مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
قالَ: فأتَيْتُ عَائِشَةَ، فَقُلتُ: يا أُمَّ المُؤْمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَذْكُرُ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَدِيثًا إنْ كانَ كَذلكَ، فقَدْ هَلَكْنَا، فَقالَتْ: إنَّ الهَالِكَ مَن هَلَكَ بقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَما ذَاكَ؟ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَليسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهو يَكْرَهُ المَوْتَ، فَقالَتْ: قدْ قالَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَليسَ بالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ البَصَرُ، وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتِ الأصَابِعُ، فَعِنْدَ ذلكَ مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَن كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2685 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
التخريج : أخرجه مسلم ( 2685 )
لا شكَّ أنَّ الدُّنيا دارُ فَناءٍ، وأنَّ الآخرةَ هي دارُ البقاءِ، وأنَّنا في الدُّنيا كعابرِ سَبيلٍ، وعِندَ الموتِ يَتلقَّى المؤمنُ البِشارةَ مِنَ
اللهِ بالجنَّةِ، ويَجِدُ الكافرُ ما تَوعَّده
اللهُ بهِ منَ العَذابِ.
وفي هَذا الحديثِ يَرْوي التَّابعيُّ شُرَيحُ بنُ هانئٍ أنَّ أبا هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه أخبَرَ عن النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ «
مَن أحَبَّ لِقاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقاءَه»؛ لِما يَترتَّبُ على هذا اللِّقاءِ وتلكَ المحبَّةِ مِن الجزاءِ بالنَّعيمِ، «
ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقاءَه»؛ لِما يَترتَّبُ على هذا اللِّقاءِ وتلكَ الكراهيةِ مِن الجزاءِ بالعذابِ والعقابِ، ومَحبَّةُ اللِّقاءِ هي إيثارُ العبْدِ الآخرةَ على الدُّنيا، وعَدمُ حُبِّ طُولِ القيامِ في الدُّنيا، والاستعدادُ لِلارتحالِ عنها، والمرادُ بِاللِّقاءِ: المصيرُ إلى الدَّارِ الآخرةِ وطلَبُ ما عندَ
اللهِ وليْس الغرضُ به الموتَ.
وأخبَرَ شَريحُ بنُ هانئٍ أنَّه أتى أُمَّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ
اللهُ عنها وأخبَرَها بحَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه المتقدِّمِ، وأنَّ الأمرَ لوْ كان كذلكَ «
فقدْ هَلَكْنا» في الآخرةِ بالعذابِ وغَضبِه سُبحانه؛ وذلك لأنَّ فِطرةَ النَّاسِ جُبِلَت على كَراهيةِ الموتِ، وكَراهيةُ الإنسانِ للموتِ تَتضمَّنُ كَراهيةَ لِقاءِ
اللهِ عزَّ وجلَّ، وهذا على حَسَبِ ما فَهِمَه شُريحٌ مِن مَعنى حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ
اللهُ عنه.
فعَقَّبَت عليه عائشةُ رَضيَ
اللهُ عنها بأنَّها قدِ استَشْكَلَت بمِثلَ هذا المعنى الَّذي ذَكَرَه شُرَيحٌ لَمَّا سَمِعَت هذا الحديثَ مِن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وأفْهَمها أنَّ المقصودَ ليسَ ذلك، بَلِ المقصودُ أنَّ المؤمنَ إذا جاءَه الموتُ وقدْ «
شَخَصَ البَصرُ»
أي: ارتفَعَ البصرُ مِن الإنسانِ للأعلى تابعًا لرُوحِه عندَ خُروجِها ونَزْعِها، «
وحَشْرَجَ الصَّدرُ»،
أي: تَردَّدَت الرُّوحُ في الصَّدرِ، وعَلا وانخَفَضَ واضْطَرَبَ الشَّهيقُ والزَّفيرُ، «
اقْشَعَرَّ الجلدُ»،
أي: تَقلَّصَ وقامَ شَعَرُه، «
وتَشَنَّجتِ الأصابعُ»،
أي: انقبَضَتْ ويَبِسَت، وهَذه الأُمورُ هِي حالةُ المُحتَضَرِ؛ فعندَ ذلك فإنَّه يرَى البُشرى مِنَ
اللهِ سُبحانه وتَعالَى لِمَا يَنتظِرُه عندَه مِن حُسنِ الجزاءِ، فلا يكونُ شَيءٌ أحبَّ إليه مِن ذلك، فأحَبَّ لِقاءَ
اللهِ وأحبَّ
اللهُ لقاءَه، وأمَّا الكافرُ فإنَّه إذا جاءَه الموتُ يَرى ما وَعَدَه ربُّه مِنَ العذابِ والنَّكالِ حقًّا أمامَ عينَيْه، فلا يكونُ شَيءٌ أكْرَهَ إليه مِن ذلك، فكَرِهَ لِقاءَ
اللهِ، وكَرِهَ
اللهُ لِقاءَه.
وفي الحديثِ: فضْلُ مَحبَّةِ لِقاءِ
اللهِ تَعالَى.
وفيه: بَيانُ أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العملِ؛ فإنَّه قابَلَ المحبَّةَ بالمحبَّةِ، والكراهةَ بالكراهةِ.
وفيه: أنَّ البُداءةَ بأهلِ الخيرِ في الذِّكرِ لِشَرفِهم، وإنْ كان أهلُ الشَّرِّ أكثَرَ.
وفيه: أنَّ المُحتضَرَ إذا ظَهَرت عليه عَلاماتُ السُّرورِ كان ذلك دَليلًا على أنَّه بُشِّرَ بالخيرِ، وكذا بالعكسِ.
وفيه: التَّرغيبُ فيما عندَ
اللهِ عزَّ وجَلَّ في الآخِرةِ.
وفيه: إثباتُ صِفةِ الحُبِّ والكُرهِ للهِ عزَّ وجَلَّ على ما يَليقُ به سُبحانَه.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم