه حتى لَصِقَتْ راحلتاهما إحداهما بالأُخرى، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما كنتُ أحسَبُ النَّاسَ منَّا كمَكانِهم مِن البُعدِ، فقال مُعاذٌ: يا نَبيَّ اللهِ، نَعَسَ النَّاسُ، فتَفرَّقَتْ بهم رِكابُهم تَرتَعُ وتَسيرُ، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وأنا كنتُ ناعسًا، فلمَّا رَأى مُعاذٌ بُشرى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه وخَلوَتَه له، قال: يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي أسأَلُكَ عن كَلِمةٍ قد أمرَضَتْني وأسقَمَتْني وأحزَنَتْني، فقال نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَلْني عَمَّ شِئتَ، قال: يا نَبيَّ اللهِ، حَدِّثْني بعملٍ يُدخِلُني الجنَّةَ، لا أسأَلُكَ عن شيءٍ غيرَها، قال نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَخٍ بَخٍ بَخٍ، لقد سَأَلتَ بعَظيمٍ، لقد سَأَلتَ بعَظيمٍ، ثلاثًا، وإنَّه ليَسيرٌ على مَن أرادَ اللهُ به الخيرَ، وإنَّه ليَسيرٌ على مَن أرادَ اللهُ به الخيرَ، وإنَّه ليَسيرٌ على مَن أرادَ اللهُ به الخيرَ، فلمْ يُحدِّثْه بشيءٍ إلَّا قاله له ثلاثَ مَرَّاتٍ؛ يَعني أعادَه عليه ثلاثَ مَرَّاتٍ؛ حِرصًا لكَيما يُتقِنَه عنه، فقال نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتَعبُدُ اللهَ وَحدَه لا تُشرِكُ به شيئًا، حتى تَموتَ وأنت على ذلك، فقال: يا نَبيَّ اللهِ، أعِدْ لي، فأعادَها له ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قال نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ شِئتَ حَدَّثتُكَ يا مُعاذُ برَأسِ هذا الأمْرِ، وقِوامِ هذا الأمْرِ، وذِرْوةِ السَّنامِ، فقال مُعاذٌ: بَلى، بأبي وأُمِّي أنت يا نَبيَّ اللهِ، فحَدِّثْني، فقال نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ رَأسَ هذا الأمْرِ أنْ تَشهَدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، وإنَّ قِوامَ هذا الأمْرِ إقامُ الصَّلاةِ، وإيتاءُ الزَّكاةِ، وإنَّ ذِرْوةَ السَّنامِ منه الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ، إنَّما أُمِرتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يُقيموا الصَّلاةَ، ويُؤتوا الزَّكاةَ، ويَشهَدوا أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، فإذا فَعَلوا ذلك فقد اعتصَموا وعَصَموا دِماءَهم وأمْوالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ. وقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، ما شَحَبَ وَجهٌ، ولا اغبَرَّتْ قَدَمٌ في عملٍ تُبتَغى فيه دَرجاتُ الجنَّةِ بعدَ الصَّلاةِ المَفروضةِ كجِهادٍ في سَبيلِ اللهِ، ولا ثَقُلَ ميزانُ عبدٍ كدابَّةٍ تَنفُقُ له في سَبيلِ اللهِ، أو يُحمَلُ عليها في سَبيلِ اللهِ.»

مسند الإمام أحمد
معاذ بن جبل
شعيب الأرناؤوط
صحيح بطرقه وشواهده دون قوله: "ما شحب وجه ... إلخ" فإنه حسن لغيره

مسند الإمام أحمد - رقم الحديث أو الصفحة: 22122 - أخرجه ابن ماجه (72، 3973) مفرقاً مختصراً، وأحمد (22122) واللفظ له

شرح حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس قبل غزوة تبوك


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

كنتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ ، فأصبَحتُ يومًا قريبًا منهُ ونحنُ نَسيرُ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّهِ أخبرني بعمَلٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ويباعِدُني من النَّارِ ، قالَ : لقد سألتَني عَن عظيمٍ ، وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسَّرَهُ اللَّهُ علَيهِ ، تعبدُ اللَّهَ ولا تشرِكْ بِهِ شيئًا ، وتُقيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتي الزَّكاةَ ، وتصومُ رمضانَ ، وتحجُّ البيتَ ، ثمَّ قالَ : ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ : الصَّومُ جُنَّةٌ ، والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ ، وصلاةُ الرَّجلِ من جوفِ اللَّيلِ قالَ : ثمَّ تلا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ، حتَّى بلغَ يَعْمَلُونَ ، ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ ، وذِروةِ سَنامِهِ ؟ قلتُ : بلى يا رسولَ اللَّهِ ، قالَ : رأسُ الأمرِ الإسلامُ ، وعمودُهُ الصَّلاةُ ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ ، ثمَّ قالَ : ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ ؟ قُلتُ : بلَى يا رسولَ اللَّهِ ، قال : فأخذَ بلِسانِهِ قالَ : كُفَّ عليكَ هذا ، فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم .
الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 2616 | خلاصة حكم المحدث : صحيح



جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ عمَلَ الطَّاعاتِ واجتِنابَ المعاصي سبَبًا لدُخولِ الجنَّةِ والبُعدِ عن النَّارِ، وفي هذا الحديثِ يَقولُ مُعاذُ بنُ جبلٍ رضِيَ اللهُ عَنه: "كنتُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في سفَرٍ"، وفي رِوايةٍ ذكَر أنَّ ذلك كان في غَزوَةِ تَبوكَ، قال: "فأصبَحتُ يومًا قريبًا منه"، أي: مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ونَحنُ نَسيرُ"، أي: في تِلك الغزوةِ، وفي الرِّوايةِ الأخرى: "وقد أصابَنا الحَرُّ، فتَفرَّق القومُ، فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أقرَبُهم منِّي، فدَنَوتُ منه"، فقلتُ: "يا رسولَ اللهِ، أَخبِرْني بعَملٍ"، أي: إذا عَمِلتُه، "يُدخِلُني الجنَّةَ ويُباعِدُني مِن النَّارِ"، أي: يَكونُ سَببًا لِدُخولي الجنَّةَ، ونَجاتي مِن النَّارِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لقَد سألتَني عن عَظيمٍ"، أي: عَظيمٍ فِعلُه على النُّفوسِ، أو سأَلتَني عن شَيءٍ عَظيمٍ؛ لأنَّ دُخولَ الجنَّةِ والبُعدَ عَن النَّارِ يتَطلَّبُ فِعلَ كلِّ عمَلٍ مأمورٍ بفِعْلِه واجتِنابَ كلِّ عمَلٍ مَنهيٍّ عن فِعلِه، "وإنَّه ليَسيرٌ على مَن يسَّره اللهُ عليه"، أي: ومع عِظَمِ هذا العمَلِ إلَّا أنَّه سَهلٌ وهيِّنٌ على مَن أعانه اللهُ عليه.
ثمَّ بيَّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هذا العمَلَ، فقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَعبُدُ اللهَ ولا تُشرِكُ به شَيئًا"، وهو التَّوحيدُ للهِ عزَّ وجلَّ ونفْيُ الشَّريكِ، "وتُقيمُ الصَّلاةَ"، أي: تُقيمُها في أوقاتِها تامَّةَ الأركانِ والوَاجباتِ، والمرادُ بها: صَلاةُ الفَريضةِ، وهي خَمسُ صَلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، "وتُؤتي الزَّكاةَ"، أي: تُخرِجُ الزكاةَ مِن مالك بشُروطِها إنْ كُنتَ غنيًّا وتَملِكُ النِّصابَ، ، "وتَصومُ رمَضانَ"، أي: تصومُ الشَّهرَ المفروض صيامُه على المستطيعِ القادِرِ بشُروطِه، "وتَحُجُّ البيتَ"، أي: تَقصِدُ البَيتَ الحرامَ والكعبةَ وتؤدِّي مَناسِكَ الحجِّ بأركانِها وبشُروطِها وأحكامِها، ويُشترَطُ فيه الاستِطاعةُ البَدنيَّةُ والماليَّةُ كما قال اللهُ تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [ آل عمران: 97 ]، وكما ثبَت عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديث أخرى.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لمعاذٍ: "ألَا أدُلُّك"، أي: أُرشِدُك، "على أبوابِ الخيرِ"، أي: طُرُقِ الخَيرِ ومَفاتيحِه الموصلةِ له، والمرادُ بالخيرِ: هو النَّجاحُ في الدُّنيا والنَّعيمُ في الآخِرةِ؛ فالبابُ الأوَّلُ مِن أبوابِ الخيرِ: "الصَّومُ جُنَّةٌ"، أي: سِترٌ وحِفظٌ لصاحبِه مِن الشَّهواتِ في الدُّنيا، ومِن النَّارِ في الآخِرةِ، والمرادُ به هنا: صيامُ التَّطوُّع؛ لأنَّه ذكَر صومَ رمَضانَ قبل ذلك في الأعمالِ الَّتي تُوجِبُ دُخولَ الجنَّةِ والمباعَدةَ عن النَّارِ، والبابُ الثَّاني: "والصَّدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ"، أي: تَذهَبُ بها وتَمحو أثَرَها المترتِّبَ عليها، "كما يُطفِئُ الماءُ النَّارَ"، والمرادُ بها أيضًا هنا صَدقةُ التطوُّعِ؛ لأنَّ زكاةَ الفَرْضِ سبَقَ ذِكرُها؛ فقد بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في أوَّلِ الحديثِ أركانَ الإسلامِ، ثمَّ عاد إلى مَعانٍ مُستَقاةٍ مِنها مرَّةً أخرى، ولكن بوجهٍ بيَّن فيه النَّوافِلَ الَّتي هي مِن أبوابِ الخيرِ الواسعةِ، فبَيَّن ما يُدْخِلُ المرءَ الجنَّةَ مِن الأمورِ والأفعالِ الَّتي هي مِن جنْسِ أركانِ الإسلامِ، ثمَّ بيَّن ما هو مِن ثِمارِها ويَظهَرُ فيه آثارُها، ففي أوَّلِ الحديثِ وضَع أُصولَ وقَواعِدَ ما يُقرِّبُ إلى اللهِ ويُدخِلُ الجنَّةَ مِن الفَرائضِ وسَمَّاه زَكاةً، وهنا عِندَ أبوابِ الخيرِ ذكَر الصَّدَقةَ؛ لِيُؤكِّدَ أنَّها مِن النَّوافِلِ وليسَتْ مِن الفرائضِ.
والبابُ الثَّالثُ: "وصلاةُ الرَّجُلِ مِن جَوفِ اللَّيلِ"، أي: قِيامُ اللَّيلَ، وهو عامٌّ للرُّجلِ والمرأةِ، ولكن ذَكَر الرجُلَ فقطْ تَغليبًا، قال مُعاذٌ: "ثمَّ تَلا"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قولَه تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة: 16- 17 أي: يُبيِّن له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ذِكْرَ اللهِ تعالى لِمَن يَقومُ اللَّيلَ في القرآنِ، وما أَعَدَّ لهم مِن أجرٍ، وما تقَرُّ به أعينُهم يومَ القيامةِ وفي الجنَّةِ مِن نعيمٍ.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ألَا أُخبِرُكَ برأسِ الأمرِ كُلِّه"، أي: رأسِ الدِّينِ، "وعَمودِه"، أي: أَصلِ الدِّينِ وما يَقومُ ويَعتَمِدُ عليه، "وذِرْوَةِ سَنامِه؟"، والسَّنامُ: ما ارتَفَع مِن ظَهرِ الجمَلِ، والمرادُ: أعْلى ما فيه وأرفَعُه؟ قال معاذٌ رضِيَ اللهُ عَنه: "بلى، يا رسولَ اللهِ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "رأسُ الأمرِ: الإسلامُ"، أي: الشَّهادَتانِ، وبِهما يُصبِحُ للإنسانِ أصلٌ في الدِّينِ، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ الإسلامَ مِن سائرِ الأعمالِ بمَنزِلةِ الرَّأسِ مِن الجسَدِ في احتِياجِه إليه وعدَمِ بَقائِه دونَه، "وعَمودُه: الصَّلاةُ"، أي: وبالمُحافَظةِ على الصَّلاةِ يَقْوى دِينُه ويَشتَدُّ، وتَظهَرُ آثارُ الالْتِزامِ بالدِّينِ عليه، ولأنَّ الصَّلاةَ هي الرُّكنُ الدَّائمُ الَّذي يؤدَّى بصورةٍ يوميَّةٍ خمسَ مرَّاتٍ ولا عُذرَ لأحَدٍ في التَّخلِّي عنها وتَرْكِها، أمَّا بقيَّةُ أركانِ الإسلامِ فلا تُؤدَّى إلاَّ بشُروطٍ إذا توَفَّرَت في المسلِمِ فإنَّه يُؤدِّيها وربَّما لا تتَحقَّقُ هذا الشُّروطُ عندَ كثيرٍ مِن المسلِمين، فلا يؤدِّي هذه الأركانَ؛ فلم يبقَ له إلَّا الصَّلاةُ، فصارت كالعَمودِ لحَمْلِ الإسلامِ وإظهارِه عندَ كلِّ مسلِمٍ، "وذِرْوَةُ سَنامِه: الجهادُ"، أي: فإذا جاهَد كانت الرِّفْعةُ له ولدِينِه؛ فمَن لم يُقِرَّ بكَلِمَتيِ الشَّهادةِ لم يَكُنْ له مِن الدِّينِ شيءٌ أصلًا، وإذا أقَرَّ بكَلِمَتَيِ الشَّهادةِ حصَل له أصلُ الدِّينِ، إلَّا أنَّه ليس له قوَّةٌ، كالبيتِ الذي ليس له عَمودٌ؛ فإذا صلَّى وداوَمَ على الصَّلاةِ قَوِيَ دينُه، ولكن لم يَكُنْ له رِفعةٌ وكَمالٌ، فإذا جاهَد حصَل لدينِه الرِّفعةُ.
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لمعاذٍ: "ألا أُخبِرُك بمِلاكِ ذلك كلِّه؟"، أي: ما يَكمُلُ به ويَتِمُّ، قال مُعاذٌ: "بلى، يا رسولَ اللهِ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأخَذ بلِسانِه"، أي: أمسَك النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بلِسانِ نَفْسِه، ثمَّ قال: "كُفَّ عليك هذا"، أي: اترُكِ الكلامَ المحرَّمَ كالكلام الذي فيه شِركٌ باللهِ تعالى، والكَذِبِ، وشَهادةِ الزُّورِ، والقولِ على اللهِ بغيرِ عِلمٍ، والخوضِ في أعراضِ النَّاسِ، وغيرِ ذلك مِن الموبِقاتِ كالغِيبةِ والنميمةِ والفُحشِ مِن القولِ ونحو ذلِك، واتْرُكِ الكلامَ فيما لا يُفيدُ وفيما لا مَعنى له؛ فإذا تَكلَّمتَ فلا تَتكلَّمُ إلَّا بخير؛ كالأمْرِ بالصَّدقةِ والمعروفِ أو الإصلاحِ بينَ الناسِ ونحو ذلك؛ فإنْ لم يكُنْ في الكلامِ خيرٌ ففي الصَّمتِ السَّلامةِ، وفي الصَّحيحينِ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: "ومَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فليقلْ خيرًا أو ليَصْمُتْ"، قال معاذٌ: "يا نبيَّ اللهِ، وإنَّا لِمُؤاخَذون بما نتَكلَّمُ به؟!"، أي: مُحاسَبون ومُعاقَبون على الكلامِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ثَكِلَتك أمُّك يا مُعاذُ!"، أي: فقَدَتْك، وليس المرادُ به الدُّعاءَ عليه، ولكنَّها مِن كلامِ العرَبِ، واستعمالُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لها لِتَنبيهِه إلى أمرٍ كان يَنبَغي أن يَنتَبِهَ له ويَعرِفَه، "وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجوهِهم- أو على مَناخِرِهم-"، أي: هل هناك شيءٌ يَجعَلُهم يُصرَعون على وُجوهِهم ويَسقُطون، والمِنخَرُ: ثَقْبُ الأنفِ وفَتحتُه، "إلَّا حَصائدُ ألسِنَتِهم؟!"، أي: إلَّا بسبَبِ ما يَحصُدونه يومَ القيامةِ مِن كَثرةِ الكلامِ في الدُّنيا في غيرِ طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحديثِ: إشارةٌ إلى أنَّ القيامَ بأركانِ الإسلامِ الخمسةِ دونَ الإتيانِ بما يُناقِضُها- يَكونُ سبَبًا في دُخولِ الإنسانِ الجنَّةَ ومُباعَدتِه مِن النَّارِ بفضلِ اللهِ تعالى.
وفيه: حِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تزَوُّدِ أمَّتِه مِن أبوابِ الخيرِ؛ حتَّى تَزدادَ درَجاتُهم في الجنَّةِ.
وفيه: فضلُ الصِّيامِ والصَّدقةِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى.
وفيه: أنَّ اللِّسانَ أصلٌ لكلِّ ما يُدخِلُ الإنسانَ النَّارَ؛ ففيه تحذيرٌ شديدٌ من آفات اللِّسانِ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
مسند الإمام أحمدأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال يا معاذ
مسند الإمام أحمدزاد فيه النهي عن أكل المجثمة في حديث أنه نهى عن كل ذي
مسند الإمام أحمدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له هل لك في ربيبة
مسند الإمام أحمدعن فروة بن نوفل عن أبيه وكان ظئرا لأم سلمة قال أتيت النبي
مسند الإمام أحمداقرأ عند منامك فإنها براءة من الشرك قل يا أيها الكافرون
مسند الإمام أحمداقرأ عند منامك قل يا أيها الكافرون فإنها براءة من الشرك
مسند الإمام أحمدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل اقرأ عند منامك قل
مسند الإمام أحمدمن اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له بها النار وحرم
مسند الإمام أحمدمن اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قال
مسند الإمام أحمدأن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها فقالت لها عائشة ونفست فيها أرأيت
مسند الإمام أحمدإن أفضل شيء في الميزان قال ابن أبي بكير أثقل شيء في الميزان
مسند الإمام أحمدأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال فلقيت ثوبان مولى


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, January 26, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب