ما طلعَتْ شمسٌ قطُّ إلَّا بُعِثَ بجنبَتَيْها ملَكانِ ، إنَّهما ليُسمِعانِ أهلَ الأرضِ إلَّا الثَّقلَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ ! هلمُّوا إلى ربِّكُم ، فإنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى وما غربَتْ شمسٌ قطُّ إلَّا وبُعِثَ بجنبَتَيْها ملَكانِ يناديانِ اللَّهمَّ عجِّلْ لمُنفِقٍ خلفًا وعجِّلْ لمُمسكٍ تلفًا ما من يومٍ طلعَتْ شمسُهُ إلَّا وكان بجنبَتَيْها ملَكانِ يناديانِ نداءً يسمعُهُ ما خلقَ اللهُ كلُّهُم غيرَ الثَّقلَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ هلمُّوا إلى ربِّكُم إنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهَى ولا آبَتِ الشَّمسُ إلَّا وكان بجنبَتَيْها ملَكانِ يناديانِ نداءً يسمعُهُ خَلْقُ اللهِ كلُّهُم غيرَ الثَّقلَيْنِ اللَّهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا وأعطِ مُمسكًا تلفًا وأنزلَ اللهُ في ذلكَ قرآنًا في قَولِ الملَكَيْنِ يا أيُّها النَّاسُ هلمُّوا إلى ربِّكُم في سورةِ يونسَ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وأنزلَ اللهُ في قولِهِما اللَّهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا وأعطِ مُمسكًا تلفًا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إلى قولِهِ لِلْعُسْرَى .
.
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح الترغيب
الصفحة أو الرقم: 3167 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه أحمد ( 21721 )، وابن حبان ( 686 ) مختصراً، والبيهقي في ( (شعب الإيمان )) ( 3412 ) باختلاف يسير.
يُحَبِّبُنا النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّصدُّقِ والإنفاقِ في وُجوهِ الخَيرِ؛ لِأنَّ ذلك مما يُبارِكُ ويَزيدُ لِلإنسانِ في صِحَّتِه ومالِه.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما طَلَعتْ شَمسٌ قَطُّ" فأشرَقَتْ على يَومٍ مِن أيامِ الدُّنيا إلى قيامِ السَّاعةِ، "إلَّا بُعِثَ بجَنبَتَيْها مَلَكانِ"، يُنزِلُهما
اللهُ في أرجاءِ الأرضِ، "إنهما لَيُسمِعانِ أهلَ الأرضِ"، يُناديانِ في العالَمينَ ويُسمِعانِهم، "إلَّا الثَّقلَيْنِ"، مِنَ الجِنِّ والإنسِ، وهذانِ المَلَكانِ يُناديانِ ويَقولانِ: "يا أيُّها الناسُ! هَلُمُّوا إلى رَبِّكم"، أقبِلوا إليه، وأسرِعوا في الاستِجابةِ، وتَصَدَّقوا بفَضلِ مالِكم، ولا تَبخَلوا به؛ رَغبةً في التَّكثيرِ؛ "فإنَّ ما قَلَّ وكَفى، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وألْهى"؛ فإنَّ ما قَلَّ مِنَ المالِ وكَفى صاحِبَه بَعدَ إخراجِ الصَّدَقةِ منه، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وألْهى صاحِبَه عنِ التَّصَدُّقِ وفِعلِ الخَيرِ، "وما غَرَبتْ شَمسٌ قَطُّ" على يَومٍ مِن أيَّامِ الدُّنيا إلى قيامِ السَّاعةِ "إلَّا وبُعِثَ بجَنبَتَيْها مَلَكانِ يُناديانِ: اللَّهُمَّ عَجِّلْ لِمُنفِقٍ خَلَفًا، وعَجِّلْ لِمُمسِكٍ تَلَفًا"، فيَدعو المَلَكانِ بأنْ يُعَجِّلَ
اللهُ في الدُّنيا لِلمُتصدِّقِ عِوضًا عَمَّا أنفَقَه وأعطاهُ، بالأجْرِ والمالِ الوَفيرِ، وأنْ يُعَجِّلَ لِلمُمسِكِ البَخيلِ بتَلَفِ مالِه، أو نَفسِه، أو هَلاكِه وضَياعِه في الدُّنيا.
"ما مِن يَومٍ طَلَعتْ شَمسُه إلَّا وكان بجَنبَتَيْها مَلَكانِ يُناديانِ نِداءً يَسمَعُه ما خَلَقَ
اللهُ كُلُّهم غَيرَ الثَّقلَيْنِ: يا أيُّها الناسُ، هَلُمُّوا إلى رَبِّكم؛ إنَّ ما قَلَّ وكَفى، خَيرٌ مِمَّا كَثُرَ وألْهى، ولا آبَتِ الشَّمسُ"، بالرُّجوعِ إلى الإشراقِ مَرَّةً أُخرى "إلَّا وكانَ بجَنبَتَيْها مَلَكانِ يُناديانِ نِداءً يَسمَعُه خَلقُ
اللهِ كُلُّهم غَيرَ الثَّقلَيْنِ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وأعْطِ مُمسِكًا تَلَفًا"، وهذا وَعدٌ بالتَّيسيرِ لِمَن يُنفِقُ في وُجوهِ البِرِّ، ووَعيدٌ بالتَّعسيرِ لِعَكسِه البَخيلِ المُمسِكِ.
والإنفاقُ المَمدوحُ هو ما كان في الطَّاعاتِ ومَكارمِ الأخلاقِ، وعلى العِيالِ والضِّيفانِ، والتَّطَوُّعاتِ ونحوِ ذلك، بحيث لا يُذمُّ ولا يُسمَّى إسرافًا، وكانَ عن طِيبِ نَفْسٍ، وطِيبِ كَسْبٍ، والإمساكُ المذمومُ هو الإمساكُ عن هذا، فالمُمسِكُ عنِ المَندوباتِ لا يَستَحِقُّ هذا الدُّعاءَ، إلَّا أنْ يَغلِبَ عليه البُّخلُ المَذمومُ، بحيثُ لا تَطيبُ نَفسُه بإخراجِ الحَقِّ الذي عليه، ولو أخرَجَه.
والدُّعاءُ لِلمُنفِقِ عامٌّ، بأنْ يُخلِفَ
اللهُ عليه في الدُّنيا، أوِ الآخِرةِ، وأمَّا الدُّعاءُ بالتَّلَفِ فيَحتَمِلُ تَلَفَ ذلك المالِ بعَينِه، أو تَلَفَ نَفسِ صاحِبِ المالِ، والمُرادُ به فَواتُ أعمالِ البِرِّ بالتَّشاغُلِ بغَيرِها.
"وأنزَلَ
اللهُ في ذلك قُرآنًا في قَولِ المَلكَيْنِ: يا أيُّها الناسُ هَلُمُّوا إلى رَبِّكم، في سُورةِ يُونُسَ:
{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [
يونس: 25 ]"، والمَعنى: و
اللهُ يَدعو إلى دارِ السَّلامةِ، يَعنى: الجَنَّةَ؛ لِأنَّه لا آفةَ فيها، ولا كَدَرَ، فعلى العاقِلِ أنْ يُسرِعَ لِلفَوزِ بالجَنَّةِ، فيُنفِقَ مِن مالِه عن طِيبِ نَفْسٍ فيما أمَرَه
اللهُ به مِنَ الطَّاعاتِ.
"وأنزَلَ
اللهُ في قَولِهما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وأعْطِ مُمسِكًا تَلَفًا:
{ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } [
الليل: 1 - 4 ]، يُقسِمُ
اللهُ سُبحانَه باللَّيلِ إذا أظلَمَ، وبالنَّهارِ إذا أضاءَ، وبخَلقِه سُبحانَه لِلنَّاسِ، على أنَّ سَعيَ الناسِ مُختَلِفٌ، فمِنهم مَن يَسعى في طَريقِ الخَيرِ والإيمانِ، ومِنهم مَن يَسعى في طَريقِ الشَّرِّ والكُفرِ والشَّيطانِ،
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } [
الليل: 5 ]، المالَ، وأنفَقَه طَيِّبةً به نَفسُه، وقيلَ: وأمَّا مَن أعطى حَقَّ
اللهِ
{ وَاتَّقَى }، وخافَ الشِّركَ ب
اللهِ في عَمَلِه، وقيلَ: اتَّقى مَحارِمَ
اللهِ التي نُهيَ عنها،
{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } [
الليل: 6 ]، فآمَنَ بأنَّه لا إلهَ إلَّا
اللهُ، وقيلَ: صَدَّقَ بالجَنَّةِ، وقيلَ: بوَعدِ
اللهِ، وقيلَ: بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ،
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } [
الليل: 7 ]،
يَعني سَنُسَهِّلُ له الطَّريقَ إلى الجَنَّةِ،
{ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى } [
الليل: 8 ]، بَخِلَ بالمالِ وأمسَكَه واستَغنى به عنِ الأجْرِ والثَّوابِ، وما عِندَ
اللهِ، فلم يَرغَبْ فيه، وقيلَ: استَغنى بمالِه
{ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } [
الليل: 9 ]، وكَفَرَ ب
اللهِ،
{ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } [
الليل: 10 ]،
يَعني: سَنُهَوِّنُ عليه أُمورَ النارِ، وسَنُدخِلُه جَهَنَّمَ، وقيلَ:
يَعني العَمَلَ بما لا يُرضي
اللهَ به، وقيلَ: لِلعَودِ إلى البُخلِ.
في الحَديثِ: التَّهديدُ لِمَن يَبخَلُ ويَمتَنِعُ مِنَ الإنفاقِ في القُرُباتِ بتَلَفِ مالِه.
وفيه: إثباتُ دُعاءِ المَلائِكةِ، ومَعلومٌ أنَّه مُجابٌ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم