تَعُدُّونَ أنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وقدْ كانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، ونَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ؛ كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً، والحُدَيْبِيَةُ بئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأتَاهَا، فَجَلَسَ علَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بإنَاءٍ مِن مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ ودَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا، فَتَرَكْنَاهَا غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إنَّهَا أصْدَرَتْنَا ما شِئْنَا نَحْنُ ورِكَابَنَا.
الراوي : البراء بن عازب | المحدث : البخاري
| المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4150 | خلاصة حكم المحدث : [ صحيح ]
الَّذين بايَعوا النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبيَةِ لهم أجْرٌ عَظيمٌ، ورِضْوانٌ منَ
اللهِ؛ لأنَّ ذلك تَضمَّنَ حُبَّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وحِرصَهم على التَّضْحيةِ والمَوتِ في سَبيلِ
اللهِ، وفي أصعَبِ المواقفِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ
اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا سمِعَ الناس يَتحدَّثونَ عن فَتحِ مكَّةَ، ويُفسِّرونَ به الفَتحَ المُبينَ في قولِه تعالى:
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } [
الفتح: 1 ]، قال: إنَّكم تَرَوْنَ أنَّ الفَتحَ المَذْكورَ في الآيةِ هو فَتحُ مكَّةَ الَّذي وقَعَ في العامِ الثَّامِنِ منَ الهِجْرةِ، وقدْ كان فَتحُ مكَّةَ فَتحًا عَظيمًا للمُسلِمينَ، ولكنَّنا نَرى أنَّ الفَتحَ المُبينَ المَذْكورَ في الآيةِ هو بَيْعةُ الرِّضْوانِ يومَ الحُدَيْبيَةِ، وقدْ خرَج النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في العامِ السَّادِسِ منَ الهِجْرةِ قاصِدًا مكَّةَ لأداءِ العُمرةِ، فنزَلَ في مِنطَقةِ الحُدَيْبيَةِ، وأرسَلَ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ
اللهُ عنه إلى قُرَيشٍ يُخبِرُها أنَّهم قَدِموا لأداءِ العُمْرةِ، ولا يُريدونَ حَربًا، فرفَضَت قُرَيشٌ دُخولَهم مكَّةَ، ومنَعَتْهمُ العُمرةَ، وأُشيعَ وَقتَها أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ
اللهُ عنه قد قُتلَ، فاجتمَعَ الصَّحابةُ حَولَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، وبايَعوه على المَوتِ في سَبيلِ
اللهِ، فيما عُرِفَ ببَيْعةِ الرِّضْوانِ،
وفيها أنزَلَ
اللهُ قولَه تعالَى:
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [
الفتح: 18 ]، وانْتَهى الأمرُ بأنْ عقَدَ النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ صُلحَ الحُدَيْبيَةِ مع قُرَيشٍ، ومِن ضِمنِ ما اتَّفَقوا عليه أنْ يَرجِعَ مِن عُمْرتِه في هذه السَّنةِ، ثمَّ يَرجِعَ، فيَعتَمِرَ في العامِ المُقبِلِ على أنْ تَتْرُكَ له قُرَيشٌ البَيتَ الحَرامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ.
ثمَّ ذكَرَ البَراءُ رَضيَ
اللهُ عنه في بَقيَّةِ حَديثِه أنَّ عَددَ الَّذين خرَجوا مع النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ في الحُدَيْبيَةِ ألْفٌ وأربَعُ مِئةٍ، وقدْ نزَلوا على بِئرِ الحُدَيْبيَةِ -والحُدَيْبيَةُ كان اسْمَ بِئرٍ، ثمَّ عُرِفَ المَكانُ كُلُّه بهذا الاسمِ، وهي على بُعدِ 35 كم تَقْريبًا من مكَّةَ- فلم يَجِدوا فيه إلَّا القَليلَ منَ الماءِ، فلم يَلبَثوا حتَّى شَرِبوه، ولم يَبقَ فيه قَطْرةُ ماءٍ، فجلَسَ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ على حَرْفِها، ثمَّ دَعا بإناءٍ من ماءٍ، فتَوضَّأ منه، ثمَّ تَمَضمَضَ، ودَعا
اللهَ تعالَى، ثمَّ أفرَغَ ما تَبَقَّى منه في البِئرِ، قال البَراءُ رَضيَ
اللهُ عنه: «
فتَرَكْناها غيرَ بَعيدٍ»،
أي: تَرَكْنا البِئرَ مُدَّةً قَليلةً مِن الزَّمنِ، فامْتَلأتْ حتَّى إنَّها أصدَرَتْنا ما شِئْنا نحن ورِكابَنا،
أي: صار الماءُ يتَفَجَّرُ فيها بغَزارةٍ حتَّى شَرِبْنا مِنها جَميعًا، وسَقَيْنا إبِلَنا الَّتي نَسيرُ عليها، ورَجَعْنا عنها.
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ للنَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم