( أُخبِر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال - يعني نفسَه - لأقومَنَّ اللَّيلَ ولأصومَنَّ النَّهارَ ما عِشْتُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( أنتَ الَّذي تقولُ ذلك ) ؟ فقُلْتُ له: قد قُلْتُه يا رسولَ اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( فإنَّك لا تستطيعُ ذلك صُمْ وأفطِرْ ونَمْ وقُمْ وصُمْ مِن الشَّهرِ ثلاثةَ أيَّامٍ فإنَّ الحسنةَ بعَشْرِ أمثالِها وذلك مِثْلُ صيامِ الدَّهرِ ) قال: قُلْتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك قال: ( صُمْ يومًا وأفطِرْ يومينِ ) قال: قُلْتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك قال: ( صُمْ يومًا وأفطِرْ يومًا وذلك صيامُ داودَ وهو أعدَلُ الصِّيامِ ) قال: فقُلْتُ: فإنِّي أُطيقُ أفضَلَ مِن ذلك قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لا أفضَلَ مِن ذلك ) قال عبدُ اللهِ: ولأنْ أكونَ قبِلْتُ الثَّلاثةَ الأيَّامَ الَّتي قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أحَبَّ إليَّ مِن أهلي ومالي )
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج صحيح ابن حبان
الصفحة أو الرقم: 352 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم
التخريج : أخرجه البخاري ( 3418 )، ومسلم ( 1159 ) باختلاف يسير
الإسلامُ دِينُ الوَسَطيَّةِ والسَّماحةِ في كلِّ الأُمورِ، وقدْ أمَرَنا
اللهُ ورَسولُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بتَقْواهُ على قَدْرِ الاستِطاعةِ دونَ تكلُّفٍ أو مَشقَّةٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ
اللهِ بنُ عَمرِو بنِ العاصِ رضِيَ
اللهُ عنهما: أنَّ رسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ دخَلَ عليه بَيتَه، وهذا مِن تواضُعِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وليُعلِّمَنا أنَّ زِيارةَ الإخوانِ تُؤلِّفُ بَينَ القُلوبِ، وتَزيدُ مِن قوَّةِ تَرابُطِ المسلِمِ بأخيه، وتَحفَظُ وُدَّ المَحبَّةِ بالْتقاءِ الأجسادِ.
فقال: «
يا عبدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو، ألَمْ أُخبَرْ أنَّكَ تَكلَّفُ قيامَ اللَّيلِ وصيامَ النَّهارِ؟»؛ يَزيدُ في أَعْمالِ التَّطوُّعِ عمَّا هو مُعْتادٌ ومَسنونٌ عنه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان عبدُ
اللهِ يقومُ اللَّيلَ كلَّه، ولا يَنامُ، ويَسرُدُ صَومَ النَّهارِ دونَ أنْ يُفطِرَ يَومًا، فقالَ عبدُ
اللهِ رضِيَ
اللهُ عنه: «
إنِّي لَأفعَلُ»، فأكَّدَ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ما قد أُخبِرَ به، فقال النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
إنَّ حَسْبَكَ -ولا أقولُ: افعَلْ-»؛ بمعنى: أَنصَحُكَ لِمَا هو أفضَلُ، وليس أمْرًا.
«
أنْ تَصومَ مِن كلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ»؛
أي: أنْ تَكْتَفيَ مِن كلِّ شَهرٍ بثلاثةِ أيَّامٍ فقَطْ، وتُفطِرَ باقيَ الشَّهْرِ، «
الحَسَنةُ بعَشْرِ أَمْثالِها»، وهو مِصْداقُ قَولِه تَعالى:
{ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } [
الأنعام: 160 ]؛ فيكونُ صِيامُه الثلاثةَ بثلاثينَ حَسَنةً، «
فكأنَّكَ قد صُمْتَ الدَّهْرَ كلَّه»؛ وهو: أنَّ مَن واظَبَ على صِيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شهْرٍ تَطوُّعًا، فإنَّ ذلكَ يَعدِلُ ويُساوي في الثَّوابِ والأَجْرِ أَجْرَ مَن صامَ السَّنةَ كلَّها.
«
قال: فغَلَّظْتُ فغُلِّظَ عليَّ»، وفي رِوايةٍ لأحمَدَ: «
أُناقِصُه ويُناقِصُني»؛ يعني: أنَّه ما زالَ برسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَستَزيدُ منه في أيَّامِ الصِّيامِ، ورسولُ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَنقُصُ له.
قال: «
فقُلْتُ: إنِّي لَأجِدُ قُوَّةً مِن ذلكَ»، أتَحمَّلُ وأستَطيعُ صَيامَ أكثَرَ مِن ذلكَ.
«
قال: إنَّ مِن حَسْبِكَ أنْ تَصومَ مِن كلِّ جُمُعةٍ ثلاثةَ أيَّامٍ»؛ فيَصومُ مِن كلِّ أُسْبوعٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، ويُفطِرُ أربعةَ أيَّامٍ.
«
قال: فغَلَّظْتُ؛ فغُلِّظَ عليَّ.
فقُلْتُ: إنِّي لَأَجِدُ بي قُوَّةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أعدَلُ الصِّيامِ عندَ اللهِ صِيامُ داوُدَ»: أفضَلُ الصِّيامِ عندَ
اللهِ عزَّ وجَلَّ صِيامُ نَبيِّ
اللهِ داودَ عليه السَّلامُ، «
نِصفُ الدهْرِ»؛ بمعنى: كان يَصومُ يَومًا، ويُفطِرُ يَومًا، وإنَّما صارَتْ هذه الطَّريقةُ أحَبَّ إلى
اللهِ مِن أجْلِ الأخْذِ بالرِّفقِ على النُّفوسِ الَّتي يُخْشَى منها السَّآمةُ والمَلَلُ الَّذي هو سبَبٌ إلى تَركِ العِبادةِ.
ثُمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
لنَفْسِكَ عليكَ حقٌّ، ولأَهلِكَ عليكَ حقٌّ»؛ وهو ما يُحتاجُ إليه مِنَ الضَّروريَّاتِ البَشَريَّةِ، وما أباحَه
اللهُ تَعالى مِنَ الأكْلِ، والشُّربِ، والراحَةِ الَّتي يقومُ بها البَدَنُ؛ لتَكونَ له عَوْنًا على عِبادةِ
اللهِ تَعالَى، وأمَّا إذا أجْهَدَ نفْسَه في الطَّاعةِ، وأدامَ الصِّيامَ، والقِيامَ، وتَرَكَ المَلَاذَّ؛ ضَعُفتْ قُوَّتُه؛ فلم يَقدِرْ على القِيامِ بما ذكَرَ.
والمُرادُ بالأهْلِ: الزَّوجةُ.
«
قال: فكان عبدُ اللهِ يَصومُ ذلكَ الصِّيامَ؛ حتَّى إذا أدْرَكَه السِّنُّ والضَّعْفُ»: كَبِرَ سِنُّه، وضَعُفَ جَسَدُه، «
كان يقولُ: لأنْ أكونَ قَبِلْتُ رُخْصةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَبُّ إليَّ مِن أَهْلي ومالي»؛ ومَعْناه: أنَّه كَبِرَ وعجَزَ عنِ المُحافَظةِ على ما ألْزَمَ به نفْسَه عندَ رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فشَقَّ عليه فِعْلُه، ولا يُمكِنُه تَرْكُه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «
يا عبدَ اللهِ، لا تكُنْ بمِثلِ فُلانٍ، كان يَقومُ اللَّيلَ؛ فترَكَ قِيامَ اللَّيلِ»؛ مُتَّفَقٌ عليه.
وفي الحَديثِ: إرْشادٌ نَبَويٌّ للتوَسُّطِ، والاقتِصادِ في العِبادةِ، وبَيانُ أنَّ سُنَّتَهُ هي عَدَمُ التَّشدُّدِ.
وفيه: أنَّ طاعةَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فيها الخَيرُ كلُّه،
وفيها المصلَحةَ؛ وإنْ كنَّا لا نَراها.
وفيه: يَنبَغي الدَّوامُ على ما صارَ عادةً مِنَ الخَيرِ، ولا يُفرَّطُ فيه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم