أقرَأَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سورةَ الأحْقافِ، وأقرَأَها آخَرَ، فخالَفَني في آيةٍ منها، فقُلتُ: مَن أقرَأَكَ؟ قال: أقرَأَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقُلتُ: لقد أقرَأَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كذا وكذا، فأتَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعندَه رَجُلٌ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألمْ تُقرِئْني كذا وكذا؟ قال: بلى، قال الآخَرُ: ألمْ تُقرِئْني كذا وكذا؟ قال: بلى، فتَمعَّرَ وَجهُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال الرَّجُلُ الذي عندَه: لِيَقرَأْ كلُّ واحدٍ منكما كما سَمِعَ؛ فإنَّما هَلَكَ -أو أُهلِكَ- مَن كان قبلَكم بالاختِلافِ، فما أدْري أأَمَرَه بذاك، أو شيءٌ قاله مِن قِبَلِه؟!
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : شعيب الأرناؤوط
| المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 4322 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه البخاري ( 2410 )، والنسائي في ( (السنن الكبرى )) ( 8094 ) بنحوه، وأحمد ( 4322 ) واللفظ له
مِن رَحمةِ
اللهِ تعالَى بهذه الأُمَّةِ أنْ يَسَّرَ لها كِتابَه، وجَعَلَها تَقرَأُ كَلامَه، بل زادَهم أنْ جَعَلَ لهم أوْجُهًا يَجوزُ أنْ يُقرَأَ بها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُ
اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّ رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أقرَأه سُورةَ الأحقافِ وعَلَّمَه إيَّاها، وعَلَّمَها النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أيضًا لِرَجُلٍ آخَرَ، قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه: "فخالَفَني في آيةٍ منها" بمَعنى: أنَّ الرَّجُلَ قَرأها على وَجهٍ لا يَعرِفُه ابنُ مَسعودٍ، ومُخالِفٍ لِقِراءةِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ التي قَرأها عليه، فتَساءَلا عن أصلِ قِراءةِ كُلِّ واحِدٍ منهما، فأخبَرَ كُلُّ واحِدٍ منهما صاحِبَه أنَّ النبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أقرأه بها، فذَهَبَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه والرَّجُلُ المُختَلِفُ معه إلى النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان عِندَ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ مِن أصحابِه، وأخبَرا النبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ بقِصَّتِهما، فصَوَّبَ النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ قِراءةَ كُلِّ واحِدٍ منهما، قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه: "فتَمَعَّرَ وَجهُ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ" تَغَيَّرَ لَونُه، وكأنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كَرِهَ ما فَعَلَ ابنُ مَسعودٍ وصاحِبُه مِن خِلافِهما على بَعضِهما، خاصَّةً أنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما أخبَرَ صاحِبَه أنَّ النبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ هو الذي أقرأه، فلَمَّا رأى الرَّجُلُ الذي عِندَ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ غَضَبَه، قال لابنِ مَسعودٍ والذي معه: "لِيَقرَأْ كُلُّ واحِدٍ منكما كما سَمِعَ" مِنَ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ "فإنَّما هَلَكَ -أو أُهلِكَ- مَن كانَ قَبلَكم بالاختِلافِ" سَبَّبوا لِأنْفُسِهمُ الهَلاكَ؛ لِأنَّ اختِلافَهم جَرَّهم إلى التَّحريفِ والتَّبديلِ حَسَبَ أهوائِهم، فكان ذلك سَبَبًا لِخُصوماتِهم ونِزاعِهم وحُلولِ العَذابِ فيهم، وقد حَثَّتِ الشَّريعةُ على الأُلْفةِ، وحَذَّرتْ مِنَ الفُرْقةِ في الدِّينِ، فكَأنَّه قال: اقرَؤوا
القُرآنَ والْزَموا الائتِلافَ على ما دَلَّ عليه وقادَ إليه؛ فإذا عَرَضَ عارِضُ شُبهةٍ تُوجِبُ المُنازَعةَ الدَّاعيةَ إلى الفُرقةِ، فاترُكُوا تلك الشُّبهةَ الدَّاعيةَ إلى الفُرقةِ، وارجِعوا إلى المُحكَمِ المُوجِبِ لِلأُلْفةِ.
قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ
اللهُ عنه: "فما أدْري أأمَرَه بذاك، أو شَيءٌ قالَه مِن قِبَلِه"،
أي: هل تلك الجُملةُ التي قالَها الرَّجُلُ مِن قَولِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو الذي أمَرَه بقَولِها، أو أنَّ الرَّجُلَ قالها مِن عِندِ نَفْسِه وأقَرَّه النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ عليها؟ وقد ثَبَتتْ في الصَّحيحِ أنَّها مِن قَولِ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: ذَمُّ الفُرقةِ والاختِلافِ على الأُمورِ الدِّينيَّةِ؛ فَضلًا على أنْ تَكونَ الفُرقةُ والاختِلافُ على أمْرٍ مِن أُمورِ الدُّنيا.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم