جمَعَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ بَني مَرْوانَ حينَ استُخلِفَ، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانتْ له فَدَكُ، فكان يُنفِقُ منها، ويعودُ منها على صغيرِ بَني هاشمٍ، ويُزوِّجُ منها أَيِّمَهُم، وإنَّ فاطمةَ سألتْه أنْ يَجعَلَها لها، فأَبى، فكانتْ كذلك في حياةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتى مضى لسبيلِه، فلمَّا أنْ وُلِّيَ أبو بَكْرٍ، عَمِل فيها بما عَمِل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حياتِه، حتى مضى لسبيلِه، فلمَّا أنْ وُلِّيَ عُمَرُ، عَمِل فيها بمِثلِ ما عَمِلا، حتى مضى لسبيلِه، ثمَّ أُقطِعَها مَرْوانُ، ثمَّ صارتْ لعُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ، ثمَّ قال -يعني عُمَرَ بنَ عبدِ العزيزِ-: فرأيتُ أمرًا منَعَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاطمةَ ليس لي بحقٍّ، وإنِّي أُشهِدُكم أنِّي قد ردَدتُها على ما كانتْ؛ يعني على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : عمر بن عبدالعزيز | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج سنن أبي داود
الصفحة أو الرقم: 2972 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
تفضَّلَ
اللهُ سُبحانَه على نبيِّه محمَّدٍ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى أُمَّتِه بأنْ أَحَلَّ الغَنائِمَ، ولم تَكُنْ حَلالًا في شَريعةِ الأُمَمِ السَّابِقةِ، والغَنائِمُ هي: ما يَحصُلُ عليه المُسلِمونَ مِنَ المُشرِكينَ والكُفَّارِ بَعدَ هَزيمَتِهم في الحَربِ أو الغزوِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ المُغيرةُ بنُ مِقْسَمٍ: "جَمَعَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ بَني مَروانَ حين استُخلِفَ"، وكانَ هو خَليفةَ المُسلِمينَ بَعْدَ الوَليدِ بنِ عَبدِ المَلِكِ، "فقالَ: إنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كانَتْ له فَدَكٌ" وهي قَريةٌ بشِبْهِ الجَزيرةِ في الحِجازِ، وهي تَبعُدُ عن المدينةِ بحوالي 280كم تقريبًا، على شَرْقِ خَيْبَرَ، وتُسَمَّى اليَومَ: الحائِطَ، وكانَتْ مِنَ الصَّفايا التي يَختارُها النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الغَنائِمِ قَبلَ أنْ يَقسِمَ، "فكانَ يُنفِقُ منها"،
أي: قد خَصَّصَها النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لِلنَّفَقةِ على أبناءِ السَّبيلِ، وقَضاءِ حَوائِجِهم، "ويَعودُ منها على صَغيرِ بَني هاشِمٍ"، وهُمْ أهلُهُ وعَشيرَتُهُ؛ فيُحسِنُ منها على صِغارِهم مَرَّةً بَعدَ أُخرى، "ويُزَوِّجُ منها أيِّمَهم" والأيِّمُ: مَن ليس له زَوجٌ، مِن ذَكَرٍ أو أُنثى، "وإنَّ فاطِمةَ" ابنَتَهُ، "سَألَتْهُ أنْ يَجعَلَها لها فأبَى"،
أي: يُخَصِّصَها لها فرَفَضَ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ تَخصيصَها لِفاطِمةَ مِن دونِ المَساكينِ، ومِن دونِ بَني هاشِمٍ، "فكانَتْ كذلك في حياةِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، حتى مَضى لِسَبيلِهِ"، فبَقيَتْ على ما جَعَلَها النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حتى ماتَ، "فَلَمَّا أنْ وَليَ أبو بَكرٍ" الخِلافةَ بَعدَ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ "عَمِلَ فيها" أبو بكرٍ "بما عَمِلَ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في حَياتِهِ حتَّى مَضى لِسَبيلِهِ"، أبْقَى عَمَلَها كما كانتْ في عَهدِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فأنفَقَها على المَساكينِ وفُقَراءِ بَني هاشِمٍ، حتى ماتَ وهي على ذلك، "فلَمَّا أنْ وَليَ عُمَرُ" الخِلافةَ بَعدَ أبي بَكرٍ، "عَمِلَ فيها بمِثلِ ما عَمِلَا، حتى مَضى لِسَبيلِهِ"، فماتَ ولم يُغَيِّرْ، "ثم أقطَعَها مَروانُ"،
أي: جَعَلَها قَطيعةً لِنَفسِهِ وتَوابِعِهِ، والقَطيعةُ: الطَّائِفةُ مِن أرْضِ الخَراجِ يُقطِعُها السُّلطانُ مَن يُريدُ، ومَروانُ هو مَروانُ بنُ الحَكَمِ، جَدُّ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ، وإنَّما أقطَعَها مَروانُ في أيَّامِ حَياةِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وفي نِسبةِ الإقطاعِ إلى مَروانَ تَأدُّبٌ وإشارةٌ إلى أنَّه الحامِلُ لِعُثمانَ على ذلك، ولولا ذلك لَمَا جَمَعَ عُثمانُ لأحَدٍ بَعدَ أنْ مَنَعَها النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن فاطِمةَ.
وكان ذلك مِمَّا عابَه الناسُ على عُثمانَ رَضيَ
اللهُ عنه، وتَعَلَّقوا به عليه، وكان تأويلُهُ في ذلك -و
اللهُ أعلَمُ- ما بَلَغَه عن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قَولِه الذي رَواه أبو داودَ مِن حَديثِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ
اللهُ عنه: "إذا أطعَمَ
اللهُ نَبيًّا طُعمةً، فهي لِلذي يَقومُ مِن بَعدِهِ"، وكانَ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يأكُلُ منها ويُنفِقُ على عِيالِه قُوتَ سَنةٍ، ويَصرِفُ الباقيَ مَصرِفَ الفَيْءِ، فاستَغْنى عُثمانُ عنها بمالِه، فجَعَلَها لأقْرِبائِهِ، ووَصَلَ بها أرحامَهم، "ثم صارَتْ"
أي: الوِلايةُ، أو فَدَكٌ "لعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ"، ثم قال عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزيزِ: "فرَأيتُ أمْرًا مَنَعَهُ رَسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فاطِمةَ ليس لي بِحَقٍّ"؛ فليس لِأحَدٍ فيها استِحقاقٌ، ولو كان خَليفةً، فَضلًا عن غَيرِهِ، "وإنِّي أُشهِدُكم أنِّي قد رَدَدتُها"،
أي: جَعَلتُ فَدَكًا "على ما كانَتْ -
يَعني على عَهدِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ-"، فجَعَلَها في سَبيلِ
اللهِ لِلفُقَراءِ والمَساكينِ وفُقَراءِ بَني هاشِمٍ.
وفي الحَديثِ: أنَّ لِلإمامِ الاجتِهادَ في تَنظيمِ أُمورِ الدَّولةِ في ضَوءِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، واختِيارَ ما فيه مَصلَحةُ الرَّعيَّةِ.
وفيه: مَنقَبةٌ ظاهرةٌ لِعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزيزِ رحِمَه
اللهُ تعالَى.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم