أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عن شَيءٍ، فَقالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلتُ: رَجُلٌ مِن أَهْلِ مِصْرَ، فَقالَتْ: كيفَ كانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ في غَزَاتِكُمْ هذِه؟ فَقالَ: ما نَقَمْنَا منه شيئًا، إنْ كانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا البَعِيرُ فيُعْطِيهِ البَعِيرَ، وَالْعَبْدُ فيُعْطِيهِ العَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إلى النَّفَقَةِ، فيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ، فَقالَتْ: أَمَا إنَّه لا يَمْنَعُنِي الَّذي فَعَلَ في مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي، أَنْ أُخْبِرَكَ ما سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في بَيْتي هذا: اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، وَمَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شيئًا فَرَفَقَ بهِمْ، فَارْفُقْ بهِ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 1828 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
وضَعَ الإسلامُ دُستورًا للرَّاعي مع الرَّعيَّةِ، أساسُه الرِّفقُ بهم، والعفوُ ورَفعُ المشقَّةِ عنهم، والتَّيسيرُ عليهم لِبُلوغِ مَصالِحِهم، وبيَّن أنَّ الحُكمَ والولايةَ مَسئوليَّةٌ تَقومُ على الجَدارةِ والكَفاءةِ مع العِلمِ والفِقهِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ أنَّه أتَى إلى أمِّ المؤمنينَ عَائِشَةَ رَضيَ
اللهُ عنها يَسأَلُها عن شَيءٍ مِن أُمورِ الدِّينِ، فسَألَتْه عن مَوطنِه وبَلدتِه أو عن قَبيلتِه، فأخبَرَها أنَّه رَجُلٌ مِن أهلِ مِصْرَ، فسَألتْه عائشةُ: كيفَ كان صاحِبُكم لكم؟ وأرادَتْ به مُعَاوِيَةَ بنَ حُدَيْجٍ أميرِ الجيشِ الَّذي كان فيه عبدُ الرَّحمنِ، وكان مُوَالِيًا لِمُعَاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيَانَ رَضيَ
اللهُ عنهما في فِتنتِه مع علِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ
اللهُ عنه، «
في غَزَاتِكُم هذه»
أي: حَربِكم، وتَعني: غَزوةَ مِصرَ الَّتي قُتِل فيها محمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ، ويَحتمِلُ أنْ تكونَ غَزوةَ المغربِ، فقال لها عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ: ما نَقَمْنا منه شيئًا،
أي: ما كَرِهْنا منه ولا عِبْنا عليه شيئًا، وأخبَرَ أنَّ الرَّجلَ منهم إذا ماتَ جَمَلُه، يُعطِيه ذلكَ الأميرُ جمَلًا بَدَل الَّذي ماتَ، وإذا ماتَ للرَّجلِ منهم عبدُه، يُعطِيه ذلك الأميرُ عبْدًا آخَرَ بدَلَ الَّذي ماتَ منه، وإذا احْتَاج الواحدُ منهم إلى النَّفَقَةِ والقوتِ لنَفسِه أو أهلِه، يُعطِيه ذلكَ الأميرُ النَّفَقَةَ الَّتي يَحتاجُها، فهو بذلك راعٍ لرَعيَّتِه ومُيسِّرٌ لهم ويَقْضي حَوائجَهم.
فأخبَرَتْه عائشةُ رَضيَ
اللهُ عنها أنَّه لا يَمْنَعُها الفعلُ السَّيِّئُ الَّذِي فَعَله ذلكَ الأميرُ في أَخِيها مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكْرٍ رَضيَ
اللهُ عنهما؛ وذلك أنَّ أخَاها مُحَمَّدًا كان والِيًا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ على مِصْرَ، فلمَّا انتَصَر جيشُ مُعَاوِيةَ قَتَله مُعاوِيَةُ بنُ حُدَيْجٍ، فهذا لا يَمْنَعُني أنْ أُخْبِرَك ما سَمِعْتُ مِن رَسولِ
الله صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا يُوجِبُ مَدْحَ ذلك الأميرِ؛ فأخبَرَت أنَّها سَمِعَت رَسولَ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَقُولُ في بَيتِها: «
اللَّهُمَّ مَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شيئًا» فجُعِل والِيًا عليها في أمرٍ مِنَ الأُمورِ، أو نوعًا من الوِلاية؛ فشَقَّ وشَدَّد عليهم، فاشْقُقْ عليه، واشْدُدْ عليه في أُمورِه، جَزاءً وِفاقًا، «
ومَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتِي شيئًا فرَفَق بهم، فارْفُق به»، والرِّفْقُ: أن تَسِيرَ بالناسِ بِحَسَبِ أمرِ
الله ورسولِه، فتَسلُكُ أقرَبَ الطُّرُقِ وأرفَقَها بالناسِ، ولا تَشُقُّ عليهم في شيءٍ ليس عليه أمرُ
الله ورسولِه، وهذا دُعاءٌ مِن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُيسِّرَ
اللهُ أُمورَه ويُعامِلَه بالرِّفقِ والسُّهولةِ كما عامَلَ الرَّعيَّةَ بالرِّفقِ.
وفي الحديثِ: يَنبغِي أن يُذكَرَ فضلُ أهلِ الفضلِ، ولا يُمتَنَعُ منه بِسَبَبِ عَداوَةٍ ونحوِها.
وفيه: أنَّ مِن هَدْيِه صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ الرِّفْقَ بالناسِ، وعَدَمَ الإشقاقِ عليهم.
وفيه: التَّنبِيهُ لِوُلاةِ الأمورِ على السَّعْيِ في مصالِحِ الرَّعِيَّةِ، والجَهْدِ في دَفْعِ ضَرَرِهم وما يَشُقُّ عليهم من قولٍ أو فعلٍ، وعدمِ الغَفْلَةِ عن أحوالِهم.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم