انطَلَقتُ مع أبي نَحوَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا رأيتُهُ قال لي أبي: هل تَدري مَن هذا؟ قُلتُ: لا.
فقال لي أبي: هذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فاقشَعرَرتُ حين قال ذاك، وكُنتُ أظُنُّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَيئًا لا يُشبِهُ الناسَ، فإذا بَشَرٌ له وَفرةٌ -قال عَفَّانُ في حَديثِه: ذو وَفرةٍ- وبها رَدعٌ مِن حِناءٍ، عليه ثَوْبانِ أخضَرانِ، فسلَّمَ عليه أبي، ثم جلَسْنا فتحَدَّثْنا ساعةً، ثم إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لِأبي: ابنُكَ هذا؟ قال: إيْ ورَبِّ الكَعبةِ.
قال: حَقًّا؟ قال: أشهَدُ به.
فتبَسَّمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضاحِكًا مِن ثَبْتِ شَبَهي بأبي، ومِن حَلِفِ أبي علَيَّ، ثم قال: أما إنَّه لا يَجني عليكَ، ولا تَجني عليه.
قال: وقرَأَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ الزمر: 7 ]، قال: ثم نظَرَ إلى مِثلِ السِّلعةِ بَينَ كَتِفَيْه، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي لَأطَبُّ الرِّجالِ، ألَا أُعالِجُها لكَ؟ قال: لا، طَبيبُها الذي خَلَقَها.
     الراوي :         أبو رمثة |  المحدث :         أحمد شاكر
        |        المصدر :         تخريج المسند لشاكر
        الصفحة أو الرقم: 12/65 |  خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
    مِن عَدْلِ 
اللهِ سُبحانه وتعالى أنَّه يُحاسِبُ كلَّ شخْصٍ بما ارْتَكبَه مِن عملٍ؛ 
{ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [
 الأنعام: 164 ]، بلْ كلُّ نفْسٍ مَرهونَةٌ بما جنَتْ يَداهَا، ولا يَحمِلُ إنسانٌ ذنْبَ غيرِه وإنْ كان أقرَبَ النَّاسِ إليهِ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو رِمْثَةَ البَلَويُّ، واسْمُه رِفاعةُ بنُ يَثْربيٍّ.
وقيل: يَثربيُّ بنُ رِفاعةَ.
وقيل: ابنُ عوفٍ.
وقيل: عُمارةُ بنُ يَثربيٍّ، قال: انطلَقْتُ مع أبي نحوَ رسولِ 
اللهِ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
 أي: ذَهبْنا مُتوجِّهَينِ إلى النَّبيِّ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فلمَّا رأيْتُه، قال لي أبي: هل تَدْري مَنْ هذا؟"
 أي: هل تَعرِفُ شَخصَه؟ "قلْتُ: لا، فقال: لي أبي: هذا رسولُ 
اللهِ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ، فاقْشعرَرْتُ حِينَ قال ذاك"،
 أي: شَعَرْتُ برَعشةٍ واضطرابٍ، "وكنتُ أظُنُّ رسولَ 
اللهِ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا لا يُشبِهُ النَّاسَ، فإذا بشَرٌ له وَفرةٌ"،
 أي: له شَعرٌ كثيفٌ مُتوفِّرٌ يصِلُ إلى الأُذنِ ولا يُجاوِزُها.
"قال عفَّانُ في حَديثِه: ذو وَفرةٍ، وبها رَدْعٌ مِن حِنَّاءٍ"،
 أي: بها أثَرٌ مِن الصَّبغِ بالحِنَّاءِ، وعفَّانُ هو ابنُ مُسلمٍ الصَّفَّارُ أحدُ رُواةِ الحديثِ، "عليه ثَوبانِ أخضرانِ"
 أي: كان يلبَسُ ثوبيْنِ ردَاءً وإزارًا لونُهما أخضرُ، وكان النبيُّ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ يُحبُّ اللونَ الأخضرَ، "فسلَّمَ عليه أبي"
 أي: ألْقَى عليه تَحيةَ السَّلامِ "ثمَّ جلَسْنا، فتَحدَّثْنا ساعةً"
 أي: تحدَّثُوا مع النبيِّ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ الوقتِ.
قال: "ثمَّ إنَّ رسولَ 
اللهِ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأبي: ابنُك هذا؟" يَقصِدُ ابنَه أبا رِمْثةَ الَّذي رآهُ معه، "قال: إي، ورَبِّ الكعبَةِ"،
 أي: نعمْ ورَبِّ الكعبَةِ هو ابْنِي، فقال له النَّبيُّ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ: "حقًّا؟"
 أي: إنَّ ما تَقولُهُ صِدقٌ؟ "قال: أشْهَدُ بهِ"،
 أي: أشهَدُ على ذلك، قال أبو رِمْثةَ رضِيَ 
اللهُ عنه: "فتبَسَّمَ رسولُ 
اللهِ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ ضاحكًا"،
 أي: تعجَّبَ النَّبيُّ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ، وظهَرَ أثَرُ هذا التَّعجُّبِ في تَبسُّمِه صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن ثَبَتِ شَبَهي بأبي"،
 أي: ثُبوتِ قُوَّةِ الشَّبهِ بيْني وبيْن أبي، "ومِن حَلِفِ أبي عليَّ"،
 أي: إنَّ قُوَّةَ هذا الشَّبَهِ تُغني عن الحَلِفِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَا إنَّه لا يَجْني عليك"،
 أي: لا تُؤخَذُ بجِنايتِه، ولا تُعاقَبُ بذَنْبِه، "ولا تَجْني عليهِ"،
 أي: لا يُؤخَذُ بجِنايتِك، ولا يُعاقَبُ بذَنْبِك؛ فإنَّ المُذنِبَ هو الَّذي يُؤخَذُ بما فعَلَ وارتكَبَ مِن جِنايَةٍ، "وقرَأَ رسولُ 
اللهِ صَلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ"،
 أي: تَلا النَّبيُّ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الآيَةَ: 
{ وَلَا تَزِرُ }،
 أي: لا تتَحمَّلُ نفْسٌ، 
{ وَازِرَةٌ }: ارتكبَت إثمًا، 
{ وِزْرَ أُخْرَى }: ذنْبَ نَفْسٍ أُخرى، والمَقصودُ: أنَّه لا يُعاقَبُ شخْصٌ بذَنْبِ غَيرِه، وإنَّما الَّذي يَستحِقُّ العُقوبةَ مَن فعَلَ الذَّنْبَ وارتكَبَ المعصيَةَ.
قال أبو رِمثةَ: "ثمَّ نظَرَ"،
 أي: والدُه، "إلى مِثْلِ السِّلْعةِ بيْن كَتِفَيه"،
 أي: ظنَّ أنَّ خاتَمَ النُّبوَّةِ الَّذي بِظَهرِ النَّبيِّ صلَّى 
اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا مُتعلِّقًا بمَرضٍ، "فقال: يا رَسولَ 
اللهِ، إنِّي لَأَطُبُّ الرِّجالَ"،
 أي: عارِفٌ بالطِّبِّ ومُعالَجةِ الأمراضِ، "ألَا أُعالِجُها لك؟ قال: لا، طَبيبُها الَّذي خلَقَها"،
 أي: إنَّ 
اللهَ عَزَّ وجلَّ هوَ الشَّافي والمُعافِي في الحقيقةِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الشِّفاءَ بيَدِ 
اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَمنَعُ هذا مِن الأخذِ بالأسبابِ وطلَبِ التَّداوي مِن الأمراضِ.
 
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم