كيفَ تَقُولونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ منه رَاحِلَتُهُ، تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ ليسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا له طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حتَّى شَقَّ عليه، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟ قُلْنَا: شَدِيدًا يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللَّهِ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ.
الراوي : البراء بن عازب | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2746 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
مِن لُطفِ
اللهِ عزَّ وجلَّ بعِبادِه أنْ يَسَّرَ لهم أبْوابَ التَّوبةِ والاستغفارِ حتَّى يَرجِعَ العبدُ إلى رَبِّه ويَتوبَ مِن ذُنوبِه مهْما كانت عَظيمةً.
وفي هذا الحديثِ يُعلِّمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أَصحابَه ذلِك على طريقةِ السُّؤالِ والجواب؛ فيقولُ: «
كَيفَ تَقولونَ بفَرَحِ رَجلٍ انْفَلَتَتْ مِنه راحلَتُه»
أي: فُكَّ رِباطُ ناقتِه، فذَهبَت دون علمه، «
تَجُرُّ زِمامَها» وهو الحبْلُ الَّذي يُشَدُّ ويُقادُ به البعيرُ، وفي رِوايةٍ أُخرى عندَ مُسلمٍ: «
فغَلَبَتْه عَينُه»
أي: فنامَ.
«
وانسَلَّ بَعيرُه» فذَهَب دونَ أنْ يَشعُرَ به، فاسْتيقَظَ الرَّجلُ فلمْ يَجِدْ ناقتَه، وهو «
بأَرضٍ قَفرٍ» لا نَباتَ بها، وليْس حَوْلَه أحدٌ، وقدْ فَسَّرها بقَولِه: «
ليْس بِها طَعامٌ ولا شرابٌ» وكان على ظَهرِ هَذه الرَّاحلةِ طَعامُه وشَرابُه، فبَحَثَ الرَّجلُ عَنها فلَمْ يَعثُرْ عليها حتَّى شَقَّ عليه كَثرةُ البَحثِ عَنها وأَجهدَه ذلك؛ خاصَّةً أنَّه لا طَعامَ مَعه ولا شَرابَ يَتقوَّى به على البَحثِ عَنها، ومِن رَحمةِ
اللهِ به أنْ «
مَرَّت راحلَتُه بجِذْلِ شَجرةٍ»
أي: أَصلِها القائِمِ، فتَعلَّقَ زِمامُها وحَبلُها، فحُبِسَت عن الحركةِ وظَلَّت مُعلَّقةً على هذا الجِذعِ، فوجَدَها صاحِبُها وَهِيَ مُتعلِّقةٌ به، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه: «
كيفَ تقولونَ في هَذا؟»
أي: كيْف تَرَون فَرَحَ مِثلِ هذا الرَّجلِ بعْدَ أنْ أدْرَكَ راحلتَه وكان يَعتقِدُ هَلاكَه ومَوْتَه بدُونِها؟ فأجابُوه بأنَّ هذا الرَّجلَ سيَفرَحُ فَرحًا شديدًا، وفي روايةٍ عندَ مُسلمٍ مِن حَديثِ أنسٍ رَضيَ
اللهُ عنه، أنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ أنَّ الرَّجلَ قال: «
اللَّهمَّ أَنتَ عَبدِي وأَنَا رَبُّكَ» أخطَأَ مِن شِدَّةِ الفرَحِ، فقدْ أَرادَ أنْ يَحمَدَ
اللهَ ويَشكُرَه على عَظيمِ نِعمتِه عليه، فيَقولَ: «
اللَّهمَّ أنت رَبِّي وأنا عَبدُك»، فعكَسَ، ف
اللهُ سُبحانه وتَعالَى أشدُّ وأكثَرُ «
فَرَحًا بتَوبةِ العبدِ» المؤمنِ مِن فَرَحِ هذا الرَّجلِ حِين وَجَد بَعيرَه.
وفي الحديثِ: فَضلُ التَّوبَةِ وأنَّ
اللهَ يَرضاها منَ العَبدِ ويُحِبُّها ويَفرَحُ لها.
وفيه: سَعةُ رَحمةِ
اللهِ تَعالَى.
وفيه: إثباتُ صِفةِ الفَرحِ للهِ عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه؛
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [
الشورى: 11 ].
وفيه: قَبولُ التَّوبةِ الصَّادقةِ وفرَحُ
اللهِ تَعالَى بها، ورِضاهُ عن صاحبِها؛ فالتَّوبةُ مَقبولةٌ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ مِن مَغربِها.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم