شرح حديث كنا وقوفا في مكان تباعده من الموقف فأتانا ابن مربع فقال إني
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحكامَ الحجِّ وسننَه وآدابَه بقولِه وفِعلِه، ونقَل الصَّحابةُ الكِرامُ كلَّ ذلك عنه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ يَزيدُ بنُ شَيْبانَ الأزْديُّ رَضي اللهُ تعالى عنه: "كنَّا وُقوفًا"، والمرادُ أنَّهم كانوا واقِفين بعرَفةَ، "في مَكانٍ تُباعِدُه مِن الموقِفِ"، أي: بعيدٍ مِن موقِفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فأتانا" زيْدُ ابنُ مِرْبَعٍ الأنصاريُّ رَضي اللهُ تعالى عنه، "فقال: إنِّي رسولُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إليكم؛ يقولُ: كونوا على مَشاعِرِكم"، أي: كونوا على مواضِعِ نُسُكِكم، ومَعالِمِ عبادتِكم؛ ومنها الطَّوافُ والوقوفُ بعَرفةَ والحلْقُ والرَّميُ؛ "فإنَّكم على إرثٍ مِن إرْثِ إبراهيمَ" عليه السَّلامُ، وهذا للتَّعليلِ، أي: لأنَّكم مُوافِقون لِما كان عليه إبراهيمُ عليه السَّلامُ، وهو عِلَّةٌ للأمْرِ بالاستِقْرارِ، والثَّباتِ على الوقوفِ في مَواقِفِهم؛ لأنَّهم وَرِثوا ذلك عن الخَليلِ إبراهيمَ، ولم يُخطِئوا في الوقوفِ فيه عن سُنَّتِه؛ فإنَّ عَرفةَ كلَّها موقِفٌ، والواقِفُ فيها بأيِّ جُزْءٍ مِن أجزائِها آتٍ بسُنَّتِه، متَّبِعٌ لطريقَتِه، ولو بَعُدَ ذلك الموقِفُ عن موقِفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإنَّما قال لهم ذلك تَطييبًا لقلوبِهم؛ لئلَّا يَحزَنوا على بُعدِهم عن موقِفِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيَظُنُّوا أنَّ ذلك نقصٌ في حَجِّهم، أو يتَوهَّموا أنَّ ذلك المكانَ ليس موقِفًا يُعتَدُّ به؛ لبُعدِه عن موقِفِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: أنَّ الوقوفَ بعَرفَةَ كان مِن سنَّةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ القديمةِ، غيرَ أنَّ قُريشًا غيَّرَتْها، وبدَّلَتْها، فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فأَحياها.
وفيه: أنَّ عَرفةَ كلَّها موقِفٌ، فمَن وقَف في أيِّ جزْءٍ مِن أجزائِها، فحَجُّه صحيحٌ.
وفيه: بيانُ مَكارِمِ أخلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ حيث جبَر قُلوبَ أصحابِه بأنَّهم على صَوابٍ، وأنَّ بُعدَهم لا يؤثِّرُ في صحَّةِ حجِّهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم