كان التَّابعونَ رحِمَهم
اللهُ يَحرِصونَ على تَحصيلِ الخيرِ والمَنافعِ، ويأخُذونَ العلْمَ والرُّشدَ في ذلك ممَّن صاحَبوه مِن أصحابِ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي هذا الحَديثِ يُخْبِرُ التَّابعيُّ عاصمُ بنُ سُفيانَ الثَّقفيُّ: "أنَّهم"،
أي: هو وأصحابُه، "غَزُوا غزْوةَ السَّلاسلِ"،
أي: خرَجوا لغَزوةٍ تُسمَّى السَّلاسلَ في عهْدِ مُعاويةَ رضِيَ
اللهُ عنه، وهي غيرُ الغَزوةِ الَّتي كانت على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ الَّتي خرَجَ فيها عمرُو بنُ العاصِ سنَةَ ثمانٍ مِن الهجرةِ، وكانت تُسمَّى ذاتَ السَّلاسلِ، والسَّلاسلُ: رمْلٌ ينعقِدُ بعضُه على بعضٍ كالسِّلسلةِ، وقيل: هو ماءٌ بأرضِ جُذامَ، وبه سُمُّيتِ الغزوةُ، "ففاتَهم الغزْوُ"، قيل: لعلَّ فَوتَ الغزوةِ كان بسبَبِ القُصورِ منهم؛ ولهذا تَدارَكَها عاصمٌ بالعمَلِ الصَّالحِ بعدها، "فرابَطوا"،
أي: أقاموا على ثَغرٍ مِن الثُّغورِ الَّتي تُقابِلُ العدُوَّ، قال: "ثمَّ رجَعوا"،
أي: بعدَ أنْ قَضَوا مُدَّةَ رِباطِهم، "إلى مُعاويةَ، وعنده أبو أيُّوبَ وعُقْبةُ بنُ عامِرٍ"، والثَّلاثةُ مِن صحابةِ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال عاصمٌ: يا أبا أيُّوبَ، فاتَنا الغزْوُ العامَّ"،
أي: يتأسَّفُ على فَواتِ الغزْوِ، ويَستنصِحُ أبا أيُّوبَ في إرشادِه إلى أعمالِ الطَّاعةِ الَّتي تُكافِئُ الغزْوَ، "وقد أُخْبِرْنا: أنَّه مَن صلَّى في المساجِدِ الأربعةِ غُفِرَ له ذَنْبُه"، قيل: ولعلَّ المُرادَ بالمساجِدِ: مسجِدُ مكَّةَ، والمدينةِ، ومسجِدُ قُباءٍ، والمسجِدُ الأقْصى، "فقال أبو أيُّوبَ رضِيَ
اللهُ عنه: يا ابنَ أخي"، والمُرادُ: أخوَّةُ الدِّينِ لا النَّسبِ، "ألَا أدُلُّك على أيسَرَ مِن ذلك؟"
أي: أُسَهِّلُ عليك أمْرَك، وأُرْشِدُك وأدُلُّك على ما تريدُ، "إنِّي سمِعْتُ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن توضَّأَ كما أُمِرَ"،
أي: كما أمَرَه
اللهُ ورسولُه مِن استيفاءِ الشُّروطِ والفرائضِ، وأسبَغَ الوُضوءَ، وأتى به على أحسَنِ حالٍ، وهذا يدلُّ على أنَّ الوُضوءَ المَأمورَ به في
القُرآنِ والسُّنَّةِ عِبادةٌ مُستقِلَّةٌ بنفْسِها؛ حيث رُتِّبَ عليه تكفيرُ الذُّنوبِ، والوُضوءُ الخالي مِن النِّيَّةِ لا يُكَفِّرُ شيئًا مِن الذُّنوبِ بالاتِّفاقِ، فلا يكونُ مأمورًا به، ولا تصِحُّ به الصَّلاةُ.
"وصلَّى كما أُمِرَ"،
أي: أدَّى الصَّلاةَ تامَّةَ الأركانِ، مع الخُشوعِ للهِ تعالى، "غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن عمَلٍ"،
أي: مَحَا
اللهُ عنه ذُنوبَه وأعمالَه الفاسدةَ، وهو خاصٌّ بغُفرانِ ما دونَ الكبائرِ.
ثُمَّ قال أبو أيُّوبَ رضِيَ
اللهُ عنه: "أكذلك يا عُقْبةُ"؟ يَستشهِدُ رضِيَ
اللهُ عنه بطلَبِ تأْكيدِ عُقْبةَ له فيما رواه مِن حديثٍ؛ حتَّى يُخْرِجَ ما في قلْبِ عاصمٍ مِن التَّندُّمِ على ما فاتَه، ويُقْبِلَ على ما ينصَحُه به، "فقال عُقْبةُ بنُ عامِرٍ رضِيَ
اللهُ عنه: نعم"،
أي: أنَّ ما ذكَرَه أبو أيُّوبَ قد حدَّثَ به النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على المُحافظةِ على الطَّهارةِ والصَّلاةِ، مع أدائِهما بأحكامِهما الشَّرعيَّةِ.
وفيه: بيانُ فضْلِ
اللهِ على عِبادِه، بإعطائِهم أسبابَ النَّجاةِ والغُفرانِ إذا ما تخلَّفوا عن بعضِ مَواسِمِ الطَّاعاتِ
( )
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم