أنَّ رسولَ اللهِ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ – كان يقولُ : لا تُشَدِّدُوا على أنفُسِكم ؛ فيُشَدِّدَ اللهُ عليْكُمْ ، فإِنَّ قومًا شدَّدُوا على أنفُسِهم ، فشدَّدَ اللهُ عليهم ، فتلْكَ بقاياهم في الصوامِعِ والديارِ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتبْنَاهَا عَلَيْهِمْ
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الألباني
| المصدر : هداية الرواة
الصفحة أو الرقم: 181 | خلاصة حكم المحدث : حسن
مِن رَحمةِ
اللهِ تعالَى بالمسلِمينَ أنْ جعَلَ لهمْ هذا الدِّينَ يُسْرًا، وقدْ حثَّنا نَبيُّنا صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم على الاقتِصادِ في العبادةِ معَ الإخلاصِ فيها والتَّسديدِ والمقارَبةِ، ونَهانا عَن التَّشدُّدِ والتَّنطُّعِ والغُلوِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَنهَى النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ويُحذِّرُ أصْحابَه رضِيَ
اللهُ عنهم مِنَ التَّشدُّدِ في الدِّينِ؛ وذلكَ بالتَّكلُّفِ في العباداتِ والطَّاعاتِ، والمبالَغةِ فيها على النَّحْوِ الَّذي يُخالِفُكِتابَ
اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، كصَومِ الدَّهْرِ، وإحياءِ اللَّيلِ كلِّه، واعتِزالِ النِّساءِ، فيُجازيكم
اللهُ عزَّ وجَلَّ، ويَفرِضُ عليكم ما أوجَبْتُموه على أنفُسِكم.
وقيلَ: يَحتمِلُأنْ يكونَ قولُه: «
لا تُشدِّدوا على أنفُسِكم»: بإيجابِ العباداتِ الشَّاقَّةِ على سَبيلِ النَّذْرِ، أو اليَمينِ، فتَضعُفوا عنِ القيامِ بحقِّه، وتَمَلُّوا وتَكسَلوا، وتَترُكوا العمَلَ؛ فيَحِقَّ عَذابُ
اللهِ تعالَى عليكم.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ قَومًا -ويُقصَدُ بِهِم: بَنو إسْرائيلَ ومَن تَبِعَهم مِنَ النَّصارى- قدْ شَدَّدوا على أنفُسِهم بالعِباداتِ الشَّاقَّةِ، وضَرَبوا على أنفُسِهم أنواعًا وطُرُقًا مِنَ العبادةِ لمْ يَفرِضْها
اللهُ عليهم، فشَدَّدَ
اللهُ عليهم بإتْمامِها، والقيامِ بحُقوقِها، فلمْ يُوفُوا بتلكَ الحقوقِ؛ «
فتِلكَ بَقاياهم في الصَّوامِعِ والدِّيارِ»؛
أي: أنَّ دُورَ عِبادتِهِم باقيةٌ، وشاهِدةٌ عليهم، وأنَّ
اللهَ تَعالَى أهلَكَهُم بسَبَبِ التَّشديدِ الَّذي حصَلَ مِنهم على أنفُسِهم.
والصَّوامِعُ: جمعُ صَومَعةٍ؛ وهي مَوضِعُ عِبادةِ الرُّهْبانِ مِنَ النَّصارى، وهو بِناءٌ صَغيرٌ على شَكْلِ دائرةٍ.
والدِّيارُ: جمْعُ الدَّيْرِ؛ وهو الكَنيسةُ، وهو بِناءٌ وَسيعٌ، فيه مَحِلُّ العبادةِ، وباقيهِ لنَحْوِ نُزولِ المارَّةِ، وإيواءِ الغريبِ.
ثُمَّ استَشْهدَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِ
اللهِ تَعالَى:
{ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } [
الحديد: 27 ]؛
أي: إنَّ تِلكَ الطَّريقةَ في العِبادةِ واعتزالِ النَّاسِ لمْ تُفرَضْ عليهم، ولم يُؤمَروا بها؛ ولكنْ هُمُ الَّذينَ ابتَدعوها يَطلُبونَ رِضوانَه عزَّ وجَلَّ بهذه الطَّريقةِ، فلمَّا قصَّروا عنها؛ استَحقُّوا الذَّمَّ حينَ لمْ يَفُوا بما تَطوَّعوا به، ولا رَعَوْه حقَّ رِعايتِه، فصار رُجوعًا مِنهم عنه؛ فلذلكَ لا يَنبَغي أنْ يَدخُلَ في شَيءٍ مِنَ العبادةِ، ويَرجِعَ عنها؛ بلْ يَنبَغي أنْ يَرتقيَ المَرءُ كلَّ يَومٍ في دَرَجِ الخَيرِ، ويَرغَبَ إلى
اللهِ أنْ يَجعَلَ خاتِمةَ عمَلِه خَيرًا مِن أوَّلِه؛ ولذلكَ كان صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ مِنَ العمَلِ ما دام عليه صاحبُه؛ وإنْ قلَّ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عنِ التَّشدُّدِ في الدِّينِ، والتَّحذيرُ منه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم