حديث لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة

أحاديث نبوية | صحيح البخاري | حديث عدي بن حاتم الطائي

«بيْنَا أنَا عِنْدَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ أتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إلَيْهِ الفَاقَةَ، ثُمَّ أتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يا عَدِيُّ، هلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟ قُلتُ: لَمْ أرَهَا، وقدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَالَ: فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ -قُلتُ فِيما بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِي: فأيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قدْ سَعَّرُوا البِلَادَ؟!- ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلتُ: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَئِنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِن ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَن يَقْبَلُهُ منه، فلا يَجِدُ أحَدًا يَقْبَلُهُ منه، ولَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أحَدُكُمْ يَومَ يَلْقَاهُ، وليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ له، فَلَيَقُولَنَّ له: ألَمْ أبْعَثْ إلَيْكَ رَسولًا فيُبَلِّغَكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فيَقولُ: ألَمْ أُعْطِكَ مَالًا وأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فيَقولُ: بَلَى، فَيَنْظُرُ عن يَمِينِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ، ويَنْظُرُ عن يَسَارِهِ فلا يَرَى إلَّا جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقَّةِ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ إلَّا اللَّهَ، وكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَئِنْ طَالَتْ بكُمْ حَيَاةٌ، لَتَرَوُنَّ ما قَالَ النَّبيُّ أبو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ...»

صحيح البخاري
عدي بن حاتم الطائي
البخاري
[صحيح]

صحيح البخاري - رقم الحديث أو الصفحة: 3595 - أخرجه البخاري (3595)، ومسلم (1016)

شرح حديث بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

في هذا الحَديثِ بَيانٌ لأُمورٍ غَيبيَّةٍ أخبَرَ عنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها ستَحدُثُ بعْدَه، فيَرْوي عَديُّ بنُ حاتمٍ الطَّائيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه بيْنَما هو عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذ جاءه رَجلٌ، فشكَا إليه الفاقةَ، وهي الفَقرُ، ثمَّ جاءهُ رَجلٌ آخرُ فشَكا إليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَطْعَ الطَّريقِ من طائفةٍ يَترَصَّدونَ في المَكامنِ لأخْذِ المالِ، أو لغَيرِ ذلك، وهنا سأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَديًّا، فقال: «يا عَديُّ، هلْ رَأَيتَ الحِيرةَ؟» كانت بَلَدَ مُلوكِ العرَبِ الَّذين تحْتَ حُكمِ آلِ فارسَ، وكان مَلِكُهم يومَئذٍ إياسَ بنَ قَبيصةَ الطَّائيَّ، وَليَها مِن تحْتِ يَدِ كِسْرى بعْدَ قَتْلِ النُّعْمانِ بنِ المُنذِرِ، فأجابَ عَديٌّ أنَّه لم يَرَها، ولكنْ قدْ أُخبِرَ عنها، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإنْ طالَتْ بكَ حَياةٌ لتَريَنَّ الظَّعينةَ» -وهي المَرأةُ في الهَودَجِ- «تَرتَحِلُ مِن الحِيرةِ حتَّى تَطوفَ بالكَعبةِ، لا تَخافُ أحدًا إلَّا اللهَ»، وهذا كِنايةٌ عن شدَّةِ الأمنِ في الطُّرقِ والأسْفارِ، فقال عَدِيٌّ -فيما بيْنَه وبيْنَ نفْسِه مُتعجِّبًا-: فأين دُعَّارُ طيِّئٍ؟! والدُّعَّارُ جَمعُ داعرٍ، وهو الخَبيثُ المُفسِدُ، والمُرادُ: قُطَّاعُ الطَّريقِ، أي: كيف تمُرُّ المَرأةُ على قُطَّاعِ الطَّريقِ مِن طيِّئٍ غيرَ خائفةٍ وهم يَقطَعونَ الطَّريقَ على مَن مرَّ عليهم بغَيرِ جِوارٍ وعَهدٍ من أحدِ السَّادةِ ليَحميَه، وقدْ سعَّروا البِلادَ فمَلَؤوها شَرًّا وفَسادًا؟!
ثمَّ زادَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ العَجائبِ فقال: «ولئنْ طالَتْ بكَ حياةٌ لتُفتَحَنَّ كُنوزُ كِسْرى»، فيَغنَمُها المُسلمونَ، فسَأَله عَديٌّ مُستَفهِمًا: هل يَقصِدُ كُنوزَ كِسْرى بنِ هُرمُزَ؟ قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: كِسْرى بنُ هُرمُزَ مَلِكُ الفُرسِ، وإنَّما قال عَديٌّ ذلك؛ لعَظَمةِ كِسْرى وقتَئذٍ.

ثمَّ أخبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما هو أعجَبُ مِن ذلك، فقال: «ولئنْ طالَتْ بكَ حَياةٌ لتَريَنَّ الرَّجلَ يُخرِجُ مِلْءَ كَفِّه مِن ذهَبٍ أو فِضَّةٍ، يَطلُبُ مَن يَقبَلُه منه، فلا يَجِدُ أحدًا يَقبَلُه منه»؛ وذلك لعَدمِ وُجودِ الفُقراءِ حينَئذٍ، قيلَ: وذلك يكونُ في زَمنِ نُزولِ نَبيِّ اللهِ عِيسى عليه السَّلامُ في آخِرِ الزَّمانِ.

ثمَّ أخبَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضٍ مِن أُمورِ الغَيبِ الَّتي سَتقَعُ يومَ القيامةِ، فقال: «وليَلقَيَنَّ اللهَ أحدُكم يومَ يَلْقاه في القيامةِ وليس بيْنَه وبيْنه تَرْجُمانٌ يُتَرجِمُ له»، أي: ليس بيْنه وبيْن اللهِ سُبحانه واسِطةٌ، والتَّرجُمانُ هو ناقِلُ الكَلامِ مِن لُغةٍ إلى لُغةٍ أُخْرى، «فيَقولَنَّ: ألمْ أبعَثْ إليكَ رَسولًا فيُبلِّغَكَ» أوامِري ونَواهيَّ؟ فيَقولُ العبدُ موافِقًا: «بَلى يا ربِّ، فيَقولُ جلَّ وعَلا: ألمْ أُعطِكَ مالًا وأُفضِلْ عليكَ؟» منَ الإفْضالِ، أي: أُحسِنْ إليكَ، أي: أعْطيتُكَ المالَ ومكَّنتُكَ مِن إنْفاقِه والاستِمْتاعِ به، فيَقولُ مُوافِقًا على صحَّةِ كَلامِ ربِّه: «بَلى يا ربِّ»، ثمَّ يَنظُرُ الرَّجلُ عن يَمينِه فلا يَرى إلَّا جَهنَّمَ، ويَنظُرُ عن يَسارِه، فلا يَرى إلَّا جَهنَّمَ؛ لارتِكابِه السَّيِّئاتِ، والظَّاهرُ أنَّ هذا كِنايَةٌ عنِ الإحاطةِ، وأنَّ الخَلاصَ منها ليس إلَّا بالمُرورِ عليها، كما قال تعالَى: { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا } [ مريم: 71، 72 ].
ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المسلمَ أنْ يَجعَلَ بيْنه وبيْن النَّارِ حاجِزًا منَ الصَّدَقةِ، ولو أنْ يَتصدَّقَ بنِصفِ تَمرةٍ، فإنْ لم يَجِدْ ما يَتصدَّقُ به، فلْيَتصدَّقْ بكَلمةٍ طيِّبةٍ تَطِيبُ بها النَّفْسُ، وفيها تَطْييبٌ لقُلوبِ النَّاسِ، وهذا يدُلُّ على أنَّ الكَلمةَ الطَّيِّبةَ صَدَقةٌ، يُتَّقى بها النَّارُ، كما أنَّ الكَلمةَ الخَبيثةَ تُوجِبُ النَّارَ؛ فعلى المُسلِمِ ألَّا يَحتقِرَ مِن الصَّدَقةِ شيئًا، ولو كان قَليلًا؛ فإنَّه يَنفَعُ المُتصدِّقَ، ويَنفَعُ المُتصَدَّقَ عليه.

ثمَّ أخبَرَ عَديٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه رَأى الظَّعينةَ تَرتحِلُ مِن الحِيرةِ حتَّى تَطوفَ بالكَعبةِ، لا تَخافُ إلَّا اللهَ، وأنَّه كان فيمَنِ افتَتَحَ كُنوزَ كِسْرى بنِ هُرمُزَ، وهو تَأكيدٌ على ما صِدقِ ما أخبَرَه به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وأخبَرَ عَديُّ بنُ حاتمٍ رَضيَ اللهُ عنه مَن حَولَه: لئنْ طالتْ بكمْ حَياةٌ لَتَرَوُنَّ ما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبو القاسِمِ، ممَّا لم يقَعْ بعدُ، وهو أنْ يَخرُجَ الرَّجلُ الغَنيُّ بمِلءِ كَفِّه مِن ذهَبٍ أو فضَّةٍ، فلا يَجِدُ مَن يَقبَلُه، وهذا مِن شدَّةِ إيمانِه بأنَّ ما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَيقَعُ مهْما طال الزَّمانُ، حتَّى وإنْ لم يَرَه هو.
وفي الحَديثِ: التَّرْغيبُ في المُبادَرةِ إلى إخْراجِ الزَّكاةِ، وعَدمِ التَّباطؤِ بها، والتَّحْذيرُ منَ التَّسْويفِ في إخْراجِها؛ لأنَّه قد يكونُ التَّأخيرُ سَببًا في عَدمِ وُجودِ مَن يَقبَلُها.
وفيه: مُعجزةٌ ظاهِرةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإخْبارِه عن أُمورٍ غَيْبيَّةٍ.
وفيه: قَبولُ الصَّدَقةِ ولو قلَّتْ.
وفيه: تَركُ احتِقارِ القَليلِ مِن الصَّدَقةِ وغيرِها، وألَّا يَحقِرَ المسلمُ شَيئًا منَ المَعروفِ؛ قَولًا وفِعلًا، وإنْ قلَّ.
وفيه: أنَّهم كانوا يَشْكُونَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يُواجِهُهم في حَياتِهم مِن مَصاعِبَ؛ لِما يَرجُونَ عندَه مِن الفَرَجِ.
وفيه: دَليلٌ على قُربِ النَّارِ مِن أهلِ المَوقِفِ.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
صحيح البخاريأنها حملت بعبد الله بن الزبير قالت فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت
صحيح البخاريعن ابن عباس رضي الله عنهما قال هم أهل الكتاب جزؤوه أجزاء فآمنوا
صحيح البخاريعن سلمان الفارسي أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب سمعت سلمان رضي
صحيح البخاريعن سلمان قال فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ست مئة
صحيح البخاريكنت إلى جنب زيد بن أرقم فقيل له كم غزا النبي صلى الله
صحيح البخاريشهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل
صحيح البخارياستصغرت أنا وابن عمر يوم بدر وكان المهاجرون يوم بدر نيفا على ستين
صحيح البخاريسأل رجل البراء وأنا أسمع قال أشهد علي بدرا قال بارز وظاهر
صحيح البخاريكان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه قال إن كنت لأدخل
صحيح البخاريأن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا
صحيح البخاريعن ابن عباس رضي الله عنهما الذين بدلوا نعمت الله كفرا إبراهيم
صحيح البخاريعن عمرو بن ميمون قال رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Monday, November 25, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب