كنتُ عِندَ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، فسألَهُ رجُلٌ: أكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقرأُ في الظُّهرِ والعَصرِ؟ قال: لا، قال: فلعلَّهُ كان يقرأُ في نَفْسِه، قال: خَمْشًا، هذه شرٌّ مِنَ الأولى، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عبْدٌ، أمَرَهُ اللهُ تعالى بأمْرِه فبلَّغَه، واللهِ ما اخْتَصَّنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشيءٍ دونَ الناسِ إلَّا بثلاثةٍ؛ أمَرَنا أنْ نُسبِغَ الوضوءَ، وألَّا نأكُلَ الصَّدَقةَ، ولا نُنْزِيَ الحُمُرَ على الخَيلِ.
الراوي : عبدالله بن عبيدالله | المحدث : الألباني
| المصدر : صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3583 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
بعَث
اللهُ تعالى نبيَّه محمَّدًا صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم مُبشِّرًا ونَذيرًا، ومُبلِّغًا لرِسالةِ ربِّه؛ فما من شيءٍ إلَّا وقد بيَّنه، وبلَّغَه للنَّاسِ، ومِن ذلك: العباداتُ، وأهَمُّها الصَّلاةُ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ
اللهِ بنُ عُبيدِ
اللهِ بنِ عبَّاسٍ: "كنتُ عندَ ابنِ عبَّاسٍ فسأله رجلٌ"،
أي: سأل ابنَ عبَّاسٍ رجلٌ؛ قيل: هو مِن بَني هاشمٍ ولم يُذكَرِ اسمُه، فقال له: "أكان رسولُ
اللهِ" بهمزةِ الاستفهامِ،
أي: هل كان صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم، "يَقرَأُ في الظُّهرِ والعصرِ؟"،
أي: في صَلاةِ الظُّهرِ والعصرِ شيئًا مِن القرآنِ؟ فأجابَه عبدُ
اللهِ بنُ عبَّاسٍ قائلًا: "لا"،
أي: لم يَكُنْ يَقرَأُ شيئًا في صلاةِ الظُّهرِ والعصرِ، وقد نُقِل عن ابنِ عبَّاسٍ غيرُ ذلك؛ فتارةً كان يَشُكُّ في القِراءةِ في الصَّلاةِ السِّرِّيَّةِ كما عِندَ أبي داودَ وأحمدَ أنَّه قال: "لا أدري أكان رسولُ
الله صلَّى
الله عليه وسلَّمَ يقرأُ في الظُّهرِ والعَصرِ، أم لا؟ وتارةً يَنْفيها كما هنا في هذا الحديثِ، وربَّما أثبتَها، كما رَوَاهُ عنه ابْن أبي شَيبَةَ في المصنَّفِ، وأمَّا الثَّابتُ عن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم فهو أنَّه كان يَقرَأُ في صَلاتَيِ الظُّهرِ والعصرِ سِرًّا كما نقَله غيرُ واحدٍ من الصَّحابةِ رَضِي
اللهُ عَنهم.
ثمَّ قال هذا الرَّجلُ السَّائلُ مُستفهِمًا أو مُجادِلًا: "فلَعلَّه كان يَقرَأُ في نَفْسِه"،
أي: لعلَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم كان يَقرَأُ في صلاةِ الظُّهرِ والعصرِ بشَيءٍ مِن القرآنِ، ولكْنِ سِرًّا في نَفْسِه، فلا أحَدَ يَسمَعُه؟ قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِي
اللهُ عَنهما: "خَمشًا"!
أي: نَخمِشُ خَمشًا،
أي: نَخدِشُ، وقيل: هذا دُعاءٌ عليه بأن يَخدِشَ وجْهَه أو جِلدَه! "هذه"،
أي: القراءةُ سِرًّا، "شرٌّ مِن الأُولَى"،
أي: مِن عدَمِ القِراءةِ، ثمَّ بيَّن سبَبَ ذلك بقولِه: "إنَّ رسولَ
اللهِ عَبدٌ"،
أي: عبدٌ للهِ تعالى مأمورٌ، "أمَره
اللهُ تعالى بأمرِه"،
أي: بالصَّلاةِ وكيفيَّةِ فِعْلِها، "فبلَّغه" النَّبيُّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم كما أمَره
اللهُ تعالى؛ فلا يُمكِنُ أن يَقرَأَ في نَفْسِه سِرًّا، ولا يُخبِرَنا بها؛ لأنَّ هذا يُنافي تَبليغَ ما أُمِر به.
وقد تُعقِّبَ ابنُ عبَّاسٍ بأنَّ عدَمَ العِلمِ لا يَدُلُّ على عدَمِ الوجودِ، خُصوصًا مع إثباتِ غيرِه للقِراءةِ في السِّرِّيَّةِ؛ فلعلَّ ابنَ عبَّاسٍ لصِغَرِ سِنِّه وقتَها كان يُؤخَّرُ في الصَّفِّ، فلم يَستَطِعْ أن يتَأكَّدَ كما في رِوايتِه لصلاةِ الكُسوفِ، حيثُ قال- كما عِندَ أبي داودَ في سُننِه-: قرَأ النَّبيُّ صلَّى
الله عليه وسلَّم بنحوِ سورةِ البقرةِ فلم يَقُلِ السُّورةَ، وأثبَت طُولَ القيامِ.
ثم قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ
اللهُ عنهما: "و
اللهِ ما اختَصَّنا رَسولُ
اللهِ بشيءٍ دونَ النَّاسِ"،
أي: لم يَختَصَّنا- أهْلَ البيتِ- بأَوامِرَ لم يَأمُرْ بها النَّاسَ، ولا بِنَواهٍ لم يَنْهَ عنها النَّاسَ، "إلَّا بثلاثةٍ"،
أي: بثَلاثةِ أشياءَ قد خَصَّ أهلَ البيتِ بها دون النَّاسِ، وهي: "أمَرَنا"،
أي: رسولُ
اللهِ صلَّى
الله عليه وسم، "أن نُسبِغَ الوُضوءَ"، مِن الإسباغِ وهو الإتمامُ،
أي: أنْ نُتِمَّه ولا نَترُكَ شيئًا مِن فَرائضِه وسُننِه وآدابِه، وهذا الأمرُ غيرُ مُختَصٍّ بهم؛ فلعلَّه صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم أمَرهم بالمبالَغةِ في الإسباغِ وأكَّد عليهم تأكيدًا بليغًا، ففَهِموا منه الاختصاصَ، وقيل: يُحمَلُ هذا الأمرُ على الندبِ المؤكَّدِ في حقِّهم؛ إذ لم يقُلْ أحدٌ بوجوبِ الإسباغِ في حقِّ الموجودين من أهلِ البيتِ.
والأمر الثَّاني هو: "وألَّا نأكُلَ الصَّدقةَ"؛ قيل: وهذا مختصٌّ بالصَّدقاتِ الواجبةِ واللَّازمةِ كالزَّكاةِ والنَّذرِ، والعُشرِ والكفَّارةِ فقطْ، وقيل: إنَّ صَدقاتِ التَّطوُّعِ كذلك لا يَأكُلُ منها آلُ البيتِ.
والأمرُ الثَّالثُ هو: "ولا نُنْزِي"، مِن النَّزوِ وهو الوَثْبُ، "الحُمُرَ على الخَيلِ"،
أي: لا يَحمِلوا الحَميرَ على الخيلِ لِطَلبِ النَّسلِ بينَهما، والنِّتاجُ للبِغالِ، وهذا مُختَصٌّ بهم، أمَّا سائرُ النَّاسِ فيَفعَلون ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم قد رَكِب البَغلةَ.
وفي هذا الحديثِ: إثباتُ تَبليغِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم كُلَّ شيءٍ عن ربِّه عزَّ وجلَّ.
وفيه: فَضلُ أهلِ البيتِ، وشرَفُهم، وعُلوُّ مَنزلتِهم.
وفيه: أنَّه لا أحَدَ مَعصومٌ غيرَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ علَيه وسلَّم .
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم