أتت فاطمةُ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ تسألُهُ خادمًا فقالَ لَها : ما عندي ما أعطيكِ .
فرجَعت فأتاها بعدَ ذلِكَ فقالَ : الَّذي سألتِ أحبُّ إليكِ أو ما هوَ خيرٌ منهُ ؟ فقالَ لَها عليٌّ : قولي لَا بل ما هوَ خيرٌ منهُ فقالَت : فقالَ : قولي : اللَّهمَّ ربَّ السَّماواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ مُنْزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ العظيمِ أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ اقضِ عنَّا الدَّينَ وأغنِنا منَ الفقرِ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3104 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه ابن ماجه ( 3831 )
دُعاءُ
اللهِ تعالى بخُشوعٍ وخُضوعٍ له شأنٌ كبيرٌ؛ وخاصَّةً إذا اشتَمَل على التَّوسُّلِ إلى
اللهِ تبارَك وتعالى، والسُّؤالِ بأسمائِه الحُسْنى الجليلةِ الدَّالَّةِ على كَمالِ صِفاتِه العظيمةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي
اللهُ عَنه: "أتَتْ فاطمةُ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم تَسأَلُه خادِمًا"،
أي: تَطلُبُ مِنه أن يَهَبَها خادِمًا ممَّا أفاء
اللهُ عليه مِن الغنائمِ أو غيرِها يُعينُها في قَضاءِ حَوائجِها، فقال لها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم: "ما عِندي ما أُعطيكِ"، قال أبو هُريرةَ رَضِي
اللهُ عَنه: "فرَجَعَتْ"،
أي: إلى بيتِها، "فأتاها بعدَ ذلك"،
أي: ذهَب إليها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم في وقتٍ لاحِقٍ، فقال: "الَّذي سأَلتِ أحبُّ إليكِ أوْ ما هو خيرٌ منه؟"،
أي: هل طلَبُك للخادِمِ أحَبُّ وأفضَلُ عِندَكِ أم أنَّك تَرْجينَ أن أُرشِدَكِ إلى ما هو أفضَلُ وخيرٌ مِن الخادِمِ؟ "فقال لها علِيٌّ"،
أي: ناصِحًا لها: "قُولي: لا، بل ما هو خيرٌ مِنه"،
أي: اطلُبي منه أن يُرشِدَكِ إلى ما هو أفضلُ مِن الخادِمِ، "فقالَت"،
أي: إنَّها استجابَتْ لنُصحِ زَوجِها عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي
اللهُ عَنه.
فقال لها النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم: "قولي: اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ, وربَّ الأرضِ، وربَّ العرشِ العظيمِ"،
أي: يا خالِقَ هذه الكائناتِ العَظيمةِ ومُبدِعَها، ومُوجِدَها مِن العدَمِ, وخَصَّ ربوبيَّتَه لهذه المخلوقاتِ بالذِّكْرِ؛ لعِظَمِها وكِبَرِها, ولكَثرةِ ما فيها من الآياتِ والدَّلالاتِ الظاهرةِ على كَمالِ خالِقِها وعظَمِة مُبدِعِها.
"ربَّ العرشِ العظيمِ" توَسُّلٌ برُبوبيَّتِه لأعظَمِ المخلوقاتِ، والكُرسيُّ أكبرُ مِن السَّمواتِ والأرضِ كما قال تعالى:
{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } [
البقرة: 255 ]؛ فكيف بعظَمةِ خالقِ الكُرسيِّ ومُوجِدِه ومُبدِعِه؟! "ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ"،
أي: يُعمِّمُ للهِ عزَّ وجلَّ خلْقَه لكلِّ شيءٍ بعدَما خصَّه بخَلقِ أعظَمِ ما في الكونِ، وهذا مِن جميلِ الثَّناءِ على
اللهِ عزَّ وجلَّ، "مُنزِلَ التَّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ العظيمِ"، وفي هذا توسُّلٌ إلى
اللهِ عزَّ وجلَّ بإنزالِه لهذه الكتُبِ العظيمةِ المشتمِلةِ على هدايةِ النَّاسِ وفَلاحِهم، وسَعادتِهم في الدُّنيا والآخِرَةِ، وخَصَّ هذه الكتُبَ الثَّلاثةَ؛ لأنَّها أعظَمُ كُتبٍ أنزَلَها
اللهُ تعالى، وذَكَرها مُرتَّبةً ترتيبًا زمنيًّا، وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ هذه الكتبَ مِن كلامِ
اللهِ، ثمَّ شَرَع في التَّوسُّلِ ببعضِ أسمائِه الحُسنى، وصفاتِه العظيمةِ العُلا، فقال: "اللَّهمَّ أنتَ الأوَّلُ فليس قبلَك شيءٌ"،
أي: القديمُ بلا ابتداءٍ، فيَدُلُّ على أنَّ غيرَه حادِثٌ، "وأنتَ الآخِرُ فليس بعدَك شيءٌ"،
أي: الباقي بلا انتِهاءٍ، بعدَ فَناءِ كلِّ شيءٍ، ويدُلُّ على أنَّه هو الغايةُ الَّتي تتَّجِهُ إليها جميعُ المخلوقاتِ رَغبةً ورهبةً، "الظَّاهِرُ فليس فوقَك شيءٌ"،
أي: أنت العالي فوقَ كلِّ شيءٍ، فلا شيءَ أعلى مِنك، وقيل: أنتَ الظَّاهِرُ فلا ظُهورَ لشيءٍ ولا وجودَ له إلَّا مِن آثارِ ظُهورِك ووُجودِك، وقيل: وليس فوقَك شيءٌ،
أي: لا يَقهَرُك شيءٌ، فليس فوقَك غالِبٌ، "وأنت الباطِنُ فليس دونَك شيءٌ"،
أي: أنت المطَّلِعُ على السَّرائرِ والضَّمائرِ، والخبايا والخفايا، وأنت المحتَجِبُ عن الخلقِ، فلا يَقدِرُ أحدٌ على إدراكِ ذاتِك مع كمالِ ظُهورِك، وقيل: الباطنُ هو العالِمُ بما بطَنَ؛ يُقالُ: بطَنتُ الأمرَ إذا عرَفْتَ باطِنَه، ومع كونِه يَحتجِبُ عن أبصارِ الخلائقِ فليس دونَه ما يَحجِبُه عن إدراكِه شيئًا مِن خلقِه، ومَدارُ هذه الأسماءِ الأربعةِ عَلى بيانِ إحاطةِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى بالزَّمانِ والمكانِ، أمَّا الزَّمانُ فقد دلَّ عليه اسمُه الأوَّلُ والآخِرُ، وأمَّا المكانُ فقد دلَّ عليه اسمُه الظَّاهرُ والباطنُ.
ثم أمَرَها بالطلبِ بعدَ الثناءِ على
اللهِ تعالى والتوسُّلِ، بأنْ تقولَ: "اقْضِ عنَّا الدَّينَ"،
أي: أَدِّ عنَّا الحقوقَ الَّتي بينَنا وبينَك، والحقوقُ الَّتي بينَنا وبينَ عِبادِك، وفي هذا تَبرُّؤُ العبدِ مِن الحولِ والقوَّةِ، وأنَّه لا حولَ له ولا قُوَّةَ له إلَّا ب
اللهِ العظيمِ.
"وأَغْنِنا مِن الفقرِ"، الغِنى: هو عدَمُ الحاجةِ لوجودِ الكفايةِ، والفقرُ: خُلوُّ ذاتِ اليدِ، والفقيرُ مَن وجَد بعضَ كِفايتِه، أو لم يَجِدْ شيئًا، والدَّيْنُ والفقرُ هَمُّهما عَظيمٌ يُصيبُ العبدَ بسَببِهما الهمُّ والحزنُ، وقد يُوقِعانِ الضَّررَ في الدِّينِ والدُّنْيا مِن ذُلِّ السُّؤالِ، والاحتياجِ إلى الخلقِ، والوُقوعِ في المَحذوراتِ الشَّرعيَّةِ مِن الكذبِ والإخلافِ في الوعدِ، والتَّثاقُلِ عن الطَّاعاتِ، وغيرُ ذلك الكثيرُ مِن المذموماتِ.
وفي الحديثِ: بيانُ فَضلِ الدُّعاءِ وأهمِّيَّتِه في رفعِ وتفريجِ الكرُباتِ.
وفيه: بيانُ آدابِ الدُّعاءِ بالبَدءِ بالتَّوسُّلِ بأسماءِ
اللهِ وصفاتِه، ثمَّ طلَبِ الحاجةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم