جاءَ بُشيرٌ العَدَوِيُّ إلى ابْنِ عبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ، ويقولُ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَجَعَلَ ابنُ عبَّاسٍ لا يَأْذَنُ لِحَديثِهِ، ولا يَنْظُرُ إلَيْهِ، فقالَ: يا ابْنَ عبَّاسٍ، مالِي لا أراكَ تَسْمَعُ لِحَديثِي، أُحَدِّثُكَ عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ولا تَسْمَعُ، فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: إنَّا كُنَّا مَرَّةً إذا سَمِعْنا رَجُلًا يقولُ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، ابْتَدَرَتْهُ أبْصارُنا، وأَصْغَيْنا إلَيْهِ بآذانِنا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ، والذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إلَّا ما نَعْرِفُ.
الراوي : مجاهد بن جبر المكي | المحدث : مسلم
| المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 7 | خلاصة حكم المحدث : [ أورده مسلم في مقدمة الصحيح ]
كانَ الصَّحابَةُ رَضيَ
اللهُ عنهم يَحفَظونَ حديثَ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ويُؤدُّونَه دونَ زيادةٍ ولا نُقصانٍ، وبعدَ ظُهورِ الفِتَنِ وقَعَ الكَذِبُ على النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى أصحابِه رَضيَ
اللهُ عنهم، وجاءَ النَّاسُ بعدَ ذلك فجَمَعوا ما تَفرَّقَ من سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنَّ بعضَهم كانَ يَجمَعُ دُونَ تَمييزٍ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التَّابعيُّ مُجاهِدُ بنُ جبرٍ أنَّ التَّابعيَّ بُشَيرَ بنَ كعبٍ العدَويَّ جاءَ إلى الصَّحابيِّ عبدِ
اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ
اللهُ عنهما، وأخَذَ بُشَيرٌ يُكثِرُ مِنَ الحديثِ عن رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليُسمِعَ ابنَ عبَّاسٍ، فجعَلَ ابنُ عبَّاسٍ لا يَسمَعُ ولا يُصغي، ولا يَنظُرُ إلى بُشَيرٍ؛ استهجانًا لجُرأتِه على كَثرةِ الحديثِ، فقالَ بُشَيرٌ: «
يا ابنَ عبَّاسٍ، ما لي لا أراك تَسمَعُ لِحَديثي؟! أُحدِّثُك عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا تَسمَعُ!»، يَعجَبُ من عدَمِ اهتمامِ عبدِ
اللهِ بنِ عبَّاسٍ، فأخبَرَه ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ
اللهُ عنهما أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا إذا سَمِعوا أحدًا منَ الصَّحابةِ يُحدِّثُ عنِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ تَسابَقوا إليه وأسرَعوا؛ ليَسمَعوه ويعرِفوا ما عندَه؛ لأنَّهم كانوا يَعرِفُون السُّنَنَ، ويُنزِلُونَها مَنازِلَها، ويُؤدُّونها في وقتِها المُناسِبِ، ولا يَكذِبُون على رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، بَل يقولونَ ما سَمِعُوه منه أو ما عَلِمُوه حقًّا، ثُمَّ قالَ ابنُ عبَّاسٍ: «
فلمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ والذَّلُولَ»، وهذا من ضَربِ الأمثالِ، وهو في الإبِلِ؛ فالصَّعبُ: العَسِرُ المرغُوبُ عنه، والذَّلُولُ: السَّهلُ الطَّيبُ المحبُوبُ المرغُوبُ فيه، والمرادُ بهذا المَثَلِ: سلَكَ النَّاسُ كُلَّ مَسلَكٍ ممَّا يُحمَدُ ويُذَمُّ بعدَما كانوا يَحرِصُون على هديِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى الطَّريقِ المُستقيمِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ الحَذَرَ في أخذِ الحديثِ بدَأ في أواخِرِ عهدِ الصَّحابَةِ رَضيَ
اللهُ عنهم لِما استجَدَّ عندَ النَّاسِ من عدَمِ التَّوَقِّي لحديثِ رَسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ولذلك قالَ: «
لم نأخُذْ منَ النَّاسِ إلا ما نَعرِفُ»،
أي: تَوقَّفنَا عنِ الأخذِ من كُلِّ مُحَدِّثٍ إلَّا بما نَعلَمُه من أقوالِ وسُننِ النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم نأخُذْ من حَديثِ النَّاسِ إلَّا الحَديثَ الذي نَعرِفُ ثِقَةَ نَقَلتِه، وصِحَّةَ مَخرَجِه.
وهذا يَحدُثُ مع بيانِ الصَّحابةِ للحَقِّ وعدَمِ سُكوتِهم على الكَذِبِ على النَّبيِّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم، وهكذا بيَّنَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ
اللهُ عَنهُما الطَّريقَ الحقَّ في التَّثبُّتِ والتَّأكُّدِ من المَرويَّاتِ عن رسولِ
اللهِ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّمَ.
شكرا ( الموسوعة الحديثية API - الدرر السنية ) & ( موقع حديث شريف - أحاديث الرسول ﷺ ) نفع الله بكم