شرح حديث إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب نطفة
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ وكَّلَ بالرَّحِمِ مَلَكًا، يقولُ: يا رَبِّ نُطْفَةٌ؟ يا رَبِّ عَلَقَةٌ؟ يا رَبِّ مُضْغَةٌ؟ فإذا أرادَ أنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قالَ: أذَكَرٌ أمْ أُنْثَى، شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ والأجَلُ، فيُكْتَبُ في بَطْنِ أُمِّهِ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 318 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
كلُّ شَيءٍ خلَقَه
اللهُ مُقدَّرٌ كائنٌ كما أراد سُبحانَه وتعالى؛ فما مِن شَيءٍ يَجري في مَلَكوتِه إلَّا بقَدَرِه وعِلمِه سُبحانَه وتعالى، وقد وكَّلَ
اللهُ عزَّ وجلَّ بِالرَّحِمِ الذي هو مَوضعِ تكوينِ الجنينِ ملَكًا كما في هذا الحديثِ، فإذا تكوَّنَتِ النُّطفةُ قال هذا الملَكُ: «
يا ربِّ نُطفةٌ»؟ وهو استِفهامٌ مِن المَلَكِ للربِّ جلَّ جلالُه،
أي: أهو نُطفةٌ فأكتُبَها؛ فإنَّه لا يعلمُ ما في الأرحامِ إلَّا
اللهُ، وإنَّما المَلَكُ مُوكَّلٌ بالحِفظِ والكِتابةِ ومِثلُه ما سيأتي: «
يا ربِّ عَلَقةٌ...إلخ»، والنُّطفةُ حَيوانٌ مَنويٌّ يَجتمِعُ ببُوَيْضةِ الأُنثى فيُلقِّحُها، وهي أُولَى مَراحِلِ تَكوينِ الإنسانِ، فإذا أصبَحَ عَلَقةً قال الملَكُ: يا ربِّ عَلَقةٌ؟ والعلَقةُ قِطعةُ الدِّم ِالجامدةُ المتعلِّقةُ بجِدارِ الرَّحمِ، فإذا صار مُضغةً قال الملكُ: يا ربِّ مُضْغةٌ، والمُضْغةُ قطعةُ لَحْمٍ صَغيرةٌ بقَدْرِ ما يَمْضَغُ الإنسانُ في الفَمِ، فإذا أرادَ
اللهُ تعالى أنْ يُتِمَّ خَلْقَ هذا الإنسانِ سَأل الملَكُ المَولى تعالى، فقال: أذكَرٌ أمْ أنثى؟ شَقِيٌّ أمْ سعيدٌ؟ يعني: هل تخلُقُه ذكَرًا أمْ أُنثى؟ وهل يكونُ مِن أهلِ الشَّقاءِ أمِ السَّعادةِ؟ ثُمَّ يَسألُ عَن رزقِه وعُمرِه، فيُكتَبُ كلُّ ذلك وهو ما زالَ في بطنِ أمِّه.
وهذا إشارةٌ إلى قدرةِ
الله وعِلمِه الأزَليِّ، وتقديرِه لأمورِ الخَلقِ، فيَنبغي للعبدِ أن يُجْمِلَ في طَلَبِ الدُّنْيا؛ فإنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ له، والَّذي سيَكونُ مِن أهلِ الجنَّةِ سيَعمَلُ بالأعمالِ الَّتي توصِلُه إلى الجنَّةِ، والَّذي يَكونُ مِن أهلِ النَّارِ سيَعمَلُ ويختارُ بمَشيئتِه وإرادتِه الأعمالَ الَّتي تُوصِلُه إلى النَّارِ، فالحقُّ سُبحانَه هَيَّأ الخَيرَ لأصحابِ السَّعادةِ، وهيَّأ لهم أسبابَها، وهيَّأ الشَّرَّ لأصحابِ الشَّقاءِ، وهيَّأ لهم أسبابَها؛ وذلك لأنَّ
اللهَ أوضَح الخيرَ والشَّرَّ للجَميعِ، فكُلٌّ يَعمَلُ على بَصيرةٍ، ويَختارُ ما يُريدُ، فمَنِ اخْتارَ عمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وفَّقَه
اللهُ لذلك، ثُمَّ أَدخَلَه الجنَّةَ، وهو يَعلَمُ أزَلًا أنَّه مِن أهْلِها، وكذلك مَنِ اخْتارَ لنَفْسِه عمَلَ أهلِ النَّارِ تَرَكَه
اللهُ حتَّى يُدخِلَه النَّارَ يَومَ القيامةِ، وهو سُبحانَه يَعلَمُ أزَلًا أنَّه سيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ.
وهذا لا يُنافي الأمْرَ بالعَملِ والسَّعيِ في الأرضِ لابتِغاءِ الرِّزقِ وطلَبِ الجنَّةِ بالعَملِ الصَّالحِ، ولكنَّه تهذيبٌ للسَّعيِ، وعدَم الحُزنِ على ما فات؛ فعلى المَرءِ أن يَبذُلَ جُهدَه ويُجاهِدَ نفْسَه في عمَلِ الطَّاعةِ، ولا يَترُكَ العملَ توكُّلًا على ما يَؤولُ إليه أمْرُه المقدَّرُ له أزَلًا.
وفي الحديثِ: كِتابةُ أَقدارِ كلِّ إنسانٍ وهو ما زال جَنينًا في بَطنِ أُمِّه بعْدَ استِكمالِ تَشْكيلِه وتَصويرِه، وتَكامُلِ أعْضائِه وحَواسِّه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم