قدمتُ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في ثقيفٍ فعلِقْنا طريقًا من طُرقِ المدينةِ حتَّى أنخنا بالبابِ وما في النَّاسِ رجلٌ أبغضَ إلينا من رجلٍ نلجُ عليهِ منهُ فدخلنا وسلَّمنا وبايعنا فما خرجنا من عندِه حتَّى ما في النَّاسِ رجلٌ أحبَّ إلينا من رجلٍ خرجنا من عندِه فقلتُ لهُ يا رسولَ اللَّهِ ألا سألتَ ربَّكَ مُلكًا كملكِ سليمانَ فضحِك وقالَ فلعلَّ لصاحبِكم عندَ اللَّهِ أفضلَ من ملكِ سليمانَ إنَّ اللَّهَ لم يبعث نبيًّا إلَّا أعطاهُ اللَّهُ دعوةً فمنهم منِ اتَّخذَ بِها دنيا فأُعطِيَها ومنهم من دعا بِها على قومِه فأُهلِكوا بِها وإنَّ اللَّهَ تعالى أعطاني دعوةً فاختبأتُها عندَ ربِّي شفاعةً لأمَّتي يومَ القيامةِ
الراوي : عبدالرحمن بن أبي عقيل | المحدث : ابن خزيمة
| المصدر : التوحيد لابن خزيمة
الصفحة أو الرقم: 649/2 | خلاصة حكم المحدث : [ أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح ]
تَفضَّلَ
اللهُ سُبحانَه على أُمَّةِ الإسْلامِ بشَفاعةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ لهمْ يوْمَ القيامةِ، وقدْ جاءتِ الآثارُ الَّتي بلَغَتْ بمَجْموعِها حدَّ التَّواتُرِ بثُبوتِ الشَّفاعةِ في الآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي عَقيلٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّه سافَرَ إلى رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وجاء إليه في وَفدِ ثَقيفٍ -وهي إحْدى قَبائلِ العرَبِ، وكانوا يَسْكنونَ الطَّائفَ- ليَدْخُلوا في الإسْلامِ، فسَلَكوا طَريقًا مِن طرُقِ المَدينةِ حتَّى وَصَلوا، فأناخوا وأقْعَدوا إبِلَهم أمامَ بابِ البيتِ المَوْجودِ داخلَه النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانوا مِن قبْلُ كارِهينَ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وما كان في النَّاسِ رَجلٌ أبغَضَ إليهم مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَخَلوا، وسَلَّموا عليه، وبايَعوه على الإسْلامِ، وتَعاهَدوا على ذلك، فأكْرَمَهمُ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى خرَجوا مِن عندِه وهو أحَبُّ رَجلٍ إليهم.
ثمَّ قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي عَقيلٍ رَضيَ
اللهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ: «
يا رَسولَ اللهِ، ألَا سألْتَ ربَّكَ مُلكًا كمُلكِ سُليمانَ»، فيُوسِّعَ عليكَ في الدُّنْيا، والمُرادُ بمُلكِ سُليمانَ عليه السَّلامُ هو المَذكورُ في قولِ
اللهِ تعالَى:
{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ } [
ص: 35 - 38 ]، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وبيَّنَ رِفعةَ مَكانتِه عندَ
اللهِ؛ فقال: «
فلعَلَّ لصاحِبِكمْ عندَ اللهِ أفضَلَ مِن مُلكِ سُليمانَ»، فللنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الكَرامةِ، والمَكانةِ الرَّفيعةِ عندَ
اللهِ ما يَجعَلُه أفضَلَ مِن أنْ يُعْطى مُلكَ سُليمانَ على سَعتِه وعَظمتِه، ثمَّ قال: «
إنَّ اللهَ لم يَبعَثْ نَبيًّا إلَّا أعْطاه اللهُ دَعوةً»، والمَعْنى أنَّ لكلِّ نَبيٍّ عندَ
اللهِ مِن رَفيعِ الدَّرَجةِ، وكَرامةِ المَنزِلةِ أنْ جعَل له أنْ يَدعُوَه فيما أحبَّ منَ الأُمورِ، ويُبلِّغَه أُمنيَّتَه، فيَدْعو في ذلك، وهو عالِمٌ بإجابةِ
اللهِ له، «
فمنهم مَنِ اتَّخذَ بها دُنْيا، فأُعطيَها» مِثلُ سُليمانَ عليه السَّلامُ، «
ومنهم مَن دَعا بها على قَومِه» مِثلُ نوحٍ عليه السَّلامُ الَّذي دَعا على قَومِه، «
فأُهلِكوا بها» كما قال تعالَى:
{ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [
نوح: 26 ]، ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ادَّخَر هذه الدَّعْوةَ الَّتي يَتيَقَّنُ إجابتَها إلى يَومِ القيامةِ، وآثرَ أُمَّتَه بما خصَّه
اللهُ به مِن إجابةِ الدَّعوةِ بالشَّفاعةِ لهم، ولمْ يَجعَلْ ذلك في خاصَّةِ نَفْسِه وأهْلِ بَيتِه، فجَزاه
اللهُ عن أُمَّتِه أفضَلَ الجَزاءِ؛ فهو كما وصفَه
اللهُ:
{ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } [
التوبة: 128 ].
وشَفاعتُه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أقْسامٌ؛ منها الشَّفاعةُ العُظْمى المَذْكورةُ هنا، ومنها الشَّفاعةُ الَّتي تَكونُ للمُذْنِبينَ مِن أهْلِ التَّوحيدِ، في إخْراجِهم منَ النَّارِ، وإدْخالِهمُ الجنَّةَ، أو زِيادةِ درَجاتِهم في الجنَّةِ، ومنها الشَّفاعةُ في إدْخالِ الجنَّةِ مِن غيرِ حِسابٍ، أو رَفعِ الدَّرَجاتِ يَومَ القيامةِ، كلٌّ بحسَبِ حالِه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم