حديث الدعوة عندي الليلة فقال سبقتني قلت نعم فدعوتهم فقال أبو هريرة ألا

أحاديث نبوية | صحيح مسلم | حديث أبو هريرة

«وَفَدَتْ وُفُودٌ إلى مُعَاوِيَةَ وَذلكَ في رَمَضَانَ، فَكانَ يَصْنَعُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ الطَّعَامَ، فَكانَ أَبُو هُرَيْرَةَ ممَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَنَا إلى رَحْلِهِ، فَقُلتُ: أَلَا أَصْنَعُ طَعَامًا فأدْعُوَهُمْ إلى رَحْلِي؟ فأمَرْتُ بطَعَامٍ يُصْنَعُ، ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنَ العَشِيِّ، فَقُلتُ: الدَّعْوَةُ عِندِي اللَّيْلَةَ، فَقالَ: سَبَقْتَنِي، قُلتُ: نَعَمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَلَا أُعْلِمُكُمْ بحَدِيثٍ مِن حَديثِكُمْ يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقالَ: أَقْبَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَبَعَثَ الزُّبَيْرَ علَى إحْدَى المُجَنِّبَتَيْنِ، وَبَعَثَ خَالِدًا علَى المُجَنِّبَةِ الأُخْرَى، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ علَى الحُسَّرِ، فأخَذُوا بَطْنَ الوَادِي، وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في كَتِيبَةٍ، قالَ: فَنَظَرَ فَرَآنِي، فَقالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللهِ، فَقالَ: لا يَأْتِينِي إلَّا أَنْصَارِيٌّ. - زَادَ غَيْرُ شيبَانَ، فَقالَ: اهْتِفْ لي بالأنْصَارِ، قالَ: فأطَافُوا به، وَوَبَّشَتْ قُرَيْشٌ أَوْبَاشًا لَهَا، وَأَتْبَاعًا، فَقالوا: نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ، فإنْ كانَ لهمْ شيءٌ كُنَّا معهُمْ، وإنْ أُصِيبُوا أَعْطَيْنَا الذي سُئِلْنَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: تَرَوْنَ إلى أَوْبَاشِ قُرَيْشٍ، وَأَتْبَاعِهِمْ، ثُمَّ قالَ بيَدَيْهِ إحْدَاهُما علَى الأُخْرَى، ثُمَّ قالَ: حتَّى تُوَافُونِي بالصَّفَا، قالَ: فَانْطَلَقْنَا فَما شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إلَّا قَتَلَهُ، وَما أَحَدٌ منهمْ يُوَجِّهُ إلَيْنَا شيئًا، قالَ: فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أُبِيحَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَومِ، ثُمَّ قالَ: مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهو آمِنٌ، فَقالتِ الأنْصَارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَمَّا الرَّجُلُ فأدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ، وَرَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَجَاءَ الوَحْيُ وَكانَ إذَا جَاءَ الوَحْيُ لا يَخْفَى عَلَيْنَا، فَإِذَا جَاءَ فليسَ أَحَدٌ يَرْفَعُ طَرْفَهُ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى يَنْقَضِيَ الوَحْيُ، فَلَمَّا انْقَضَى الوَحْيُ، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ قالوا: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: قُلتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فأدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ؟ قالوا: قدْ كانَ ذَاكَ، قالَ: كَلَّا، إنِّي عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ، هَاجَرْتُ إلى اللهِ وإلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ، فأقْبَلُوا إلَيْهِ يَبْكُونَ ويقولونَ: وَاللَّهِ، ما قُلْنَا الذي قُلْنَا إلَّا الضِّنَّ باللَّهِ وَبِرَسولِهِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ وَرَسوله يُصَدِّقَانِكُمْ، وَيَعْذِرَانِكُمْ، قالَ: فأقْبَلَ النَّاسُ إلى دَارِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَغْلَقَ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ، قالَ: وَأَقْبَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى أَقْبَلَ إلى الحَجَرِ، فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ طَافَ بالبَيْتِ، قالَ: فأتَى علَى صَنَمٍ إلى جَنْبِ البَيْتِ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ، قالَ: وفي يَدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَوْسٌ وَهو آخِذٌ بسِيَةِ القَوْسِ، فَلَمَّا أَتَى علَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ في عَيْنِهِ، ويقولُ: {جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ}، فَلَمَّا فَرَغَ مِن طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا، فَعَلَا عليه حتَّى نَظَرَ إلى البَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو بما شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ.»

صحيح مسلم
أبو هريرة
مسلم
[صحيح]

صحيح مسلم - رقم الحديث أو الصفحة: 1780 - أخرجه مسلم (1780)

شرح حديث وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

وَفَدْنَا إلى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَفِينَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَكانَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَصْنَعُ طَعَامًا يَوْمًا لأَصْحَابِهِ، فَكَانَتْ نَوْبَتِي، فَقُلتُ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، اليَوْمُ نَوْبَتِي، فَجَاؤُوا إلى المَنْزِلِ وَلَمْ يُدْرِكْ طَعَامُنَا، فَقُلتُ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، لوْ حَدَّثْتَنَا عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتَّى يُدْرِكَ طَعَامُنَا، فَقالَ: كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الفَتْحِ، فَجَعَلَ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ علَى المُجَنِّبَةِ اليُمْنَى، وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ علَى المُجَنِّبَةِ اليُسْرَى، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ علَى البَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الوَادِي، فَقالَ: يا أَبَا هُرَيْرَةَ، ادْعُ لي الأنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَجَاؤُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقالَ: يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، هلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: انْظُرُوا، إذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا، وَأَخْفَى بيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ علَى شِمَالِهِ، وَقالَ: مَوْعِدُكُمُ الصَّفَا، قالَ: فَما أَشْرَفَ يَومَئذٍ لهمْ أَحَدٌ إلَّا أَنَامُوهُ.
قالَ: وَصَعِدَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الصَّفَا، وَجَاءَتِ الأنْصَارُ فأطَافُوا بالصَّفَا، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ، لا قُرَيْشَ بَعْدَ اليَومِ، قالَ أَبُو سُفْيَانَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَن دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهو آمِنٌ، وَمَن أَلْقَى السِّلَاحَ فَهو آمِنٌ، وَمَن أَغْلَقَ بَابهُ فَهو آمِنٌ، فَقالتِ الأنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ، وَنَزَلَ الوَحْيُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: قُلتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ في قَرْيَتِهِ، أَلَا فَما اسْمِي إذنْ؟ -ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- أَنَا مُحَمَّدٌ عبدُ اللهِ وَرَسولُهُ، هَاجَرْتُ إلى اللهِ وإلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ.
قالوا: وَاللَّهِ، ما قُلْنَا إلَّا ضَنًّا باللَّهِ وَرَسولِهِ، قالَ: فإنَّ اللَّهَ وَرَسوله يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1780 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]

التخريج : أخرجه مسلم ( 1780 )



أَثْنى اللهُ سُبحانَه وتَعالَى على الأنْصارِ، فقال في حقِّهم: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [ الحشر: 9 ]، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعرِفُ حَقَّهم وفَضْلَهم، فأوْصَى بهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ودَعا لهم بالبَرَكةِ والمَغفِرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ رَباحٍ أنَّه وجَماعةً معه وَفَدوا إلى الخليفةِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنه، وكان في هذا الوفدِ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، وكانوا يَتناوَبون في صُنعِ الطَّعامِ لبَعضِهم، فكان كلُّ رَجلٍ منهم يَصنَعُ طَعامًا يومًا لِأصحابِه، وكان هذا اليومُ يوْمَ عبدِ اللهِ بنِ رَباحٍ، وأخبَرَ عبدُ اللهِ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ اليومَ نَوبتُه في إعدادِ الطَّعاِم، فجاؤوا مع أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه إلى مَنزِلِ عبدِ اللهِ ومَوضِعِ رَحْلِه، وهمْ في حالةِ انتظارٍ؛ وذلك بسَببِ عدَمِ نُضوجِ الطَّعامِ بعْدُ، فطلَبَ عبدُ اللهِ مِن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُحدِّثَهم عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى يَنضَجَ الطَّعامُ، وهذا مِن الأدبِ مع الصَّحابةِ؛ حيثُ تَلطَّفَ معه ليُحدِّثَهم، ومِن حُسنِ اغتنامِ الأوقاتِ في تَعلُّمِ العلمِ النَّافعِ.
فأخْبَرَهم أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ فتحِ مكَّةَ الَّذي وقَعَ في رمَضانَ في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهجرةِ، فَجعلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خالدَ بنَ الوليدِ رَضيَ اللهُ عنه أميرًا وقائدًا على الجانبِ الأيمنِ مِن الجيشِ، وجَعَل الزُّبَيْرَ بنَ العوَّامِ رَضيَ اللهُ عنه أميرًا وقائدًا على الجانبِ الأيسَرِ مِن الجيشِ، وجَعل أبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ رَضيَ اللهُ عنه على «الْبَياذِقَةِ» وهُم الرَّجَّالةُ الَّذين يَمْشُون على أرجُلِهم، سُمُّوا بذلك لِخفَّتِهم وسُرعةِ حَركتِهم، وجَعلَ أبا عُبَيدةَ أيضًا قائدًا على مَن في بَطْنِ الوادي، وهُم مَن كانوا بيْن الجانبينِ، وهُم المسمَّونَ بالقلْبِ، وأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَدعُوَ له الأنصارَ -وهُم أهلُ المدينةِ- فَدعاهُم فَجاؤوا مُسرِعِينَ استجابةً لدَعوةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هلْ تَرونَ أَوبَاشَ قُريشٍ؟»، أي: أَخلاطَهم وجُموعَهم مِن قَبائلَ شتَّى، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «ووَبَّشَتْ قُرَيشٌ أوباشًا لها وأتباعًا، فقالوا: نُقدِّمُ هؤلاء؛ فإنْ كان لهُم شَيءٌ كنَّا معهم، وإنْ أُصِيبوا أُعْطِينا الَّذي سُئِلْنا»، والمعنى: أنَّ قُريشًا استَعَدَّت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَشْدٍ مِن مُختلفِ القبائلِ والأتباعِ، على أنْ يُواجِهوا بهِم جيْشَ المسْلِمين، فإنْ كان لهم شَيءٌ مِن النَّصرِ، لَحِقوا بهؤلاء الأتباعِ مع مُقارَبةِ النَّصرِ وشارَكُوهم فيه، وإنِ انتصَرَ عليهم المسْلِمون، سَلَّمَت قُرَيشٌ للمسْلِمين الأمرَ مِن الخَراجِ والعهدِ والانقيادِ لهم، فلا يُقتَلُ منهم أحدٌ.
فأجابت الأنصارُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «نَعم»، فقال لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «انْظُروا» إلى ما أُشِيرُ لكم به، إذا لَقِيتُم هؤلاء الأوباشَ غدًا عندَ القتالِ، أنْ تَحصُدُوهم حصدًا، والحصْدُ: القطْعُ، وأصلُه في الزَّرعِ، وهو هنا حثٌّ على القتلِ؛ لَمَّا كانَتِ الرُّؤوسُ والأيدي تُقطَعُ فيه، وأَخْفى بِيدِه، ووضَعَ يمينَه على شِماِله، فجَعَل كَفَّه اليُمنى كأنَّها تَحصِدُ وتَقطَعُ ما قَبَضَت عليه مِن كَفِّه اليُسْرى، والغرَضُ مِن هذه الإشارةِ الأمرُ لهم بإيقاعِ القتلِ الذَّريعِ فيهم كأنَّهم الزَّرعُ المحصودُ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِخالدِ بنِ الوليدِ ومَن معه الَّذينَ أَخَذوا أسفلَ مكَّةَ مِن بَطنِ الوادي: «مَوعدُكمُ الصَّفا» أي: إنَّ مَكانَ اجتماعِكم معي بعْدَ هذا هو جبَلُ الصَّفا، وأَخَذَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو ومَن معه أعْلَى مكَّةَ، وهو طَريقُ الحَجُونِ، فأطاع الجميعُ أوامرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فما ظَهَر يومَئذٍ لهم أَحدٌ مِن قُرَيشٍ وأتباعِها إلَّا قَتَلوه، فَوقعَ إلى الأرضِ وأسْكَنوه بالقتلِ كالنَّائمِ.
ثمَّ لَمَّا دخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكَّةَ وانْتَهى طاف بالبيتِ، ثمَّ صعِدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جبَلَ الصَّفا، وجاءتِ الأنصارُ، فَأطافوا بِالصَّفا وأحاطوا به، فَجاءَ أبو سُفيانَ -وكان زعيمَ قُرَيشٍ يومئذٍ قبْلَ أنْ يُسلِمَ- فقال: «يا رسولَ اللهِ، أُبيدَتْ خضراءُ قُرَيْشٍ»، أي: أُفْنِيتْ وأُذْهِبَ مُعظَمُها وجُموعُها، ولا وجودَ لِقريشٍ بعْدَ هذا؛ وذلك لِما رَأى مِن هَولِ الأمرِ، والغلبَةِ، والقَهْرِ، والاستطالةِ، والاستيلاءِ عليهم.
فأخبَرَ أبو سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَن دَخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمنٌ، ومَن ألقى السِّلاحَ فهو آمِنٌ، ومَن أَغلقَ بابَه فهو آمِنٌ» مِنَ القتلِ، ونُوديَ في النَّاسِ بذلك، وفي رِوايةِ أبي داودَ: جاءه العبَّاسُ بنُ عبْدِ المطَّلبِ بأبي سُفيانَ بنِ حَربٍ، فأسلَمَ بمَرِّ الظَّهرانِ، فقال له العبَّاسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رجُلٌ يُحِبُّ هذا الفخْرَ، فلو جعَلْتَ له شيئًا، قال: «نعمْ، مَن دَخَل دارَ أبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن أغلَقَ عليه بابَه فهو آمِنٌ».
وقد قالتِ الأنصارُ لَمَّا رَأَوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ الفتحِ ما فَعَله مع أهلِ مكَّةَ: «أمَّا الرَّجلُ» يَقصِدون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «فقدْ أخذَتْه رأفةٌ بِعَشيرتِه» يُرِيدون قُريشًا، «ورغبةٌ في قرْيَتِه»؛ وذلك لأنَّهم خافوا أنْ يُؤثِرَ المُقامَ في مكَّةَ على المُقامِ بِالمدينةِ معهم، فَحمَلَهم شدَّةُ مَحبِّتِهم لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكراهةُ مُفارقَتِه، أو مفارقَةُ أَوطانِهم، ونزَلَ الوحيُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَأبْلَغَه بما قالوا، فَأخبرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِقولِهم، ثُمَّ قال لهم: «ألَا فما اسْمي إذنْ؟! -وكرَّرها ثلاثَ مرَّاتٍ-» وكان عادةُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّهم لا يُقدِّمون إجابةً على مِثلِ تلك الأسئلةِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِمَعرفتِهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُريدُ بهذه الأسئلةِ أنْ يُفهِّمَهم ويُعلِّمَهم، والمعنى: إذا أخذَتْني رَغبةٌ في قَرْيتي بمُقْتضى قَولِكم، ونقَضْتُ بَيعتَكم على مُساكنَتِكم، ثُمَّ قال: «أنا محمَّدٌ» فهو يُحْمَدُ بوَفاءِ بَيعتِه مع غيرِه، وهو أمينٌ لا خائنٌ، يُشيرُ بهذا إلى أكْمَليَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الوجودِ وإلى اسمِه الشَّريفِ، وأنَّه عبدُ اللهِ ورَسولُه، وقدْ هاجَرَ إلى اللهِ وإلى دِيارِ الأنصارِ لِاستيطانِها، فلا يَترُكُها ولا يَرجِعُ عَن هِجرتهِ الواقعةِ للهِ تعالَى، بل هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُلازِمٌ لهم، «فَالْمَحيَا مَحْياكم، والمَماتُ مَمَاتُكم»، أي: لا أَحيا إلَّا عندَكم، ولا أموتُ إلَّا عندكم، فَبيَّنوا عُذرَهم وحلَفوا بِاللهِ أنَّهم ما قالوا هذا إلَّا بُخلًا بما آتاهم اللهُ مِن كَرامةٍ؛ خَشيةَ أنْ تَفوتَهم فَينالَها غيرُهم، وشُحًّا بِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَنتقِلَ مِن المدينةِ إلى بلدتِه، حِرصًا منهم على مُساكنَتِه، فَأخبرَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ورسولَه يُصَدِّقَانِهم فيما يَقولون، ويَقْبلانِ ما ذَكَرُوا مِنَ اعتذارِهم فيما قالوا.
وفي الحديثِ: ما كان السَّلَفُ عليه مِن حُسْنِ التَّودُّدِ، والْمُزاورةِ، وَالْمُواصَلةِ، وَالْمُكارَمَةِ.
وفيه: دَلالةٌ على البُخْلِ بِالعُلماءِ وَالصُّلحاءِ، وعدَمِ الرِّضا بِمُفارقتِهم.
وفيه: أنَّه إذا كان في الجَماعةِ مَشهورٌ بالفضلِ أو بالصَّلاحِ، أنْ يُطلَبَ منه العلمُ.
وفيه: بَيانُ مَحبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للأنصارِ.
وفيه: بَيانُ ما كان عليه الأنصارُ مِن شِدَّةِ مَحبَّتِهم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
صحيح ابن حبانأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشا يوم الحديبية قال
صحيح ابن حبانجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
حديث شريف
صحيح الترمذيعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن
صحيح النسائيجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر
صحيح النسائيجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
صحيح النسائيأنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل
صحيح الجامعإن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كفر
صحيح مسلمكتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس قال فشهدت ابن عباس حين قرأ
صحيح مسلمكتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران
صحيح ابن حبانخطب عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد
صحيح ابن ماجهلقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Monday, December 23, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب