كنتُ قاعدًا مع عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ ، فقال : إني لَأذكرُ أولَ رجلٍ قطعه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، أُتِيَ بسارقٍ فأمر بقطعِه ، فكأنما أسِفَ وجهُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فقالوا : يا رسولَ اللهِ كأنك كرهتَ قطعَه ؟ قال : وما يمنعُني ؟ ! لا تكونوا أعوانًا للشيطان على أخيكم إنه لا ينبغي للإمامِ إذا انتهى إليه حدٌّ إلا أن يقيمَه إنَّ اللهَ عفُوٌّ يحبُّ العفْوَ { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني
| المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 4/182 | خلاصة حكم المحدث : حسن
لقدْ حذَّرَ الشَّرعُ المُطهَّرُ مِن تَقْنيطِ النَّاسِ مِن رَحْمةِ
اللهِ تبارَك وتعالَى، وتَيْئيسِهم مِن التَّوبةِ، وازْدِراءِ المُذْنِبينَ ونَبْذِهم، والاعْتِداءِ عليهِم بالشَّتْمِ والأذِيَّةِ، بلْ يَنْبَغي احْتِواؤُهم وإرْشادُهم؛ لإبْعادِهِم عن طَريقِ الشَّيطانِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو ماجدٍ الحَنَفيُّ أنَّه كان قاعِدًا معَ عبدِ
اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه حينَ أخبَرَ أنَّه يتَذكَّرُ أوَّلَ رجُلٍ قطَعَه رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقامَ عليه حدَّ السَّرِقةِ، فقَطَع يَدَه؛ وذلك أنَّه أُتيَ بسارقٍ، وأُقيمَت عليه الحُجَّةُ؛ إمَّا بإقْرارِه، أو شَهادةِ عَدْلَينِ أنَّه سرَقَ، فأمَر بقَطْعِ يدِه، وحَزِن رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وظهَر هذا الحُزنُ على وَجْهِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال الصَّحابةُ رَضيَ
اللهُ عنهم: «
يا رسولَ اللهِ، كأنَّكَ كرِهْتَ قَطْعَه؟» والمُرادُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ظَهَر عليه مِن عَلاماتِ عَدمِ الرِّضا في إقامةِ الحدِّ بقَطْعِ يَدِ الرَّجلِ السَّارِقِ، وليس هذا اعتِراضًا على الحدِّ الَّذي شَرَعه
اللهُ عزَّ وجلَّ، فبيَّن لهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وَجْهَ عدَمِ رِضاه، فقال لهم: وما يَمنَعُني أنْ أحْزَنَ عليه؛ لأنَّه قُطِعَت يَدُه؟! وهذا مِنَ الرَّحمةِ الإنْسانيَّةِ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ إقامةَ الحدِّ على العاصي تُطهِّرُ المُذنِبَ مِن ذَنبِه؛ فلا يَنبَغي لأحدٍ أنْ يُعيِّرَه بعْدَ ذلك بذَنبِه، فيكونَ ذلك مُساعَدةً للشَّيطانِ على إغْواءِ النَّاسِ وعَدمِ تَوبَتِهم؛ ولذلك قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه: «
لا تَكونوا أعْوانًا للشَّيطانِ على أخيكُمْ»، وهذا إرْشادٌ مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بعَدَمِ أَذِيَّةِ المُذْنِبِ بعْدَ إقامةِ الحَدِّ عليه؛ حتَّى لا يَقنَطَ مِن رَحْمةِ
اللهِ، فيَكونَ ذلك مُساعَدةً للشَّيطانِ وتَسْهيلًا لإغْوائِهِ إلى طَريقِه، ولأنَّ ارْتكابَ الذَّنْبِ لا يُخرِجُ العبْدَ مِن حَظيرةِ الإيمانِ وإنْ نَقَصَهُ، ولكِنَّ إقامةَ الحدِّ تُطهِّرُه مِن ذَنْبِهِ، فيَنْبَغي الدُّعاءُ له بالتَّوبةِ والمَغفِرةِ، وعدَمُ سَبِّه ولَعْنِه.
ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه أنَّه لا يُمكِنُ للإمامِ إذا وصَل إليه أحَدٌ قدِ ارتَكَبَ ما يُوجِبُ عليه حَدًّا منَ الحُدودِ؛ إلَّا أنْ يُقيمَه امتِثالًا لأمرِ
اللهِ سُبحانَه، ولكنْ إذا عَفا النَّاسُ عن بَعضِهم، فلمْ يُوصِّلْ أصْحابُ الحُقوقِ شَكْواهم إلى الإمامِ والحاكِمِ؛ فإنَّه لا يَبحَثُ ولا يُفتِّشُ عن عَفوِهم، ولا يُقيمُ الحُدودَ على مَن لم يُرفَعْ إليه؛ لأنَّ
اللهَ عَفوٌّ يُحِبُّ العَفوَ، كما في قولِ
اللهِ تعالَى:
{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [
النور: 22 ]، وهذه دَعوةٌ إلى عَفْوِ النَّاسِ عن المُسِيئينَ حتَّى يَفوزوا بعَفوِ
اللهِ يومَ القِيامةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ المُذنِبَ لا يُدعَى عليه بما يُعينُ عليه الشَّيطانَ، بلْ يُدْعى له بالهِدايةِ، والمَغفِرةِ، والرَّحمةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم