لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ، وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 5707 | خلاصة حكم المحدث : [ معلق ]
جاءَ الإسلامُ ليَهدِمَ مُعتقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَبنيَ للمُسلمِ العقيدةَ الصَّحيحةَ المبنِيَّةَ على صِحَّةِ التَّوحيدِ، وقوَّةِ اليَقينِ، والابتِعادِ عنِ الأوْهامِ والخَيالاتِ التي تَعبَثُ بالعقولِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
لا عَدْوى»، وهيَ انتِقالُ المرضِ مِن المريضِ إلى غَيرِه.
والمعنى: أنَّها لا تُؤثِّر بطبْعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقدَرِ
اللهِ وتَقديرِه، وكانوا يظُنُّون أنَّ المرضَ بنفْسِه يُعْدِي، فأعلَمَهُم النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم أنَّ
اللهَ عزَّ وجلَّ هو المُتَصرِّفُ في الكَونِ؛ فهو الذي يُمرِضُ ويُنزِلُ الدَّاءَ، ثم أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم أيضًا أنَّه «
لا طِيَرةَ»، وهي التَّشاؤُمُ، وكانَ أهلُ الجاهِليَّةِ إذا خرَجوا لحاجةٍ لهم مِن سَفرٍ أو تجارةٍ، فإذا شَاهدوا الطَّيرَ يَطيرُ عن يَمينِهم استَبشروا به، وإذا طارَ عن يَسارِهم تَشاءَموا بهِ ورَجعوا، فجاء الشَّرعُ بالنَّهيِ عن ذلك؛ إذ ليس له حَقيقةٌ تُعتَقَدُ وتُعتَمَدُ، وإنَّما هو مَحضُ خَيالٍ بتَعاطي ما لا حَقيقةَ ولا أصْلَ له؛ إذ لا نُطْقَ للطَّيرِ ولا تَمييزَ له حتَّى يُستَدَلَّ بفِعْلِه على أمرٍ ما.
وأيضًا يُبطِلُ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم التَّشاؤمَ والتَّطَيُّرَ بالهامَةِ، وأنَّه لا وُجودَ لهذا المُعتقَدِ الجاهِليِّ في ظلِّ الإسلامِ.
والهامَةُ: اسمٌ لطائرٍ يَطيرُ باللَّيلِ كانوا يَتشاءمونَ بهِ، وكانوا يَعتقِدونَ أنَّ رُوحَ القَتيلِ إذا لم يُؤخَذْ بثأرِهِ صارتْ طائرًا يَقولُ: «
اسْقوني اسْقوني»، حتى يُثأرَ له فيَطيرَ، وقيل: هي البُومةُ، كانوا يقولون: إذا سَقَطَت على دارِ أحدِهم وَقَعَت فيها مُصيبةٌ.
ومِنَ المُعتقَداتِ الجاهليَّةِ التي أبطَلَها الإسلامُ، ونصَّ عليها هذا الحديثُ: التَّشاؤمُ بشَهْرِ صَفَرَ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
ولا صَفَرَ»، وهو الشَّهرُ المعروفُ مِن الشُّهورِ القَمريَّةِ، وهو شَهرٌ مِن شُهورِ
اللهِ، يقَعُ فيه الخَيرُ والشَّرُّ، ولا شَيءَ يقَعُ إلَّا بقَدَرِ
اللهِ.
وكانَ العربُ يُؤخِّرونَ تَحريمَ شَهرِ المحرَّمِ، ويَجعلونَهُ في شَهرِ صَفَرَ، فيُبدِلونَ الأشهُرَ الحرُمَ، فثبَّتَ الإسلامُ الأشهُرَ الحرُمَ على حَقيقتِها، ومنَعَ النَّسيءَ.
ثمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: «
وفِرَّ مِن المَجْذومِ»، وهو المُصابُ بمَرضِ الجُذامِ، وهوَ مَرضٌ تَتآكَلُ منه أعضاءُ الإنسانِ، يعني: ابتعِدْ عنه مُحتاطًا لنفسِكَ طالبًا لها السَّلامةَ، «
كما تَفِرُّ من الأسدِ»، وفي النَّهيِ عن القُربِ مِن المجذومِ؛ ليَظهرَ لهم أنَّ هذا مِن الأسبابِ التي أجْرى
اللهُ العادةَ بأنَّها تُفضِي إلى مُسبَّباتِها؛ ففي نَهيهِ إثباتُ الأسبابِ وأنَّها لا تَستقِلُّ بذاتِها، بل
اللهُ هو الذي إنْ شاءَ سَلَبها قُواها فلا تُؤثِّرُ شيئًا، وإنْ شاءَ أبقاها فأثَّرتْ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن التَّشاؤُمِ والتَّطيُّرِ.
وفيه: النَّهيُ عن المُعتقداتِ الجاهِليَّةِ.
وفيه: أنَّ الأسبابَ بيَدِ
اللهِ، وهوَ الذي يُجْريها أو يَسلُبُها تَأثيرَها، فيَنبغي الإيمانُ ب
اللهِ وقُدرتِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم