الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ جُزءٌ من سَبْعينَ جُزءًا من النُّبوَّةِ، فمَن رَأى خَيرًا، فلْيَحمَدِ اللهَ عليه، ولْيَذكُرْه، ومَن رَأى غيرَ ذلك، فلْيَستَعِذْ باللهِ من شَرِّ رُؤْياه، ولا يَذكُرْها؛ فإنَّها لا تَضُرُّه.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 6215
| خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه مسلم ( 2265 )، والنسائي في ( (السنن الكبرى )) ( 7626 ) مختصراً، وأحمد ( 6215 ) واللفظ له
حثَّ الشَّرعُ الحَنيفُ على التَّفاؤلِ والبِشْرِ، وبيَّن أنَّه لم يَبْقَ مِن النُّبوَّةِ بعدَ انْقِطاعِ الوحْيِ، إلَّا مُبشِّراتٌ تَتمثَّلُ في رُؤًى يَراها المؤمِنون أو تُرَى لهم، فيَستبشِرون بها أو يَحْذَرون.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "الرُّؤيا الصَّالحةُ" وهي ما يَراه العبْدُ الصَّالحُ في مَنامِه أو تُرَى له، وهي صالحةٌ بِاعتِبارِ صُورَتِها، أو بِاعتِبارِ تَعبيرِها؛ وهي الرُّؤيا التي فيها بِشارةٌ بخيرٍ، أو تَحذيرٌ مِن شَرٍّ، أو تَنبيهٌ على أمْرٍ، وهذا مِن فَضْلِه ورَحمتِه، أو مِن إنذارِه وتَبْشيرِه، أو مِن تَنْبيهِهِ وإرشادِهِ؛ حيثُ يُطْلِعُ
اللهُ النَّائمَ فيها على ما يَجهَلُهُ، والرُّؤيا غيرُ الصَّالحةِ تُسمَّى بِالحُلُمِ، وهي مِن الشَّيطانِ، وأمَّا الصَّالحةُ فهي رُؤيا مِنَ
اللهِ.
"جُزءٌ مِن سَبْعينَ جُزءًا مِن النُّبوَّةِ"،
أي: مِن عِلمِ النُّبوَّةِ، والنُّبوَّةُ غيرُ باقيةٍ؛ فقد انقَطَعتْ بمَوتِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكِنَّ عِلمَها باقٍ.
والجُزءُ: النَّصيبُ والقِطعةُ منَ الشَّيءِ، وأمَّا العَددُ -وَهو سَبعونَ- فكأنَّ النُّبوَّةَ قدْ قُسِّمَتْ إلى هذه الأجزاءِ، وجُعِلَتِ الرُّؤى جُزءًا مِن تلك الأجزاءِ، فالرُّؤى للعِبادِ الصَّالحين بمَنزلةِ الوحْيِ الَّذي يُوحِي
اللهُ به إلى أنْبيائِه؛ وذلك في صِدْقِ مَدلولِها، وإنْ كانتْ تَختلِفُ عنها.
وقدْ ورَدَتْ رواياتٌ متعدِّدةٌ يختلفُ فيها عددُ أجزاءِ رُؤيا المؤمِنِ؛ فوردَ أنَّها جُزءٌ مِن سِتَّةٍ وأربَعين جُزءًا، أو مِن خَمسينَ، أو من سَبعينَ، والجمْعُ بيْنها: أنَّها تَختلِفُ باختِلافِ مَراتبِ الأشخاصِ في الكَمالِ والنَّقصِ وما بيْنهما، وذلك أنَّ رؤيا المؤمِنُ تَكونُ بُشْرى بخيرٍ، أو ناهيةً عن شَرٍّ، وليس في هذا إرهاصٌ بادِّعاءِ النُّبوَّةِ، ولكِنْ رَحْمَةٌ مِنَ
اللهِ وبُشْرى أو تحذير لِمَنْ شاءَ مِن عبادِه المؤمنينَ، وكلَّما كان المرءُ أَكْثَرَ إيمانًا وتَقْوى كانَتْ رؤياه أكثرَ صِدقًا وتَحقُّقًا كأنَّها رؤيا نبيٍّ، أو وحيٌ من وحيِ النُّبوَّةِ؛ لأنَّ الرُّؤيا الصَّالحةَ جُزءٌ مِن شَمائلِ الأنبياءِ والمُرسَلينَ وفَضائِلِهم، فمَن اتَّصف بهنَّ واقْتَدَى بِهم فيها، فقدِ اتَّصفَ بما يُوصَف به الأنبياءُ، وكانتْ كَرامةً له مِن
اللهِ تعالى؛ لأنَّ النُّبُوَّة لا تَتجزَّأُ، ولا هي مُكتَسَبةٌ، ولا نُبوَّةَ بعْدَ الرَّسولِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
"فمَن رأى خَيرًا"،
أي: رَأى رُؤيا فيها خَيرٌ وأفرَحَتْه، "فلْيَحمَدِ
اللهِ عليه"،
أي: على فَضْلِه وبُشراهُ، "ولِيَذْكُرَه"،
أي: يَحْكِيَه لِعاقلٍ أو حَبيبٍ؛ لِيُفسِّرَها له؛ وذلك لأنَّهما سَوف يَعبُرانِ الخيرَ ويَكتُمانِ الشَّرَّ؛ لِئلَّا يقَعَ، فهُما في الغالبِ سَوف يُخبِران الرَّائيَ بما يُحِبُّه وبما يَسُرُّه، وإذا كان في الرُّؤيا مَكروهٌ أو شَرٌّ، فسوف يَكتُمانِه، "ومَن رأى غَيرَ ذلك" فرَأى شَرًّا أو ما يَخافُه، "فلْيَستعِذْ ب
اللهِ مِن شَرِّ رُؤياهُ"، وورَدَ أنَّه يَتفِلُ عن شِمالِه ثلاثَ مرَّاتٍ ويَستعيذُ ب
اللهِ، "ولا يَذكُرْها؛ فإنَّها لا تَضُرُّه"؛ وكلَّما كان المرءُ أكْثَرَ إيمانًا وتَقْوى كانَتْ رُؤياه أكثَرَ صِدقًا وتَحقُّقًا.
وقد بيَّنَت رِوايةُ مُسلمٍ أنواعَ الرُّؤيا؛ فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: "والرُّؤيا ثلاثةٌ: فرُؤيا الصَّالحةِ بُشْرى مِن
اللهِ، ورُؤيا تَحزينٌ مِن الشَّيطانِ، ورُؤيا ممَّا يُحدِّثُ المَرْءُ نفْسَه، فإنْ رأى أحَدُكم ما يَكرَهُ فلْيَقُمْ فلْيُصَلِّ، ولا يُحدِّثْ بها النَّاسَ".
وفي الحَديثِ: فضْلُ الرُّؤى الصَّالحةِ، وحَظُّها مِن النُّبوَّةِ.
وفيه: دَلالةٌ عَلى وُجودِ الرُّؤيا الصَّالحةِ الَّتي لا بُدَّ أنْ يَظهرَ لها وُجودٌ في الواقعِ، وأنَّ تَفسيرَها يَقَعُ في اليَقظةِ عَلى حَسَبِ تَعبيرِها.
وفيه: التَّحذيرُ مِن تَعبيرِ رُؤى الشَّرِّ؛ لئلَّا تقَعَ .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم