كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم يُحذِّرُ أصحابَه رَضِي
اللهُ عَنهم الفِتنَ وشرورَ الأزمِنةِ، وما يَحُلُّ بالنَّاسِ من ضَعفٍ في دِينِهم.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ مِن أشراطِ السَّاعةِ"،
أي: عَلاماتِها الَّتي تدُلُّ على اقتِرابِ قِيامِها، "أن يَفْشُوَ المالُ ويَكثُرَ"،
أي: يَزيدَ ويَظهَرَ في أيدي النَّاسِ، "وتَفْشُوَ التِّجارةُ"،
أي: أعمالُ البيعِ والشِّراءِ، "ويظهَرَ العِلمُ"،
أي: يَزدَهِرَ، قيل: والمرادُ بالعِلمِ هنا العِلمُ الدُّنيَويُّ، وقد أَشكَل مَعنى "ويَظهَرَ العِلمُ" في الحديثِ، خاصَّةً أنَّ المتقرِّرَ أنَّ الجهلَ بالشَّرعِ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ؛ فقيل: مَعْنى: "ويَظْهَرَ العِلْمُ"، يَزولُ ويَرتفِعُ،
أي: يَذهَبُ العِلمُ عن وجهِ الأَرْضِ، وفي بعضِ نُسَخِ النَّسائيِّ: "ويَظْهَرَ الجَهْلُ"؛ بِسَببِ اهْتِمامِ النَّاسِ بِأمرِ الدُّنيا، وقيل: المرادُ بالعلمِ: عِلمُ الدُّنيا، كما قال تعالى:
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [
الروم: 7 ]، وقيل: المرادُ بالعلمِ: عِلمُ الكتابةِ والقراءةِ؛ لرِوايَةِ ابنِ أبي عاصِمٍ في الآحادِ والْمَثاني عن عَمرِو بنِ تَغْلِبَ رضي
اللهُ عنه، قال: قال رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "مِن أشراطِ السَّاعةِ أن يَفيضَ المالُ، وتَفْشُوَ التِّجارَةُ، ويَظْهَرَ العِلمُ أو القلَمُ"، وهذا واضحٌ في أحوالِ كثيرٍ مِن النَّاسِ والأُممِ الآنَ؛ يَزيدُ العِلمُ الدُّنيَويُّ عِندَهم، ويَقِلُّ العلمُ الأُخرَويُّ، أو يُكفَرُ ب
اللهِ؛ فيكونُ العِلمُ بلا عمَلٍ غيرَ نافِعٍ في الآخرةِ، وعلى هذا يُحمَلُ ما عِندَ البُخاريِّ مِن حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِي
اللهُ عَنه، أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم قال: "إنَّ مِن أشراطِ السَّاعةِ: أن يُرفَعَ العِلمُ ويَثبُتَ الجَهلُ".
"ويَبيعَ الرَّجلُ البيعَ فيقولَ: لا"،
أي: لا يَعقِدَ البيعَ ويَجزِمَ به، "حتَّى أستَأمِرَ تاجِرَ بَني فلانٍ"،
أي: فيما انتهَت إليه السِّلعةُ مِن ثَمنٍ وسِعرٍ، إشارةً إلى التَّغيُّرِ المستمرِّ، وكذلك حِرْصِ النَّاسِ على الدُّنيا، "ويُلتَمَسَ"،
أي: يُطلَبَ، "في الحيِّ العظيمِ"، إشارةً إلى الأماكِنِ الَّتي يَكثُرُ بها النَّاسُ، "الكاتِبُ"،
أي: الَّذي لا يَطمَعُ في أموالِ النَّاسِ، فيَكتُبَ بينَهم بالحقِّ، "فلا يُوجدَ"،
أي: فلا يَجِدُ أحَدٌ مَن يَكتُبُ له، أو لا يوجَدُ الكاتِبُ الَّذي به صِفةُ العدالةِ والأمانةِ.
وفي الحديثِ: إخبارُ النبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم بالغَيبِ.
وفيه: التَّحذيرُ مِن حِرْصِ النَّاسِ على المالِ.
وفيه: إشارةٌ إلى انتِشارِ العِلمِ الدُّنيَويِّ، الذي يُقابِلُه الجَهلُ بأمورِ الدِّينِ والبُعدُ عن الآخرةِ في آخر الزمان.
وفيه: تحذيرُ التُّجَّارِ مِن الحِرصِ على إفشاءِ الغَلاءِ في السِّلَعِ بما يتَّبِعونه من أساليبَ وحِيَلٍ.
وفيه: بيانُ أنَّ السَّاعةَ تَقومُ وقد نُزِع مِن الدُّنيا الخيرُ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم