جلستُ في عصابةٍ ضعفاءَ منَ المهاجرينَ قال: إنَّ بعضَهم يستَتِرُ ببعضٍ العري وقارئٌ يَقرَأُ علينا إذ جاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقام علينا فلما قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سكَت القارئُ فسلَّم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم قال: ما كنتُم تَصنَعونَ ؟ قال: قُلنا: يا رسولَ اللهِ كان قارئٌ لنا يَقرَأُ علينا فكنا نَستَمِعُ إلى كتابِ اللهِ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الحمدُ للهِ الذي جعَل مِن أُمَّتي مَن أُصبِرُ نفسي معهم ثم جلَس وسطَنا ليعدلَ بنفسِه فينا ثم قال بيدِه هكذا فتحَلَّقوا وبرَزَتْ وجوهُهم قال: فما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عرَف منهم أحدًا غيري فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أبشِروا يا معشرَ صعاليكِ المهاجرينَ بالفوزِ التامِّ يومَ القيامةِ تدخُلونَ الجنةَ قبلَ أغنياءِ الناسِ بنصفِ يومٍ وذلك خمسُمائةِ سنةٍ
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البوصيري
| المصدر : إتحاف الخيرة المهرة
الصفحة أو الرقم: 7/324 | خلاصة حكم المحدث : رواته ثقات
التخريج : أخرجه أبو داود ( 3666 )، وأحمد ( 11934 ) مختصراً، ومسدد كما في ( (إتحاف الخيرة المهرة )) للبوصيري ( 7/324 ) واللفظ له
الفَقرُ منَ الأُمورِ الَّتي يَهرُبُ منها الإنْسانُ في الدُّنيا، ورغْمَ ذلك فإنَّ مَن صَبَر على الفَقرِ واحتَسَبَ؛ فإنَّ فيه خيرًا كبيرًا للمُسلِمِ في الآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّه جَلَس في مَجموعةٍ مِن ضُعفاءِ المُهاجِرينَ وفُقَرائِهم، ومِن شِدَّةِ ما كانوا فيه مِن الفَقرِ كان بَعضُهم يَستَتِرُ ببَعضٍ منَ العُرْيِ، إشارةً إلى أنَّهم كانوا لا يَملِكونَ مِن الثِّيابِ ما يَكْفي أنْ يُغطِّيَ جَميعَ أجْسادِهم، وكانوا جالِسينَ في المَسجِدِ النَّبويِّ، وقارئٌ يَقرَأُ عليهمُ
القُرآنَ، وهم يَستَمِعونَ إليه، وجاء رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فدخَل عليهم وهمْ على تلك الحالِ، فألْقى عليهمُ السَّلامَ، فسَكَت القارئُ تَبْجيلًا للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتَّى لا يَتقدَّمَ بيْن يَدَيْه بالقِراءةِ، فسَألَهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا كانوا يَفعَلونَه في مَجلِسِهم هذا، فأخْبَروه أنَّهم جُلوسٌ لاستِماعِ القرآنِ، فحَمِد رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ربَّه أنْ جعَل مِن أُمَّةِ الإسْلامِ أُناسًا يُمكِنُ أنْ يَصبِرَ نفْسَه معَهم، كما أمَرَه
اللهُ في قولِه تعالَى:
{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [
الكهف: 28 ].
ثمَّ جلَس النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وسْطَهم «
ليَعدِلَ بنَفْسِه فينا»؛
أي: ليُساويَ نفْسَه بهم تَكرِمةً لهم، ولمُواساتِهم بنَفْسِه على ما همْ فيه مِن الفَقرِ والشِّدَّةِ، وتَشْجيعًا لهم على الزِّيادةِ منَ الطَّاعاتِ الَّتي تُقرِّبُهم مِن
اللهِ سُبحانه، وحتَّى يَصبِرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ نفْسَه معَهم، كما أمَرَه
اللهُ.
ثمَّ أشارَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه أنْ يَجلِسوا على شَكلِ دائرةٍ أو حَلْقةٍ، فظَهَرت وُجوهُهم للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ أنْ كانوا يَتخَفَّوْنَ خلْفَ بعضِهم، ولكنْ لم يَعرِفْ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ منهم أحدًا غيرَ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضيَ
اللهُ عنه، ثمَّ بشَّرَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ هؤلاء الصَّعاليكَ المُهاجِرينَ بالفَوزِ التَّامِّ يومَ القِيامةِ، والصُّعلوكُ: هو الفَقيرُ الذي لا مالَ له، ومِن مَعالِمِ فَوزِهم، ورَحمةِ
اللهِ بهم يومَ القِيامةِ: أنَّهم «
يَدخُلونَ الجنَّةَ قبْلَ أغْنياءِ النَّاسِ بنِصفِ يومٍ، وذلك خَمسُ مِئةِ سَنةٍ»، ولعلَّ ذلك ليُسْرِ حِسابِ الفُقراءِ؛ لقِلَّةِ ما كان عِندَهم في الدُّنيا، أمَّا الأغْنياءُ فيَطولُ حِسابُهم على ما كان عِندَهم من مَتاعِ الدُّنيا، وهذا
يَعني البُشْرى للفُقراءِ بسُرعةِ دُخولِ الجَنَّةِ،
وفيه حَثٌّ للأغْنياءِ على الاستِعْدادِ لذلك المَوقِفِ بتَطْييبِ مَكاسبِهم.
وتَحديدُ الوقتِ بأنَّه نِصفُ يومٍ مِن أيَّامِ يومِ القيامةِ،
أي: خَمْسُ مئةِ عامٍ مِن أعْوامِ الدُّنيا، كما في قولِه تعالَى:
{ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } [
الحج: 47 ]، أمَّا قولُه تعالَى:
{ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [
المعارج: 4 ]؛ فالمُرادُ: بذلك يومُ القِيامةِ على الأخَصِّ، يُطوِّلُه
اللهُ فيكونُ كذلك، وإلَّا فاليومُ عِندَ
اللهِ كألْفِ سَنةٍ، وقيلَ: المُرادُ في الجَميعِ يومُ القِيامةِ، والاخْتِلافُ بالنِّسبةِ لحالِ المؤمِنِ والكافِرِ.
وفي رِوايةِ أحمَدَ مِن حَديثِ ابنِ عَمرٍو رَضيَ
اللهُ عنه: «
أنَّ فُقراءَ المُهاجِرينَ الَّذين يَسبِقونَ الأغْنياءَ يومَ القِيامةِ بأربَعينَ خَريفًا»، ويُجمَعُ بأنَّ هذا السَّبْقَ يَختلِفُ بحَسَبِ أحْوالِ الفُقراءِ والأغْنياءِ؛ فمنْهم مَن يَسبِقُ بأربَعينَ عامًا، ومنهم مَن يَسبِقُ بخَمسِ مِئةِ سَنةٍ، ولكنْ لا يَلزَمُ مِن سَبْقِهم في الدُّخولِ ارتِفاعُ مَنازِلِهم، بلْ قد يكونُ المُتأخِّرُ أعْلى مَنزِلةً وإنْ سبَقَه غيرُه في الدُّخولِ، فالمَزيَّةُ مَزيَّتانِ: مَزيَّةُ سَبْقٍ، ومَزيَّةُ رِفْعةٍ، قدْ تَجتَمِعانِ، وقد تَنفَرِدانِ.
وفي الحَديثِ: مُواساةُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ للفُقراءِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم