أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ وهو في قُبَّةٍ له يَومَ بَدْرٍ: أنْشُدُكَ عَهْدَكَ ووَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَومِ أبَدًا.
فأخَذَ أبو بَكْرٍ بيَدِهِ، وقالَ: حَسْبُكَ يا رَسولَ اللَّهِ؛ فقَدْ ألْحَحْتَ علَى رَبِّكَ، وهو في الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وهو يقولُ: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [ القمر: 45، 46 ].
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4877 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
التخريج : من أفراد البخاري على مسلم
وقَعَت غَزوةُ بَدْرٍ الكُبرَى في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ، وهي أوَّلُ مَعرَكةٍ لِلنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم مع مُشْركي مكَّةَ، وكانَتْ فاصِلةً بيْن الإيمانِ والكُفرِ؛ ولذلك سَمَّاها
اللهُ تعالَى يَومَ الفُرقانِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ
اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم كان في قُبَّةٍ له يَومَ غَزوةِ بَدْرٍ، والقُبَّةُ: بَيتٌ صَغيرٌ مِن الخِيامِ، وكلُّ بناءٍ مُدَوَّرٍ، وكان يدعو رَبَّه ويقولُ: «
اللَّهُمَّ إنِّي أنشُدُكَ»
أي: أسألُك «
عَهدَكَ» بِالنَّصرِ لرُسُلِك، «
وَوَعدَكَ» بِإحدى الطَّائِفَتَينِ، كما قال تعالى:
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } [
الأنفال: 7 ]، إِحْدَاهُمَا أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعِيرِ، وَالْأُخْرَى أَبُو جَهْلٍ مَعَ النَّفِيرِ، «
اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ» هَلاكَ المُؤمِنينَ «
لم تُعبَدْ بعْدَ اليَومِ أبَدًا»؛ وذلك لأنَّه لا يبقى من يدعو إلى
اللهِ عزَّ وجَلَّ، وتقوى شوكةُ الباطِلِ.
فَأخَذَ أبو بَكرٍ رضِيَ
اللهُ عنه بيَدِهِ الشَّريفةِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، فَقالَ: «
حَسْبُكَ»
أي: يَكفيكَ ما قُلْتَه «
يا رَسولَ اللَّهِ؛ فقدْ ألحَحْتَ»،
أي: بالَغْتَ وَأطَلْتَ «
عَلى رَبِّك» في الدُّعاءِ.
«
وهو في الدِّرعِ»
أي: حالَ كَونِهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم في دِرعِه؛ لِلمُحافَظةِ على نِيَّةِ المُقاتَلَةِ، والدِّرعُ هو اللِّباسُ والآلةُ التي يُحْتمَى بها في الحرْبِ.
فَخَرَجَ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم وَهوَ يَقولُ:
{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } [
القمر: 45 ]،
أي: سيُفَرَّقُ جَمعُ الكُفَّارِ ويتلاشى، ويديرون ظهورَهم فارِّين منهَزِمين.
ثم بيَّن سُبحانَه أنَّ هزيمةَ المُشرِكين في بَدرٍ ستَعقُبُها هزيمةٌ أشَدُّ منها وأنكى، فقال تعالى:
{ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [
القمر: 46 ]، والمرادُ بالسَّاعةِ يومُ القيامةِ، و
( أَدْهَى ): اسمُ تفضيلٍ من الدَّاهِيةِ، وهي الأمرُ المُنكَرُ الفظيعُ الذي لا يُعرَفُ طَريقٌ للخلاصِ منه.
وقَولُه:
{ وَأَمَرُّ } أي: وأشَدُّ مرارةً وقُبحًا،
أي: ليس هذا الذي يحصُلُ لهم في الدُّنيا من هزائِمَ نهايةَ عُقوباتِهم، بل يومُ القيامةِ هو يومُ نهايةِ وَعيدِهم السَّيِّئِ، ويومُ القيامةِ هو أعظَمُ داهيةٍ، وأشَدُّ مرارةً مِمَّا سيُصيبُهم من عذابٍ دُنيويٍّ.
وفي الحَديثِ: تَأنيسُ مَن استَبطَأَ كَريمَ ما وَعَدَه
اللهُ به، مِن النَّصرِ والبُشرى لهم بِهَزمِ حِزبِ الشَّيطانِ، وَتَذكيرُهم بِما نَبَّهَهُم به مِن كِتابِهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: الإلحاحُ في الدُّعاءِ.
وفيه: قُوَّةُ اليَقينِ والثِّقةِ بِ
اللهِ تعالَى.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم