كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ الحَوْضَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذلكَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كانَ يَوْمًا مِن ذلكَ، وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي، فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَقُلتُ لِلْجَارِيَةِ: اسْتَأْخِرِي عَنِّي، قالَتْ: إنَّما دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ، فَقُلتُ: إنِّي مِنَ النَّاسِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: إنِّي لَكُمْ فَرَطٌ علَى الحَوْضِ، فَإِيَّايَ لا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فيُذَبُّ عَنِّي كما يُذَبُّ البَعِيرُ الضَّالُّ، فأقُولُ: فِيمَ هذا؟ فيُقَالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا.
وفي رِوايَةٍ: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ، أنَّهَا سَمِعَتِ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ علَى المِنْبَرِ، وَهي تَمْتَشِطُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَقالَتْ لِمَاشِطَتِهَا: كُفِّي رَأْسِي.
الراوي : أم سلمة أم المؤمنين | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2295 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
الكَوثرُ والحوْضُ مِن فَضْلِ
اللهِ الَّذي أعطاهُ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ القيامةِ؛ زِيادةً في إكرامِهِ ولُطفِه به وبأُمَّتِه، وسيَشرَبُ منه المُؤمِنون الموحِّدون ب
اللهِ عزَّ وجَلَّ، المتَّبِعون لهَدْيِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ شَربةً لا ظَمَأَ بعْدَها أبدًا.
وفي هذا الحديثِ تَرْوي أمُّ سَلَمَةَ رَضيَ
اللهُ عنها زَوجُ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها كانتْ تَسمَعُ النَّاسَ يَذكُرونَ «
الحوضَ»، وهو مُجتمَعُ الماءِ يُوضَعُ في أرضِ المحْشَرِ يوْمَ القيامةِ، ولم تَسمعْ ذلك مِن رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا كان يومًا والجاريةُ تُسرِّحُ لها شعَرَها؛ إذْ سَمِعَت رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «
أيُّها النَّاسُ» وهو نِداءٌ لهم ليَنتَبِهوا لِما سيَقولُ، فقالت لِلجاريةِ: «
اسْتأْخِري عنِّي» تُريدُها أنْ تَكُفَّ عن تَمِشيطِ شَعرِها؛ لتَسمَعَ ما سَيُقالُ مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي رِوايةٍ: «
كُفِّي رأْسِي»،
أي: اجْمَعيه وضُمِّي شَعري بعْضَه إلى بعضٍ، فقالت لها الجاريةُ: «
إنَّما دَعا الرِّجالَ ولم يدْعُ النِّساءَ» هكذا فَهِمت الجاريةُ، فصَوَّبَت لها أُمُّ سَلَمةَ رَضيَ
اللهُ عنها فقالت: «
إنِّي مِنَ النَّاسِ»؛ لأنَّ لَفْظَ النَّاسِ يَشمَلُ الرِّجالَ والنِّساءَ، فقال صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
إنِّي لكم فَرَطٌ على الحَوضِ»، والفرَطُ: الَّذي يَتقدَّمُ القومَ إلى الماءِ؛ لِيُهيِّئَ لهم ما يَحتاجونَ إليه، والمعنى: إنِّي أتَقدَّمُكم وأسْبِقُكم إليه لِأَسْقِيَكم منه، «
فَإيَّايَ»
أي: احْذَروا واجْتَنِبوا، ألَّا يَأتِينَّ أحدُكم فيُدفْعَ ويُبعَدَ عَنِّي كما يُدفَعُ «
البعيرُ الضَّالُّ» والمعنى: أنَّ أصحابَ الإبلِ إذا وَردُوا المياهَ بِإبِلهمُ ازْدحَمَتِ الإبلُ عند الورودِ، فيكونُ فيها الضَّالُّ والغريبُ، فكلُّ أحدٍ مِن أصحابِ الإبلِ يَدفَعُه عَن إبلِه حتَّى تَشرَبَ إبلُه، فَيكثُرَ ضَارِبُوه ودَافِعوه، وهكذا ستَدفَعُ الملائكةُ بعْضَ النَّاسِ يوْمَ القيامةِ وتُبعِدُهم عن الحوضِ، فيَتَساءَلُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عن سَببِ مَنْعِهم، فَيُقالُ: «
إنَّكَ لا تَدْري ما أَحدَثُوا بعدَك» مِنَ الرِّدَّةِ عَنِ الإسلامِ أوِ المعاصي الَّتي هي سَببُ الحرمانِ مِنَ الشُّربِ مِنَ الحوضِ، فيَقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ ذلكَ: «
سُحقًا»،
أي: بُعْدًا، وهذا يَنْصَرِفُ إلى مَنِ ارْتَدَّ عنِ الإسْلامِ بعدَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، كالَّذين مَنَعوا الزَّكاةَ جَحْدًا لوُجوبِها، وقيل: هُم أصْحابُ المعاصي والكَبائِرِ الَّذين ماتوا على التَّوحيدٍ، وأصحابُ البِدَعِ الَّذين لم يَخْرُجوا ببِدْعَتِهم عنِ الإسْلامِ، وفي هذا تَهديدٌ شَديدٌ لكلِّ مَن أحْدَثَ في الدِّينِ ما لا يَرضاهُ
اللهُ بأنْ يكونَ مِن المطْرودِينَ عن الحوْضِ، ومِن أشدِّ هؤلاءِ المُحْدِثينَ في الدِّينِ: مَن خالَفَ جَماعةَ المُسلِمينَ، كالخَوارجِ والرَّوافضِ وأصْحابِ الأهواءِ، وكذلك الظَّلَمةُ المُسرِفونَ في الجَورِ وطَمْسِ الحقِّ، والمُعلِنون بالكبائِرِ؛ فكلُّ هؤلاء يُخافُ عليهم أنْ يَكونوا ممَّن عُنُوا بهذا الحديثِ.
وفي الحديثِ: بيانُ حالٍ مِن أحوالِ الدَّارِ الآخرةِ.
وفيه: ثُبوتُ الحوضِ.
وفيه: بيانُ مَكانةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ ربِّه.
وفيه: إخبارُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ الغَيبِيَّاتِ.
وفيه: تَحذيرٌ شَديدٌ مِن مُخالَفةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، والابتِداعِ في الدِّينِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم