كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم يُعلِّمُ أُمَّتَه أنْ يُسلِّموا أَمْرَهم للهِ عزَّ وجلَّ عندَ نُزولِ المَصائبِ بهِم، وأنْ يَلجَؤوا إلى حَولِه وقُوَّتِه سُبحانَه؛ فهوَ المُقدِّرُ، وهوَ مِن عندِه العِوَضُ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ سَلَمةَ أمُّ المؤمنين رَضِي
اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم قال: «
ما مِن مُسلمٍ تُصيبُه مُصيبةٌ»، والمُرادُ أيُّ مُصيبةٍ كانت، عَظيمةً أو صَغيرةً، مِن أمرٍ مَكروهٍ في نَفْسِه، أو في أهلِه، أو في مالِه، أو غَيرِ ذلك، «
فَيقولُ ما أَمرَه اللهُ بهِ: { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة: 156 ]»،
أي: إنَّ ذَواتَنا وجَميعَ ما يُنسَبُ إِلينا للهِ مُلكًا وخَلقًا، وإنَّا إليه راجِعون في الآخرَةِ، ويكونُ هذا القولُ مُصاحِبًا للصَّبرِ وعَدمِ الجَزعِ، ثُمَّ يَدعو صاحبُ المُصيبةِ فيقولُ: «
اللَّهمَّ أْجُرْني»،
أي: أَعطني الأجرَ والجَزاءَ والثَّوابَ «
في مُصيبَتي، وأَخْلِفْ لي خيْرًا مِنها»،
أي: اجعَلْ لي خَلفًا ممَّا فاتَ عَنِّي في هَذه المُصيبَةِ خيْرًا مِن الفائتِ فِيها.
فمَن قال ذلك، فإنَّ جَزاءَه أنْ يُخلِفَ
اللهُ عليْه بأَفضَلَ ممَّا فَقَدَه في مُصيبتِه تلك.
وزاد في رِوايةٍ أُخرى عندَ مُسلمٍ: «
إلَّا أَجَرَه اللهُ في مُصِيبَتِه»، فيَكتُبُ
اللهُ له الأجرَ على ذلك.
ثُمَّ ذَكَرتْ أمُّ سَلمةَ رَضِي
اللهُ عنها أنَّها لَمَّا ماتَ عنها زَوجُها أبو سَلَمةَ عبدُ
اللهِ بنُ عبدِ الأَسدِ المَخزوميُّ رَضِي
اللهُ عنه، كأنَّها تَذَكَّرَتْ وَصيَّةَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، إلَّا أنَّها قالتْ في نَفْسِها أو باللِّسانِ تَعجُّبًا: «
أيُّ المسلمينَ خيْرٌ مِن أَبي سلمَةَ؟!» تَعجَبُ مِن تَنزيلِ قَولِه صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم: «
إلَّا أَخلَفَ اللهُ خيرًا مِنها» عَلى مُصيبَتِها؛ استِعظامًا لأبي سَلمَةَ رَضِي
اللهُ عنه عَلى زَعمِها وفي ظَنِّها، فتَعجَّبَت لاعتقادِها أنَّه لا أَفضَلَ مِن أَبي سَلَمَةَ رَضِي
اللهُ عنه، ولَم تكُنْ تَطمَعُ أنْ يَتزوَّجَها رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم؛ فهوَ خارجٌ مِن هذا العُمومِ، ثُمَّ بَيَّنت خَيريَّةَ أَبي سَلَمةَ رَضِي
اللهُ عنه في أنَّ بيْتَه «
أَوَّلُ بيتٍ هاجرَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم»، فكان أَوَّلَ مَن هاجرَ مَع عِيالِه وأسرته، وبَعْدَ تَعجُّبِها استَجابت لأَمرِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، «
ثُمَّ إِنِّي قُلتُها»،
أي: كَلمةَ الِاسترجاعِ والدُّعاءَ المَذكورَ بَعْدها، فأخبَرَت أنَّ
اللهَ سُبحانه قدْ أَخلَف لها رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، بأنْ جَعلَها زَوجتَه، وَكان عِوَضًا خيرًا لي مِن زَوجها أَبي سَلَمةَ رَضِي
اللهُ عنه.
ثُمَّ ذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمةَ رَضِي
اللهُ عنها كيفَ كانت خِطبتُها مِن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، وَماذا طَلبتْ؛ فأخبَرَت أنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم أَرسَلَ إليْها حاطبَ بنَ أَبي بَلْتَعةَ رَضِي
اللهُ عنه يَخطُبُها لَه، فقالت مُعتذِرةً إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم خوفًا مِن عدَمِ قِيامِها بحُقوقِه: إنَّ لها بنتًا، وهي زيْنبُ بنتُ أبي سَلَمةَ رَضِي
اللهُ عنهما، وكانت حينئذٍ صَغيرةً وما زالت في حجْرِها، وأخبَرَت أنَّها كَثيرةُ الغَيْرةِ، وهذانِ الأمرانِ ممَّا يكونُ له أثرٌ في القيامِ بالواجباتِ الزَّوجيَّةِ، وعدَمِ الوفاءِ بها، والنَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم قدْ كان لَه زَوجاتٌ قَبْلَها، فتلك الغَيرةُ الشَّديدةُ لا تَتمكَّنُ معها مِن الاجتماعِ مع سائرِ أزواجِه صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، فقالَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم: «
أمَّا ابْنَتُها فنَدْعُو اللهَ أنْ يُغْنِيَها عَنْها»،
أي: أنْ يُغنِيَ البنتَ عن أُمِّها بكَفالتِه صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم، أو بأنْ تَجِدَ مَن يَكفُلُها مِن قَراباتِها، أو أنْ يُغنِيَها
اللهُ عن الرَّضاعِ مِن أُمِّها؛ لأنَّ البنتَ كانت رَضيعةً، «
وأَدْعُو اللهَ أنْ يَذْهَبَ بالغَيْرةِ» وكان مِن بَركةِ دُعاءِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ ذَهَبت الغَيرةُ مِن صَدرِها، وتَزوَّجَها رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم.
وفي الحَديثِ: الأَمرُ بالصَّبرِ عَلى المَصائبِ وعَدمِ الجَزعِ.
وَفيهِ: التَّوجُّهُ بالدُّعاءِ إلى
اللهِ في المُلمَّاتِ؛ لأنَّ عندَه العِوضَ.
وَفيه: ضَرورةُ امتثالِ المُؤمنِ لأمرِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّم وإنْ لم تَظهَرْ لَه الحِكمةُ مِن أَمرِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم