ذُكِرَ التَّلاعُنُ عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ عاصِمُ بنُ عَدِيٍّ في ذلكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، وأَتاهُ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ يَشْكُو أنَّه وجَدَ مع أهْلِهِ رَجُلًا، فقالَ عاصِمٌ: ما ابْتُلِيتُ بهذا إلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ به إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرَهُ بالَّذِي وجَدَ عليه امْرَأَتَهُ، وكانَ ذلكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا، قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وكانَ الَّذي ادَّعَى عليه أنَّه وجَدَهُ عِنْدَ أهْلِهِ آدَمَ، خَدِلًا، كَثِيرَ اللَّحْمِ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ.
فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بالرَّجُلِ الَّذي ذَكَرَ زَوْجُها أنَّه وجَدَهُ عِنْدَها، فَلاعَنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَهُما.
فقالَ رَجُلٌ لِابْنِ عبَّاسٍ في المَجْلِسِ: هي الَّتي قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَجَمْتُ أحَدًا بغيرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هذِه؟ فقالَ: لا، تِلكَ امْرَأَةٌ كانَتْ تُظْهِرُ في الإسْلامِ السُّوءَ.
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6856 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
التخريج : أخرجه البخاري ( 6856 )، ومسلم ( 1497 )
اللِّعانُ بيْن الزَّوجينِ يكونُ نَتيجةَ اتِّهامِ الزَّوجِ زَوجَتَه بِالزِّنا ونَفْيِه لِنَسبِ الولدِ منها، ولم يكُنْ له شاهدٌ إلَّا نفْسُه، فإذا نَفَتِ المرأةُ ذلك حُكِمَ بيْنَهما بالتَّلاعُنِ، وصُورَتُه كما في قولِه تعالَى:
{ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [
النور: 8- 9 ].
وفي هذا الحديثِ يروي عبدُ
اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عنهما أنَّ أمْرَ المُتلاعِنَيْنِ ذُكِرَ عندَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا سَمِع عاصمُ بنُ عدِيٍّ رضِيَ
اللهُ عنه حُكْمَ الْمُتلاعِنَيْنِ «
قالَ في ذلكَ قَوْلًا»، كأنَّه استبعَدَ أنْ يَجِدَ الرَّجلُ امرأتَه مع رجُلٍ، ثُمَّ يَذهبَ لِاتِّهامِها بِالزِّنا أو لِنفْيِ الولدِ! وفي روايةٍ في الصَّحيحينِ: أنَّ عُوَيمِرًا العَجلانيَّ طلب من عاصم أن يسألَ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟» فلَّما انْصَرَفَ عاصِمٌ رَضِيَ
اللهُ عنه من عندِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، جاءه رجلٌ مِن قومِه وشكَا له أنَّه وَجَدَ مع امرأتِه رجلًا، فقال عاصمٌ: «
ما ابْتُليتُ بِهذا إلَّا لِقَولِي!»،
أي: أنَّ
اللهَ عزَّ وجَلَّ عاقبه بوقوعِ ذلك في قَوْمِه؛ لاستنكارِه السَّابِقِ، ويحتَمِلُ لسَبْقِه واستعجالِه بسؤالِه عمَّا لم يقَعْ؛ فقد جاء في روايةٍ في الصَّحيحينِ: «
فسأل عاصِمٌ عن ذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكَرِهَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسائِلَ وعابها»، فذهَبَ عاصمٌ مع هذا الرَّجلِ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، فَأخبَرَه بما جرى، وكان هذا الرَّجلُ مُصْفرًّا، قَليلَ اللَّحمِ، مُسترسِلَ الشَّعرِ، غيرَ مُتجعِّدٍ، وكان الرَّجلُ الَّذي وجَدَه عندَ امرأتِه أَسمرَ، مُمتلِئَ السَّاقِ، كَثيرَ اللَّحمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: اللَّهمَّ بيِّنْ ذلك بِولادتِها وظُهورِ الولدِ، وبَعْدَ أن أتمَّت المرأةُ مُدَّةَ حَمْلِها وضَعَتْ وَليدًا شَبيهًا بِالرَّجلِ الَّذي ذَكَرَ زوجُها أنَّه وجَدَه عندَها، فَلاعَنَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بيْنهما، وظاهِرُ هذا أنَّ الملاعَنةَ وقعت بينهما بعد وَضْعِ الوَلَدِ، لكِنَّ هذا الحديثَ محمولٌ على التقديمِ والتأخيرِ في سِياقِ القِصَّةِ، وأنَّ قَولَه: «
فلاعن» مُعَقَّبٌ بقَولِه: فذهب به إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم فأخبره بالذي وجد عليه امرأتَه، فلاعن بينهما وأنكَرَت المرأةُ وُقوعَها في الزِّنا، ويَشهَدُ لذلك حديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ في الصَّحيحينِ،
وفيه أنَّ اللِّعانَ وقع بينهما قبل أن تضَعَ؛ ففرَّقَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم بيْنَهما.
وهنا قام رجُلٌ اسمُه عبدُ
اللهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهادِ -كما بَيَّنَت روايةٌ أُخرى للبُخاريِّ، وهو ابنُ خالةِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عنهما- فسأل عبدَ
اللهِ بنَ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: هلْ المرأةُ هي الَّتي قال فيها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
لَو رَجمْتُ أحدًا بِغيرِ بَيِّنةٍ رَجَمْتُ هذه»؟
أي: لو كنتُ متعَدِّيًا حَقَّ
اللهِ فيها إلى ما قام من الدَّلالةِ عليها لرجمتُ هذه؛ لبيانِ الدَّلائِلِ على فِسْقِها، ولكِنْ ليس لأحدٍ أن يَرجُمَ بغَيرِ بيِّنةٍ، فيتعدَّى حُدودَ
اللهِ، و
اللهُ قد نَصَّ ألَّا تُتعَدَّى حُدودُه لِما أراد تعالى من سَترِ عبادِه.
فقالَ ابنُ عبَّاسٍ رضِي
اللهُ عنهما: إنَّها ليْسَتْ تلك المرأةَ، وإنَّما المرأةُ الَّتي قال فيها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم ذلك، امرأةٌ كانت تُظهِرُ السُّوءَ في الإسلامِ،
أي: تُعلِنُ الفاحشةَ في الإسلامِ، واستُفيضَ عنها ذلك، لكنْ لم تَعترِفْ ولا أُقيمَتْ عليها بَيِّنةٌ بذلك؛ فدَلَّ على أنَّ الحَدَّ لا يجِبُ بالاستفاضةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّه ليْس لأحدٍ أنْ يَحُدَّ شخصًا بغيرِ بيِّنةٍ وإنِ اتُّهِم بفاحشةٍ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم