حديث يبيت يعني بالمزدلفة حتى يصبح ثم يصلي صلاة الصبح ثم يقف عند
أحاديث نبوية | صحيح ابن خزيمة | حديث عبدالله بن عمر
«كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا استوَت بِهِ راحلتُهُ عندَ مَسجدِ ذي الحُلَيْفةِ أَهَلَّ... وذَكَرَ الحديثَ، وقالَ: يبيتُ يعني بالمزدلفةِ حتَّى يُصْبِحَ، ثمَّ يصلِّيَ صلاةَ الصُّبحِ، ثمَّ يقِفَ عندَ المشعرِ الحرامِ، ويقفُ النَّاسُ معَهُ يدعونَ اللَّهَ ويذكرونَهُ ويُهَلِّلونَهُ ويمجِّدونَهُ ويعظِّمونَهُ حتَّى يدفعَ إلى منًى»
عبدالله بن عمر
أخرجه في صحيحه
صحيح ابن خزيمة - رقم الحديث أو الصفحة: 4/ 460 -
شرح حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند
كتب الحديث | صحة حديث | الكتب الستة
دَخَلْنَا علَى جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ، فَسَأَلَ عَنِ القَوْمِ حتَّى انْتَهَى إلَيَّ، فَقُلتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، فأهْوَى بيَدِهِ إلى رَأْسِي، فَنَزَعَ زِرِّي الأعْلَى، ثُمَّ نَزَعَ زِرِّي الأسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بيْنَ ثَدْيَيَّ وَأَنَا يَومَئذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقالَ: مَرْحَبًا بكَ يا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ، وَهو أَعْمَى، وَحَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَقَامَ في نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بهَا، كُلَّما وَضَعَهَا علَى مَنْكِبِهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إلَيْهِ؛ مِن صِغَرِهَا، وَرِدَاؤُهُ إلى جَنْبِهِ علَى المِشْجَبِ، فَصَلَّى بنَا، فَقُلتُ: أَخْبِرْنِي عن حَجَّةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ بيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ.
فَخَرَجْنَا معهُ، حتَّى أَتَيْنَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي بَكْرٍ، فأرْسَلَتْ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كيفَ أَصْنَعُ؟ قالَ: اغْتَسِلِي، وَاسْتَثْفِرِي بثَوْبٍ وَأَحْرِمِي.
فَصَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في المَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ، حتَّى إذَا اسْتَوَتْ به نَاقَتُهُ علَى البَيْدَاءِ، نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بيْنَ يَدَيْهِ، مِن رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلكَ، وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعليه يَنْزِلُ القُرْآنُ، وَهو يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ، وَما عَمِلَ به مِن شَيءٍ عَمِلْنَا بهِ.
فَأَهَلَّ بالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لكَ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بهذا الذي يُهِلُّونَ به، فَلَمْ يَرُدَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عليهم شيئًا منه، وَلَزِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ.
قالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: لَسْنَا نَنْوِي إلَّا الحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ العُمْرَةَ، حتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ معهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَام، فَقَرَأَ: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة: 125 ]، فَجَعَلَ المَقَامَ بيْنَهُ وبيْنَ البَيْتِ، فَكانَ أَبِي يقولُ -وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إلَّا عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: كانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَ{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ }.
ثُمَّ رَجَعَ إلى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البَابِ إلى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [ البقرة: 158 ]، أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به، فَبَدَأَ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه، حتَّى رَأَى البَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهو علَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بيْنَ ذلكَ، قالَ مِثْلَ هذا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلى المَرْوَةِ، حتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ في بَطْنِ الوَادِي سَعَى، حتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى، حتَّى أَتَى المَرْوَةَ، فَفَعَلَ علَى المَرْوَةِ كما فَعَلَ علَى الصَّفَا، حتَّى إذَا كانَ آخِرُ طَوَافِهِ علَى المَرْوَةِ، فَقالَ: لو أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهَدْيَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فمَن كانَ مِنكُم ليسَ معهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَلِعَامِنَا هذا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً في الأُخْرَى، وَقالَ: دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ –مَرَّتَيْنِ- لا، بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ.
وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ ببُدْنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ، وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَاكْتَحَلَتْ، فأنْكَرَ ذلكَ عَلَيْهَا، فَقالَتْ: إنَّ أَبِي أَمَرَنِي بهذا، قالَ: فَكانَ عَلِيٌّ يقولُ بالعِرَاقِ: فَذَهَبْتُ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا علَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ، مُسْتَفْتِيًا لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِيما ذَكَرَتْ عنْه، فأخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلكَ عَلَيْهَا، فَقالَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الحَجَّ؟ قالَ: قُلتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بما أَهَلَّ به رَسولُكَ، قالَ: فإنَّ مَعِيَ الهَدْيَ، فلا تَحِلُّ، قالَ: فَكانَ جَمَاعَةُ الهَدْيِ الذي قَدِمَ به عَلِيٌّ مِنَ اليَمَنِ وَالَّذِي أَتَى به النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مِائَةً.
قالَ: فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إلَّا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَمَن كانَ معهُ هَدْيٌ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بالحَجِّ، وَرَكِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَصَلَّى بهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بقُبَّةٍ مِن شَعَرٍ تُضْرَبُ له بنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ كما كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ في الجَاهِلِيَّةِ، فأجَازَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ القُبَّةَ قدْ ضُرِبَتْ له بنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بهَا، حتَّى إذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بالقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ له، فأتَى بَطْنَ الوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقالَ:
إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، أَلَا كُلُّ شَيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِن دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ، كانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا؛ رِبَا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ؛ فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به؛ كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ رَكِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى أَتَى المَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ إلى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ المُشَاةِ بيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حتَّى غَابَ القُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، وَدَفَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، ويقولُ بيَدِهِ اليُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّما أَتَى حَبْلًا مِنَ الحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حتَّى تَصْعَدَ، حتَّى أَتَى المُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بهَا المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بأَذَانٍ وَاحِدٍ وإقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بيْنَهُما شيئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، وَصَلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ له الصُّبْحُ بأَذَانٍ وإقَامَةٍ.
ثُمَّ رَكِبَ القَصْوَاءَ حتَّى أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الفَضْلَ بنَ عَبَّاسٍ، وَكانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَرَّتْ به ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ علَى وَجْهِ الفَضْلِ، فَحَوَّلَ الفَضْلُ وَجْهَهُ إلى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ علَى وَجْهِ الفَضْلِ، يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ، حتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الوُسْطَى الَّتي تَخْرُجُ علَى الجَمْرَةِ الكُبْرَى، حتَّى أَتَى الجَمْرَةَ الَّتي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مع كُلِّ حَصَاةٍ منها، مِثْلِ حَصَى الخَذْفِ، رَمَى مِن بَطْنِ الوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلى المَنْحَرِ، فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ ما غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِن كُلِّ بَدَنَةٍ ببَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ، فأكَلَا مِن لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِن مَرَقِهَا.
ثُمَّ رَكِبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فأفَاضَ إلى البَيْتِ، فَصَلَّى بمَكَّةَ الظُّهْرَ، فأتَى بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، يَسْقُونَ علَى زَمْزَمَ، فَقالَ: انْزِعُوا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ علَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ معكُمْ، فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ منه.
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1218 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
الحجُّ الرُّكنُ الخامسُ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتُؤخَذُ جميعُ أَعمالِه مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكان التَّابعونَ يَذهَبونَ إلى أصْحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَسْألوهم ويَتعلَّموا منهم حديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأفْعالَه وأقْوالَه في العِباداتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ الحُسَينِ المعروفُ بالباقِرِ -وهو من نَسلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه دخَلَ هو وآخَرونَ على جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما، فسأَلَ عنِ الدَّاخِلينَ عليه واحدًا واحدًا، وكان جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه حينَئذٍ أعْمَى؛ حيث عَمِيَ في آخرِ عُمرِه، فلمَّا وصَلَ بالسُّؤالِ إلى محمَّدِ بنِ عليِّ بنِ حُسَينٍ، وقد أعلَمَه باسْمِه، مدَّ يدَه إلى رأسِ محمَّدٍ، فنزَعَ زِرَّه الأعْلى الَّذي يوضَعُ في القَميصِ، ثمَّ نزَعَ زِرَّه الأسْفلَ، أي: أخرَجَه مِن عُرْوتِه ليَكشِفَ صَدرَه عنِ القَميصِ ويضَعَ يدَه عليه؛ لكمالِ الشَّفَقةِ عليه؛ لكَونِه مِن أهْلِ بيتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورحَّبَ به، وفعَلَ جابرٌ معَه ذلك تأْنيسًا له لصِغَرِه، حيث كان محمَّدٌ يومَئذٍ غلامًا شابًّا، وقال له: «مَرحَبًا بكَ يا ابْنَ أَخِي» أرادَ به أُخوَّةَ الدِّينِ لا النَّسبِ، وكلُّ فِعلِ جابرٍ هذا هو من بابِ تَعظيمِ أهْلِ البَيتِ ومَعرفةِ قَدْرِهم، وتَمييزِهم على غيرِهم وإنْزالِهم مَنازلَهمُ اللَّائقةَ بهم.
وطلَبَ منه جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يسأَلَه عمَّا يَشاءُ، فسأَلَه، وجاء وقتُ الصَّلاةِ، فقامَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه في مِلحَفةٍ أو بُردةٍ مَنسوجةٍ، مُلتَفًّا بها، كلَّما وضَعَها على مَنكِبِه -وهو مُجتَمَعُ أوَّلِ الذِّراعِ معَ الكَتِفِ- سقَطَ عن كَتِفِه طرَفاها مِن صِغَرِها، ورِداؤُه -وهو الثَّوبُ الَّذي يستُرُ النِّصفَ الأعْلى منَ الجسَدِ- موضوعٌ إلى جَنبِه على «المِشْجَبِ»، وهو عِيدانٌ أو خَشَباتٌ تُضَمُّ رؤوسُها، ويُفرَّجُ بينَ قَوائمِها توضَعُ عليها الثِّيابُ، فصلَّى بهم جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه إمامًا في تلك الصَّلاةِ الَّتي حضَرَتْ، وبعدَ الصَّلاةِ طلَبَ منه مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ الحُسَينِ أنْ يُخبِرَه عن حَجَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد حجَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مرَّةً واحدةً، وتُسَمَّى حَجَّةَ الوَداعِ، فأشارَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه بيدِه وضمَّ تِسعًا من أصابِعِه، حيث كان العربُ يَستَعمِلونَ الأصابعَ في الحسابِ، فكأنَّه أرادَ عدَّ الأرْقامِ من واحدٍ إلى تسعةٍ، ثُمَّ أخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ظلَّ تِسعَ سِنينَ في المدينةِ بعدَ الهِجرةِ لم يحُجَّ، ثمَّ في السَّنةِ العاشرةِ بعدَ الهجرةِ أمَرَ بالنِّداءِ في النَّاسِ وإعْلامِهم أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ سيَحُجُّ هذا العامَ، وذلك حِرصًا منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يجمَعَ أكبَرَ عددٍ من أصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم؛ ليَتأهَّبوا للحَجِّ معَه، ويَتعلَّموا المناسِكَ والأحْكامَ، ويَشهَدوا أقْوالَه وأفْعالَه، ويُوصيَهم؛ ليُبلِّغَ الشَّاهدُ الغائبَ، وتَشيعَ دعوةُ الإسْلامِ، ولم يَقتصِرِ النِّداءُ على أهلِ المدينةِ، بل تَعدَّى إلى جميعِ أنْحاءِ الأمْصارِ والبُلدانِ، وعلى إثْرِ هذا النِّداءِ، جاء المدينةَ الكثيرُ مِنَ النَّاسِ، كلُّهم يَبتَغي ويُريدُ أنْ يَقتديَ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويعمَلَ مِثلَ عمَلِه في الحجِّ؛ لأنَّه القُدوةُ الحَسَنةُ.
ويُخبِرُ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم خَرَجوا معَه وقدْ بَقِيَت خَمسُ لَيالٍ مِن شَهْرِ ذي القَعْدةِ كما في رِوايةِ النَّسائيِّ، وفي الصَّحيحَينِ من حديثِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه قد خرَجَ منَ المدينةِ نَهارًا بعدَ أنْ صلَّى الظُّهرَ أربعًا بالمدينةِ، وخرَجَ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ، حتَّى نزَلَ بذي الحُلَيفةِ، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ ومَن مرَّ بها مِن غيرِ أهْلِها، وهي قريةٌ بينَها وبينَ المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سَبعةٌ ( 10 كم تقريبًا )، وتُسمَّى اليومَ عندَ العامَّةِ أبيارَ عليٍّ أو آبارَ عليٍّ، وتَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ 420 كيلومترًا.
وفي هذا المكانِ ولَدَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ زوجةُ أبي بَكرٍ الصِّديقِ ابنَها مُحمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهم، فأرسلَتْ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَسألُه: كيف تصنَعُ في إحْرامِها بعدَ أنْ نُفِسَتْ؟ فأمَرَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تَغتسِلَ للنَّظافةِ؛ لأنَّ دمَ النِّفاسِ لا يَنقطِعُ إلَّا بعدَ انقِطاعِ مدَّةِ النِّفاسِ، ولذلك أمَرَها بقَولِه: «وَاسْتَثْفِرِي»، والاسْتِثْفارُ هو جَعلُ ثَوبٍ أو خِرقةٍ على محلِّ الدَّمِ -الفَرْجِ- يمنَعُ من نُزولِ الدَّمِ، وأمَرَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تُحرِمَ بالنِّيَّةِ والتَّلبيةِ، وَالحائضُ والنُّفَساءُ يصِحُّ مِنهما جَميعُ أَفْعالِ الحجِّ إلَّا الطَّوافَ؛ لمَا رَواه النَّسائيُّ وابنُ ماجهْ عن أبي بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «وتصنَعَ ما يصنَعُ النَّاسُ» منَ الذِّكْرِ والتَّلبيةِ، وتقِفَ بمِنًى وعَرَفاتٍ والمُزدَلِفةِ، «إلَّا أنَّها لا تطوفُ بالبيتِ»، أي: لا تَطوفُ بالكَعبةِ المُشرَّفةِ طوافَ الرُّكنِ إلَّا بعدَ أنْ تطهُرَ منَ النِّفاسِ، ثمَّ تَطوفَ.
ثُمَّ صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ركَعتينِ للظُّهرِ، وتلك الصَّلاةُ كانت قبلَ انْصِرافِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ الميقاتِ وبعدَ الإحْرامِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ وُصولِه ذي الحُلَيفةِ صلَّى فيها العَصرَ ركَعَتينِ، ثُمَّ صلَّى فيها المغرِبَ والعِشاءَ والفَجرَ والظُّهرَ، فيكونُ صلَّى فيها خَمسَ صَلَواتٍ، وجلَسَ يومًا وليلةً، ولعلَّ جُلوسَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك المكانِ حتَّى يَتوافَدَ النَّاسُ إليه، وحتَّى يَكونوا على عِلمٍ بصفةِ حَجِّه من بِدايتِه؛ لأنَّ الحجَّ يَبدأُ منَ الميقاتِ حيث يكونُ الإحْرامُ منه.
ثمَّ ركِبَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القَصْواءَ -وهو اسمُ ناقتِه الَّتي يرتَحِلُ عليها- حتَّى إذا اسْتوَتْ -أي وقفَتْ قائمةً- به ناقتُه على «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ هي الصَّحْراءُ لا شَيءَ بها، والمقصودُ بها هنا اسمُ مَوضعٍ مخصوصٍ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، وهو فوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ لِمَن صَعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، يُخبِرُ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه نَظَرَ إلى مُنْتهى بصَرِه بينَ يدَيْه، فإذا النَّاسُ حولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهمُ الراكبُ والماشي، وأمامَه ويمينَه، وشِمالَه وخَلفَه، وكلامُ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه كِنايةٌ عن كَثرةِ النَّاسِ وحُضورِهم، وبيانٌ لمَدى ما عندَهم من حِرصٍ أنْ يَسْتَنُّوا بسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فما فعَلَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَلوه، فهم يُتابِعونَه ويَسيرونَ على نَهجِه، وعلى طَريقتِه، ثُمَّ بيَّنَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّاسَ يَفعَلونَ ذلك لإيمانِهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الَّذي ينزِلُ عليه القرآنُ، فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي يَعلَمُ تَفسيرَه وبيانَ مَعناه ومَقاصِدَه، ومن ذلك أعْمالُ الحجِّ والعُمرةِ.
ثُمَّ أهَلَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورفَعَ صوتَه بكلمةِ التَّوْحيدِ، فقال: «لبَّيْكَ اللَّهمَّ لبَّيْكَ، لبَّيْكَ لا شَريكَ لكَ لبَّيْكَ، إنَّ الحَمدَ والنِّعمةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَريكَ لكَ»، ومَعْناها: أُكرِّرُ إجابَتي لكَ في امتِثالِ أمْرِكَ بالحَجِّ، فأنتَ المُستحِقُّ للشُّكرِ والثَّناءِ؛ لأنَّكَ المُتفَرِّدُ بالكَمالِ المُطلَقِ، ولأنَّكَ المُنعِمُ الحَقيقيُّ، وما مِن نِعمةٍ إلَّا وأنتَ مَصدرُها، وأنتَ المُتفَرِّدُ بالمُلكِ الدَّائمِ، وكُلُّ مُلْكٍ لِغَيرِكَ إلى زَوالٍ.
والحِكمةُ مِنَ التَّلبيةِ: هي التَّنبيهُ على إكْرامِ اللهِ تعالَى لعِبادِه؛ بأنَّ وُفودَهم على بَيتِه إنَّما كان باسْتِدعاءٍ مِنه.
وفي هذا مخالَفةٌ لما كان يقولُه المشرِكونَ في الجاهِليَّةِ في تَلبيتِها من لفظِ الشِّركِ، فكانوا يقولونَ: «لبَّيكَ لا شَريكَ لكَ إلَّا شَريكًا هو لكَ، تملِكُه وما ملَكَ» كما في حَديثِ مُسلمٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما.
قال جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «وأهَلَّ النَّاسُ بهذا الَّذي يُهِلُّونَ به»، يَعني: أنَّهم لم يَلتَزِموا هذه التَّلبيةَ الخاصَّةَ الَّتي لبَّى بها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويوضِّحُ هذا ما رُويَ في الصَّحيحَينِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه: «كان يُلبِّي المُلَبِّي، لا يُنكَرُ عليه، ويُكبِّرُ المكبِّرُ، فلا يُنكَرُ عليه»، وما ورَدَ في مُسلمٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه كان يُلَبِّي بمثلِ تَلبيةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَزيدُ فيها: «لَبَّيكَ لَبَّيكَ، وسَعْديكَ، والخيرُ بيَديكَ لبَّيكَ، والرَّغباءُ إليكَ والعملُ»، وقد ورَدَ غيرُ هذا ممَّا رُويَ عن أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إذ فَهِموا أنَّها ليسَتْ مُتعيِّنةً، ولذلك فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يرُدَّ شيئًا منها، وكان يَسمَعُهم، ولا يُنكِرُ عليهم، وسكوتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إقْرارٌ منه على ما يُلَبُّونَ به.
وأخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَقيَ على تَلْبيتِه ولزِمَها، ثُمَّ قال جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «لَسْنا نَنْوي إلَّا الحجَّ» كان هذا في أوَّلِ الأمرِ، وقتَ خُروجِهم منَ المدينةِ، وإلَّا فقدْ أحرَمَ بعضُهم بالعُمرةِ، أو هو خبرٌ عمَّا كان عليه حالُ غالِبِهم، أو أنَّ المَقصِدَ الأصْليَّ منَ الخروجِ كان الحجَّ، وإنْ نَوى بعضٌ العُمرةَ، ثُمَّ قال جابرٌ: «لَسْنا نعرِفُ العُمرةَ» هذا يَحتمِلُ أنْ يُخبِرَ به عن حالِهم الأوَّلِ قبلَ الإحْرامِ؛ فإنَّهم كانوا يرَوْنَ العُمرةَ في أشهُرِ الحجِّ من أفجَرِ الفُجورِ، فلمَّا كان عندَ الإحْرامِ بيَّنَ لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال كما في الصَّحيحَينِ: «مَن أرادَ أنْ يُهِلَّ بحجٍّ فلْيفعَلْ، ومَن أرادَ أنْ يُهِلَّ بعُمرةٍ فلْيفعَلْ، ومَن أرادَ أنْ يُهِلَّ بحجٍّ وعُمرةٍ فلْيفعَلْ»، فارتفَعَ ذلك الوَهمُ الواقعُ بهم، وظلُّوا كذلك.
فلمَّا حَضَروا إلى مكَّةَ -وكان حُضورُهم صَبيحةَ يومِ الرَّابعِ من ذي الحِجَّةِ- أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه الكَعبةَ، فاستَلَمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّكنَ، ويُقصَدُ به: الحجَرُ الأسودُ، واسْتلامُه يشمَلُ مسحَه وتَقبيلَه، ثُمَّ بدأَ الطَّوافَ بالبيتِ فطافَ بالبيتِ سَبعةَ أشْواطٍ، أسرَعَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المشيَ معَ تَقارُبِ الخُطَى في أوَّلِ ثلاثةِ أشْواطٍ منهم، ومَشى مِشيتَه العاديَّةَ في الأربعةِ الأُخْرى، ويَبدأُ الشَّوطُ من أمامِ الحجَرِ الأسوَدِ ويَنتَهي عندَه.
ثمَّ بعدَ أنْ فرَغَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من طوافِه حولَ الكَعبةِ توجَّهَ إلى مَقامِ إبْراهيمَ، فقرَأَ قولَ اللهِ تعالى: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [ البقرة: 125 ]، أي: اتَّخِذوا أيُّها النَّاسُ مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصلًّى تُصَلُّونَ عِندَه؛ عِبادةً منكم للهِ تَعالى، وتَكْرمةً لإبْراهيمَ عليه السَّلامُ مِنَ اللهِ سُبحانَه، وذلك عَقِبَ الانْتهاءِ مِنَ الطَّوافِ بالكَعبةِ؛ فيَكونُ المَقامُ بيْنَ البَيتِ وبيْنَ المُصلِّي، ومَقامُ إبراهيمَ هو مَوضِعُ قيامِه، وهو الحَجَرُ الَّذي كان يَقِفُ عليه إبراهيمُ عليه السَّلامُ عندَ بِنائِه لِلكَعبةِ، وفيه أثَرُ قَدَمِه عليه السَّلامُ، ومَكانُه مَعروفٌ الآنَ إلى جانبِ الكَعبةِ، فجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَقامَ بينَه وبينَ البيتِ، فصلَّى خلفَ المقامِ، استجابةً لأمرِ اللهِ تعالى.
ويُخبرُ جَعفرُ بنُ محمَّدٍ أنَّ أباه محمَّدًا رَوى عن جابرٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَرأَ في هاتَينِ الرَّكعَتَينِ سورةَ: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } في الرَّكعةِ الأُولى بعدَ الفاتحةِ، وفي الرَّكعةِ الثَّانيةِ سورةَ: { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ }، كما في سُننِ التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ، فالرِّوايةُ هنا ليس مَقصودًا منها الترتيبُ.
ثمَّ رجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ صَلاةِ ركَعتَيِ الطَّوافِ إلى الحجَرِ الأسوَدِ مرةً أُخرى، فاستلَمَه، ثمَّ خرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بابِ بَني مَخزومٍ، وهو الَّذي يُسمَّى بابَ الصَّفا، وخُروجُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه؛ لأنَّه أقرَبُ الأبْوابِ إلى جبَلِ الصَّفا، ولأنَّ الصَّفا والمَروةَ كانَتَا حينَئذٍ خارجَ المسجِدِ، فلمَّا قرُبَ من جبلِ الصَّفا قرَأَ قولَ اللهِ تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [ البقرة: 158 ]، وقال: «أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به» يعني: أنَّ اللهَ تعالى بدأَ بالصَّفا في الذِّكرِ، فنحن نبدأُ بها فعلًا وعَملًا، وسُمِّيَ الصَّفَا؛ لأنَّ حِجارتَه مِنَ الصَّفَا، وهو الحجَرُ الأملَسُ الصُّلْبُ، ويقَعُ في أصلِ جبَلِ أبي قُبَيْسٍ، فبدَأَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَعيِه بالصَّفَا، فصَعِدَ على جبلِ الصَّفا، حتَّى رَأى الكَعبةَ المشرَّفةَ، فاستقبَلَ القِبلةَ، فوَحَّدَ اللهَ، وكبَّرَه، وقال: «لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه» مُنفردًا بالأُلوهيَّةِ، أو مُتوحِّدًا بالذَّاتِ، «لا شريكَ له» في الأُلوهيَّةِ، ولا في الصِّفاتِ، «له المُلْكُ وله الحمدُ»، أي: كلُّ شَيءٍ مِلْكُه، وله التَّصرُّفُ في مُلكِه كيفَ يَشاءُ، وله العَظَمةُ، وله الثَّناءُ الجميلُ والشُّكرُ العَميمُ على نَعمائِه وفَضلِه، «وهو على كلِّ شَيءٍ قديرٌ» لا يُعجِزُه شيءٌ؛ فله سُبحانَه وتعالى القُدرةُ الكاملةُ، «لا إلهَ إلَّا اللهُ وحْدَه، أنْجَزَ وَعْدَه»، أي: وفَّى بما وعَدَه بإظْهارِه عزَّ وجلَّ للدِّينِ، «ونصَرَ عبْدَه» والمرادُ: نصَرَ نَبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نصْرًا عزيزًا، «وهزَمَ الأحْزابَ وحْدَه»، أي: هزَمَهم بغيرِ قتالٍ مِنَ الآدَميِّينَ، ولا بسَببٍ مِن جِهتِهم، والمرادُ بالأحْزابِ: همُ الَّذين تحَزَّبوا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الخَندقِ سنةَ خَمسٍ منَ الهِجرةِ، وقال هذا الذِّكرَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ودَعا بما فتَحَ اللهُ عليه بعدَ كلِّ مرَّةٍ.
ثمَّ نزَلَ ماشيًا إلى المَروةِ، حتَّى إذا انحدَرَتْ قَدَماه واتَّجهَتْ إلى أسفَلَ «في بطنِ الوادي»، والمرادُ به المُنخفَضُ الَّذي بينَ الجبَلَينِ، «سَعى»، أي: أسرَعَ في مِشيتِه، حتَّى إذا ارتفعَتْ قَدَماه واتَّجَهَتْ إلى أعْلى مَشى على عادةِ مَشيِه، حتَّى أتى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصعِدَ جبلَ المرْوةَ، وهو مكانٌ مُرتفِعٌ في أصْلِ جبَلِ قُعَيْقِعَانَ في الشَّمالِ الشَّرقيِّ للمسجدِ الحرامِ، ففعَلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المروةِ مثلَ ما فعَلَ على الصَّفا منِ اسْتقبالِ القِبلةِ، والذِّكرِ والدُّعاءِ، وكان سَعيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ الصَّفا والمرْوةِ سَبعةَ أشْواطٍ؛ منَ الصَّفا إلى المرْوةِ شوطٌ، ومنَ المرْوةِ إلى الصَّفا شوطٌ، فيَبدأُ بالصَّفا ويَنتَهي بالمرْوةِ.
وقد وُضِّحَ وعُلِّمَ الآنَ مكانُ سَعْيِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمصابيحَ خَضراءَ مُعلَّقةٍ في سَقْفِه على طولِ المسافةِ الَّتي كان يَسعَى فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
حتَّى إذا كان في آخِرِ طَوافِه -وهو الشَّوطُ السَّابعُ الَّذي يَنتَهي إلى المرْوةِ- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم: «لو استقبَلْتُ مِن أمْري ما استَدبَرْتُ»، أي: لو عرَفْتُ في أوَّلِ الحالِ ما عرَفْتُ في آخِرِه مِن جَوازِ العُمرةِ في أشهُرِ الحجِّ، ما سُقْتُ الهدْيَ مَعي مِن خارجِ مكَّةَ ولَكُنتُ مُتَمَتِّعًا؛ أرادَ المُخالَفةَ لأهلِ الجاهليَّةِ في اعتقادِهِم وأفْعالِهِم، فوُجودُ الهَديِ مانِعٌ مِن فَسخِ الحَجِّ إلى العُمرةِ والتَّحلُّلِ منها، والأمرُ الَّذي اسْتَدبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو ما حصَلَ لأصْحابِه مِن مَشقَّةِ انفِرادِهم عنه بالفَسخِ، حتَّى إنَّهم تَوقَّفوا وتَردَّدوا وراجَعوه، بخلافِ مَن لم يسُقْ معَه هَديًا، فإنَّه يفسَخُ الحجَّ إلى عُمرةٍ.
وكان هذا القولُ: «لو استقبَلْتُ...» تَطييبًا لأصْحابِه الَّذين أمَرَهم بأنْ يَفسَخوا حجَّهم ويَجْعَلوه عُمرةً؛ لأنَّهم لم يَسوقوا معَه الهَديَ، وهو اسمٌ لكلِّ ما يُهْدَى إلى البَيتِ منَ الأنْعامِ الإبِلِ والبقَرِ والغنَمِ؛ قُربةً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، ودلَّ أيضًا على أنَّ التَّمتُّعَ أفضَلُ منَ القِرانِ والإفْرادِ، وأنَّه في حالةِ سَوْقِ الهَديِ يَبْقى القارنُ والمفرِدُ على إحْرامِه حتَّى يومِ النَّحرِ.
وسأَلَ سُراقةُ بنُ مالكِ بن جُعْشُمٍ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ألعامِنا هذا أم لأَبَدٍ؟»، أي: هل جوازُ فَسخِ الحجِّ إلى العُمرةِ، أو الإتْيانِ بالعُمرةِ في أشهُرِ الحجِّ، أو معَ الحجِّ يختَصُّ بهذه السَّنةِ أمْ للأبدِ؟ فشبَّكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ أصابعِه، وقال: «دخَلَتِ العُمرةُ في الحجِّ»، أي: حلَّتِ العُمرةُ في أشهُرِ الحجِّ، قال ذلك مرَّتَينِ، ثُمَّ قال: «لِأَبَدِ الْأَبَدِ»، فهذا حُكمٌ عامٌّ في مَشروعيَّةِ التَّمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحجِّ في كلِّ الأعْوامِ بدونِ اخْتصاصِ أحدِها.
وأخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه جاء مِنَ اليمَنِ بهَدْيٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أرسَلَه إلى اليَمَنِ قبلَ حَجَّتِه قاضيًا وقابضًا لِلصَّدَقاتِ، فرَجَعَ، وكان قدْ أهَلَّ في الطَّريقِ ونَوَى الدُّخولَ في النُّسُكِ، ولمَّا دخَلَ عليٌّ رَضيَ اللهُ عنه مكَّةَ -وكان لم يَعلَمْ بعدُ بالتَّمتُّعِ الَّذي أمَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحابَه رَضيَ اللهُ عنهم- فوجَدَ زَوجتَه فاطمةَ بنتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّن حَلَّ ولَبِسَتْ ثِيابًا «صَبِيغًا»، أي: مَصبوغًا بما لا يحِلُّ للنِّساءِ لُبْسُه في الإحْرامِ، ووضَعَتِ الكُحلَ بعَينِها، وهذا كلُّه كِنايةٌ عن كاملِ زينَتِها وإحْلالِها منَ الإحْرامِ، فأنكَرَ ذلك عليها؛ ظنًّا أنَّه لا يجوزُ، فأخبَرَتْه أنَّ أباها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو الَّذي أمَرَها بفَسخِ الإحْرامِ، فذهَبَ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «مُحرِّشًا» على فاطمةَ رَضيَ اللهُ عنها، والتَّحريشُ: الإغْراءُ، والمرادُ هنا أنْ يَذكُرَ له ما يَقتَضي عِتابَها للَّذي صنَعَتْ، مُسْتَفتيًا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما ذكَرَتْ عنه، وأنَّه أنكَرَ عليها ما فعَلَتْه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ» يُقِرُّ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بصِدقِ ما أخبَرَتْه به فاطمةُ رَضيَ اللهُ عنها.
ثُمَّ سأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ماذا قُلْتَ حينَ فرَضْتَ الحجَّ؟»، أي: بأيِّ شيءٍ نوَيْتَ حينَ أحرَمْتَ: بحجٍّ، أو عُمرةٍ، أو بهما؟ فأخبَرَه علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال: «اللَّهمَّ إنِّي أُهِلُّ بما أهَلَّ به رَسولُكَ»، أي: أُحرِمُ بما أحرَمَ به رسولُكَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإنَّ مَعي الهَدْيَ» بيانٌ لسَببِ عدَمِ إحْلالِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعليٌّ رَضيَ اللهُ عنه أيضًا ساقَ الهَديَ، فأقرَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على إهْلالِه، وأمَرَه أنْ يَبْقى على إحْرامِه.
ثُمَّ أخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ مجموعَ الهَديِ مِنَ الإبلِ الَّذي جاء به عليٌّ مِنَ اليمَنِ والَّذي أتى به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ المدينةِ؛ مائةٌ.
وقد تحلَّلَ الَّذين لم يَسوقوا الهَديَ اسْتجابةً لأمْرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَصَّروا شَعرَ رأسِهم، وأقاموا مُحِلِّينَ يُباشرونَ أعْمالَهمُ الَّتي حُرِّمتْ عليهم بالإحْرامِ، وقولُه: «وقَصَّروا» معَ أنَّ الحَلقَ أفضَلُ منَ التَّقصيرِ، كما ثبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيلَ في ذلك: حتَّى يَبْقى شَعرٌ إلى نُسكِ الحجِّ يُحلَقُ يومَ النَّحرِ بعدَ رَميِ جَمرةِ العَقَبةِ.
وبَقيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن كان معَه هَدْيٌ، فلم يَتحَلَّلوا من إحْرامِهم، فلمَّا كان يومُ التَّرْويةِ -وهو اليومُ الثَّامنُ مِن ذي الحِجَّةِ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ الماءَ كان قَليلًا بمِنًى، فكانوا يَرْتَوونَ منَ الماءِ ويَحْمِلونَه لِمَا بعدَ ذلك- توجَّهَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه إلى مِنًى، فأمَّا المُتمتِّعونَ فإنَّهم أحْرَموا إحْرامًا جديدًا لحَجِّهم، وأمَّا الَّذين كانوا قارِنينَ -وهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَن معَه هَديٌ- فبَقُوا على إحْرامِهم.
والإهْلالُ يكونُ في المكانِ الَّذي ينزِلُ فيه الإنْسانُ، والصَّحابةُ كانوا نازِلينَ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الأبطَحِ، فأحْرَموا منه، كما في الصَّحيحَينِ.
ومِنًى وادٍ تُحيطُ به الجبالُ، تقَعُ في شَرقِ مكَّةَ، على الطَّريقِ بينَ مكَّةَ وجبلِ عَرَفةَ، وتَبعُدُ عنِ المسجِدِ الحرامِ نحوَ 6 كم تقريبًا، ومِنًى: موضِعٌ من شَعائرِ الحجِّ، ومَبيتُ الحُجَّاجِ في يومِ التَّرويةِ، ويومِ عيدِ الأضْحى وأيامِ التَّشريقِ، وفيها موقِعُ رَميِ الجَمَراتِ، والَّتي تتمُّ بينَ شُروقِ وغروبِ الشَّمسِ في تلك الأيَّامِ منَ الحجِّ ويُذبَحُ فيها الهَديُ.
وأخبَرَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ركِبَ حِينَ طُلوعِ الشَّمسِ مِن يَومِ التَّرويةِ، فصلَّى بمِنًى الظُّهرَ والعَصرَ، وَالمَغْرِبَ والعِشاءَ، والفَجرَ، كلَّ صلاةٍ لوقتِها.
ثمَّ مكَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ أداءِ الفَجرِ قَليلًا حتَّى طلَعَتِ الشَّمسُ، وأمَرَ بضَربِ خَيمةٍ تُصنَعُ له، وهي تُصنَعُ منَ الشَّعرِ، والمرادُ به: شَعرُ الماعِزِ وصوفُ الغنَمِ، «بنَمِرَةَ» قبلَ قُدومِه إلى عرَفةَ، وتقَعُ نَمِرةُ إلى الغربِ من مَشعَرِ عَرَفاتٍ، ويقَعُ جزءٌ من غربِ مسجِدِ نَمِرةَ في وادي عُرَنةَ.
فسارَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابُه مِن مِنًى إلى جبلِ عَرفةَ، وهو جبلٌ خارجَ حدودِ الحرَمِ على الطَّريقِ الَّذي يربِطُ بينَ مكَّةَ والطَّائفِ، حيث يقَعُ شَرقيَّ مكَّةَ بنحوِ 22 كم، وعلى بُعدِ 10 كم من مِنًى، و6 كم من مُزدَلِفةَ، وإجْماليُّ مساحتِه تُقدَّرُ بحوالَيْ 10,4 كم، وكانت قُرَيشٌ لا تشُكُّ في أنَّه سيقِفُ عندَ «المَشعَرِ الحرامِ»، وهو جبلٌ في المُزدَلِفةِ، يُقالُ له: قُزَحُ، ويقَعُ فيه مسجِدِ المَشعَرِ الحرامِ في بدايةِ مُزدَلِفةَ، وكان بعضُ النَّاسِ من قُرَيشٍ يَظنُّونَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان سيفعَلُ كما كانتْ قُرَيشٌ تصنَعُ في الجاهليَّةِ، وفي رِوايةٍ لمسلِمٍ: أنَّ العَربَ في الجاهليَّةِ كان الَّذي يَدفَعُ بهم في الحجِّ رجُلٌ يُقالُ له: "أَبو سيَّارةَ"، وهو رَجلٌ مِن بَني بَجِيلةَ يُدْعى عُمَيرةَ بنَ الأعْلَمِ، يركَبُ على حِمارٍ ليسَ عليهِ بَرْذَعةٌ، وليسَ عليه شيءٌ تحتَ الرَّاكبِ يجلِسُ عليهِ، فيدفَعُ مِنَ المزْدَلِفةِ ولا يَخرُجُ إلى عَرفاتٍ.
فجاوَزَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُزدَلِفةَ ولم يقِفْ بها، بل توجَّهَ إلى عرَفاتٍ مباشرةً، حتَّى قارَبَها ووجَدَ القُبَّةَ قدْ ضُرِبَتْ بنَمِرةَ، فنزَلَ بها، وظلَّ بها، حتَّى إذا مالتِ الشَّمسُ وزالتْ عن كَبِدِ السَّماءِ مِن جانبِ الشَّرقِ إلى جانبِ الغربِ، أمَرَ بإحْضارِ ناقَتِه القَصْواءِ، فشُدَّ على ظَهرِها الرَّحْلُ ليركَبَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فركِبَها، فأَتى بطنَ الوادي، وهو وادي عُرَنةَ، وهو أحدُ أوْديةِ مكَّةَ المكَرَّمةِ، يقَعُ غربَ عَرفاتٍ، ويختَرِقُ أرضَ المُغَمَّسِ، فيَمُرُّ بطرفِ عَرفةَ من جهةِ الغربِ عندَ مسجِدِ نَمِرةَ، ثُمَّ يجتمِعُ معَ وادي نُعمانَ، ويمُرُّ جنوبَ مكَّةَ على حدودِ الحرَمِ، وفي هذا المكانِ وقَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وخطَبَ النَّاسَ، ووعَظَهم، وقال: «إنَّ دِماءَكم وأمْوالَكم»، أي: إنَّ سَفْكَ دمائِكم وأَخْذَ أموالِكم بغيرِ حقٍّ، «حرامٌ عليكم» مُتأكَّدٌ تَحريمُها، كحُرمةِ يومِ عرَفةَ، وحُرمةِ شَهرِ ذي الحِجَّةِ، وحُرمةِ مكَّةَ، وهذا مِنَ التَّشديدِ والتَّغليظِ.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ألَا كلُّ شَيءٍ مِن أمْرِ الجاهليَّةِ» يَعني: الَّذي أحْدَثوه، والشَّرائعَ الَّتي شَرَعوها في الحجِّ وغَيرِه قبْلَ الإسْلامِ، والجاهليَّةُ: هي المدَّةُ الَّتي كان النَّاسُ فيها على الشِّركِ قبْلَ مَجيءِ الإسْلامِ، وسُمِّيَتْ بها لكَثْرةِ جَهالاتِهم.
«تحتَ قدَميَّ موضوعٌ»، أي: باطلٌ ومُهْدَرٌ، ولا يُؤخَذُ به، «ودماءُ الجاهليَّةِ موضوعةٌ»، أي: مَتْروكةٌ لا قِصاصَ ولا دِيَةَ ولا كفَّارةَ، وإنَّ أوَّلَ دمٍ أضَعُه وأترُكُه مِن دِمائِنا -كونُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبدأُ بنفْسِه- دمُ ابنِ ربيعةَ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ، وربيعةُ بنُ الحارِثِ هو ابنُ عمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلا قِصاصَ فيه، ولا ديَةَ فهو هَدرٌ؛ لأنَّه من دماءِ الجاهليَّةِ، «وكان مُستَرْضَعًا»، أي: كان لهذا الابنِ حاضنةٌ تُرضِعُه مِن بَني سَعدٍ، فقتَلَتْه قَبيلةُ هُذَيلٍ.
ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ورِبَا الجاهليَّةِ»، والرِّبا حرامٌ في الجاهليَّةِ والإسْلامِ، وإنَّما نسبَه إلى الجاهليَّةِ؛ لأنَّهم أحَلُّوه لأنفُسِهم، فلمَّا جاءَ الإسْلامِ أثبَتَ حُرمتَه، والرِّبا هو التَّعامُلُ بيْنَ النَّاسِ بالزِّيادةِ على أصْلِ الدُّيونِ والإقْراضِ، سَواءٌ كانَ رِبا الزِّيادةِ والفضْلِ، أو رِبا التَّأْجيلِ والنَّسيئةِ، وقد حرَّمَه اللهُ تعالى وتوَعَّدَ عليه؛ فقال تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة: 275 ]، وقولُه: «موضوعٌ»، أي: باطلٌ وهَدرٌ، فكلُّ المُعامَلاتِ الرِّبويَّةِ الَّتي سبقَتْ في الجاهليَّةِ وبَقيَ منها شيءٌ، فهو هَدرٌ، والمرادُ بوَضعِه؛ وضعُ الزائدِ منه، لا وضعُ رأسِ المالِ، فإنَّه مَردودٌ لصاحِبِه، كما قال تعالى: { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ } [ البقرة: 279 ].
«وأوَّلُ ربًا أضَعُ رِبَانا؛ رِبَا عبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ، فإنَّه مَوضوعٌ كلُّه»، وبَدأَ برِبا عمِّه العبَّاسِ رَضيَ اللهُ عنه؛ لخُصوصيَّتِه بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَقتَديَ النَّاسُ به قولًا وفعلًا، فيَضَعونَ عن غُرمائِهم ما كان من ذلك.
ثُمَّ أوْصاهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنِّساءِ، فقال: «فاتَّقوا اللهَ في النِّساءِ»، أي: خافوا عُقوبةَ اللهِ تعالى في تَركِ القِيامِ بحُقوقِ الزَّوجاتِ ومَصالحهنَّ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، بإنْصافِهنَّ ومُراعاةِ حقِّهنَّ؛ «فإنَّكم أخَذْتُموهنَّ بأمانِ اللهِ، واستَحلَلْتُم فُروجَهنَّ بكلمةِ اللهِ»، أي: تَزوَّجْتم بهنَّ بشَرعِ اللهِ، وجعَلَ اللهُ لكم عليهنَّ حقَّ الوَطءِ، فبهذا هنَّ أماناتٌ عندَكم، فعليكم أنْ تَقوموا برِعايةِ هذه الأمانةِ، وعدمِ الإضْرارِ بهنَّ، وعدمِ الإساءةِ إليهنَّ، وإنَّما تُحسنونَ إليهنَّ، وتُعاشِرونَهنَّ بالمعروفِ، والمرادُ بكلمةِ اللهِ العقدُ الَّذي يَنشأُ مِن كَلمتَيْ إيجابٍ وقَبولٍ مِنَ الوَليِّ والزَّوجِ.
فلمَّا أوْصى بالنِّساءِ ذكَرَ ما عليهنَّ منَ الحُقوقِ، فقال: «ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهونَه»، أي: تَكرَهونَ دُخولَه في بُيوتِكم، ويدخُلُ في ذلك الرِّجالُ والنِّساءُ، الأقْرباءُ والأجانبُ، وقيلَ: لا يُفهَمُ من هذا الكلامِ أنَّه النَّهيُ عنِ الزِّنا؛ فإنَّ ذلك محرَّمٌ معَ مَن يَكرَهُه الزَّوجُ ومعَ مَن لا يَكرَهُه، «فإنْ فعَلْنَ ذلك» فأدْخَلْنَ بُيوتَكمْ مَن تَكْرَهونَ دُخولَه بدونِ رِضاكم، فلكم مَعشرَ الرِّجالِ أنْ تؤَدِّبوهنَّ وإنْ تَعدَّى هذا التأديبُ إلى الضَّربِ، «فاضْرِبوهنَّ ضَربًا غيرَ مُبرِّحٍ»، أي: ليسَ بشَديدٍ ولا شاقٍّ، وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما على الرِّجالِ لأزْواجِهنَّ منَ الحقوقِ، فلهنَّ النَّفقةُ مِنَ المأكولِ، والمشروبِ، والسُّكْنى، والمَلْبَسِ على قَدْرِ كِفايتِهنَّ، مِن غيرِ سرَفٍ ولا تَقتيرٍ، أو باعْتبارِ حالِكم فقرًا وغنًى.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وقد ترَكْتُ فيكم»، أي: فيما بينَكم، وهذا الكلامُ مُوَجَّهٌ لجَميعِ المُسلِمينَ، سواءٌ لِمَن حَضَرَه في تلك الحَجَّةِ، أو مَن غابَ عنها في زَمَنِه، أو مَن سيأْتي بَعْدَه في الأزمانِ التَّاليةِ، ثمَّ بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كتابُ اللهِ، وهو القُرآنُ العظيمُ؛ فهو سَبَبٌ رَئيسيٌّ في حِفظِ الإنْسانِ مِنَ الضَّلالِ، سواءٌ مِن ضَلالاتِ الكُفرِ والنِّفاقِ والخُروجِ مِنَ الدِّينِ، أو من ضَلالاتِ الزَّلَلِ والوُقوعِ في المعاصي واتِّباعِ الشَّهَواتِ، وذلك مَشروطٌ بقَولِه: «إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ» بمَعنى: إنْ تمسَّكْتُم به، ولم يذكُرِ السُّنَّةَ؛ لأنَّ القُرْآنَ مُشتَمِلٌ على العَمَلِ بها، وذلك في قَولِ اللهِ تعالَى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [ المائدة: 92 ]، فيلزَمُ مِنَ العملِ بالكتابِ العملُ بالسُّنَّةِ.
ثُمَّ وجَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخطابَ لأصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم: «وأنتم تُسأَلونَ عنِّي»، أي: عن تَبْليغي رسالاتِ اللهِ وشَرعَه ودَعْوتي فيكم يومَ القِيامةِ، «فما أنتم قائلونَ؟» استَنطَقَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن إجابَتِهم للهِ عزَّ وجلَّ يومَ القِيامةِ؛ قال تعالى: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف: 6 ]، فقال الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم: «نَشهَدُ أنَّكَ قد بلَّغْتَ»، أي: رِسالاتِ ربِّكَ وجميعَ ما أمرَكَ به وما أنزَلَه عليكَ، «وأدَّيْتَ» الأمانةَ، «ونصَحْتَ» الأمَّةَ، فأشارَ بإصبَعِه السَّبَّابةِ، يَرفَعُها إلى السَّماءِ «ويَنكُتُها إلى النَّاسِ» وفي رِوايةِ أبي داودَ: «يَنكُبُها»، والمرادُ يُميلُها إليهم، يُريدُ بذلك أنْ يُشهِدَ اللهَ عليهم، ويقولُ: «اللَّهمَّ اشهَدْ»، أي: على عبادِكَ، بأنَّهم أقرُّوا بأنِّي قدْ بلَّغْتُ، وكرَّرَ قولَه: «اللَّهمَّ اشهَدْ» ثلاثَ مرَّاتٍ للتَّأكيدِ عليهم.
ثمَّ أذَّنَ بِلالُ بنُ رَباحٍ رَضيَ اللهُ عنه مؤذِّنُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الظُّهرَ، ثمَّ أقامَ فصَلَّى ركعَ
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم
قم بقراءة المزيد من الأحاديث النبوية
الكتاب | الحديث |
---|---|
صحيح ابن خزيمة | عن نافع وسالم أن ابن عمر كان إذا مر بذي الحليفة بات بها |
صحيح ابن خزيمة | عن نافع أن ابن عمر كان إذا أتى ذا الحليفة أمر براحلته فرحلت |
صحيح ابن خزيمة | دخلت على حفصة ابنة عمر فصعدت على ظهر البيت فأشرفت على النبي صلى |
صحيح ابن خزيمة | إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الغرز |
صحيح ابن خزيمة | عن نافع قال رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده وقبل يده وقال ما |
صحيح ابن خزيمة | هذه البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله |
صحيح ابن خزيمة | عن علي بن عبد الرحمن الأنصاري يقول صليت إلى جنب ابن عمر فقلبت |
صحيح ابن خزيمة | سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين فرض صدقة الفطر صاعا |
صحيح ابن خزيمة | قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان عن الحر والمملوك |
صحيح ابن خزيمة | عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا دخل في |
صحيح ابن خزيمة | أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر متى توتر قال أوتر |
صحيح ابن خزيمة | صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من سلت |
أشهر كتب الحديث النبوي الصحيحة
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Saturday, November 23, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب
القرآن الكريم كاملا
المصحف الشريف
قراء مميزون
سعد الغامدي القرآن الكريم mp3
المصحف كامل
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد mp3
المصحف المجود كامل
القرآن الكريم ماهر المعيقلي mp3
المصحف كامل
الشيخ ياسر الدوسري mp3
المصحف المرتل
الشيخ اسلام صبحي mp3
تلاوات خاشعة
الشيخ خالد الجليل القرآن mp3
المصحف كامل
فارس عباد القرآن الكريم mp3
المصحف كامل
الشيخ حسن صالح mp3
المصحف المرتل
الشيخ احمد العجمي mp3
المصحف كامل
اخترنا لكم