حديث فسأله فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر

أحاديث نبوية | مسند أحمد تحقيق شاكر | حديث أبو بكر الصديق

«أصبَحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يَومٍ، فصَلَّى الغَداةَ، ثمَّ جلَسَ، حتَّى إذا كان مِنَ الضُّحى ضحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ جلَسَ في مكانِه حتَّى صَلَّى الأُولى والعصرَ والمَغرِبَ، كلُّ ذلك لا يَتكلَّمُ، حتَّى صلَّى العِشاءَ الآخِرةَ، ثمَّ قام إلى أهْلِه، فقال النَّاسُ لأبي بَكرٍ: ألَا تَسأَلُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما شأْنُه؟ صنَعَ اليومَ شيئًا لمْ يَصنَعْه قَطُّ. قال: فَسأَلَه، فقال: نعَمْ؛ عُرِضَ عليَّ ما هو كائنٌ مِن أمْرِ الدُّنيا وأمْرِ الآخِرةِ، فجُمِعَ الأوَّلون والآخِرونَ بصَعيدٍ واحدٍ، ففزِعَ النَّاسُ بذلك، حتَّى انطَلَقوا إلى آدَمَ عليه السَّلامُ، والعَرَقُ يَكادُ يُلجِمُهم، فقالوا: يا آدَمُ، أنت أبو البَشَرِ، وأنت اصطَفاكَ اللهُ عزَّ وجلَّ؛ اشفَعْ لنا إلى ربِّكَ، قال: لقد لَقِيتُ مِثْلَ الَّذي لَقِيتُم، انطَلِقوا إلى أبيكُم بعدَ أبيكُم؛ إلى نوحٍ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 33). قال: فيَنطَلِقون إلى نُوحٍ عليه السَّلامُ، فيَقولون: اشفَعْ لنا إلى ربِّكَ؛ فأنت اصطَفاكَ اللهُ، واستَجابَ لك دُعاءَك، ولمْ يَدَعْ على الأرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّارًا، فيقولُ: ليس ذاكُم عِندي، انطَلِقوا إلى إبراهيمَ عليه السَّلامُ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ اتَّخَذَه خَليلًا، فيَنطَلِقون إلى إبراهيمَ، فيَقولُ: ليس ذاكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى مُوسى عليه السَّلامُ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ كلَّمَه تَكليمًا، فيقولُ مُوسى عليه السَّلامُ: ليس ذاكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى عيسى ابنِ مَريمَ؛ فإنَّه يُبرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرصَ، ويُحْيِي المَوتى، فيَقولُ عِيسى: ليس ذاكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى سَيِّدِ ولدِ آدَمَ؛ فإنَّه أوَّلُ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامةِ، انطَلِقوا إلى محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَشفَعَ لكُم إلى ربِّكُم عزَّ وجلَّ. قال: فيَنطلِقُ، فيَأتي جِبريلُ عليه السَّلامُ ربَّه، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ائْذَنْ له وبَشِّرْه بالجنَّةِ. قال: فيَنطلِقُ به جِبريلُ، فيَخِرُّ ساجدًا قَدْرَ جُمُعةٍ، ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ارفَعْ رأْسَكَ يا محمَّدُ، وقُلْ يُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ، قال: فيَرفَعُ رأْسَه، فإذا نظَرَ إلى ربِّه عزَّ وجلَّ خَرَّ ساجدًا قَدْرَ جُمُعةٍ أُخرى، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ارفَعْ رأْسَك، وقُلْ يُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ، قال: فيَذهَبُ لِيَقعَ ساجدًا، فيَأخُذُ جِبريلُ عليه السَّلامُ بضَبْعَيهِ، فيَفتَحُ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه مِنَ الدُّعاءِ شيئًا لمْ يَفتَحْه على بَشَرٍ قطُّ، فيقولُ: أيْ ربِّ، خلَقْتَني سَيِّدَ ولدِ آدَمَ ولا فَخْرَ، وأوَّلَ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامةِ ولا فَخرَ، حتَّى إنَّه لَيَرِدُ عليَّ الحَوضَ أكثَرُ ممَّا بيْن صَنعاءَ وأَيْلةَ. ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقينَ، فيَشفَعون، ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الأنبياءَ، قال: فيَجِيءُ النَّبيُّ ومعه العِصابةُ، والنَّبيُّ ومعه الخمسةُ والسِّتَّةُ، والنَّبيُّ وليس معه أحَدٌ، ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الشُّهداءَ، فيَشفَعون لمَن أَرادوا، وقال: فإذا فعَلَتِ الشُّهداءُ ذلك، قال: فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا أرحَمُ الرَّاحِمينَ، أَدْخِلوا جَنَّتي مَن كان لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، قال: فيَدخُلون الجنَّةَ. قال: ثمَّ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انْظُروا في النَّارِ، هلْ تَلْقَون مِن أَحدٍ عمِلَ خَيرًا قَطُّ؟ قال: فيَجِدون في النَّارِ رجُلًا، فيقولُ له: هلْ عمِلْتَ خَيرًا قَطُّ؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أُسامِحُ النَّاسَ في البَيعِ والشِّراءِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اسْمَحوا لِعَبدي كإسماحِه إلى عَبِيدي. ثمَّ يُخرِجون مِنَ النَّارِ رجُلًا، فيقولُ له: هلْ عمِلْتَ خَيرًا قَطُّ؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي قد أمَرْتُ ولَدِي: إذا مِتُّ فأَحرِقوني بالنَّارِ، ثمَّ اطْحَنوني، حتَّى إذا كنتُ مِثْلَ الكُحلِ فاذْهَبوا بي إلى البحرِ، فأَذْرُوني في الرِّيحِ؛ فواللهِ لا يَقدِرُ عليَّ ربُّ العالَمينَ أبَدًا! فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: لِمَ فعَلْتَ هذا؟ قال: مِن مَخافتِكَ، قال: فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انْظُرْ إلى مُلْكِ أعظَمِ مَلِكٍ، فإنَّ لك مِثْلَه وعَشَرةَ أمثالِه، قال: فيقولُ: لِمَ تَسخَرُ بي وأنت المَلِكُ؟! قال: وذاك الَّذي ضحِكْتُ منه مِنَ الضُّحى.»

مسند أحمد تحقيق شاكر
أبو بكر الصديق
أحمد شاكر
إسناده صحيح

مسند أحمد تحقيق شاكر - رقم الحديث أو الصفحة: 1/29 - أخرجه أحمد (15) واللفظ له، وأبو يعلى (56)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/735).

شرح حديث أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة ثم


كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة

«أَصبَحَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يومٍ فصَلَّى الغَداةَ، ثمَّ جلَسَ، حتَّى إذا كان مِنَ الضُّحى ضَحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ جَلَس مَكانَهُ حتَّى صلَّى الأُولى والعصرَ والمغربَ، كلُّ ذلك ولا يَتكلَّمُ، حتَّى صلَّى العِشاءَ الآخِرةَ، ثمَّ قامَ إلى أهْلِه».
فقال النَّاسُ لأبي بَكرٍ رضيَ اللهُ عنه: سَلْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما شأْنُه؟ صَنَعَ اليَومَ شَيئًا لم يَصنَعْهُ قَطُّ.
قال: فسألَهُ، فقال: "نعَمْ؛ عُرِضَ عليَّ ما هو كائِنٌ مِن أمرِ الدُّنيا والآخِرةِ، فجُمِع الأَوَّلونَ والآخِرونَ بصَعيدٍ واحدٍ، ففَظِعَ النَّاسُ بذلك، حتَّى انطَلَقوا إلى آدَمَ والعَرَقُ يَكادُ يُلجِمُهُم، فقالوا: يا آدَمُ، أنتَ أبو البشرِ، وأنتَ الَّذي اصْطَفاكَ اللهُ، فاشفَعْ لنا إلى ربِّكَ، قال: قد لَقِيتُ مِثلَ الَّذي لَقِيتُم، فانطَلِقوا إلى أَبيكُم بعْدَ أَبيكُم؛ إلى نوحٍ: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ آل عمران: 33 ].
قال: فيَنطلِقونَ إلى نوحٍ، فيَقولونَ: اشفَعْ لنا إلى ربِّكَ تبارَك وتعالى، فأنتَ اصْطَفاكَ اللهُ واستَجابَ لك في دُعائِكَ، ولم يَدَعْ على الأرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّارًا، فيقولُ: ليس ذلِكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى إبراهيمَ؛ فإنَّ إبراهيمَ اتَّخَذَهُ اللهُ خَليلًا.
فيَأْتونَ إبراهيمَ، فيقولُ: ليس ذلِكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى موسَى؛ فإنَّ اللهَ كلَّمَهُ تَكليمًا، فيقولُ موسَى: ليس ذلِكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى عيسى ابنِ مريمَ؛ فإنَّه يُبرِئُ الأَكمَهَ والأَبرصَ ويُحيِي الموْتى، فيقولُ: ليس ذلِكُم عِندي، ولكنِ انطَلِقوا إلى سيِّدِ ولَدِ آدَمَ؛ فإنَّه أوَّلُ مَن تَنشَقُّ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ؛ انطَلِقوا إلى محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلْيَشفَعْ لكُم إلى ربِّكُم تبارَك وتعالى.
فيأتي جِبريلُ علَيهِ السَّلامُ ربَّهُ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ائْذَنْ لهُ، وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ.
قال: فيَنطلِقُ به جِبريلُ علَيهِ السَّلامُ، فيَخِرُّ ساجِدًا قَدْرَ جُمُعةٍ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: يا محمَّدُ، ارفَعْ رأسَكَ، وقُلْ تُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ.
قال: فيَرفَعُ رأسَه، فإذا نَظَر إلى ربِّه عزَّ وجلَّ خَرَّ ساجِدًا قَدْرَ جُمُعةٍ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: يا محمَّدُ، ارفَعْ رأسَكَ، وقُلْ تُسمَعْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ.
فيَذهَبُ لِيَقَعَ ساجِدًا، فيَأخُذُ جِبريلُ علَيهِ السَّلامُ بِضَبْعِه، قال: فيَفتَحُ اللهُ علَيهِ مِنَ الدُّعاءِ شَيئًا لم يَفتَحْهُ على بشَرٍ قَطُّ، قال: فيَقولُ: أيْ رَبِّ، جعَلْتَني سيِّدَ ولَدِ آدَمَ ولا فَخْرَ، وأوَّلَ مَن تَنشَقُّ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ ولا فَخْرَ، حتَّى إنَّه لَيَرِدُ عليَّ الحَوضَ أَكثَرُ ممَّا بيْن صَنْعاءَ وأَيْلةَ.
ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقينَ، فيَشفَعونَ، ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الأنبياءَ، فيَجيءُ النَّبيُّ ومعه العِصابةُ، والنَّبيُّ ومعه الخمسةُ والسِّتَّةُ، والنَّبيُّ وليس معهُ أحَدٌ، ثمَّ يُقالُ: ادْعُوا الشُّهَداءَ، فيَشفَعونَ لِمَنْ أَرادُوا، فإذا فعَلَتِ الشُّهداءُ ذلك يقولُ اللهُ تبارَك وتعالى: أنا أَرحَمُ الرَّاحِمينَ، أَدْخِلوا جَنَّتي مَن كان لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا، قال: فيَدْخُلونَ.
قال: ثمَّ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انظُرُوا في النَّارِ هلْ تَلْقَوْنَ فيها مِن أحَدٍ عمِلَ خَيرًا قَطُّ؟ قال: فيَجِدونَ في النَّارِ رجُلًا، فيُقالُ له: هلْ عمِلْتَ خَيرًا قَطُّ؟ فيقولُ: لا، غيْرَ أنِّي كنتُ أُسامِحُ النَّاسَ في البَيعِ، فيقولُ: أَسمِحُوا لعبْدي كإِسماحِه إلى عِبادي.
ثمَّ يُخرِجونَ مِنَّ النَّارِ رجُلًا آخَرَ، فيُقالُ له: هل عمِلتَ خَيرًا قَطُّ؟ فيقولُ: لا، غيْرَ أنِّي أَمَرْتُ ولَدي إذا مِتُّ فأَحرِقُوني بالنَّارِ، ثمَّ اطْحَنُوني، حتَّى إذا كنتُ مِثلَ الكُحلِ فاذْهَبُوا بي إلى البحرِ، فاذْرُوني في الرِّيحِ، فواللهِ لا يَقدِرُ عليَّ رَبُّ العالَمينَ أبدًا! قال: فقال اللهُ تبارَك وتعالى له: لِمَ فعَلْتَ ذلك؟ قال: مِن مَخافَتِكَ، قال: فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: انظُرُوا إلى مُلْكٍ كان أَعظَمَ مُلْكٍ، كان لك مِثلُه وعشَرةُ أَمثالِه قال: فيقولُ أَتَسْخَرُ بي وأنت المَلِكُ؟! قال: فضَحِكَ اللهُ تبارَك وتعالى، «فذلِك»، أو: «وذاك» الَّذي ضَحِكتُ مِنهُ مِنَ الضُّحَى".

الراوي : أبو بكر الصديق | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج مسند أبي بكر
الصفحة أو الرقم: 15 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد

التخريج : أخرجه أحمد ( 15 )، والبزار ( 76 )، وأبو يعلى ( 56 )



أخبَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببَعضِ أحداثِ يَومِ القِيامةِ، ووَصَفَ ما فيه؛ لِيتَّعِظَ الناسُ، ويَعمَلوا لهذا اليَومِ، وهذا الحَديثُ يُبيِّنُ بَعضًا مِن ذلك؛ حيث يَقولُ الصَّحابيُّ حُذيفةُ بنُ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنه، عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه: "أصبَحَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ فصَلَّى الغَداةَ" وهي صَلاةُ الصُّبحِ، "ثم جَلَسَ" بَعدَ الصَّلاةِ في المَسجِدِ "حتى إذا كان مِنَ الضُّحى" وهو وَقتُ ما بَعدَ شُروقِ الشَّمسِ قَدرَ رُمحٍ إلى قُبَيلِ الظُّهرِ، ويَحدُثُ ذلك بَعدَ 15 دقيقةً إلى 20 دقيقةً مِن بُزوغِ الشَّمسِ، "ضَحِكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم جَلَسَ مَكانَه حتى صَلَّى الأُولى" وهي صَلاةُ الظُّهرِ "والعَصرَ والمَغرِبَ، كُلَّ ذلك ولا يَتكَلَّمُ، حتى صَلَّى العِشاءَ الآخِرةَ" وتَقييدُها بالآخِرةِ تَمييزٌ لها عنِ المَغرِبِ؛ لِأنَّهم كانوا يُطلِقونَ على المَغرِبِ صَلاةَ العِشاءِ.
"ثم قامَ إلى أهلِه" دَخَلَ حُجُراتِ زَوجاتِه، قال حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنه: "فقال الناسُ لِأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: سَلْ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما شأنُه؟ صَنَعَ اليَومَ شَيئًا لم يَصنَعْه قَطُّ" فليس مِن شأنِه وعادَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَجلِسَ على هذا النَّحوِ بالمَسجِدِ، ودونَ أنْ يَتكَلَّمَ مع أحَدٍ، "فسألَه، فقال: نَعَمْ؛ عُرِضَ علَيَّ ما هو كائِنٌ مِن أمْرِ الدُّنيا والآخِرةِ"، يَعني: عَرَضَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عليه وأراه ما يَكونُ مِن أمْرِ الدُّنيا إلى قِيامِ الساعةِ، وما سيَقَعُ في الآخِرةِ يَومَ القِيامةِ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فجُمِعَ الأوَّلونَ والآخِرونَ" والمُرادُ بهمُ: الأُمَمُ السابِقةُ واللَّاحِقةُ، "بصَعيدٍ واحِدٍ" في مَكانٍ واحِدٍ، وعلى أرضٍ واحِدةٍ "ففَظِعَ الناسُ بذلك" فاشتَدَّ عليهم، وهابوا أهوالَه، "حتى انطَلَقوا" ذَهَبوا "إلى آدَمَ، والعَرَقُ يَكادُ يُلجِمُهم" يُغلِقُ أفواهَهم؛ مِن شِدَّةِ الخَوفِ والهَولِ، وذلك أنَّ الشَّمسَ حينها سَتَدنو مِنَ الرُّؤوسِ، "فقالوا: يا آدَمُ، أنتَ أبو البَشَرِ، وأنتَ الذي اصطَفاكَ اللهُ" اختارَكَ لِلخِلافةِ في تَعميرِ الأرضِ "فاشفَعْ لنا إلى رَبِّكَ" ادْعُ اللهَ أنْ يَرحَمَنا، فقال آدَمُ عليه السَّلامُ: "قد لَقيتُ مِثلَ الذي لَقيتُم" شَعَرتُ بالخَوفِ والهَولِ، وفي رِوايةِ الصَّحيحَيْنِ: " فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبِّي قد غَضِبَ اليَومَ غَضَبًا لم يَغضَبْ قَبلَه مِثلَه، ولن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وإنَّه قد نَهاني عنِ الشَّجَرةِ فعَصَيتُه، نَفْسي نَفْسي نَفْسي".
ثم أرشَدَهم فقال: "فانطَلِقوا إلى أبيكم بَعدَ أبيكم؛ إلى نوحٍ: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [ آل عمران: 33 ]" حيث كان نوحٌ هو الأبَ الثانيَ لِلبَشريَّةِ بَعدَ الطُّوفانِ؛ فتَكاثَرَ الخَلقُ مِن ذُرِّيَّتِه مِمَّن كان معه في الفُلكِ "فيَنطَلِقونَ" مُسرِعينَ "إلى نوحٍ، فيَقولونَ: اشفَعْ لنا إلى رَبِّكَ تَبارَكَ وتَعالى، فأنتَ اصطَفاكَ اللهُ" اختارَكَ لِلرِّسالةِ "واستَجابَ لكَ في دُعائِكَ، ولم يَدَعْ على الأرضِ مِنَ الكافِرينَ دَيَّارًا" كما أخبَرَ تَعالى عنه: { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [ نوح: 26 ]، "فيَقولُ: ليس ذلكم عِندي" لستُ أهلًا لِلشَّفاعةِ، وفي الرِّوايةِ المُتَّفَقِ عليها أنَّه عَلَّلَ ذلك بقَولِه: "وإنَّه كانتْ لي دَعوةٌ دَعَوتُ بها على قَومي، اذهَبوا إلى غَيري".
ثم أرشَدَهم فقال: "ولكِنِ انطَلِقوا إلى إبراهيمَ؛ فإنَّ إبراهيمَ اتَّخَذَه اللهُ خَليلًا، فيأتونَ إبراهيمَ، فيَقولُ: ليس ذلكم عِندي" لستُ أهلًا لِلشَّفاعةِ، وفي رِوايةِ الصَّحيحَيْنِ أنَّه عَلَّلَ بأنْ ذَكَرَ كِذباتِه، وهي قَولُه: { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات: 89 ]، والثانيةُ قَولُه: { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } [ الأنبياء: 63 ]، والثالِثةُ: "حينما قال لِلطَّاغيةِ النَّمرودِ عن زَوجَتِه سارةَ: إنَّها أُختُه؛ لِيَحميَ نَفْسَه مِن جَبَروتِ الطاغيةِ وبَطشِه، وهي أُختُه في الإيمانِ، وإنَّما أُطلِقَ الكذِبُ على هذِه الأمورِ؛ لكونِهِ قالَ كلامًا يظُنُّهُ السامِعُ كذبًا لكنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّهُ لم يكنْ كذلِكَ لأنَّهُ مِن المَعاريضِ فليسَ بكذِبٍ مَحضٍ، ثم يَقولُ لهم إبراهيمُ عليه السلامُ: "ولكِنِ انطَلِقوا إلى موسى؛ فإنَّ اللهَ كَلَّمَه تَكليمًا" بلا واسِطةِ كِتابٍ، ومِن غَيرِ حِجابٍ، "فيَقولُ موسى: ليس ذلكم عِندي" وفي رِوايةِ الصَّحيحَيْنِ: "إنِّي قد قَتَلتُ نَفْسًا لم أُؤمَرْ بقَتلِها، نَفْسي نَفْسي نَفْسي، اذهَبوا إلى غَيري"، ثم قال عليه السَّلامُ: "ولكِنِ انطَلِقوا إلى عيسى ابنِ مَريَمَ؛ فإنَّه يُبرِئُ الأكمَهَ والأبرَصَ ويُحيي المَوتى" يَحصُلُ البُرءُ والشِّفاءُ عَقِبَ عِلاجِه، والأكمَهُ: هو الذي وُلِدَ أعمى، والأبرَصُ: مَن وَقَعَ به البَرَصُ، وهو داءٌ مَعروفٌ، وكُلُّ ذلك كانَ مُعجِزةً لِعيسى مع قَومِه، "فيَقولُ: ليس ذلكم عِندي"، وفي رِوايةِ التِّرمِذيِّ مِن حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه عَلَّلَ ذلك بقَولِه: "إنِّي عُبِدتُ مِن دونِ اللهِ" ثم يُرشِدُهم، ويَقولُ: "ولكِنِ انطَلِقوا إلى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ؛ فإنَّه أوَّلُ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ يَومَ القِيامةِ"؛ فهو أوَّلُ مَن يُبعَثُ مِنَ الخَلقِ الذين ماتوا "انطَلِقوا إلى مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فليَشفَعْ لكم إلى رَبِّكم تَبارَكَ وتَعالى" فيَقبَلُ النَّبيُّ مُحمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَشفَعَ لِلناسِ، ثم يَطلُبُ مِن جِبريلَ عليه السَّلامُ أنْ يَستأذِنَ له عِندَ اللهِ سُبحانَه "فيأتي جِبريلُ عليه السَّلامُ رَبَّه" لِيَطلُبَ الإذْنَ لِلنَّبيِّ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ" لِجِبريلَ عليه السَّلامُ: "ائْذَنْ له" لِيَطلُبَ ما أرادَ "وبَشِّرْه بالجَنَّةِ" وأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدخُلُها بفَضلِ اللهِ "قال: فيَنطَلِقُ به جِبريلُ عليه السَّلامُ، فيَخِرُّ ساجِدًا قَدْرَ جُمُعةٍ" يَبقى ساجِدًا للهِ عَزَّ وجَلَّ قَدْرَ أُسبوعٍ مِنَ الزَّمَنِ، وفي الرِّوايةِ المُتَّفَقِ عليها: "فأنطَلِقُ فآتي تَحتَ العَرشِ فأقَعُ ساجِدًا لِرَبِّي، ثم يَفتَحُ اللهُ علَيَّ ويُلهِمُني مِن مَحامِدِه وحُسنِ الثَّناءِ عليه شَيئًا لم يَفتَحْه لِأحَدٍ قَبلي"، فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بَعدَ سُجودِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَمدِه وثَنائِه: "يا مُحمدُ، ارفَعْ رأْسَكَ" مِنَ السُّجودِ، "وقُلْ تُسمَعْ، واشفَعْ تُشفَّعْ" اطلُبْ ما شِئتَ؛ فإنَّكَ مُجابٌ، واطلُبِ الشَّفاعةَ لِمَن شِئتَ؛ فإنَّ شَفاعَتَكَ مَقبولةٌ فيهم، "قال: فيَرفَعُ رأْسَه، فإذا نَظَرَ إلى رَبِّه عَزَّ وجَلَّ خَرَّ ساجِدًا قَدْرَ جُمُعةٍ" تَعظيمًا للهِ، وخُضوعًا لِجَلالِه سُبحانَه "فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: يا مُحمدُ، ارفَعْ رأْسَكَ، وقُلْ تُسمَعْ، واشفَعْ تُشفَّعْ.
فيَذهَبُ لِيَقَعَ ساجِدًا" مَرَّةً ثالِثةً مِن خَشيةِ اللهِ "فيأخُذُ جِبريلُ عليه السَّلامُ بضَبعِه" وهو العَضُدُ، وهو الذِّارعُ مِنَ المِرفَقِ إلى الكَتِفِ، والمَعنى أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ يُمسِكُ بذِراعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِيَرفَعَه ولِيَقِفَ ويَسألَ اللهَ سُبحانَه ما يُريدُه "فيَفتَحُ اللهُ عليه مِنَ الدُّعاءِ شَيئًا لم يَفتَحْه على بَشَرٍ قَطُّ" وهذا مِن فَضلِ اللهِ عليه في الآخِرةِ أيضًا، وأنَّ اللهَ يُلهِمُه ويُلقي في نَفْسِه المَحامِدَ التي يُحِبُّها مِن عِبادِه، فتَكونُ قُربةً إليه سُبحانَه "فيَقولُ: أيْ رَبِّ، جَعَلتَني سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ ولا فَخَرَ"؛ حيث لا مَكانَ ولا وَقتَ لِلفَخرِ بَينَ يَدَيِ اللهِ سُبحانَه، ولكِنَّ هذا مِنَ التَّحدُّثِ بفَضلِ اللهِ ونِعمَتِه بَينَ يَدَيْه سُبحانَه، مع التَّواضُعِ التامِّ بَينَ يَدَيْه، "وأوَّلَ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ يَومَ القيامةِ ولا فَخرَ" فهو أوَّلُ المَحشورينَ مِنَ الناسِ، ثم يُحشَرُ الناسُ على أثَرِه، وهذا مِن كَمالِ عِنايةِ اللهِ به "حتى إنَّه لَيَرِدُ علَيَّ الحَوضَ أكثَرُ مِمَّا بَينَ صَنعاءَ وأيلةَ" فبُعدُ ما بَينَ طَرَفَيْ حَوضي أزيَدُ مِن بُعدِ صَنعاءَ وأيلةَ، وهذا مِن تَقريبِ المَعنى في سَعةِ الحَوضِ يَومَ القيامةِ، وأيلةُ بَلدةٌ في آخِرِ بِلادِ الشامِ مِمَّا يَلي البَحرَ الأحمَرَ، وهي على الساحِلِ، وهي الآنَ خَرابٌ، يَمُرُّ بها الحُجَّاجُ مِن مِصرَ، فتَكونُ عن شِمالِهم، ويَمُرُّ بها الحُجَّاجُ مِن غَزَّةَ وغَيرِها، فتَكونُ أمامَهم، وإليها تُنسَبُ العَقَبةُ المَشهورةُ عِندَ أهلِ مِصرَ، وصَنعاءُ في بِلادِ اليَمَنِ.
وبَعدَ أنْ يَنتَهيَ النَّبيُّ مُحمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الشَّفاعةِ، "يُقالُ: ادعوا الصِّدِّيقينَ" وهمُ الذين كَمُلَ تَصديقُهم بما جاءت به الرُّسُلُ، فعَلِموا الحَقَّ وصَدَّقوه بيَقينِهم، وبالقيامِ به قَولًا وعَمَلًا وحالًا ودَعوةً إلى اللهِ، "فيَشفَعونَ"، أي: فيَشفعُ هؤلاء الصِّدِّيقونَ، "ثم يُقالُ: ادعوا الأنبياءَ، فيَجيءُ النَّبيُّ ومعه العِصابةُ" وهي الجَمعُ القَليلُ مِنَ الناسِ "والنَّبيُّ ومعه الخَمسةُ والسِّتَّةُ، والنَّبيُّ وليس معه أحَدٌ"؛ لأنَّه لم يؤمِنْ به أحَدٌ مِمَّن دعاهم "ثم يُقالُ: ادعوا الشُّهداءَ، فيَشفَعونَ لِمَن أرادوا" والشُّهداءُ همُ الذين قاتَلوا في سَبيلِ اللهِ لِإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ فقُتِلوا، وهؤلاء مِنَ الذين صَلُحَ ظاهِرُهم وباطِنُهم، فصَلَحتْ أعمالُهم، وكُلُّ مَن أطاعَ اللهَ تَعالى كان مع هؤلاء في صُحبَتِهم، وهم أعْلى أهلِ الجَنَّةِ دَرَجاتٍ؛ قال اللهُ تَعالى: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [ النساء: 69 ].
"فإذا فَعَلتِ الشُّهداءُ ذلك" شَفَعوا لِمَن أرادوا، وهنا تَنتَهي شَفاعةُ العِبادِ لِلعِبادِ، وتَبقى شَفاعةُ الرَّحيمِ الرَّحمنِ جلَّ وعلَا! فيَقولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: "أنا أرحَمُ الرَّاحِمينَ، أدخِلوا جَنَّتي مَن كان لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا" وهو كُلُّ مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، مِنَ المُوحِّدينَ العاصينَ الذين ظَلُّوا في النارِ ولم يَشفَعْ لهم أحَدٌ، "فيَدخُلونَ" الجَنَّةَ بشَفاعةِ اللهِ سُبحانَه، "ثم يَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: انظُروا في النارِ، هل تَلقَوْنَ فيها مِن أحَدٍ عَمِلَ خَيرًا قَطُّ؟" وهذا بَيانٌ لِمَدى رَحمَتِه عَزَّ وجَلَّ بعِبادِه، وفيه دَليلٌ على أنَّ الإنسانَ لا يَدخُلُ الجَنَّةَ بعَمَلِه ما لم يَتغَمَّدْه اللهُ تَعالى برَحمَتِه، "فيَجِدونَ في النارِ رَجُلًا، فيُقالُ له: هل عَمِلتَ خَيرًا قَطُّ؟"، أي: فيما مَضى في الدُّنيا "فيَقولُ: لا"، وهذا إقرارٌ منه؛ حيثُ لا يُمكِنُه الإنكارُ والكِتمانُ بأنَّه لم يَعمَلْ خَيرًا في الدُّنيا، ثم يَقولُ: "غَيرَ أنِّي كُنتُ أُسامِحُ الناسَ في البَيعِ" والسَّماحةُ هي: التَّسهيلُ والتَّنازُلُ والتَّغاضي في الأُمورِ، وعَدَمُ الشِّدَّةِ والتَّصلُّبِ في شِرائِه، فلا يَبخَسُ ويُقلِّلُ مِن قيمةِ البِضاعةِ، ويُصِرُّ على ذلك، أو في بَيعِه، فلا يَتشدَّدُ في رَفعِ السِّعرِ ولا يُصِرُّ على ذلك، "فيَقولُ اللهُ سُبحانَه: أسْمِحوا لِعَبدي كإسْماحِه إلى عِبادي" فيُجازيه الرَّحمنُ بمِثلِ مُسامَحَتِه لِلعِبادِ في الدُّنيا.
قال: "ثم يُخرِجونَ مِنَ النارِ رَجُلًا آخَرَ، فيُقالُ له: هل عَمِلتَ خَيرًا قَطُّ؟ فيَقولُ: لا، ثم يَقولُ: "غَيرَ أنِّي أمَرتُ وَلَدي إذا مِتُّ فأحْرِقوني بالنارِ، ثم اطحَنوني"، فاجعَلوا ما بَقيَ بَعدَ الحَرقِ رَمادًا "حتى إذا كُنتُ مِثلَ الكُحلِ فاذهَبوا بي إلى البَحرِ، فاذْروني في الرِّيحِ"، أي: فانثُروا الرَّمادَ في الهَواءِ؛ لِتَتناثَرَ ذَرَّاتُه؛ "فواللهِ لا يَقدِرُ علَيَّ رَبُّ العالَمينَ أبَدًا" وهذا كان ظَنَّه في نَفْسِه من شدة خَوفِه فقَدَ رُشدَه وظنَّ أنَّه تعالى غيرُ قادرٍ على جَمْعِه مرَّةً أُخرَى؛ ولذلك لَمَّا جَمَعَه اللهُ تعالى وقال له: كُن، فإذا هو رجلٌ قائمٌ مرَّةً أُخرى بقُدرتِه سُبحانَه وتعالى، فَسألَه عَنِ الَّذي حمَلَه على فِعلِ ذلك، "فقال اللهُ تَبارَكَ وتَعالى له: لِمَ فَعَلتَ ذلك؟ قال: مِن مَخافَتِكَ"؛ فكان ذلك منه بسَبَبِ خَوفِه وحَيائِه مِن لِقاءِ اللهِ؛ حتى لا يُحاسِبَه على تَقصيرِه في الدُّنيا وعَدَمِ فِعلِه لِلخَيرِ، فرحِمَه عِندَها وتدارَكَتْه رحمةُ ربِّه عند قولِه ذلك، ثم زادَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عليه فضْلَه، فقال: "انظُروا إلى مُلْكٍ كانَ أعظَمَ مُلْكٍ، كان لكَ مِثلُه وعَشَرةُ أمثالِه" وهذا مِن فَضلِ اللهِ على عَبدِه، ومِن شَفاعَتِه لِعَبدِه وإجزالِ العَطاءِ له على الخَوفِ والحَياءِ مِن لِقاءِ اللهِ بالمَعاصي، ودونَ طاعاتٍ "فيَقولُ: أتَسخَرُ بي وأنتَ المَلِكُ؟!" وهذا مِن شِدَّةِ رَحمةِ اللهِ بِعَبدِه وصَبرِه عليه: أنْ يَدَعَه يَقولُ ذلك في حَضرَتِه سُبحانَه، "قال: فضَحِكَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى" وهو ضَحِكٌ يَليقُ بجَلالِه وكَمالِه دونَ تَكييفٍ أو تَشبيهٍ، ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نِهايةِ حَديثِه "فذلك -أو وذاكَ- الذي ضَحِكتُ منه مِنَ الضُّحى" مِن عَرضِ أمْرِ الدُّنيا والآخِرةِ عليه، هو الذي أضحَكَه في وَقتِ الضُّحى مِن أوَّلِ اليَومِ؛ وذلك لِمَا رأى مِنَ الكَرامةِ والفَضلِ عِندَ اللهِ سُبحانَه.
وفي الحَديثِ: بيانُ شِدَّةِ هَولِ المَوقَفِ يَومَ القِيامةِ.
وفيه: إثباتُ الغَضَبِ والضَّحِكِ للهِ عَزَّ وجَلَّ على ما يَليقُ به سُبحانَه.
وفيه: إثباتُ الشَّفاعةِ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ القِيامةِ، وإثباتُ الشفاعةِ للصالِحينَ.
وفيه: فضْلُ الخوفِ مِن اللهِ سُبحانَه، وبيانُ سَعةِ رَحمةِ اللهِ تعالى للخائِفينَ منه.

شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم

قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية


الكتابالحديث
مسند أحمد تحقيق شاكركان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قصير ولا طويل عظيم
مسند أحمد تحقيق شاكرأغلظ رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قال فقال أبو برزة
مسند أحمد تحقيق شاكرسار علي إلى النهروان فقتل الخوارج فقال اطلبوا فإن النبي صلى الله عليه
مسند أحمد تحقيق شاكرإن قوما يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يقرؤن القرآن
تحفة المحتاجرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى
السنن الكبرى للبيهقياستحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمن بن عوف سبع
الاستذكارإن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم
الاستذكاركان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا رفع
مسند أحمد تحقيق شاكرتوضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة فيوضع
تحفة المحتاجأن النبي صلى الله عليه وسلم تحمل عن رجل عشرة دنانير وأنه أتاه
مسند أحمد تحقيق شاكرعن عامر قال حملت شراحة وكان زوجها غائبا فانطلق بها
مسند أحمد تحقيق شاكرثم شهدت علي بن أبي طالب بعد ذلك يوم عيد بدأ


أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة


صحيح البخاري صحيح مسلم
صحيح الجامع صحيح ابن حبان
صحيح النسائي مسند الإمام أحمد
تخريج صحيح ابن حبان تخريج المسند لشاكر
صحيح أبي داود صحيح ابن ماجه
صحيح الترمذي مجمع الزوائد
هداية الرواة تخريج مشكل الآثار
السلسلة الصحيحة صحيح الترغيب
نخب الأفكار الجامع الصغير
صحيح ابن خزيمة الترغيب والترهيب

قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Monday, November 25, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب