عن عمرِو بنِ وَهبٍ الثَّقَفيِّ، قال: كنَّا مع المُغيرةِ بنِ شُعبَةَ، فسُئِلَ: هل أمَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَدٌ مِن هذه الأُمَّةِ غيرُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه؟ فقال: نعمْ، كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفرٍ، فلمَّا كان مِن السَّحرِ، ضَرَبَ عُنُقَ راحلتي، فظَنَنتُ أنَّ له حاجةً، فعَدَلتُ معه، فانطلَقْنا حتى بَرَزْنا عن النَّاسِ، فنَزَلَ عن راحلته، ثُمَّ انطلَقَ، فتَغيَّبَ عنِّي حتى ما أراه، فمَكَثَ طَويلًا، ثُمَّ جاء، فقال: حاجتَكَ يا مُغيرةُ؟ قُلتُ: ما لي حاجةٌ، فقال: هل معك ماءٌ؟ فقُلتُ: نعمْ، فقُمتُ إلى قِربةٍ، أو إلى سَطيحةٍ، مُعلَّقةٍ في آخِرةِ الرَّحلِ، فأتَيتُه بماءٍ، فصَبَبتُ عليه، فغَسَلَ يدَيه، فأحسَنَ غَسلَهما، قال: وأشُكُّ أقال: دَلَّكَهما بتُرابٍ أم لا، ثُمَّ غَسَلَ وَجهَه، ثُمَّ ذَهَبَ يَحسِرُ عن يدَيه، وعليه جُبَّةٌ شاميَّةٌ ضيِّقةُ الكُمَّينِ، فضاقتْ، فأخرَجَ يدَيه مِن تحتِها إخراجًا، فغَسَلَ وَجهَه ويدَيه، قال: فيَجيءُ في الحديثِ غَسلُ الوَجهِ مَرَّتَينِ؟ قال: لا أدْري أهكذا كان أم لا؟ ثُمَّ مَسَحَ بناصيَتِه، ومَسَحَ على العِمامةِ، ومَسَحَ على الخُفَّينِ، ورَكِبْنا فأدَرَكْنا النَّاسَ، وقد أُقيمَتِ الصَّلاةُ، فتَقدَّمَهم عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، وقد صَلَّى بهم ركعةً، وهم في الثَّانيةِ، فذَهَبتُ أُوذِنُه، فنَهاني، فصَلَّيْنا الرَّكعةَ التي أدرَكْنا، وقَضَيْنا الرَّكعةَ التي سُبِقْنا.
الراوي : المغيرة بن شعبة | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 18134 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
التخريج : أخرجه النسائي ( 82 ) باختلاف يسير، وأخرجه البخاري ( 363 )، ومسلم ( 274 ) مختصراً بنحوه
كان التابِعونَ رَحِمَهمُ
اللهُ تَعالى يُفتِّشونَ ويَتعَلَّمونَ سُنَّةَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بَينَ صَحابَتِه رَضيَ
اللهُ عنهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ التابِعيُّ عَمرُو بنُ وَهبٍ الثَّقَفيُّ: "كُنَّا مع المُغيرةِ بنِ شُعبةَ" وهو مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فسُئِلَ: هل أمَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أحَدٌ مِن هذه الأُمَّةِ غَيرُ أبي بَكرٍ رَضيَ
اللهُ عنه؟"،
أي: هل وَقَفَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مأمومًا خَلفَ أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ غَيرِ أبي بَكرٍ؟ فقال المُغيرةُ رَضيَ
اللهُ عنه: "نَعَمْ، كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فلَمَّا كان مِنَ السَّحَرِ" في وَقتِ الفَجرِ "ضَرَبَ عُنُقَ راحِلَتي" لِيُوجِّهَها حيثُ أرادَ "فظَنَنتُ أنَّ له حاجةً" أقضيها له "فعَدَلتُ معه" وتَوجَّهتُ معه حيثُ أرادَ، "فانطَلَقْنا حتى بَرَزْنا عنِ الناسِ"،
أي: ابتَعَدْنا عنهم "فنَزَلَ عن راحِلَتِه، ثم انطَلَقَ، فتَغيَّبَ عَنِّي حتى ما أراه"؛ وذلك حتى يَقضيَ حاجَتَه في مَكانٍ بَعيدٍ عنِ الأعيُنِ "فمَكَثَ طَويلًا، ثم جاءَ، فقال: حاجَتَكَ يا مُغيرةُ؟" وكأنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَطلُبُ منه أنْ يَسألَ ما أرادَ مِنَ الحاجةِ؛ تَفضُّلًا منه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، دونَ أنْ يَكونَ لِلمُغيرةِ حاجةٌ سابِقةٌ، "قُلتُ: ما لي حاجةٌ.
فقال: هل معكَ ماءٌ؟ فقُلتُ: نَعَمْ.
فقُمتُ إلى قِربةٍ، أو إلى سَطيحةٍ، مُعلَّقةٍ في آخِرةِ الرَّحلِ" والرَّحلُ هو ما يوضَعُ فَوقَ ظَهرِ الناقةِ؛ لِيَركَبَ عليه الراكِبُ ويُحمَلَ عليه، والقِربةُ والسَّطيحةُ: إناءٌ يُصنَعُ مِنَ الجِلدِ، "فأتَيتُه بماءٍ، فصَبَبتُ عليه، فغَسَلَ يَدَيْه، فأحسَنَ غَسلَهما" وذلك لِيُطهِّرَهما بَعدَ قَضاءِ الحاجةِ، "قال: وأشُكُّ أقال: دَلَكَهما بتُرابٍ أم لا" ولَعَلَّ القائِلَ هو عَمرُو بنُ وَهبٍ، يَشُكُّ في تَذكُّرِه لِحَديثِ المُغيرةِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ دَلَكَ يَدَيْه بالتُّرابِ أم لا، قَبلَ غَسلِهما بالماءِ، وإنَّما الدَّلكُ بالتُّرابِ قَبلَ غَسلِهما بالماءِ؛ لِطَلَبِ المَزيدِ مِن نَقائِهما، والتأكُّدِ مِن خُلُوِّهما مِنَ الأوساخِ، وكان مِن عادةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَفعَلَ ذلك إذا جاءَ مِنَ الغائِطِ، كما وَرَدَ في السُّنَّةِ، "ثم غَسَلَ وَجهَه، ثم ذَهَبَ يَحسِرُ عن يَدَيْه" يَكشِفُ عنهما ويَرفَعُ كُمَّيْ ثَوبِه، "وعليه جُبَّةٌ شاميَّةٌ" نَوعٌ مِنَ الثِّيابِ المَنسوجةِ ببِلادِ الشامِ، "ضَيِّقةُ الكُمَّيْنِ، فضاقَتْ" فلم يَستَطِعْ إخراجَ يَدَيْه مِنَ الكُمَّيْنِ، "فأخرَجَ يَدَيْه مِن تَحتِها إخراجًا" فنَزَعَ الأكمامَ عن يَدِيْه كنَزعِه لِلثِّيابِ، ثم غَسَلَهما إلى المِرفَقَيْنِ، "فغَسَلَ وَجهَه ويَدَيْه -قال: فيَجيءُ في الحَديثِ غَسلُ الوَجهِ مَرَّتَيْنِ؟ قال: لا أدري أهكذا كان أم لا؟-" بمِثلِ سابِقِه، وهو أنَّ الراويَ لا يَدري عَدَدَ مَرَّاتِ غَسلِ العُضوِ في الوُضوءِ في تلك الراويةِ، والوارِدُ عنه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه تَوضَّأ ثَلاثًا، "ثم مَسَحَ بناصيَتِه" وهو ما ظَهَرَ مِن مُقدَّمِ شَعرِه "ومَسَحَ على العِمامةِ" وأكمَلَ المَسحَ على عِمامَتِه دونَ أنْ يَنزِعَها "ومَسَحَ على الخُفَّيْنِ" وهو حِذاءٌ مِنَ الجِلدِ يُلبَسُ على القَدَمِ وفَوقَه النَّعلُ، ويُمسَحُ عليهما بَدَلًا مِن غَسلِ الرِّجلَيْنِ، وفي الصَّحيحِ قال المُغيرةُ رَضيَ
اللهُ عنه: "فأهوَيتُ لِأنزِعَ خُفَّيْه، فقال: دَعْهما؛ فإنِّي أدخَلتُهما طاهِرَتَيْنِ.
فمَسَحَ عليهما"؛ فظَهَرَ أنَّ شَرْطَ المَسحِ أن يكونَ بَعدَ غَسلِ الرِّجلَيْنِ في طَهارةٍ وُضوءٍ أو غُسلٍ سابِقٍ، "ورَكِبْنا" الدَّوابَّ "فأدرَكْنا الناسَ وقد أُقيمَتِ الصَّلاةُ"؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قد تأخَّرَ عنهم، ولَعَلَّ إقامةَ الصَّحابةِ رَضيَ
اللهُ عنهم في عَدَمِ حُضورِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مُرتَبِطةٌ باقتِرابِ خُروجِ وَقتِ الصَّلاةِ، "فتَقدَّمَهم عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ" فصَلَّى بهم إمامًا "وقد صَلَّى بهم رَكعةً، وهم في الثانيةِ، فذَهَبتُ أُؤذِنُه" أُعلِمُه بحُضورِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَتأخَّرَ ويَؤُمَّهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، "فنَهاني، فصَلَّيْنا الرَّكعةَ التي أدرَكْنا" مع الناسِ في الجَماعةِ "وقَضَيْنا الرَّكعةَ التي سُبِقْنا" فصَلَّيا رَكعةً وَحدَهما.
وفي الحَديثِ: مَشروعيةُ إمامةِ المَفضولِ لِلفاضِلِ.
وفيه: بَيانُ تَخفيفِ الشَّرعِ في أمْرِ الوُضوءِ والمَسحِ على الخُفَّيْنِ وعلى العِمامةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم