كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَضَحِكَ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: مِن مُخَاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ؛ يقولُ: يا رَبِّ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قالَ: يقولُ: بَلَى، قالَ: فيَقولُ: فإنِّي لا أُجِيزُ علَى نَفْسِي إلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قالَ: فيَقولُ: كَفَى بنَفْسِكَ اليومَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الكَاتِبِينَ شُهُودًا، قالَ: فيُخْتَمُ علَى فِيهِ، فيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قالَ: فَتَنْطِقُ بأَعْمَالِهِ، قالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بيْنَهُ وبيْنَ الكَلَامِ، قالَ: فيَقولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا؛ فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2969 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
يَومُ القيامةِ هو يومُ الحسابِ للعبادِ على أعمالِهِم، فيُقيمُ
اللهُ عزَّ وجلَّ في يَومِ القِيامةِ مِيزانَ العَدلِ؛ فلا يُظلَمُ عندَه أحدٌ، ومِن مَظاهرِ عَدلِه سُبحانَه في هذا اليَومِ العَصيبِ: إنطاقُ جَوارحِ وأعضاءِ الإنسانِ لِتَكونَ شُهودًا عليه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ
اللهُ عنه أنَّهم كانوا عندَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فَضَحِكَ، فَقال لأَصحابِه: «
هَل تَدرونَ مِمَّا أَضْحَكُ؟»، وكأنَّه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ اطَّلَعَ على أمرٍ مِن الوحيِ، فأحَبَّ أنْ يُعلِمَه أصحابَه، فقال الصَّحابةُ: «
اللهُ ورَسولُه أَعلمُ» وهذا مِن حُسنِ الأدبِ مع النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتَّى يَعلَموا السَّببَ والموعظةَ الَّتي عندَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ فيَذكُرَها لهم.
ثُمَّ بَيَّنَ لهم صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ ذَلك فَقال: «
مِن مُخاطبَةِ العَبدِ رَبَّه» يَومَ القِيامةِ، فيَقولُ العبدُ: «
يا رَبِّ، ألم تُجِرْني مِنَ الظُّلمِ؟»
أي: تُؤَمِّنِّي من أنْ تَظلِمَني، فيَقولُ
اللهُ في جَوابِ العَبدِ: بَلى، فيقولُ العبدُ: «
فإِنِّي»
أي: فإذا أَجَرْتَني مِنَ الظُّلمِ فَإِنِّي لا أُجَوِّزُ وَلا أَقبَلُ على نَفسي إِلَّا شاهدًا منِّي، يَشهَدُ على صِدقِ قَولي وصَلاحي وحُسنِ طاعَتي؛ وذلك عِندما يُحاسِبُه
اللهُ عزَّ وجلَّ ويَسأَلُه عن عَملِه في الدُّنيا، وكأنَّ الرَّجلَ أراد بالشَّاهدِ أقارِبَه ومَن كانوا يَرَونه في الدُّنيا يَأتي تلكَ الأعمالَ، فَيَقولُ
اللهُ تَعالَى: «
كَفى بنَفسِكَ اليومَ عَليكَ شَهيدًا»،
أي: إذا أردْتَ شُهودًا، فأقرَبُ ما يكونُ منكَ هو أعضاءُ جَسدِكَ؛ فهُم مَن كانوا يَحضُرونَك وقْتَ بُعدِكَ عن أعيُنِ مَن تُظهِرُ لهم أعمالَ الطَّاعةِ، وتُسِرُّ عنهم أعمالَ المنكَرِ والمعاصي، وأيضًا فإنَّ مِن الشُّهودِ عليك: «
الكِرامَ الكاتِبينَ»، كما جاء ذِكرُهم في قولِ
اللهِ تَعالَى:
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [
الانفطار: 10 - 12 ]، والمرادُ بهم: الملائكةُ الَّذين يَحفَظون ويَكتُبون على النَّاسِ أعْمالَهُم في صُحُفِ الأَعمالِ شُهودًا؛ وهذا تأكيدٌ وتَقريرٌ واستجابةٌ مِن
اللهِ عزَّ وجلَّ لِمَطلوبِه، فيُختَمُ على فَمِه، فيُقالُ لأَعضائِه: انطِقي، فتَنطِقُ الأَركانُ بأَعمالِه وأَفعالِه الَّتي باشَرَها وارْتَكبَها، ثُمَّ يُترَكُ بَينه وبَينَ الكَلامِ فيُرفَعُ الخَتمُ مِن فَمِهِ حتَّى يَتكلَّمَ بالكَلامِ الآدميِّ المُعتادِ، فيقولُ لأعضائِه الَّتي شَهِدَت عليه: بُعدًا لكُنَّ وسُحقًا، أي هَلاكًا لَكُنَّ، «
فعَنْكُنَّ»
أي: لأَجْلِ خَلاصِكُنَّ، كُنتُ أُناضلُ وأُدافِعُ وأُجادلُ؛ وهذا حالُ المنافِقِ، كما روى مُسْلمٌ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ أنَّه يقولُ: «
مَن ذا الَّذي يَشهَدُ علَيَّ؟ فيُختَمُ على فِيهِ، ويُقالُ لِفَخِذِه ولَحْمِه وعِظامِه: انْطِقِي، فتَنطِقُ فَخِذُه ولَحْمُه وعِظَامُه بعَمَلِه؛ وذلكَ لِيُعْذِرَ مِن نَفْسِهِ، وذلكَ المُنَافِقُ، وذلكَ الَّذي يَسْخَطُ اللهُ عليه».
وفي الحديثِ: إظهارُ
اللهِ سُبحانَه عَدْلَه لعِبادِه.
وفيه: بَيانُ حِسابِ
اللهِ للعبدِ ووُقوفِه بيْنَ يَديهِ.
وفيه: بَيانُ شَهادةِ الأعضاءِ ونُطقِها بما فَعَلَ صاحِبُها يومَ القيامةِ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم