حاصرْنا تُسْتَرَ فنزَل الهُرْمُزَانُ على حُكمِ عمرَ رضي الله عنه فقدمْتُ به على عمرَ ، فلما انتهينا إليه قال له عمرُ رضي الله عنه : تكلَّمْ ، قال : كلامَ حيٍّ أو كلامَ ميِّتٍ ؟ قال : تكلَّمْ لا بأسَ ، قال : إنا أو إياكم يا معشرَ العربِ ما خلَّى اللهُ بينَنا وبينَكم ، كنا نَتَعبَّدُكم ونقتُلُكم ونغصِبُكم ، فلما كان اللهُ معكم لم يكنْ لنا يدانِ ، فقال عمرُ رضي الله عنه : ما تقولُ ؟ فقلتُ : يا أميرَ المؤمنينَ تركتُ بعدي عدوًّا كثيرًا وشَوْكةً شديدةً ، فإنْ قتلتَه يئِسُ القومُ مِنَ الحياةِ ويكونُ أشدَّ لشوكتِهم ، فقال عمرُ رضي الله عنه : أَستحيي قاتلَ البراءِ بنِ مالكٍ ومَجْزَأةَ بنِ ثَوْرٍ ! فلما خشيتُ أنْ يقتُلَه قلتُ : ليس إلى قتلِه سبيلٌ قد قلتَ له : تكلَّمْ لا بأسَ ، فقال عمرُ رضي الله عنه : ارتشَيْتَ وأصبتَ منه ؟ فقال : واللهِ ما ارتشَيْتُ ولا أصبتُ منه ، قال : لتأتيَنِّي على ما شهدتَ به بغيرِك أو لابُدَّ أنْ تشهدَ بعقوبتِك ، قال : فخرجتُ فلقيتُ الزبيرَ بنَ العوامِ فشهِدَ معي وأمسك عمرُ فأسلم الهُرمزانُ وفرَض له
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : ابن الملقن
| المصدر : البدر المنير
الصفحة أو الرقم: 9/175 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
بَعَثَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ
اللهُ عنه النَّاسَ في نَواحي الأمْصارِ مَن يُقاتِلونَ المُشرِكينَ، ومن ذلك أرْضُ فارِسَ، وقد أَسْلَمَ بعْضُ قادَتِها، ومنهم الهُرْمُزانُ، وَذَلك بَعدَ هَزيمةِ الفُرْسِ وَدُخولِ المُسلِمينَ المَدائِنَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ
اللهُ عنه: "حاصَرْنا تُسْتَرَ" وهي مَدينَةٌ مَشْهورةٌ بخُراسانَ "فَنَزَلَ الهُرْمُزانُ" وهو لَقَبٌ لبَعْضِ أكابِرِ الفُرْسِ، واسْمُه رُسْتُمُ، وقيل: الهُرْمُزانُ مَلِكُ الأهْوازِ أَسْلَمَ وقَتَلَه عُبَيْدُ
اللهِ بنُ عُمَرَ اتِّهامًا أنَّه قاتِلُ أبيهِ أو الآمِرُ به، "علَى حُكْمِ عُمَرَ رضِيَ
اللهُ عنه"،
أي: رَضِيَ بحُكْمِ عُمَرَ فيه، وأَسْلَمَ طائِعًا "فقَدِمْتُ به على عُمَرَ، فلمَّا انْتَهَيْنا إليه، قال له عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه: تَكَلَّمْ، قال: كَلامَ حَيٍّ أو كَلامَ مَيِّتٍ؟"،
أي: أتَكَلَّمُ بكلامِ مَنْ له الأمانُ على حَياتِهِ أمِ المُهدَّدِ بالمَوْتِ، فقال عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه: "تَكَلَّمْ لا بَأْسَ"،
أي: لا خَطَرَ عليك، فَكَانَ ذَلِك عهْدًا وأمانًا من عُمَرَ، رضِيَ
الله تَعالى عَنهُ، قال الهُرْمُزانُ: "إنَّا أو إيَّاكم -يا مَعْشَرَ العَرَبِ- ما خَلَّى
اللهُ بيننا وبينكم، كُنَّا نَتعبَّدُكم"،
أي: نَتَّخِذُكم عبيدًا ونَسْتَذِلُّكم، "ونَقْتُلُكم ونَغْصِبُكم"،
أي: نُكْرِهُكُم، "فلمَّا كان
اللهُ معكم لم يَكُنْ لنا يَدانِ"،
أي: لم يكن لنا قَوَّةٌ أمامَ قُوَّةِ
اللهِ التي أيَّدكم بها، فقال عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه: "ما تقولُ؟" وهذا كلامٌ مُوجَّهٌ من عُمَرَ لأنسِ بنِ مالكٍ، "فقلتُ: يا أميرَ المُؤْمِنينَ تركْتُ بعدي عَدُوًّا كثيرًا وشَوْكَةً شديدةً"،
أي: للعَدُوُّ قُوَّةٌ شديدةٌ "فإنْ قَتَلْتَهُ يَئِسَ القَوْمُ من الحَياةِ، ويكونُ أَشَدَّ لشَوْكَتِهِم" لأنَّهم يَعْلَمون أنَّ حَياتَهُم ومَماتَهُم سَواءٌ " فقال عُمَرُ رضِيَ
اللهُ عنه: أَسْتَحْيِي"،
أي: أَأَتْرُكُهُ حيًّا وهو "قاتِلُ البراءِ بنِ مالكٍ ومَجْزأةَ بنِ ثَوْرٍ!" وكان الهُرْمزانُ قد قَتَلَهُما، والمَقْصِدُ أنَّ عُمَرَ رضِيَ
اللهُ عنه يُريدُ أنْ يَقْتُلَ الهُرْمُزانَ لقَتْلِهِ بعْضَ الصَّحابَةِ، ويُريدُ أنسٌ أنْ يَعْفُوَ عنه لمَصْلَحَةٍ عامَّةٍ، قال أنسٌ رضِيَ
اللهُ عنه: "فلمَّا خَشِيتُ أنْ يَقْتُلَه، قلتُ: ليس إلى قَتْلِهِ سَبيلٌ، قد قلتَ له: تكلَّمْ لا بَأْسَ"،
أي: أنَّ عُمَرَ قد سَبَقَ وأَعْطاهُ الأمانَ، وهو بهذا لا يَحِلُّ قَتْلُه، وكأنَّ عُمَرَ نَسِيَ عَهْدَه للهُرْمُزانِ، فقال عُمَرُ لأنسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: "ارْتَشَيْتَ وأَصَبْتَ منه؟"،
أي: أعْطاكَ الهُرْمُزانُ رِشْوةً منَ المالِ، وأَخَذْتَها لِتُدافِعَ عنه، واتِّهامُ عُمَرَ لِأَنَسٍ بهذا هو من بابِ الاحْتِياطِ والتثبُّتِ، فقال أنسٌ: "و
اللهِ ما ارْتَشَيْتُ ولا أَصَبْتُ منه" فقال له عُمَرُ: "لَتَأْتِيَنِّي على ما شَهِدْتَ به بغيْرِكَ أو لأَبْدَأَنَّ بعُقُوبَتِكَ" طَلَبَ عُمَرُ من أنسٍ مَنْ يَشْهَدُ على ادِّعائِهِ هذا، قال أنسٌ: "فخَرَجْتُ فلَقِيتُ الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ فشَهِدَ معي"، وفي رِوايَةِ ابنِ زَنْجَوَيْهِ في الأموالِ: "فإذا الزُّبَيْرُ بنُ العَوامِ قد حَفِظَ ما حَفِظْتُ"،
أي: كان الزُّبَيْرُ حَضِرَ وسَمِعَ ما قد سَمِعَهُ أنسٌ رضِيَ
اللهُ عنه، "وَأَمْسَكَ عُمَرُ"،
أي: كَفَّ عن عُقُوبَةِ أنسٍ، وعن قَتْلِ الهُرْمُزانِ، "فأَسْلَمَ الهُرْمُزانُ وفُرِضَ له"،
أي: فَرَضَ له عُمَرُ في عَطاءِ المُسْلِمينَ.
وفي الحديثِ: مُشاوَرَةُ مَن كان ممَّن يُظَنُّ عِندَه الرأيُ والمَعرِفَةُ.
وفيه: إعطاءُ الأمانِ لِمَن طلَبَه مِن العَدوِّ، بحَسَبِ تَقديرِ الإمامِ للمَصلحةِ في ذلك .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم