لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس

الأنبياءُ والمُرسَلون أكمَلُ النَّاسِ خُلُقًا، وأصْدَقُهمْ حَديثًا، وقدْ كثُرَ في القرآنِ ذِكرُ نَبِيِّ اللهِ مُوسى عليهِ السَّلامُ؛ لِمَا لهُ مِن عَزْمٍ وصَبرٍ.

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ أنَّ يَهودِيًّا مِن أهلِ الحِيرَةِ -وهيَ مَدينةٌ قَديمةٌ بالعِراقِ قُرْبَ الكوفةِ، وكانتْ مَنزِلَ الملوكِ- سَأَلَه: أيَّ الأَجَلَينِ قَضى مُوسى؟ يُشيرُ إلى قَولِ اللهِ تعالَى في قِصَّةِ مُوسى عليه السَّلامُ: { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِك } [ القصص: 28 ]، يَعْني: أنْ تَكونَ أجِيرًا لي ثَمانيَ سِنينَ، فإنْ أتممْتَ عشْرَ سِنين؛ فذلكَ تَفضُّلٌ منكَ ليسَ بواجبٍ عليْكَ، فنَفى له سَعيدٌ مَعرِفتَه بأيِّهما فَعَلَ مُوسى عليه السَّلامُ، حتَّى يَذهَبَ إلى حَبْرِ العَربِ -يعني عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ- في مكَّةَ فيَسأَلَه عن ذلكَ، والحَبْرُ هو العالِمُ، وهو لَقَبُ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما.
فلمَّا جاء إلى ابنِ عبَّاسٍ سَأَلَه، فأخْبَرَه ابنُ عبَّاسٍ أنَّ مُوسى عليه السَّلامُ قَضى أتَمَّهُما وأكمَلَهُما وأطيَبَهُما، أي: عشْرَ سِنينَ، وقولُه: «إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» المرادُ به كلُّ رَسولٍ، ويَتناوَلُ هذا مُوسى عليه السَّلامُ بالأَولى؛ لأنَّ الكلامَ عنه، «إذا قالَ فَعَلَ»؛ لأنَّ مِن كَمالِ الأخلاقِ النَّبويَّةِ أنَّهم يُوفُون بوُعودِهم.
وفي الحديثِ: الحثُّ والتَّرغيبُ على الوفاءِ بالوعْدِ.