أمرَ أبي بخزيرةٍ فصُنِعَتْ ثمَّ أمرَني فأتيتُ بِها رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ ما هذا يا جابرُ ألَحمٌ هذا وفي روايةٍ اللَّحمُ هذا ؟ قلتُ : لا ولَكِن أمرَني بخزيرَةٍ فصُنِعتُ وأمرَني فأتيتُكَ بِها فأخذَها ثمَّ أتيتُ أبي فقالَ : هل قال لكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا فأخبرتُهُ فقالَ أبي عسى أن يَكونَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اشتَهَى اللَّحمَ فقامَ إلى داجنٍ لَه فأمرَ بِها فذُبِحَت ثمَّ أمرَ بِها فشُوِيَت لَه ثمَّ أمرَني فأتيتُهُ بِها وَهوَ في مجلِسِهِ وفي روايةٍ في منزلِهِ فقالَ ما هذا ؟ فذَكَرتُ لَه القصَّةَ فقالَ : جزاكُم اللَّهُ يا معشرَ الأنصارِ خيرًا ولا سيَّما عبدَ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ حرامٍ وسعد بنِ عبادةٍ وفي روايةِ لا سيَّما آلَ عمروٍ
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : ابن حجر العسقلاني
| المصدر : الفتوحات الربانية
الصفحة أو الرقم: 5/251 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَعيشُ في المدينةِ بيْنَ الأنصارِ عِيشةَ الوُدِّ والتَّآخي بيْن جميعِ المسلمينَ؛ مِن المهاجرينَ والأنصارِ، وقد قدَّمَت الأنصارُ أروَعَ الأمثلةِ في الكرَمِ والتَّضحيةِ، والبَذْلِ للهِ ولرسولِه، وقد بادَلَهم النَّبيُّ حُبًّا بحُبٍّ، فجعَلَ المُهاجَرَ والمَحْيا والمماتَ بيْنهم.
وفي هذا الحديثِ توضيحُ جانبٍ مِن جوانبِ التَّهادي والبَذلِ مِن الأنصارِ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيث يقولُ جابرُ بنُ عبدِ
اللهِ رضِيَ
اللهُ عنهما: "أمَرَ أبي بخَزِيرةٍ فصُنِعَت"،
أي: أمَرَ أهْلَه بطبْخِ الخزيرةِ، وهي لَحمٌ يُقطَّعُ صِغارًا ويُصَبُّ عليهِ الماءُ الكثيرُ، فإذا نَضِجَ ذُرَّ عليه الدَّقيقُ، فإنْ لم يكُنْ فيها لحمٌ فهي عَصيدةٌ، "ثم أمَرَني، فأتَيتُ بها رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
أي: ذهَبْتُ بها وأحضَرْتُها إلى رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال: ما هذا يا جابرُ؟ ألحمٌ هذا؟ -وفي رِوايةٍ: اللَّحمُ هذا؟-" وهذا الاستفهامُ لمَعرفةِ ما جاء به، وكأنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَشتهي اللَّحمَ، "قلْتُ: لا، ولكنَّ أبي أمَرَ بخَزيرةٍ فصُنِعَت، وأمَرَني فأتَيْتُك بها، فأخَذَها"،
أي: قبِلَها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ هديَّةً مِن عبدِ
اللهِ بنِ حرامٍ، "ثم أتَيتُ أبي، فقال: هلْ قال لك رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا؟" وهذا السُّؤالُ مِن عبدِ
اللهِ بنِ حرامٍ؛ لمَعرفةِ رَدِّ فِعلِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وهلْ قال عن الطَّعامِ شيئًا، أو اشتهى شيئًا آخَرَ؟ "فأخبَرْتُه، فقال أبي: عَسى أنْ يكونَ رسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ اشتَهى اللَّحمَ"، وكأنَّه شعَرَ مِن سُؤالِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: ألَحْمٌ هذا؟ أنَّه يَشتاقُ إلى أكْلِ اللَّحمِ، "فقام إلى داجنٍ له"، وهي الشاةُ مِن الغنَمِ أو الماعزِ التي تألَفُ البيوتَ، "فأمَرَ بها فذُبِحَت، ثم أمَرَ بها فشُوِيَت له، ثم أمَرَني فأتَيتُه بها وهو في مَجلسِه -وفي رِوايةٍ: في مَنزلِه-، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: ما هذا؟ فذكَرْتُ له القصَّةَ" وما كان مِن شأْنِ سُؤالِ عبدِ
اللهِ بنِ حرامٍ، وأنَّه سارَعَ في تَلبيةِ رَغبةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ واشتِهائه اللَّحمَ، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "جَزاكم
اللهُ يا معشرَ الأنصارِ خيرًا"، وهذا دُعاءٌ عامٌّ لكلِّ الأنصارِ، ويُرادُ بهم الأوسُ والخَزْرَجُ، ثم خصَّصَ الدُّعاءَ فقال: "ولا سيَّما عبدُ
اللهِ بنُ عمرِو بنِ حرامٍ وسَعدُ بنُ عُبادةَ" اللَّذينِ كانا دائمًا ما يُهْديانِ إلى النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ الطَّعامَ
وفيه اللَّحمُ وغيرُه، وعبدُ
اللهِ بنُ عمرٍو بنِ حرامٍ رضِيَ
اللهُ عنه قد استُشْهِدَ في أُحدٍ، وسَعدُ بنُ عُبادةَ رضِيَ
اللهُ عنه هو سيِّدُ الخَزْرجِ، وكان أحَدَ النُّقباءِ في بَيعةِ العَقَبةِ، "وفي رِوايةٍ: لا سيَّما آلُ عمْرٍو"؛ لأنَّهم أهلُ الهَديَّةِ المرسَلةِ، وهذا مِن حُسنِ أدَبِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مع مَن أهْدى إليه شيئًا؛ فإنَّه يُكافِئُه بأفضلَ مِن هَديَّتِه؛ بأنْ يَدعُوَ له، وهو مُستجابُ الدَّعوةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ حُبِّ الأنصارِ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وحُبِّ النَّبيِّ لهم.
وفيه: مَنقبةٌ وفَضلٌ لعَبدِ
اللهِ بنِ حَرامٍ وسَعدِ بنِ عُبادةَ
( ).
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم